|
الديمقراطية في خدمة الإمبريالية لنكن حذرين
زكرياء الفاضل
الحوار المتمدن-العدد: 3557 - 2011 / 11 / 25 - 08:22
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
أن أرضي ضميري خير من أن أتملق للربيع
لن يحصل خلاف بين أنصار العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والشعوب المضطهدة، والمدافعين عن سياسة السوق الحرة والاقتصاد الليبرالي عند المطالبة بالديمقراطية والنظام العادل ودولة القانون على الأقل فيما يتعلق بسطح الأمور. فالكل مع حقوق الإنسان والمواطن والديمقراطية وسيادة القانون، ولا أحد منهم يعارض حرية التعبير وحق الشعوب في تقرير المصير. لكن كلما غطسنا في عمق هذه الشعارات، كلما اتضحت صورة كل من الفريقين والعمق الذي ينطلق منه في معالجة هذه القضايا. ففريق، نسلم بأنه شريف، يطمح فعلا لتحقيق مجتمع العدالة ودولة القانون، رغم أننا نسلم أيضا بأنه لم تتوضح له معالم هذا المجتمع وهذه الدولة. وفريق ثاني بمجرد ما ننظر لأعماقه عبر منظار المنهاج العلمي المتبع في الدراسات السياسية، تضح لنا رؤيته الطبقية أو، إن صح التعبير، السقراطية لمفهوم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ودولة القانون، حيث لا تشمل هذه المفاهيم عنده إلا طبقة الأثرياء وأصحاب الجاه والنفوذ. بينما تبقى الطبقات المسحوقة خارج تفكيره ودون اهتماماته. ما قلناه بخصوص الهرم الاجتماعي نقوله أيضا في هرم المجتمع الدولي، إذ العالم مقسم إلى طبقات الدول الغنية والمتقدمة تكنولوجيا وطبقات الدول الفقيرة، رغم امتلاك بعضها لخيرات عظيمة، والمتأخرة تكنولوجيا. ونضيف أن عالمنا، الذي يدعي الحضارة والمدنية، لم يخرج بعد من طور الوحشية، حيث لا يزال يسوده قانون الغاب ويعيش حسب الأعراف القبلية رغم أن النظام القبلي فيه تطوّر، بالمفهوم الدرويني، إلى شكل الدولة التي لا تعدو أن تكون، في حقيقة الأمر، قبيلة من حجم أكبر. لذلك نرى العديد من الدول "المتحضرة" تغور وتسطو على دول أقل " تحضرا" منها تماما كما كانت القبائل، عربية أو غير ذلك، تغور وتسطو على غيرها بهدف الاستيلاء على نسائها وممتلكاتها وخيراتها في عصور الهمجية. والفرق بين أمس واليوم، أو حرب البسوس والحرب على العراق، أن حرب البسوس كانت ذريعتها ناقة، بينما الحرب على العراق جاءت باسم الحرية والديمقراطية والتحرر من الديكتاتورية. لكن من حيث الاستراتيجية والأهداف فلا فارق بين الحربين إلا فارق الزمن. أما من حيث التكتيك فهناك اختلاف واضح، حيث أن في الحرب على العراق استغلت الامبريالية معاناة الشعب العراقي واستخدمتها لتدمير العراق وتشريد مواطنيه و من تم السيطرة على موارده النفطية واستغلالها لصالحها. والتكتيك الذي استخدمته، ولا تزال تحاول استخدامه في مناطق أخرى، هو المناداة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. فأين هي حرية الإنسان العراقي؟ وأين هي الديمقراطية بالعراق وحكامه الجدد وصلوا إلى السلطة على ظهر الدبابات الأمريكية؟ وأين هي حقوق الإنسان بالعراق وحياته مهددة يوميا وعرضه مستباح في ظل هيمنة سياسة الهامبورغر؟ مثال آخر على استغلال الإمبريالية للقيم الإنسانية في تدمير الدول الضعيفة وتقسيم شعوبها الفقيرة يمثله السودان الذي بات دولتين بإرادة أمريكية، ولن يتوقف التقسيم عند هذا الحد بل سيحوي منطقة دارفور آجلا أم عاجلا وهي مناطق غنية بالنفط. وهناك مخطط إمبريالي لتقسيم السعودية إلى ثلاث دول: في الشمال والجنوب والمناطق الوسطى، علما بأن هذه الدولة حليف قوي لأمريكا بالمنطقة. إن الإمبريالية اليوم رسمت خريطة طريق جديدة للعالم من حيث النهج ومن حيث الحدود السياسية للدول، ولن تتراجع عنها إلا إذا وقفت الشعوب في وجهها في خندق واحد. فهي تستخدم ورقة الحرية والأقليات القومية كما حصل بالعراق، وتوظف التعددية العقائدية والطائفية للإخلال باستقرار الدول والسيطرة عليها كما حصل في الماضي بلبنان وحاصل اليوم بمصر. وهي اليوم تحاول إحياء الظهير البربري بالمغرب، الذي هو حليف لها بالمنطقة، ودفع بعناصر متطرفة لنصرة الصهيونية وإحداث البلبلة في صفوف المجتمع المغربي. فأمازيغ المغرب، رغم أنهم لا يشكلون أقلية بل على العكس من ذلك، لا يطالبون إلا بالحقوق الثقافية التي شرعت الدولة في تحقيقها تدريجيا ومن قبل انطلاقة الربيع العربي الذي ساهم في الإسراع بهذا التوجه الجديد للدولة نحو الثقافة والعمق الأمازيغيين للمغرب. وللأسف الشديد بقيت الإصلاحات السياسية العميقة قوس قزح في أفق الطموحات الشعبية إلى يومنا هذا. إن الإمبريالية العالمية اليوم تحاول استغلال الربيع العربي لصالحها، فهي لم تعارضه بل ركبت عليه وباتت توجهه في الاتجاه الذي تشتهيه، وعملت على توظيفه لتصفية الأنظمة المغضوب عليها نظرا لرفضها للامتثال لها، مستغلة غضب الشعوب من هذه الأنظمة عن طريق عملائها المحليين، الذين تحت قناع المعارضة يطالبون بالتدخل العسكري الأجنبي، مما يعطي "شرعية" لبروكسيل وواشينطن في تحريك آليتها العسكرية لتدمير البلاد والعباد. هذا ما حصل في ليبيا وسيحصل في سوريا إن سحبت روسيا أسطولها. إن المعارضة الشريفة الوطنية لا تقبل بالتدخل الأجنبي مهما كانت الأوضاع من جهة، ومن جهة ثانية لا تدخل مغامرة سياسية، أي لا تحرك الجماهير إن لم تكن واثقة من النتائج. فللثورة شروطها البسيطة تتلخص في عجز رأس الهرم على التقدم إلى الأمام في الوقت الذي يكون أسفله رافض للعيش في المستنقع، لكن مع مراعاة قوة النظام. إن لينين نفسه لم يدع في يوم من الأيام للثورة على نظام لا زال يتمتع بقوته، بل دائما كان يدعو لإضعافه أولا عبر الإضرابات عن العمل أي شل مؤسساته الإقتصادية الحيوية بشكل منتظم. أما مواجهته في عز قوته فهي مغامرة ما بعدها مغامرة لا يدخلها إلا مغامر مخبول أو من كان يخدم، فعلا، أجندة أجنبية. وكلا الرجلين لا يهمهما أرواح الأبرياء، بقدر ما يهم الأول إشباع حماقته والثاني تنفيذ أوامر أسياده. ونحن نرى الآن ما يحصل بسوريا، حيث جزء من المعارضة يرفض أي تدخل أجنبي، شخصيا أعتبره شريفا، وجزء يرحب بالتدخل العسكري الأجنبي، مما يبين أنه تعمد تحريض الجماهير، مستغلا سخطها على النظام، كحجر زاوية لاستفزاز هذا النظام، الذي وقع في كمينه، بهدف استراتيجية التدخل العسكري الأجنبي. لكن الأسطول الروسي، إلى حد الآن، قلب موازين حساباته. إذا كان ليس كل ما يلمع ذهبا، فإنه ليس كل من ينتفض هو ثوري. نحن نرى ما يحصل بليبيا، حيث كان تصريح "الثوري" الأول أنه سيسمح بتعدد الزوجات، وكأن الشعب قام على القذافي ليشبع شهواته الجنسية أو حل مشكل العنوسة. علاوةعلى أن الأنظمة الشمولية تستغل ما يحدث بسوريا ومصر حاليا وبليبيا بالأمس لتخويف شعوبها من الربيع العربي وتقديمه على شاكلة الفتنة، مما يقوي موقفها ويضعف المطالبين بالتغيير. وهذا سيؤدي بربيع الثورات إلى مثواه الأخير ليتحول إلى شتاء، وربما هذه هي الاستراتيجية الكبرى التي يستهدفها المندسون، وسط المناضلين الحقيقيين، والمطالبون بالتدخل العسكري الأجنبي؟ ولما لا والرأسمالية العالمية في مأزق ومهددة بربيع أوروبي وأمريكي؟ إنه تكتيك يضرب أكثر من عصفورين بحجر واحد، حيث يحقق لهم أهدافهم الاستراتيجية بالمنطقة ويخلصهم من القادة العاقين،ويحطم البنية التحتية لهذه الدول ويرجعها بعقود إلى الوراء، ويخلق البعبع لشعوبهم حتى لا ترفع رأسها مخافة في أن يحصل لها ما حصل ويحصل بالدول العربية. إنه السيف ذو الحدين. إن من يحمل السلاح ويحول الاحتجاجات السلمية إلى نضال مسلح، ضد نظام لا زال قويا سياسيا وعسكريا، هو أكبر عدو ومتآمر على ربيع الشعوب العربية. ونتائج هذا التكتيك بدأت تعطي نتائجها مثلا في المغرب، حيث الشعب الداعم لحركة 20 فبراير والمؤيد للتغيير بات خائفا من إعادة نفس السيناريو الليبي والسوري بل والمصري ببلده؛ والشعب الجزائري لا يمثل استثناءا هنا. للأسف هناك الكثير، ولا أقول الأغلبية أو الكل، من المعارضين المهاجرين يعيشون في أمن وأمان ببلاد المهجر ويدفعون شعوبهم، بالداخل، إلى حمل السلاح وتأييد التدخل العسكري الأجنبي. وكأنّ العراق لم يعطهم العبرة في الدمار والخراب والانهيار. أين اليوم علم وعلماء العراق؟ أين هو اليوم اقتصاد العراق؟ أين هي حرية العراق وديمقراطيته التي وعدوا بها؟ كل ما حققته المعارضة العراقية المهاجرة من تعاملها مع الأجنبي والسماح له بالتدخل في شؤون بلادها هو الدمار والخراب وتحطيم بنية وطنها التحتية وبوادر حرب أهلية، وكذلك الأمر بالنسبة لليبيا مع فارق أن هذه الأخيرة لم تكن تملك بنية تحتية. أقول هذا ورأسي منحنية إجلالا لأرواح شهدائنا، الذين ذهبوا ضحية لمعارضة طموحاتها أكبر من إمكانياتها، معارضة لا ترى أبعد من أرنبة أنفها، معارضة رغبوت شعارها "أنا ومن بعدي الطوفان". لقد قلت ما عندي وليكن ما يكون.
#زكرياء_الفاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المهاجر
-
ليبيا ودلالات شذوذ التوجه
-
الربيع العربي والآفاق الغامضة
-
الربيع العربي في معادلة الشواذ
-
الشعب يطالب بالكرامة لا بصدقة
-
انتصار الشعب الليبي سيعطي انطلاقة جديدة للربيع العربي
-
حرب إعلامية فاشلة
-
شعب أمس غير شعب اليوم
-
Madamme Font Du Picard
-
من ذكرياتي مع الاتحاد السوفياتي
-
الفيزازي من السلفية إلى الاشتراكية أو ما دمت في المغرب فلا ت
...
-
الدولة ليست فكرة مجردة ولا جهازا فوق المجتمع
-
رسالة عاشق
-
رسالة الشعب للقصر في يوم احتفاله
-
الفيزازي والاحتيال السياسي
-
البيعة في المغرب المعاصر تزوير لإرادة الشعب
-
ليس العيب في أن نخطأ بل العيب في أن نتمادى في خطئنا
-
إنما المنتصر من يفوز بالحرب لا من يربح معركة
-
النادل
-
لماذا نقاطع الاستفتاء أو يوم الجمعة يوم حاسم أم يوم انطلاقة
...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|