أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - سيمون خوري - الشارع الخلفي - للربيع العربي “..؟















المزيد.....



الشارع الخلفي - للربيع العربي “..؟


سيمون خوري

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 19:51
المحور: ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
    



بين جمهورية بلا تونس... ومدينة الفارابي ... والخلافة الأموية القرشية الأولى، والعصر الراهن، فوارق زمنية وأحداث كبيرة، عاشتها بلدان المنطقة. وتطورات علمية هائلة أحدثت انقلابا حقيقياً في مجمل المنظومة الفكرية والفلسفية التي تكونت عبر مجرى صراع الإنسان مع ذاته والطبيعة.
بلا تونس عاش في العام 350 قبل المسيح وأراد تأسيس نظام سياسي يحكمه الفلاسفة. والفارابي عاش في العام 1092 تخيل وجود مدينة فاضلة لا وجود للشر فيها. والخلافة انتهت مع انتهاء " دار الحكمة " في بغداد. وانطفاء شعلة التنوير القديمة التي حملها فلاسفة طالبوا بإعادة النظر في تلك التي تعتبر مسلمات يقينية.
لا مدينة فاضلة في التاريخ، والمجتمع تبنيه سواعد ملطخة بالتراب وعقل إنساني متفتح يشرع أبوابه للرأي الآخر. لا يرجم " المجدلية " بناء على شائعة خبر. عصر تسود فيه العدالة الاجتماعية والمساواة واحترام حقوق الإنسان.
نحن الأن في عصر مختلف . الماضي لا يمكن أن يبني المستقبل. بيد أننا نخشى على هذا المستقبل من الحاضر، الذي رهن البعض عقله في الماضي. نعيش تلك الحالة التي وصفها " ابن خلدون " في مقولته الشهيرة " ليس هناك أكثر رعباً من الخوف ". لكن أي خوف ؟ الخوف على مصير" الديمقراطية " التي تخوض معركة تقرير مصيرها في أكثر من بلد عربي، في أعقاب هذه الانتفاضات الشعبية. فهناك قوى تسعى الى تطويع هذه الديمقراطية وإلباسها عباءة المفتي، بعدما جرى فك أسرها من سجن الحاكم الديكتاتوري.
لكن هذا الخوف ، لا يدفعنا الى تجاهل أن المنطقة أحرزت تقدماً في مجال التحرر من الخوف ، والثورة على الحاكم المستبد .وهو إنجاز تاريخي هام يفترض تطويره نحو الوصول الى الدولة المدنية التي تحقق لكافة أنسجة المجتمعات في البلدان العربية حقوقها العادلة في المساواة الاجتماعية والتعددية السياسية ، وتبادل السلطة . كما أن هذه الإنجازات أقامت الدليل المادي على ضرورة إعادة النظر في العديد من الأفكار الأيديولوجية والسياسية التي كنا نعتبرها من المسلمات. غالبية القوى وقعت في أسر تنظير واحد لا شريك له إما الحتمية الشيوعية أو الحتمية الدينية. الأول يستند في تنظيره لفكرة إدعاء الطليعة والمعرفة والثاني في إدعاء شرعيته بتفسير النصوص التراثية كمحامي عن الإله .
هناك نقطة هامة أود الإشارة إليها، أن التظاهرات الجماهيرية، في البلدان العربية، أحدثت تغييرات وتفاعلات غير مرئية. وهي " فقدان الأمل بالتغيير القدري " وهو ما يتعارض مع الخطاب الديني . وهذا بحد ذاته إنجاز تراكمي يتطلب تطويره. لكي تصبح الجماهير هي حامية الديمقراطية. مثلما حدث مؤخراً في مصر، حين طالبت الجماهير السلطة العسكرية بالرحيل. أي أن تصبح الشرعية بيد الشعب وحده.
