أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - زمن السلطة















المزيد.....

زمن السلطة


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1053 - 2004 / 12 / 20 - 09:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قد لا يجد المرء صعوبة في القول بان الزمن هو أسلوب وجود الأشياء والذاكرة والأحداث. أو أن يرفعه إلى مصاف الصيغة المجردة عن دوران الأرض والشمس وظهور القمر واختفاءه وتتالي الأيام والشهور والسنين، أو يختصره إلى مجرد وجدان عابر، أو يضيف له سرعة الضوء لكي يذلل مفارقة القدم والحدث ويجعلها معقولة بمقاييس الحساب والرياضيات. وهي محاولات تعكس التنوع الهائل في الموقف من الزمن، انطلاقا من تحسس الجميع بما فيه من قدرة غامضة هي محتوى القلق والاندهاش العميق الذي يثيره من خلال معضلات الفكر "الخالدة" وأسئلته المحيرة.
غير أن للزمن بعدا سياسيا مهما هو "زماننا نحن". وليس مصادفة أننا عادة ما نربط الأمور الكبرى، الرمزية منها والواقعية، بزمن يشكل بالنسبة للوعي الاجتماعي والتاريخي نقطة انطلاق ضرورية للحساب والتقييم. فالغالبية من البشر تستصعب إدراك حقيقة الفكرة خارج الزمن، مع انه التيار الذي يخترق وجودها اليومي. وهي مفارقة تتجسد أحيانا بما ندعوه بالزمن الجميل والزمن القبيح. أما في الحقيقة فان الجميل والقبيح ليس إلا التعبير الخاص عن أذواق الأفراد والجماعات والأمم لما تراه وتعايشه من أحداث. ومن ثم ليس الجميل والقبيح في الزمن سوى ما نفعله ونتذوقه نحن. بينما الزمن هو تيار وجودنا ومرآة تاريخنا لا غير. ففي الإنسان نراه يتمظهر في مراحل الطفولة والصبا والفتوة والرجولة والشيخوخة والكهولة، وفي الرؤية التاريخية نراه في أزمان الماضي والحاضر والمستقبل، وفي العقل نراه في مقولات الممكن والواقع، وفي الأخلاق نراه في قيم الواجب والأفضل. وهي مكونات اقرب إلى البديهة بالمظهر، لكنها اشد تعقيدا بالنسبة للفكر حالما يضعها على محك الجدل، واكثر إثارة حالما يضعها على محك المصير، وأوسع إلهاما حالما يضعها على محك البدائل. أما القوة الوحيدة القادرة على تذليل أو توليف هذه الجوانب، فهي الحكمة. فهي الوحيدة القادرة على اختزال الزمن إلى متعة حتى في أشد مظاهره "قبحا"، كما أنها الوحيدة القادرة على ربط الأزل بالأبد في الآن الدائم، و بالتالي إعطاء المهزومين والخاسرين والمرهقين إمكانية الخلاص من يأس القنوط.
وعندما نضع هذه الفكرة في موقفنا من "الزمن القبيح" في العراق، فان عام 1963هو "نقطته الأولى"، التي انقلبت فيها قيم وآمال "ثورة 1958" ظهرا على عقب. ومنذ ذلك الحين اصبح تحطيم مؤسسات الدولة والمجتمع أسلوبا لترسيخ الرذيلة، التي تجسدت تاريخيا في "بعث" الاستبداد، الذي بلغ ذروته الكبرى عام 2003. وهو أيضا عام سقوطه المخزي. وبهذا يكون العراق قد مر بمرحلة عمرها أربعين سنة هي مرحلة "العقود المظلمة"، التي تشكل بمعايير التاريخ السياسي "مرحلة ماضية" وبمعايير الرؤية الأيديولوجية "حقبة بائدة" وبمعايير الثقافة "همجية خالصة" وبمعايير الجمال "قبحا تاما" وبمعايير الأخلاق "رذيلة لا مثيل لها"، وبمعايير الزمن "شر الأزمان".
