فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 3558 - 2011 / 11 / 26 - 20:54
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
صعقني قرار رفيقنا الشيوعي الأميز علي الأسدي بأنه لن يكتب بعد اليوم في الحوار المتمدن نظراً لتعامل إدارة الحوار مع مقالاته. أنا لدي نفس الشعور يا رفيق وكثيراً ما فكرت بأن أتخذ نفس قرارك لكنني أخيراً أمتنع عن ذلك لأن الشيوعيين الحقيقيين لا يكتبون لذواتهم بل يكتبون للحياة كما علمنا لينين. عليك أن تتذكر دائماً أن الشيوعيين من قراء الحوار المتمدن هم دائماً بحاجة لكتاباتك من أجل تحصين شيوعيتهم حتى لمن هم مثلي يعارض بعض أطروحاتك. نحن الشيوعيين من قراء الحوار المتمدن بحاجة لرفيقنا الشيوعي الأميز علي الأسدي يكتب في الحوار المتمدن وعلينا أن نشكر رفيقنا رزكار عقراوي لأنه يسمح لمن هم مثلك ومثلي باعتلاء منبره ولو بصورة ضيقة لأن يخطب بملايين الناس الذين يقرؤون الحوار يومياً، ولعلك رأيت كيف أن مقالتي الأخيرة التي تعبت على كتابتها لأكثر من اسبوعين لم تظهر على صفحة الحوار لأكثر من 20 ساعة ــ علينا احترام سياسة الإدارة في جعل الجريدة مقروءة على نطاق واسع الأمر الذي يصب أخيراً في مصلحتنا أيضاً، ولو أن ذلك يتعارض بحدود مع سوية الجريدة ــ فرجائي الحار إليك أن تنثني عن ذلك القرار الخاطئ ورجائي لرفيقنا العزيز رزكار أن يصلح الأمور كيلا نفقد كاتباً هاماً بدرجة علي الأسدي يطرح دائماً قضايا تستحق الإهتمام.
وأدهشني يا رفيق إصرارك على القول بأن الأخطاء في التطبيق هو ما كان وراء انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو القول الذي يغطي على الصراع الطبقي في المجتمع السوفياتي خاصة ونحن نعلم بأن التاريخ لا يتحرك أماماً أم خلفاً إلا بفعل الصراع الطبقي. من يقول بدور الأخطاء إنما يغطي على دور الصراع الطبقي حتى وإن لم يشأ ذلك. كما يغطي على الخونة من أمثال خروشتشوف الذي ألغى بكل صفاقة دولة دكتاتورية البروليتاريا وخيانة صديقه جوكوف الذي رتب انقلاباً عسكرياً على الحزب وطرد ستة بلاشفة من المكتب السياسي. ألا يعلم العسكر الذين ألغوا برنامج الانتاج المدني لصالح الانتاج العسكري بأنهم يعملون ضد الاشتراكية وقد قال لهم خروشتشوف ذلك قبل لاالانقلاب عليه في العام 1964 ؟ لماذا التغطية على هؤلاء الخونة باعتبار الخيانة مجرد خطأ ؟
لعلك تدرك يا رفيق بأنني شيوعي ستاليني حتى النخاع ومع ذلك أشير إلى أن ستالين إقترف أكبر الأخطاء في تاريخ المشروع اللينيني حين أصر على أن العدوان الهتلري لن يقع في صيف 41 بل في نهاية العام رغم أن الرفيق الألماني ريتشارد سيرج، الملحق الإعلامي في سفارة هتلر في طوكيو خاطر بحياتة ليبرق للمخابرات السوفياتية يؤكد أن حرب هتلر على الاتحاد السوفياتي ستكون في 22 يونيو لكن ستالين اعتبر أن تلك الإخبارية هي دسيسة من المخابرات البريطانية التي كانت تعمل فعلاً على تعطيل اتفاقية عدم الإعتداء المعقودة مع هتلر، ولذلك أعطى تعليماته الصارمة بألا تكون هناك أية مظاهر حربية على الحدود مع بولندا. ولعل ذلك الخطأ الفظيع هو ما أورد الاتحاد السوفياتي إلى التهلكة، بل هو كذلك. ولفظاعة الخطأ قرر ستالين صبيحة العدوان في 22 يونيو عزل نفسه من القيادة واختفي لثلاثة أيام عن وظيفته ــ أقول هذا رغم أن رفيقنا عبد المطلب العلمي، حفار التاريخ، لا يوافقني ــ بسبب ذلك الخطأ الجسيم تمكنت جيوش النازية خلال ثلاثة شهور فقط أن تطوق لينينغراد من جيع الجهات وتحيط بموسكو من ثلاث جهات.