المنطقة العربية، مثل قدر يغلي على نار حامية، لم يظهر منه سوى رغوته البيضاء فقط. فهي منطقة رخوة " جيوبولتيكياً " تختزن في عمقها أثينيات وطوائف وقبائل ومصالح متعارضة ، بل ومتصادمة .فما تتميز به بلدان" شمال أفريقيا " يختلف عما تتميز به بلدان " المشرق ". وفي المحصلة العامة، لم تشهد عموم هذه البلدان ، تحولاً اقتصاديا وثقافياً وتكنولوجياً يواكب التحول والنمو الديمغرافي الحاصل في السنوات الأخيرة. إضافة الى أن القوانين الناظمة للشخصية تختلف من بلد لآخر. فالبيئة بوجه عام تترك تأثيراتها على عموم الأفراد وأنماط السلوك والقيم والعادات والتقاليد. وبالتالي حتى الأهداف تختلف من بلد لأخر.
بفضل هذه " الثورات أو الانتفاضات “..الخ دخلت بلدان المنطقة عملياً مرحلة البحث عن هويتها الضائعة طيلة عقود وربما عصور.وعبر تاريخ هذه المنطقة كانت السلطة السياسية، والعدالة الاجتماعية خصمان لدودان. الأن تطرح بحدة أسئلة الهوية .
هناك حزامان متعارضان ، حزام البلدان الفقيرة والأكثر كثافة سكانية . وحزام البلدان المتخمة بالثروة، وهي الأقل كثافة سكانية ربما على صعيد عالمي. ويشهد شاطئ الكتلتين رياحا قوية. تراوح بين المطالبة بجمهوريات ديمقراطية وبين المناداة بملكية دستورية. ولا أحد بإمكانه التنبؤ كيف ستتطور الأمور .
من نحن.. ؟ أنحن أمة عربية واحدة.. ؟ أم شعوب وطوائف وأثينيات متعددة ؟. القاسم المشترك بيننا هي اللغة العربية التي تمكنت من فرض ذاتها على لغات أخرى. وشكلت الى جانب الإسلام كديانة رئيسة ، الملامح العامة لمنطقة حبلى بكافة التناقضات والصراعات المكبوتة. انتقلت من الاحتلال الأجنبي الى تحت " الاحتلال الوطني " دون المرور بمرحلة التحرر الوطني والديمقراطي . ثم صحت شعوبنا على شعار أبدية السلطة وفردية الحاكم . وجرى إجهاض كافة ملامح بدايات التطور الديمقراطي الاقتصادي والاجتماعي، عبر شعارات مزيفة " التأميم والاشتراكية والوحدة “ معظم شعوبنا وأحزابها الكلاسيكية، كانت جموعاً من المصفقين، لطبول الحروب الداخلية. ولشعارات براقة في الوحدة والحرية والاشتراكية..الخ لم تكتشف شعوبنا، إلا متأخرة أن الحرية التي كانوا ينادون بها هي حرية الحكام في المتاجرة بنا والمستقبل معاً.حتى أصبح شعار" تحرير فلسطين" حصاناً أعرج لأنظمة العهر السياسي، وفصائل " عمل وطني " اختارت كشعار لها المثل الروماني القائل " من يدفع يختار اللحن “. وبواسطة هكذا شعارات جرى طمس كافة التناقضات الطبقية والتحايل على مصالح المواطنين من قبل الحاكم ووعاظه في البلدان العربية. اعتمادا على شعارات التحرير والوطنية والممانعة المزيفة الى أن وصلت المنطقة الى " اللحظة الحرجة " الانفجار العظيم .