وإذا كانت المرحلة لمعاصرة من "الزمن العراقي" تدفع إلى الأمام إشكالية السياسة والأخلاق، فلأنه بلغ الذروة التي أطلق عليها ابن المقفع يوما تسمية "شر الأزمان". وهو تقييم كان يستند من حيث الجوهر إلى تقاليد الرؤية الإسلامية ومساعيها الحثيثة في استنباط الحكمة الأخلاقية والسياسية من مجرياته، واستقراء تأثيره في الوجود التاريخي للأمم والدول. وليس مصادفة أن تربط الثقافة الإسلامية تقييمها للزمن بالسلطة. فقد أدركت منذ وقت مبكر أهمية أحدهما للآخر. ومن هنا مطابقة ابن المقفع للزمن مع الناس. فقد كتب بهذا الصدد يقول، بان "الزمان الناس، والناس رجلان وال ومولى"، أي ليس الزمان شيئا غيرنا نحن، ونحن مندرجون ضمن علاقة الراعي والرعية، والوالي والمولى عليه، والحاكمين والمحكومين، والسلطة والشعب. وهي رؤية فلسفية ثقافية سياسية تكشف عن قيمتها العلمية والعملية الكبيرة بالنسبة لترتيب الرؤية الضرورية عن علاقتنا بالزمن في الظروف الحالية للعراق لكي نجعل منها علاقة جوهرية بمعاصرة المستقبل. ومن ثم إعادة ترتيب الزمن بالطريقة التي تجعل منه "خير الأزمنة". وهو وصف أطلقه ابن المقفع أيضا في مجرى تقسيمه للأزمان إلى أربعة "على اختلاف حالات الناس". الأول هو "خيار الأزمنة"، الذي "يجتمع فيه صلاح الراعي والرعية". ووضع في هذه العلاقة، أو بصورة أدق هذه الحالة خمس قواعد كبرى أساسية هي
1. "أن يكون الإمام مؤديا إلى الرعية حقهم في الرد عنهم والغيظ على عدوهم والجهاد من أجلهم"،
2. و"الاختيار لحكامهم"،
3. و"تولية صلحائهم والتوسعة عليهم في معايشهم"،
4. و"العدل في القسمة بينهم والتقويم لأودهم"،
5. و"الأخذ لهم بحقوق الله عليهم".
ويقابلها من جانب الرعية خمس قواعد كبرى هي
1. "أن تكون مؤدية إلى الإمام حقه في المودة والمناصحة"،
2. و"ترك المنازعة في أمره"،
3. و"الصبر عند مكروه طاعته"،
4. و"المعونة له على أنفسهم"،
5. و"الشدة على من أخلّ بحقه وخالف أمره غير مؤثرين بذلك آباءهم ولا أبناءهم".
ومن أفكاره هذه توصل إلى أن خير الأزمان هو "إذا اجتمع ذلك في الإمام والرعية تمّ صلاح الزمان". بعبارة أخرى إن الزمان والخير والاصلح هو العلاقة المتبادلة بين السلطة والشعب بالشكل الذي يتضمن حدود الالتزام المتبادل في الحقوق والواجبات. وهي فكرة سليمة من حيث قيمتها المجردة والملموسة، لأنها جعلت من أولوية الحق والالتزام به على كافة المستويات مضمون الخير العام والخاص للدولة والمجتمع. وبالتالي فان الخير السياسي والاجتماعي هو أولا وقبل كل شئ التزام متبادل بين السلطة والشعب محكوم بقيم يشكل الخروج عليها خروجا على حقيقة الزمن. بمعنى انه يؤدي بالضرورة إلى الاندثار.
