|
الربيع العربي ومدى قدرته على إنتاج عملية ديمقراطية 1/2
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 3560 - 2011 / 11 / 28 - 18:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أفكار هذه المقالة مأخوذة من محاضرة لي ألقيتها في الكوت بدعوة من اللجنة التنسيقية للتيار الديمقراطي في محافظة واسط يوم السبت 26/12/2011 تحت عنوان «الربيع العربي وتأثيراته على الإصلاح السياسي في العراق»، إلا أني عند تحويلها إلى مقالة، تركت أشياء منها وأضفت أخرى، لذا فالمقالة لا تلبي موضوع عنوان المحاضرة، ومن هنا استبدلته بعنوان آخر. ستبقى عملية التحول الديمقراطي في عموم المنطقة تعتري طريقها العقبات وتحف بها المخاطر. ويمكن تلخيص الأسباب المؤدية إلى هذا الواقع في نقاط أساسية. من هذه الأسباب عدم امتلاك شعوب المنطقة وقواها السياسية لتجربة ديمقراطية، مما يترتب عليه إما غياب الثقافة الديمقراطية، وإما أو بموازاة ذلك أو كإفراز طبيعي له، - وحتى مع فرض وجود هذه الثقافة على مستوى النظرية - فقد ترتب على غياب التجربة الديمقراطية غياب المراس والمران الديمقراطي، مما أدى إلى ظهور قدر من الازدواجية يزيد أو يقل حتى عند القوى والشخصيات المناضلة من أجل الديمقراطية. إذن هناك لدينا واقع الاستبداد، بقطع النظر عن مدى حدة الاستبداد أو خفته، فهناك استبداد أو لاديمقراطية على مستوى التاريخ الحديث، أي منذ تأسيس الدولة العربية الحديثة، أو على مستوى تاريخ الأربعة عشر قرنا الماضية. فالتجربة التاريخية الممتدة قرونا من الزمن لم تعرف إلا الاستبداد، المتفاوت في شدته. والتجربة الحديثة هي الأخرى، أي تجربة العقود السابقة على امتداد ما يقارب القرن لم تعرف المنطقة خلالها نظما ديمقراطية. هذا كله أنتج خزينا من تراكمات موروث ثقافي يتقاطع مع مفاهيم الديمقراطية. هذا علاوة على ما أضفت تجربة الأربعة عشر قرن قبل نشوء الدولة الحديثة من مسحة من القدسية على الاستبداد، بحيث كان يُعَدّ مخالفة شرعية ومعصية لله، إذا ما جرى الاعتراض على الحاكم المستمد شرعيته من الدين، سواء مثل ذلك اعتقادا منه بتلك الشرعية، أو ادعاءً من أجل تحويل الدين إلى وسيلة لتكريس السلطة وشرعنة لاستبدادها، وهي الحالة الغالبة، دون أن ننفي وجود ثورات حصلت هنا أو هناك، قمعت أغلبها بالدم، والتي انتصر منها على الاستبداد وقوض أركانه، أسس لاستبداد جديد. أما في عقود الدولة الحديثة الماضية، فقد انعكس كما بينت واقع الاستبداد حتى على أحزاب المعارضة التي ناضلت ضد الديكتاتوريات، وقدمت من أجل ذلك التضحيات الجسام سجنا وتعذيبا وإعداما وملاحقة وتشريدا. وهنا دعونا نتناول التيارات السياسية الأساسية المناوئة للحكومات المستبدة، لنسلط الضوء على دوافع نضالها ضد تلك الحكومات، وكذلك على نماذجها المحتذاة من قبلها ومرجعياتها. ولنتناول التيارات الثلاثة الأساسية؛ تيار اليسار الثوري، التيار القومي العربي، والتيار الإسلامي. بالنسبة لتيار