ويحضرني تساؤل هنا، هل ستشهد المنطقة صحوة القوى الاجتماعية من القوميات اللغوية والدينية والقبلية..؟ وهل الحالة الراهنة شبيهة ب " الرجل المريض " العثماني القديم. و هل سيكون النظام الجديد في المنطقة في مواجهة " فورة أثنية " استثنائية على غرار ما حدث في بلدان أوربا الشرقية ..؟ وكيف سيتعامل النظام الجديد مع هذه " الفورة " الطبيعية وحق تقرير المصير لبعض المكونات القومية الكبيرة؟
أي مستقبل تريده شعوبنا ومكوناتها الاجتماعية ؟. بتقديري أننا أمام زمن مفتوح على كافة الاحتمالات ولا أحد يدري طبيعة هوية المستقبل.ستكون هناك اضطرابات ومشاكل داخلية وتناحرات قبلية ..الخ الى أن تستقر الأمور نسبيا. لكن في المحصلة النهائية وفي المدى المنظور، هل سنرى أنظمة ديمقراطية قائمة على فكرة العدالة الاجتماعية والمساواة المواطنية، أم نحن بانتظار أنظمة تجعل من الغد قدراً إلهيا لا يتغير..؟ وبذا تكون المنطقة قد انتقلت من حالة احتلال ديكتاتوري صريح سابق ، الى حالة ديكتاتورية مقنعة شعارها اللحية والثوب القصير ..؟ أم أننا أمام تجارب مختلفة تلاءم كل بلد على حده. أم توليفة لنظام سياسي تشاركي قائما على مبدأ التعددية واحترام الرأي المخالف..؟
هناك قوى مختلفة من أقصى اليسار الى أقصى اليمين السياسي . الى جانب الحركات الأصولية المتشددة . جميعهم الأن يدعون تمثيل المستقبل . والبعض، يدعي تمثيل الماضي والحاضر والغد معاً. كأنك في سوق عكاظ . لا تسمع سوى معلقات الردح والمدح. ورغم أن بعض القوى الإسلامية " المعتدلة تحاول راهناً ، تقديم خطاب شبه عصري لطمأنه الشارع المخالف ،لكن يصعب على المرء الرهان على وعود " الأحزاب الدينية " ليس فقط بسبب مجمل التجارب الميدانية الحاضرة. بل وبسبب تلك النصوص الدينية الإقصائية للآخرين . ومن سوء حظ المعارضة الديمقراطية والعلمانية والتقدمية، أنها لا تملك خياراً أخر سوى التعامل " بواقعية " مع أفضل ما هو معروض في ساحة العمل السياسي لأحزاب الإسلام السياسي. كيلا تعزل نفسها عن حركة الشارع وقرار المستقبل
أعتقد أنه من المبكر جداً إطلاق أحكام شبه دقيقة . نعيش حالة مؤقتة ما بين الرغبة في وصول التغيير الى المدى الذي نتمناه ، وبين الخوف على ضياع ما كنا نحلم به . ترى هي حالة ما بين الالتباس واللايقين؟.
لدي قلق، وهناك نوع من العتمة الشديدة في هذا النفق . لكن أيضاً هناك بصيص ضوء يجبرني على التفاؤل القلق. على رأي الشاعر القائل " ليس كل ما يتمناه المرء يدركه... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. مع إضافة كلمة " أحيانا "..؟!
الى أين تجري الرياح ؟ لا أعلم .
كما ذكرت،من الصعب إطلاق أحكام مطلقه على ما يجري في العالم العربي . فطبيعة الأوضاع ودرجة التطور المجتمعي تختلف من بلد الى أخر . ففي تونس يمكن أن يقال أن هناك حركة نقابية مناضلة وشجاعة. وقوى سياسية ديمقراطية متنوعة، ساهمت بقدر كبير في النضال لإسقاط النظام السابق. إضافة الى قوى الإسلام السياسي. وبالرغم من حداثة التجربة الجديدة في الحكم. بيد أنها مؤشر إيجابي حتى اللحظة. بالرغم من بعض التصريحات التي صدرت عن مسئولين في " حزب النهضة " التونسي حول الخلافة السادسة ؟ وهي تعطي لقلقنا مبرراته المشروعة . و نتمنى أن تكون وعود الإصلاح والديمقراطية صادقة...؟!
الحالة الليبية تقف على النقيض. ليبيا، لم تتعرف في تاريخها الحديث أي شكل من أشكال العمل النقابي والسياسي " المنظم " ولا وجود لمنظمات مجتمع مدني. فقد كان شعار النظام السابق " من تحزب خان " بل كانت القبلية والعائلة هي العنوان السائد في الحالة الليبية. نظام شعاره فردية السلطة وأبديتها وغياب أي شفافية سياسية. وهو يتماثل مع نموذج حزب " البعث " في سورية ومع نظام العقيد في اليمن.