من هنا تصنيف ابن المقفع لما اسماه بالزمن الأدنى من الأول، الذي هو تعبير عن الحالة التي "يصلح الإمام نفسه ويفسد الناس". وذلك لأنه "لا قوة بالإمام مع خذلان الرعية ومخالفتهم وزهدهم في صلاح أنفسهم". أي أن السلطة والدولة تبقى ضعيفة في حال فساد المجتمع. والأدنى من ذلك هو الزمن الذي تنقلب فيه المعادلة، بحيث يكون "صلاح الناس وفساد الوالي". وذلك لان "لولاة الناس بدأ في الخير والشر ومكانا ليس لأحد. وقد عرفنا أن ألف رجل كلهم مفسد وأميرهم مصلح اقل فسادا من ألف رجل كلهم مصلح وأميرهم مفسد". بعبارة أخرى، إن قيمة السلطة ونموذجها العالي في السلوك هو الضمانة الأقوى بالنسبة للعدالة والحق. إذ تكشف التجارب التاريخية جميعا عن أن الأمير المفسد لحاله اكثر تخريبا من صلاح ألف رجل. وتجارب العالم العربي عموما والعراق خصوصا كشفت عن أن فساد "القائد" لا يقومه "صلاح" الملايين. وفي هذا تكمن شروط الوقوع فيما أطلق عليه ابن المقفع تسمية شر الأزمان، أي الزمن الذي "يجتمع فيه فساد الوالي والرعية". وهو الزمن الذي ساد العراق خصوصا في العقدين الأخيرين من التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية.
لقد مر العراق بالأزمنة الثلاثة الأخيرة. ومن الممكن مقارنة الزمن الذي يتماثل مع حال صلاح الوالي وفساد الرعية بزمن عبد الكريم قاسم، وزمن صلاح الرعية وفساد الولاة بزمن ما بعد الانقلاب الدموي عام 1963 واستيلاء البعث عل السلطة، وزمن فساد الولاة والرعية هو زمن استمرار البعث وتكامل التوتاليتارية والدكتاتورية ما بين عام 1968 و2003. وبغض النظر عن الاعتراضات الجزئية الممكنة على ما في هذا التوصيف العام، فان حقيقته تبقى واحدة، بمعنى التأكيد على أن العراق لم يعش مرحلة "خيار الأزمان". مما يجعل من الحاضر والمستقبل قضية الرهان الفعلية. وبالتالي التعامل مع "خيار الأزمنة" على انه الخيار الوحيد الممكن والضروري بالنسبة للعراق من اجل تجاوز ضعفه البنيوي الكبير منذ نشوء الدولة المعاصرة حتى الآن. وهو ضعف لا يمكن تجاوزه دون المرور بزمن "اجتماع الصلاح في الراعي والرعية"، أي في السلطة والمجتمع. وهو أمر ممكن التحقيق فقط من خلال بناء دولة الحقوق الشرعية والمجتمع المدني. مما يفترض بدوره المطالبة العامة والدائمة بسلطة قوية للقانون ومجتمع مدني أقوى. وبالتالي ترابطهما الضروري، باعتبار أن أي إخلال بأحدهما هو إخلال بالآخر، مع ما يترتب على ذلك من خراب الاثنين.
ولا يعني ذلك من الناحية السياسية سوى العمل من اجل تحويل الزمن إلى تيار المعاصرة وليس إلى مجرد الانهماك الدائم من اجل ترميم العلاقة "الطبيعية" بين السلطة والمجتمع. فالتجربة التاريخية للعراق في مجرى القرن العشرين كله تجعل من الضروري الإجماع الملزم للحركات الاجتماعية والسياسية على مبادئ عملية بالنسبة لبناء مكونات تيار المعاصرة، أو معاصرة المستقبل فيه. ولعل أهمها هو الاقتصاد الديناميكي، والنظام الاجتماعي العادل، والثقافة الإنسانية الراقية، والعلم المتنور والتكنولوجيا الرفيعة، والتربية العقلانية الشاملة. فهي العناصر العملية الوحيدة القادرة على تجاوز ضعفه البنيوي. وفي وحدتها فقط يمكن بلوغ "خير الأزمنة". ولا يعني خير الأزمنة بالنسبة للعراق المعاصر سوى بناء أسس الزمن الذاتي، أي الزمن الذي ينفي الاغتراب والافتراق الفعلي بين المجتمع والدولة، أي بين الزمن والناس، أو بين التاريخ ووعي الذات. وبهذا المعنى يمكن اعتبار "الزمن البديل" مسئولية مشتركة للسلطة والمجتمع بقدر متكافئ.
