جمال ابو لاشين
(Jamal Ahmed Abo Lasheen)
الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 18:45
المحور:
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
اليسار والثورات العربية خطوة
للأمام أم خطوتين للخلف
بقلم /جمال أبو لاشين
مدير الدراسات بالمركزالقومى
1- إن الثورات العربية خصوصا في تونس ومن بعدها مصر وبالشكل الذي اندلعت به من " عفوية وتلقائية " لم تحاكم الأنظمة فحسب بل والأحزاب والتيارات السياسية الموجودة بها , لا سيما وأن تلك الثورات وضعت الجميع أمام مسئولياتهم في ظل غياب قيادة واضحة ومعروفة للثورة , وكان السؤال الأهم الذي طرحته منذ البداية أين تقف الأحزاب من تلك الثورات ؟ والتردد في الموقف كان هو الحكم على تقدم بعض الأحزاب عن غيرها في اللحاق بركب الثورة .
لذلك وجدنا اليسار مترددا في البداية من الانخراط في العملية الثورية رغم شعاراتها الديمقراطية , ولمسنا عجز كثير من الأحزاب التقدمية في التعامل مع الأحداث المتسارعة والتقاط الفرصة الكبيرة المهيأة للعب دور طالما استهوى القوى اليسارية والتقدمية , وكان للجمود والانكفاء الذي يعانيه اليسار منذ قرابة العشرين عاما انعكاسه على التحرك بشكل أسرع مما فتح المجال لأحزاب دينية سياسية للتقدم بشكل أسرع وأكثر تنظيما وهذا انعكس حضورا أكبر لها في الثورات خصوصا وأنها تتمتع بقدرة ودعم مالي كبير ولها امتدادات جماهيرية وقاعدة شعبية عملت عليها حتى وقت قريب وهذا درس أعتقد أن القوى اليسارية في طور معالجته الآن ونتمنى أن تخرج بسياسات واستراتيجيات جديدة بعيدة عن الخطاب السياسي المعتاد وأكثر قربا من نبض الجماهير .
2- قد يكون الاستبداد والقمع في الخمسينات والستينات من القرن الماضي لقوى اليسار أثره في عملها وسرعة تحركها ولكنها آنذاك تمتعت بحضور فكري وشعبي مثل سمة وميزة لتلك الحقبة وكانت عامل جذب قوى لكل الأفكار التقدمية والديمقراطية ومناصرة الشعوب المظلومة من أجل نيل حريتها , ولكن صعود التيارات الدينية منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي صاحبه تراجع لقوى اليسار , وإذا ما نظرنا للأمر من وجهة نظر الأنظمة الحاكمة العربية فقد كان حضور اليسار خلال فترة الصعود السياسي والشعبي للأحزاب الدينية عامل مساعد دون أن تدري في مواجهة الفكر الديني السياسي وهذا ما لم يحدث رغم تقريب بعض الأنظمة لجزء من اليسار كما حدث في تونس وبالتالي أصبحوا في موقف لست معك ولست ضدك مما أثر على موقعها بعد ذلك في الثورة التونسية وبالتالي كان عليها تبرير مواقفها السابقة , في حين أنها في مصر ضعفت في ظل حراك ديني سياسي داخل الهيئات والنقابات وفي أوساط الجماهير وفي كل مرة يسجل انتصارات على حساب تراجع القوى الأخرى , أما الأحزاب القومية التي مالت للقذافي ووصفته بالقائد القومي فقد كانت مخطئة في رهانها على زعيم لم يخدم سوى نرجسيته وبالتالي وقع القوميون بخطأ البحث عن قائد وزعيم يغطي المساحة التي شغلها الزعيمين جمال عبد الناصر وصدام حسين لذلك في الثورة الليبية " ثورة تسليم المفتاح " لم يكن لهم مكان خصوصا إذا ما نظرنا للمصالح الأمريكية والأوروبية التي دخلت على خط الثورات العربية وأصبحت محركا وداعما لمطالبها وبالتالي هي من توزع الأدوار .