اليسار الثوري، فكان نموذجه الذي يتطلع إلى أن يستبدل به الأنظمة القائمة، وكذلك مرجعيته فيما هي إيديولوجيته السياسية هو الاتحاد السوڤييتي وعموم ما كان يسمى بالمعسكر الاشتراكي، باعتبارهما كانا الضد النوعي للغرب الرأسمالي والمستعمِر، والذي كانت أكثر الأنظمة المستبدة متهمة بالتبيعة له أو تابعة له فعلا. أما بالنسبة للإسلاميين، فنموذجهم المحتذى والمتطلع إلى استساخه أو بعث الحياة فيه ومرجعيتهم فيما هي إيديولوجيتهم السياسية وتصورهم للدولة، فهي التجربة التاريخية السيئة للدولة الإسلامية. وبالنسبة إلى الإسلام الشيعي يضاف إلى ذلك - أو يُعَدّ بديلا عنه - تجربة الثورة الإسلامية في إيران، وما انبثق عنها من جمهورية إسلامية قائمة على نظرية ولاية الفقيه، والتي تعني ديكتاتورية الفقيه والمؤسسة الدينية، وفقا لرؤية مؤسس هذه الجمهورية الخميني. أما التيار القومي العربي، فكان بين هذا وذاك، أي بين تأثره بالتجربة التاريخية للدولة الإسلامية لتداخل الإسلام والعروبة عنده على الأعم الأغلب، أو بتجربة المعسكر المناوئ للاستعمار الغربي (الكافر). وفي تصوري أن سببا مهما من أسباب غياب الثقافة الديمقراطية، أو حضورها الباهت والضبابي هو ذلك الانفصال الثقافي والنفسي لمجتمعاتنا وقوانا السياسية عن البيئة المُنتِجة للديمقراطية، ألا هو الغرب، بحكم مشاعر العداء للغرب، إما بوصفه المستعمر المعادي للشعوب والمسلط عليها للأنظمة الديكتاتورية الموالية له والمنفذة لأجنداته والراعية لمصالحه على حساب شعوبها، أو بوصفه الغرب الكافر، بالنسبة للإسلاميين الذين لا يرون العالم إلا منقسما إلى سفطاطين، سفطاط الإيمان أي الإسلام، وسفطاط الكفر أي ما هو غير الإسلام. لا نغفل طبعا هنا عن تثبيت حقيقة أن الغرب أيضا يتحمل مسؤولية هذه الهوة بيننا وبينه، والمؤدية إلى ما أشرت إليه من انفصال ثقافي ونفسي تجاه البيئة المنتجة للديمقراطية، بسبب ازدواج المعايير والسياسات للدول الغربية. ثم يضاف سبب آخر هو ما سمي في القرن الماضي بالحرب الباردة، وثنائية القطبين المتصارعين، واعتبار كثير من القوى المناضلة ضد الأنظمة الديكتاتورية التابعة للسياسات الغربية الاتحاد السوڤييتي نصيرا للشعوب ونضالها من أجل التحرر، فكان الضرر مضاعفا على ثقافتنا فيما يتعلق بالديمقراطي؛ انفصال عن البيئة المنتجة للديمقراطية من جهة، وولاء للقطب (الناصر) للشعوب، القائم على أساس ديكتاتوري من جهة أخرى. فإذا ما تساؤلنا عن التحرر الذي كان الشرق (الاشتراكي) يريد أن يعيننا وشعوبا أخرى على تحقيقه؛ يا ترى مِمَّ ومِمَّن يكون هذا التحرر، وأي حرية كنا نعنيها، سنجد أن مفهوم الحرية الذي كانت هذه القوى المناضلة والثورية وجماهيرها تفهمه، كان مختلفا عما نفهمه اليوم. فالحرية كنا نفهمها تحرر بلدان المنطقة من الأنظمة المتهمة بالتبعية للغرب، وأما الحرية بمعناها الحداثوي، بمعنى الديمقراطية كمنظومة كاملة غير قابلة لاجتزاء بعض عناصرها دون الأخرى، وبمعنى