إننا نعرف جيدا بان للسلطة زمن متناه، يقوم في كونها عرضة للتغير والتبدل والزوال. كما نعرف جيدا بان للزمن سلطة غير متناهية، يقوم في كونه تيار الوجود نفسه. وهي أمور بديهية من وجهة نظر المنطق، لكنها معضلة من وجهة نظر التاريخ والسياسة. من هنا فان المهمة تقوم في حل هذه المعضلة من خلال جعل السلطة والزمن تيارا واحدا في معاصرة المستقبل.
فالتجارب التاريخية للأمم بشكل عام وتجارب التاريخ السياسي العراقي الحديث بشكل خاص تبرهن على أن زمن الاستبداد هو سراب وغبار. مما يعطي لنا إمكانية القول، بان معاصرة المستقبل وتحقيق مكوناتها في الدولة الشرعية والمجتمع المدني والنظام الديمقراطي الاجتماعي هي ضمانة الحل الفعلي لإشكالية السلطة والزمن. ولا يعني هذا الحل في الواقع سوى ضرورة تحويل فكرة الزمن إلى تاريخ وعي الذات الحر. حينذاك سوف لن يكون التاريخ السياسي العراقي بحاجة إلى "عهد بائد" و"حقبة سالفة" و"عقود مظلمة". أما نحن، فسوف نكون بحاجة إلى زمن دائم هو زمننا نحن. نحيا فيه، وفيه نموت. نحيا أحرارا ونموت أحرارا!
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق المسدود للمؤقتين الجدد
- المثقف والسلطة، أو إشكالية القوة والروح المبدع
- السلام القومي والمصالحة الوطنية في العراق
- المؤقتون القدماء والجدد
- المعارضة والمقاومة – المفهوم والغاية
- الإرهاب والمخاض التاريخي للحرية في العراق
- المهمة التاريخية للمثقف العراقي
- علماء السوء – التدين المفتعل والسياسة المغامرة
- تأجيل الانتخابات ونفسية المصلحة السياسية
- معارك المدن العراقية - الأبعاد الوطنية والاجتماعية
- تأجيل الانتخابات أم تأصيل المغامرات
- خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به في طالع الشمس ما يغنيك عن زحل
- أدب التصوف
- اسلام الشرق و الشرق الاسلامي


المزيد.....




- قرار الجنائية الدولية.. كيف يمكن لواشنطن مساعدة إسرائيل
- زيلينسكي يقرّر سحب الأوسمة الوطنية من داعمي روسيا ويكشف تفاص ...
- إسبانيا: السيارات المكدسة في شوارع فالنسيا تهدد التعافي بعد ...
- تقارير: طالبان تسحب سفيرها وقنصلها العام من ألمانيا
- لبنانيون يفضلون العودة من سوريا رغم المخاطر - ما السبب؟
- الدوري الألماني: ثلاثية كين تهدي بايرن الفوز على أوغسبورغ
- لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى سكني وتدميره في الضاحية ال ...
- سلسلة غارات جديدة على الضاحية الجنوبية في بيروت (فيديو)
- مصدر مقرب من نبيه بري لـRT: هوكشتاين نقل أجواء إيجابية حول م ...
- فريق ترامب الانتقالي: تعليق القضية المرفوعة ضد الرئيس المنتخ ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - زمن السلطة