وبالنتيجة نجد أن قوى اليسار ضعفت لأسباب كان أقلها تأثيرا هو القمع والاستبداد من الأنظمة العربية , فقد طغى العامل الذاتي كثيرا على اليسار في عملية التراجع .
3- قد يكون في محاولات اليسار حاليا لمناقشة مكانها في الثورات ومستقبل اليسار , إضافة إلى تجديد خطابها السياسي والشعبي وافتقارها للاستقطاب الجماهيري دورا في تفعيل مشاركتها إذا ما انعكس هذا التجديد واقعا ملموسا على الأرض , وبالتالي يمكنهم التأثير في مجرى الصراع .
فأفضل البرامج لا تكتسب مصداقية وجدية في أعين الرأي العام ما لم تستند لقوة جماهيرية , ومادية تحميها وتجعل منها عاملا فاعلا في المعادلة السياسية .
وهذا يتطلب بداية إنهاء حالة التشرذم والتمزق في معسكر اليسار والتي تعطل إمكانية إيجاد حل مباشر لهذه المعضلة القائمة , خصوصا وأن أبرز المداخل لتعجيل التغلب على الأزمة بات يتمثل في توحيد قوى اليسار وخلق إطار يمكن للجماهير أن تلتف حوله في ظل البحث عن بدائل ملموسة سواء في الحكم أو المعارضة .
نأمل أن يقلص اليسار المسافة بين القول والعمل , وبين طموحاته وقدراته وأن تعي القوى الديمقراطية والتقدمية الدرس جيدا من تلك الثورات , فاليوم تمتحن ليس في فكرها فقط بل وفي وجودها .
4- حاليا يجب أن يعاد تعريف مفهوم اليسار بحيث يتم الاستغناء عن كثير من الأفكار التي أصبحت بعيدة عن اهتمام الشعوب ونبض الجماهير , والخروج بخطاب فكري جماهيري يشكل فيه اليسار وعاء يمكنه من استقبال تلك الاندفاعة التي أحدثتها الثورات العربية , وهذا يضع أمام الأحزاب اليسارية التقدمية مهمة بناء حزب ثوري من طراز جديد يمكنه الاستفادة من اللحظة التاريخية التي تمر بها الشعوب العربية بعيدا عن نسخ النظم للأحزاب الثورية أو المقولات والتجارب العالمية والتي أصبحت أقل فائدة اليوم لاختلاف الأوضاع في تلك البلدان عن البلاد العربية فكما استفادت الحركات الدينية من سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالمقابل يتوجب على اليسار أن يستفيد من التجربة الديمقراطية الحاصلة وأن يوحد قدراته مركزا على مفاهيم المساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وأن يكون حاضرا في كل المحطات الهامة معبرا عن نبض الشارع مبتعدا عن الغرق في الأيديولوجيات الفكرية التي أصبح بعضها غير مؤثر في استقطاب الجماهير , وأن لا تقف العلاقة بين الهوية اليسارية والدين حائلا أمام استثمار نقاط الضوء الكثيرة في منظومته الفكرية والتي أخذت ولا تزال من شعبيته , ولذلك عليه أن يقفز عن هذه النقطة التي أفقدته الكثير وجعلت الكثير من أعداء التقدم يستغلونها في اللعبة السياسية . بالمحصلة على اليسار أن يقدم مشروعا يمكن الوثوق به بعيدا عن تضخيم دور الأجنبي في التأثير والفعل وعدم الاكتفاء بالخطاب الوحدوي فقط وأن لا يكون تيار ممانع فقط بل إضافة لكونه مشروع استنارة عليه أن يكون فاعل بين الجماهير , وهذا يتطلب توسع أفقي في القاعدة الشعبية وتغير في الترتيب الرأسي بحيث يستوعب الجيل الشاب .