المعارضة الليبية الديمقراطية، تمثلت في مواقف أشخاص يساريين وعلمانيين ديمقراطيين في المنفى. والمعارضة السلفية لم تتبلور سوى في العشر سنوات الأخيرة في أعقاب عودة عدد من أعضاء ما جرى تسميتهم " الأفغان العرب ". حاملين معهم مشروعهم الخاص وهو " الحاكمية الإلهية ". البعض يراهن على التطور الاقتصادي كأحد عوامل تغيير ثقافة المجتمع نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. لكن الصورة الحالية تشير الى انتكاسة نحو الماضي . فالمجتمع الليبي، تتحكم فيه القبيلة والإرث الديني. والحكومة التي تشكلت مؤخراً هي محاصصة قبلية والى حد ما استجابة لمطالب التيار الديني . إذا استثنينا هنا دور التأثير السياسي الخارجي وطبيعة مصالحة .
في مصر، الى حد بعيد تتماثل مع الحالة التونسية ، مجتمع مدني ، قوى سياسية وحركة نقابية تملك تراثاً غنياً من النضال المعادي للسلطة، سواء أكانت قوى ديمقراطية و يسارية أو دينية أيضاً. لا سيما أن القوى الدينية تأسست في مصر، وصدرت أفكارها نحو العالم العربي ممثلة بحزب " الأخوان المسلمين" منذ العام 1948 . الساحة المصرية تشهد الأن ملامح تراجع " الدولة المدنية " نحو عصور غابرة. وبتقديري أن الحركة النقابية والديمقراطية والعلمانية المصرية تخوض نضالاً هاما يستحق الاحترام في مواجهة إشاعة التخلف من قبل القوى السلفية وفي النضال من اجل تأسيس نظام سياسي جديد، قائم على ثالوث العقلانية والحرية والعدل السياسي. ومع أمنيتنا أن تتمكن الحركة الديمقراطية المصرية من تحقيق تقدماً في الانتخابات القادمة. بيد أن الواقع المصري يشير الى تزايد معدل نفوذ الحركة السلفية وهو ما يهدد كل الإنجازات التي تمكنت الحركة الديمقراطية من انتزاعها خلال الحكم السابق .
في اليمن هناك حركة سياسية متطورة ونشطة لكن تتحكم الجغرافيا والقبيلة والطائفة في مواقف معظم أطياف الحركة اليمنية المعارضة . هناك قوى ديمقراطية وتقدمية. والى جانب ذلك هناك قوى سلفية قوية تملك قاعدة جماهيرية لا يستهان بها. ولعبت القوى الديمقراطية دوراً هاماً حتى الأن في تحشيد الشارع وبصورة منظمة وسلمية في مواجهة نظام " على عبد الله صالح الكذاب " لكن يبدو أن لا ثورة بدون " قات " سواء أكان دينياً أم " قاتاً " ضالعياً أو شافعياً . المسألة ليست بسيطة بل معقدة جداً. أعتقد أن ما حققته المعارضة العلمانية والتقدمية في اليمن والدور الهام الذي لعبته المرأة اليمنية هو دور مشرف لقوى التحرر اليمني. بيد أن المستقبل يبقى في المدى المنظور بيد التحالفات القبيلة. وربما تدفع التطورات القادمة الى إحياء الصيغة السابقة
" شمال اليمن وجنوبه "بصورة أكثر حدة مما هي عليه الأن ، إذا فشلت اقتراحات الحلول الفيدرالية .
في سوريا هناك نظام أمني – عائلي، طور ودجن كافة منظمات المجتمع المدني، والحركة النقابية معاً بل خلق أحزاباً وهمية بمكاتب سياسية وهمية.بما يخدم فكرة الحزب الواحد الشمولي. واقتصاد قائم على صيغة " الطائفية السياسية " من قوى مستفيدة حول مركز النظام .فيما تعرضت الحركة الديمقراطية الى تصفية ممنهجة . أدت الى تخريب العقل والضمير السياسي. ونشرت ثقافة التجهيل السياسي. وكأن سورية قبل حكم " العائلة " لم تكن قيد الوجود؟! ملامح التعارض بين المواطن والسلطة كانت دائماً قائمة تنتظر لحظة الانفجار.
حدثت الانتفاضة ، وللمرة الأولى تمكنت الحركة الجماهيرية، من قيادة قوى المعارضة وإفراز قيادات ميدانية شابة جديدة .