حقوق الإنسان، وبمعنى احترام خصوصية الفرد، وبمعنى مساواة المرأة بالرجل، والدولة المدنية، في مقابل دولة حكم العسكر، أو حاكمية المؤسسة الدينية، أي الدولة الثيوقراطية، فلن يكون هذا الفهم للحرية حاضرا، إلا بشكل ثانوي وهامشي، وإلا بمقدار ما تلتقي القوى (التقدمية) مع مفردات هذا الفهم، مما كانت تتميز به عما كان يسمى بالقوى (الرجعية) من غير شك، خاصة الموقف من المرأة ومن الدين. لهذا كله نجد أن الثورات والانقلابات لم تأت بنظم ديمقراطية، بل كانت عبارة عن تحول من ديكتاتورية ذات ولاء للغرب، إلى ديكتاتورية معادية للغرب وصديقة للشرق، أو ديكتاتوريات عروبية، التي كانت تمثل الحالة الغالبة، وكانت هذه الديكتاتوريات في الغالب أكثر عنفا ودموية وقمعا من الديكتاتوريات (العميلة) للغرب، علاوة على أن تلك كانت على الأعم الأغلب أقرب إلى المدنية مما جاء بعدها، ما عدا استثناءات نادرة، سرعان ما أسقطت تجربتها، ليأتي دائما ما هو أسوأ من سابقه (العراق مثالا)، ومع هذا لم تكن أي من الحقب السياسية الماضية مما يمكن عده يمثل نظاما ديمقراطية وتجربة ديمقراطية. أما دوافع مناوءة تلك الديكتاتوريات والنضال من أجل إسقاطها، فلم تكن على الأعم الأغلب من أجل إقامة البديل الديمقراطي، إذ كان توصيف الثورات والأنظمة الثورية أو الانقلابية من قبل الجماهير المؤيدة لها هو إنها (وطنية) أو (قومية)، أكثر من توصيفها بـ(الديمقراطية). علاوة على أن توصيف (الديمقراطية) قد استخدم كثيرا من الأحيان بمعنى قوى (اليسار)، قبل تحوله إلى (يسار ديمقراطي). 27/11/2011
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية والإسلام .. متنافيان – إجابة على تعليقات القراء
-
إجاباتي على أسئلة الحوار المتمدن
-
الديمقراطية والإسلام .. متعايشان أم متنافيان 2/2
-
الديمقراطية والإسلام .. متعايشان أم متنافيان 1/2
-
لماذا تضامن العراق (الديمقراطي) مع ديكتاتوريات المنطقة
-
دعوة تشكيل الأقاليم ما لها وما عليها
-
هادي المهدي القتيل المنتصر
-
الشرقية تسيء إليّ مرة أخرى بإظهاري محاضرا دينيا في تسجيل قدي
...
-
حول التيار الديمقراطي العراقي مع رزكار عقراوي والمحاورين
-
ليكن التنافس حصرا بين العلمانية والإسلام السياسي
-
علاوي - المالكي - جزار التاجي - الخزاعي - ساحة التحرير
-
عملية التحول الديكتاتوري والشباب الأربعة وهناء أدورد وساحة ا
...
-
حكومتنا تتقن فن تصعيد غضبنا إلى السقف الأعلى
-
ضياء الشكرجي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الإسلامي
...
-
مصانع الإرهاب: الفقر، الجهل، الدين
-
سنبقى خارج الإنسانية طالما لم نتفاعل إلا سنيا أو شيعيا
-
سنبقى خارج الزمن طالما سنّنّا وشيّعنا قضايا الوطن
-
المالكي والبعث و25 شباط ومطالب الشعب
-
بين إسقاط النظام وإصلاح النظام وإسقاط الحكومة
-
القذافي ثالث ثلاثة والآخرون هم اللاحقون
المزيد.....
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|