5- إن ما كان مطلوبا في الماضي لايزال مطلوبا اليوم ومستقبلا ، وهو توحيد قوى اليسار تحت إطار واحد , فالاتحاد الجبهوي الذي ينضوي تحته قوى اليسار سيمثل رافعة تزيد الأحزاب اليسارية قوة وتخلق منهم وزنا مؤثرا في المعادلة السياسية , ولنجاح هذا الاتحاد يجب أن يتمتع بشخصية سياسية وتنظيمية قائمة بذاتها بمعزل عن أي من مكوناته وعناصره بحيث تنخرط فيها القوى والشخصيات التقدمية على أساس برنامج متفق عليه مع احتفاظ كل منها باستقلاله الفكري والتنظيمي , وحقه في التعبير المستقل عن مواقفه في قضايا الخلاف , على أن تتشكل هيئاته القيادية بالانتخاب الديمقراطي الحر وفق قاعدة التمثيل النسبي بما يكفل لجميع مكوناته من فصائل وشخصيات تمثيلا قياديا يتناسب مع فعلها ونفوذها الجماهيري وعدا ذلك أن تمثل قوة وجذب وعامل مؤثر في أي حراك شعبي أو سياسي .
6- إن الثورات العربية وما أحدثته من تغير في الأدوار السياسية يجب أن لا يعفى قوى اليسار من الاعتراف بالخطأ التاريخي الذي وقعت فيه غالبية القوى التقدمية والأحزاب القومية واليسارية , وهو عدم الثقة في الأجيال الشابة وإعطائها الدور المناسب الذي تستحقه سواء شبان أو شابات خصوصا وأنها أبقت على الجيل القديم متشبثا بمواقعه في حين من المفترض طبيعيا وكقوى تقدمية الانفتاح على هذا الجيل تعزيزا للديمقراطية والمشاركة , وبالنظر لثورة الاتصالات والجيل الذي ارتبط بها , ولأن الثورات ذات أدوات عصرية نجد أن الشباب هم من يملك القدرات المعرفية والطاقات اللازمة للعب دور في المستقبل .
لذا يجب على كل الأحزاب التقدمية أن تفتح الأبواب أمام القيادات الشابة سواء في حملاتها الانتخابية , أو ضمن قياداتها تجديدا للدماء الشابة داخل تلك الأحزاب , واعترافا منها بأن الفترة التي صاحبت الابتعاد عن رفد تلك العناصر الشابة في جسم تلك الأحزاب هي الفترة التي انتبهت فيها أحزاب أخرى لهم وجذبتهم لنهجها وفكرها مما أدى لتقدم تلك الأحزاب على حساب القوى التقدمية .
وعليه يجب إعادة الثقة في تلك الفئة وأن يعطي الشباب دورا مهما وملحوظا وأن لا نحاكمهم بقدر ما يحملون من فكر نظري , بل أن نجد فيهم الهمة والحيوية المطلوبة لتوسيع القاعدة الشعبية لتلك الأحزاب , وأن نعي قدراتهم على التعلم والممارسة الحزبية , خصوصا وأن تلك الأحزاب اليسارية تعي دور الشباب جيدا في خمسينات وستينات القرن الماضي .
7- يجب أن تصل لغة اليسار بسيطة وسهلة للناس وأن لا يسقط مرة أخرى في مستنقع نسخ التجارب ومحاولة التطبيق على الأرض مهملين الطبيعة العربية بما تحمله من فكر ديني وفكر قبلي , مما يسهل إقبال الشباب عليهم وإمكانية تأطيرهم , وهذا لا يعني التسليم بالواقع , والتنازل عن المعتقدات الفكرية بقدر ما يعني رؤية جديدة لليسار لأسلوب عصري بإمكانه محاكاة الاحتياجات الراهنة بما يخدم واقع نشر الديمقراطية وتوسع الأحزاب .
لهذا لا يمكن للدفاع عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال أن ينجح لوحده طالما الأحزاب ظلت بعيدة عن ثقة الأسرة والمجتمع بها والتي ستدفع مستقبلا بأبنائها وبناتها لدعم تلك الأحزاب فهل هذا ممكن ؟ أجد أنه ممكن ومن الواجب تحقيقه في ظل بناء وتعزيز العلاقة بين قوى اليسار والمجتمع المدني على قاعدة الثقة في توجهات تلك الأحزاب وهذا يتطلب اقتراب أكثر من واقع الشباب واحتياجاته والمشاكل التي يعانيها في كل بلد عربي على حدا , والعمل على تذليل العقبات أمام الجيل الناشئ .