اعتقد أن حجم العنف الموجهة الى القوى الديمقراطية والعلمانية التقدمية في العالم العربي أدى الى تعطيل فرصة إنجاز مهام التحرر الوطني والديمقراطي خلال العقود الماضية. وبالتالي تراجع دور اليسار بكافة مكوناته . بينما حافظت حركات الإسلام السياسي على مواقعها بفضل خطابها التعبوي المعتمد على الإرث الديني المتأصل والمتجذر في المجتمع، وشعار ضبابي " الإسلام هو الحل " غير مكلف ومن السهل تحشيد الشارع وراءه. إضافة الى استخدامها دور العبادة كمراكز خفية لنشاطاتها . رغم أن هذه الحركات بدورها تعرضت في فترات عديدة الى قمع دموي عنيف وفي فترات أخرى تصالحت مع النظام الاستبدادي وجرى توظيفها لمصلحته. " تجربة السادات مع الأخوان المسلمين " وتحالف " العقيد اليمني مع الشيخ الزنداني " و تجربة تحالف " النميري مع الترابي " واستعداد " الأخوان المسلمين في سورية للحوار مع نظام البعث قبيل سنوات . تحالف " الأخوان مع الملك في الأردن " وتصالح " الجماعة الإسلامية في ليبيا " مع نظام العقيد القذافي قبيل التغيير الأخير. المهم كل هذه التحالفات كانت موجهة ضد القوى الديمقراطية والتقدمية. فهي العدو المشترك للنظام الديكتاتوري وللحركة الإسلامية معاً.
من جهة أخرى، أعتقد أن تجربة تحالف عدد من الأحزاب الشيوعية في المنطقة مع أنظمة الاستبداد العربي ساهمت بدورها بتقليص أو بتراجع التأييد الجماهيري للحركة العلمانية واليسارية والتي حذف بعضها مصطلح " الرجعية العربية " من أدبياته السياسية. فعندما يرى المواطن أن الحزب الشيوعي " س " أو" ص " لا يجرؤ على نقد النظام علانية ، بل ويتحالف مع خطابه السياسي المزور لإرادة الجماهير، بالتأكيد فإن النتيجة ستكون عكسية .وهي البحث عمن يعبر عن هواجسه اليومية وقلقة على مصيره ومستقبل أبناءه.
الاستنتاج الرئيسي بتقديري أن حركة الجماهير العفوية، ضد أنظمتها العفنة، سبقت مواقف الأحزاب مجتمعة. وما شهدناه من لهاث بعض القوى في بداية الثورات . إضافة الى تلكأ الحركة الإسلامية في المساهمة بهذه الثورات ، يوضح الى أي مدى تعاني مجموع الحركة السياسية في بلدان العالم العربي من حالة قطيعة بينها وبين الشارع . وأن القيادات الحالية الرسمية فشلت في التعبير عن نبض الشارع.
نحن الأن عملياً في مواجهة مستقبلات مختلفة. أي لكل دولة مستقبلها الخاص . التغييرات الحاصلة متداخلة وشديدة التعقيد . سواء من حيث طبيعة القوى المحلية المساهمة في التغيير أو دور التدخل السياسي الخارجي في توجيه ما يجري. بالإضافة العوامل الاقتصادية. ليس هناك مستقبل واحد للجميع. لكن هناك دروساً مستفادة مما جرى ويجري. وفي مقدمة هذه الدروس، أهمية دور القوى الديمقراطية والعلمانية، فهي صمام أمن المجتمعات. من خلال الإصرار على شعار" الديمقراطية الشاملة وبناء مجتمعات الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية". وبمقدار ما تطور هذه الثورات أو الانتفاضات مهامها الفعلية في التحرر الوطني الديمقراطي بقدر ما يساهم ذلك في إفشال برنامج القوى المضادة السلفية وتعيق زحفها على منجزات وتضحيات الجماهير الشعبية.