في عشية ذكرى ثورة أكتوبر الرابعة والعشرين، مساء السادس من نوفمبر41 اجتمعت اللجنة المركزية للحزب في موسكو المطوقة من الشمال والغرب والجنوب للإحتفاء بالمناسبة وخطب ستالين يقول .. " لقد أرادها هتلر حرب إبادة فليتلقَّ إذاً " هكذا يقول رفاق لينين الذين يخطئون ويتجاوزون الأخطاء. وإذّاك بدأت مسيرة الجيش الأحمر تبيد قطعان النازية حتى الوصول إلى برلين وتدميرها على رأس هتلر. الأخطاء يا رفيق علي لا تلد طبقة معادية وتقيم ثورة مضادة. لو وافقنا الرفيق علي على أن الأخطاء هي ما كان وراء الانهيار سيترتب عليه حالتئذٍ أن يسمي الطبقة التي استلمت السلطة بعد طبقة البروليتاريا ، وهل هي طبقة صديقة للبروليتاريا أم معادية لها، وهل طبقة البروليتاريا دعت مثل هذه الطبقة المفاجئة بكل محبة لاستلام السلطة!؟ أم أن حكام الجمهوريات السوفياتية حالياً هم من ممثلي البروليتاريا ولهم منهج آخر في الحكم غير ماركسي !؟ على الرفيق علي أن يجيب على هذه الأسئلة في حالة إصراره على أن الأخطاء هي وراء انهيار المشروع اللينيني وليس الصراع الطبقي.
الرفيق علي يعطي دوراً كبيراً لأمريكا في انهيار الاتحاد السوفياتي لا تستحقه. ونسأل .. هل خطر الامبريالية على الدولة السوفياتية في السبعينيات والثمانينيات هو أكبر منه في العشرينيا والثلاثينيات حين كانت الدولة السوفياتية بالكاد تثبت أقداها على الأرض ؟ لماذا صمدت الدولة السوفياتية في مواجهة تسعة عشر جيشاً استعمارياً أجنبياً وانتصرت عليها في العام 1921 لكنها انهارت في العام 1991 ولديها من القوى الحربية ما يفوق القوى الأمريكية ودون أن تهاجمها أية جيوش أجنبية؟ لا يمكن لأحد أن يفسر ذلك متناسياً الصراع الطبقي.
يخطئ كثيرون حين يعزون انهيار الاتحاد السوفياتي إلى سباق التسلح. السوفيات لم يكونوا في سباق مع الولايات المتحدة في التسلح. العكس هو الصحيح الأمريكان هم الذين كانوا يجهدون للحاق بالاتحاد السوفياتي في التسلح. فوزارة الخارجية الأمريكية كانت تصدر بياناً سنوياً تشكو من انكباب الاتحاد السوفياتي على التسلح، وأن موازنات الحرب السوفياتية ليست الدليل على ذلك حيث أن الإقتصاد السوفياتي بأجمعه موجه للتسلح حتى باتت الترسانة السوفياتية تساوي ثلاثة أضعاف الترسانة لدى الولايات المتحدة وحلف الأطلسي. كان التسلح السوفياتي الوجه الرئيسي للصراع الطبقي. وقد حُسم ذلك في قيادة الحزب الشيوعي في سبتمبر 1953 حين تقرر إلغاء الخطة التنموية لمؤتمر الحزب العام التاسع عشر 1952 المعتمدة على الصناعات الخفيفة المدنية لتحل محلها صناعة الأسلحة. لقد دفعت أمريكا بعد الانهيار مئات ملايين الدولارات في أعمال تحطيم الأسلحة السوفياتية كيما يتوازى البلدان في التسلح دون أن نسمع عن تحطيم أسلحة أمريكية.
يزعم البعض في أن توجهات الغرب والولايات المتحدة العدائية هي ما عمل على انهيار الاتحاد السوفياتي، وهذه مزاعم لا تسندها الوقائع. ففي اجتماع رامبويية 1975 قررت الدول الرأسمالية الغربية وضع حد للسياسات العدائية والانفتاح على المعسكر الاشتراكي، إنفتاحاً اقتصادياً وتجارياً. في العام 1975 كانت الولايات المتحدة قد انهزمت شر هزيمة في فيتنام وأفلست حين اعترف وزير ماليتها على أنها على وشك الانهيار. لقد رافق انهيار الرأسمالية العالمية انهيار الاشتراكية وهو ما يكذب تلك المزاعم
القانون الطبيعي يقول أن التناقض الخارجي يعيق عمل التناقض الداخليي. الروح العدائية الأمريكية والغربية للاشتراكية السوفياتية أعاق من تطور الصراع الطبقي في المجتمع السوفياتي وأخّر بذلك انهياره ربما عشر سنين أو أكثر، ولانهار الاتحاد السوفياتي في العام 1981 بدل 1991. عندما أكدت لرفاقي في السجن في العام 1963 أن الاتحاد السوفياتي سينهار في العام 1990 كنت أقول ذلك انطلاقاً من خيانة خروشتشوف وعصابته للمبادئ الأولية للماركسية اللينينية وليس متحسباً للأخطاء التي سيقترفونها في المستقبل. كان خروشتشوف قد ألغى دكتاتورية البروليتاريا ويتحدث عن اقتصاد السوق والاستقلال المالي لمؤسسات الإنتاج، وفي كل ذلك نَفَس خياني للإشتراكية الماركسية.
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