8- لقد آن الأوان للأحزاب اليسارية أن تخرج من دائرة الموروث القديم لتتحول لأدوات تغيير مجتمعي يلامس قلوب الناس وعقولهم , فالثورات العربية وما جلبته من تغيرات وجب الاستفادة منها تفرض على الجميع مغادرة مواقع الحذر والانكماش وأن تفتح عقولها على العالم الجديد , والواقع المتغير بشكل متسارع وأن تمضي في ركب التأثير في هذا التغيير بدلا من لوم الأنظمة السابقة أو الحركات الدينية لذلك لن يفيد في الوقت الحالي الحديث حول الإسلام السياسي وما سيجلبه على المجتمع بقدر ما يفيد تقديم نموذج للحريات والديمقراطية التي كانت شعار للثورات العربية لاستقطاب الجماهير, ففي حين تغادر حاليا الحركات الدينية مفاهيمها الدينية الجامدة من أجل إحراز تقدم في الانتخابات يجب على اليسار أن ينهج نهجا لا يضعه في تصادم مع الأحزاب الدينية خصوصا وأنها تناور في موضوعات الحريات والديمقراطية .
لذلك يجب على اليسار عدم العودة للعبة السياسية التي وضعته في خلاف دائم مع الموروث الديني للنيل منه , وأن تتقدم الصفوف متوحدة في إطار جبهوي يشكل انفتاح على مفاهيم الحرية والديمقراطية والعدالة مقدما العنصر الشاب كنموذج على التغيير دون الالتفات للخلف والوقوع في دائرة تريد له الأحزاب الدينية أن يقع فيها بمعنى إعادة ترتيب التناقضات وبالتالي أي تقدم شعبي يحرزه اليسار سيكون على حساب أي أحزاب أخرى تخالفه الرأي دون العودة لمربع أصبح خاسر بالنسبة للأحزاب التقدمية بتلك الطريقة فقط يمكن لليسار الحد من تأثير الإسلام السياسي السلبي وبذلك يمكن للتناقض الرئيسي أن يصبح ثانوي قياسا بالتحولات الديمقراطية في العالم العربي وان تكون الأولوية للتناقض الرئيسي لمتطلبات الاستقلال السياسي والاقتصادي .
9- يجب الاعتماد على كل وسائل الاتصال المسموعة والمرئية والمقروءة ، والاهتمام بوسائل الاتصال الحديثة من فيس بوك وتويتر وخلافه لأنها أصبحت نافذة لكل الشباب على المجتمع وأدوات تواصل وتفاعل اجتماعي أثبت فاعليته في نجاح الثورات العربية وكان له الأثر الكبير في نجاحها .لذلك المطلوب مواقع لليسار، وحلقات نقاش وورش عمل ،وندوات بالإضافة للصحف تتعامل في موضوع الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وأن يتم اعتماد أكبر عدد ممكن من الشباب للقيام بتلك المسئولية لما لديهم من خبرة وتفاعل مع التقنيات الحديثة فالثورات العربية كانت عصرية بكل للكلمة من معنى لذا وجب على الجيل القديم أن يفتح الباب واسعا لطاقات وقدرات الشباب في هذا الجانب مما سيخدم بالمقابل الجانب الفكري لليسار حيث يجري تقييم التجربة من وقت لآخر ومن خلال المشاركات يمكن تلمس حاجة الشعب وطرق تفكير أبنائه وهذا سيشكل استبيانا مفتوحا لفهم المزاج الشعبي ومشاكله ويكون بمثابة تغذية راجعة تمكن القوى التقدمية من تعديل مساراتها , وتجعلها تدير التناقضات بطريق أكثر اتزانا وصلابة .
" وعلى اليسار التقدمي أن يدرس موضوع أن يكون له فضائية خاصة تفتح أمامه مجالات واسعة للانتشار والتأثير وان تشكل له نافذة على الجمهور العربي " 0
#جمال_ابو_لاشين (هاشتاغ)
Jamal_Ahmed_Abo_Lasheen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