وبتقديري أن السقوط المدوي لفكرة الحزب الشمولي الواحد أياً كانت أيديولوجيته. هو إنجاز جماهيري مهم جداً. بناء الأوطان يحتاج الى نوع جديد من النظام السياسي قائم على أساس المشاركة والتعددية . وتبادل السلطة واحترام الرأي الآخر المعارض. وهو في كلا الحالات شكل جديد من النظام السياسي لم تتعرف عليه شعوب المنطقة. فالمواطن لا تعنيه الأيديولوجية بكثير أو بقليل بقدر ما يهمه تأمين قوت يومه وكرامته وحريته ومستقبل أبناءه.
وحتى في البلدان التي تعتمد نظام تداول السلطة بين قطبين، جاءت التطورات الأخيرة في أوربا والعالم، وتعاظم المد الشعبي المعارض للسياسات الرأسمالية، لكي تدق المسمار الأخير في نعش هكذا صيغة. فلم تعد مشكلة المواطن من الذي يحكم بل من الذي يستطيع توفير فرص عمل وضمانات اجتماعية أفضل وحريات ديمقراطية وعدالة اجتماعية.
أعتقد أننا نواجه مشكلة في العالم العربي ، وهي ثقافة " الإقصاء " المتجذرة في أدبنا وتراثنا السياسي والأيديولوجي. حتى القوى اليسارية والعلمانية تعاني من عقدة الإقصاء وإقصاء الآخر والتشتت. فقد ساهمت الحركة الديمقراطية والعلمانية بقسط كبير في معركة التغيير والنضال ضد الديكتاتورية، لكنها وبسبب تشتتها لم تتمكن من توظيف واستثمار التراكمات الجماهيرية الى جانب شعارها السياسي . مثلما حدث في تونس ومصر .
فقد دخلت على الخط قوى إسلامية منظمة وموحدة في كتلة واحدة تملك برنامجاً سياسياً،
وتمكنت من سرقة ثمرة كفاح القوى العلمانية والديمقراطية معاً.
هي تعبير عن فشل وعن ضياع وعن بعثرة جهود. وعن تمسك لفظي بشعارات انقسامية لا معنى لها. ومن الواضح أن الحركة الديمقراطية واليسارية تحتاج الى جهود جبارة لتغيير العقلية السياسية والخطاب الأيديولوجي الخشبي . إنها مرحلة الشراكة في تقرير المصير. مرحلة إعادة تجديد الثقة باليسار وخطابة الذي يجب بالضرورة أن يكون " خطاباً حداثويا " جديداً عبر تجديد قياداته بدماء شابة جديدة، بدل تلك التي يجب أن ترحل مع من رحل أو سيرحل. قيادات تعلب فيها المرأة دوراً رئيساً الى جانب المثقف الجذري وفي نموذج المرأة اليمنية والتونسية والمصرية وكذلك السورية ، مثال ساطع عن دور المرأة الريادي في معارك تقرير مصير المستقبل. أما في ليبيا فهي مهددة بالعودة الى عصر العبيد والحريم مرة أخرى.
أعتقد أن تشكيل جبهة تضم كافة القوى الديمقراطية والعلمانية واليسارية في كل بلد بصورة مستقلة عن البلد الأخر. مسألة لها أولويتها لتوحيد النضال المشترك ، على قاعدة قواسم مشتركة ببرنامج عمل يتصف بالواقعية، في مواجهة برامج اليمين السياسي المتخفي بعباءة الدين.. هذا البرنامج لا يعني وضع الحركة الديمقراطية في حالة صدام مع الآخرين، بل في وضعية " التحالف مع النقد " من موقع الحرص على مصالح الناس في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة. ونجاح هذا التشكيل في الدفاع عن مصالح الشعب هو الذي يؤسس لبرنامج مشترك مع بقية القوى في البلدان العربية الأخرى وأساس هذه البرامج تغيير القيادات الحالية التي شاخت بقيادات شابة تملك حيوية وعقلاً منفتحاً على تكنولوجيا ولغة العصر في التواصل الاجتماعي.
ترى أليس من المعيب، توحد اليمين وتبعثر اليسار والقوى الديمقراطية. هل المشكلة في البرنامج السياسي أم في الحصول على امتيازات شخصية ..؟ أقترح على القيادات الحالية لهذا اليسار المبعثر في العالم العربي، دراسة تجربة العمل الجماهيري والاجتماعي لقوى الإسلام السياسي. وليعذرني القارئ بالإشارة الى التالي ، أحزابنا وحركاتنا " الشيوعية واليسارية " بكافة أطيافها انشغلت في العديد من فتراتها في إقامة ندوات وخطابات بمناسبة ميلاد " المرحوم ستالين أو لينين " . وتجربة " الرفيق كاسترو والرفيق أنور خوجا الألباني " والديكتاتور " منغستو " وحتى القذافي وقمعت كل صوت مخالف ضد الحزب أو الاحتجاج ضد الحقوق المصادرة في التعبير عن الرأي المخالف. وأداؤها بالجانب الديمقراطي لم يكن مقنعاً .. انشغلنا في الدفاع عن الأممية الدولية. وخاضت بعض قوى اليسار حروب "دونكشيوتية " ضد بعضها البعض هذا شيوعي جذري وذاك يساري طفولي وأخر انتهازي ، ويساري منبطح ويساري لفظي وتحريفي . وبرجوازية صغيرة وضيعة..الخ تحول اليسار الى فرق وجماعات أصوليون ومعتدلون ..الخ بينما كانت القوى الإسلامية تخترق العمل النقابي في مختلف مجالاته. وكذلك المنظمات الجماهيرية بتوفير مختلف أشكال الدعم الاجتماعي – الخيري . فالسلفي يدعم المعتدل ، والمعتدل يستخدم السلفي الأصولي كفزاعة . حالة من تبادل المنافع وليس الأدوار فقط.
" معظم قيادات اليسار" في بلدان المشرق خاصة ، تحولوا الى ظاهرات تلفزيونية. ومع ذلك لم تستيقظ بعد بعض هذه القيادات على وقع أخطائها ، التي حولت مناضليها الى" مجرد كسبة " بانتظار راتب أخر الشهر. لم تستيقظ بعد لكي تدرك أن الدفاع عن مصالح الناس من شغيلة وعمال وطبقات وسطى وفقيرة تحتاج الى تجديد دماءها بقيادات شابة وببرنامج عمل واقعي مرحلي وليس برنامج إستراتيجي قائم على فكرة الحتمية التي في عالم الغيب والشهادة مثل الحتمية الدينية . وهنا أود أن أتساءل هل يمكن أن نقرأ يوماً نقداً ذاتيا من فصيل يساري ما حول تجربته السابقة ..؟ أم أن الحجة دائماً جاهزة وهي أن " المال السياسي " هو وراء تصدر الحركة الإسلامية للمشهد السياسي في العالم العربي..؟!
في مطلق الأحوال وقبل فوات الأوان التاريخي هناك فرصة أمام تيار الديمقراطية والعلمانية للنهوض من جديد. تجديد قياداتها ، برنامج عمل مرحلي واقعي ، علاقة حية مع الجماهير في الشارع والتعبير عن نبضها وإجتياجاتها . خاصة في مجال حقوق المرأة المهددة بفرض " البروكا " السوداء على عالمها الجميل . وكأن عالمنا العربي لا يكفيه حجم السواد والدم في تاريخه.
الى أي مدى يمكن لقوى الديمقراطية والعلمانية والتقدمية أن تساهم في الحد من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحريات العامة . لا أدرى فهي رهن بمجموعة عوامل سبق الإشارة لها تجديد دماء القوى الديمقراطية والتقدمية، وهي الخطوة الأولى في رحلة المليون ميل.
رفض الماضي لوحدة لا يبطله ولا يلغيه. فالموروث الديني قائم . إذا لم تجري عملية إحلال ثقافة جديدة بديلة ومتطورة قائمة على فصل الدين عن الدولة. سنبقى في حالة " حرب باردة وساخنة معاً " في مواجهة جماعات لا تعرف كيف تقود ذاتها، فكيف يمكن أن تقود مجتمع في عصر يتسم بسباق مع سرعة الضوء في العصر الراهن.؟
أخيراً حول دور موقع الحوار المتمدن.
مقياس نجاح أي موقع اليكتروني، هو حجم أصدقاءه ونوعية كاتباته وكتابه وأهدافه.
موقع الحوار المتمدن، تحول الى مدرسة فكرية تنويرية وتجربة رائدة . تمكن من ملئ الفراغ الثقافي والفكري التقدمي في المنطقة . وبلور وساهم بصياغة رأي عام سياسي مناهض ومعارض للديكتاتورية في بلدان العالم العربي. ونشر المعرفة التنويرية والدفاع عن حقوق الإنسان في العدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق المواطنة . وحقوق المرأة والطفل. وتشجيع فكرة فصل الدين عن الدولة، عبر إشاعة مناخ التسامح الديني ونبذ العنف.وجائزة "ابن رشد " التقديرية دليل حي على الدور الطليعي والريادي الإنساني لهذا الصرح الحضاري.
باختصار ساهم الموقع بطرح الثقافة الإنسانية البديلة، التي كنا نطمح الى رفع رايتها عالياً في البلدان العربية. من جهة أخرى لا بد من الإشارة الى أن فكرة " اليسار الإلكتروني " التي سبق وطرحها الزميل " رزكار عقراوي " في مقال سابق، تشكل سبقاً هاماً في استشفاف آفاق مستقبل الحركة الديمقراطية. وهو ما أثبتته الأحداث في العالم العربي. حيث لعبت مواقع التواصل الاجتماعي الدور الرئيس في تعبئة الجماهير وحشدها . فقد انتهى عهد الصحافة الورقية ، والصحافة الحزبية القديمة . إنه عصر الصحافة واليسار الإلكتروني الجديد. الذي يعتبر انقلاباً تاريخياً في عالم الصحافة والحركات الاجتماعية. لا يقل أهمية عن الانقلاب الصناعي، وعن تلك الانعطافات الحادة في التاريخ.
النقطة الأخيرة، تتعلق بتلك الجهود التطوعية الجبارة لفريق عمل الحوار المتمدن. التي تستحق كل تقدير واحترام. وتتصف بمهنية عالية، وموضوعية. وقد ساهمت جهودهم، وجهود كاتبات وكتاب الحوار وأصدقاءه من القراء في إكساب الموقع مكانة إعلامية متميزة. واعتباره مرجعا وثائقيا ومعرفيا . لاسيما مواقعه ومنابره المتعددة. نتمنى لهذه التجربة الرائدة أن تتطور وتتمكن من تطوير أدواتها الإعلامية لتحقيق رسالتها الإنسانية. في مستقبل أفضل لشعوبنا القاطنة في البلدان العربية.
لأخوتي في موقع الحوار،بمناسبة الذكرى العاشرة ، ولأخي رزكارعقراوي المحترم كل التقدير والمحبة . ولأخوتي من كاتبات وكتاب وأصدقاء ، المحبة والتقدير.
سيمون خوري
أثينا 24 / 11 / 2011



#سيمون_خوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أثينا - روما ...أي غد لأوربا؟!
- Back to / to Tora -Bora
- الجهل المقدس ..؟!
- مفاوضات - سلام - أم حوار مع - كابوي - ..؟!
- صفحة من شهادة وفاة قديمة / السجين رقم 199
- من حقي الفرح / بعد سقوط الأب والابن والكتاب الأخضر ..؟
- أسد علي وعلى العدو نعامة ..؟
- سبحان الشعوب التي لا تموت ..؟
- متى ستأتين.. يا دمشق ..؟!
- مدن..تغرق في الصحراء..؟
- جار القمر..؟
- بكاء - كلييو أوسا - / مهداة الى الراحل رحيم الغالبي
- تعديل وزاري في اليونان / يوم خسوف القمر
- هل يُخلق من الطين الفاسد ...إنسان ؟!
- - يالطا - أمريكية - روسية جديدة / رحيل القذافي.. وبقاء الأسد ...
- - كرت أحمر - الى / الأخ فؤاد النمري
- سجناء ..المرحلة السابقة ؟!
- جدار عازل ...في العقل؟
- عاشت الإمبريالية ... وتسقط / أنظمة الإحتلال العائلية الحاكمة ...
- وردة الى دمشق .. الى زهرة الصبار


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....



المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - سيمون خوري - الشارع الخلفي - للربيع العربي “..؟