|
في عالم المفاهيم(حول العلاقة بين النسبي والمطلق)
نقولا الزهر
الحوار المتمدن-العدد: 1052 - 2004 / 12 / 19 - 10:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المطلق، والحقيقة المطلقة، ومنطق الواقع، وطبيعة الأمور، واللوغوس بحسب فلاسفة الإغريق و(الكلمة) لدى يوحنا الإنجيلي، و(الكلمة الفعل) لدى غوته، كل هذه المفاهيم تعبر عن مفهوم الإله الواحد أو الله الذي هو نافٍ للآلهة والمتألهين على الأرض كما قال هيراقليط اليوناني. مفهوم المطلق أو الله أو الإله الواحد لم يعرفه سوى الإنسان العاقل والصانع وهو حاد للنسبي وعامل الإنطلاق من الماضي والحاضر إلى المستقبل. وكان (الياس مرقص) يرى أن إلغاء المطلق من الفلسفة والفكر والسياسة يؤدي إلى أن يستطلِقَ النسبي ويتحول إلى إله. وربما الكاتب السوفييتي مكسيم غوركي ألف كتابه (أين الله) وكذلك انطلق هو وصديقه لوناتشارسكي ليشكلا (جماعة الباحثين عن الله) بعد أن قرر يوسف ستالين تحنيط لينين وتكريس طقس الزيارة والحج إلى ضريحه في الساحة الحمراء؛ أي حينما صمَّمَ على استطلاق النسبي و تأليهه، وبعد تحويل الماركسية- اللينينية إلى دين وأشخاصها إلى آلهة. إن إلغاء المطلق لا يعني في الواقع إلا إلغاء المستقبل وتكريس الماضي كشيء كامل وتام(التمامية والاكتمالية والسلفية = integrisme) وهذا يعني إيصاد باب المعرفة والعلم والبحث والاكتشاف. دائماً هنالك مجهول لدى الإنسان ولا ينتهي، وهذا المجهول هو منجم علم المعرفة الذي لا ينضب، يكتشف مكامنه الإنسان بشكل دائم بمفاهيمه المتوفرة لديه، وعبر عمله وممارسته يحصل على معارف جديدة أكثر تقدماً. فالحقيقة المطلقة موجودة في الحقائق النسبية وفي الوقت ذاته هي حد لها(النفي). بهذا المعنى يمكن فهم مقولات مثل (الله أكبر، الله أعلم) أي أن المطلق أكبر من النسبي وأعلم منه وحادٌ له، وهذا يعني أن الله أو المطلق حاضر ومضارع ومستقبلي، والمستقبل حادٌ للماضي والحاضر، وهكذا نصل إلى أن هذين الأخيرين أي الماضي والحاضر غير تامين وغير مكتملين بل ناقصين باستمرار ومعرضين للتغيير والنفي(negation) والإصلاح وإعادة التشكيل (reforme). وقد قال المتصوف الإسلامي الكبير(النفري): علم مستقر جهل مستمر؛ وكذلك قال ماركس لا علمَ كامل إلا في خلية النحل؛ وهكذا قال أيضاً الفيلسوف والعالم المتدين باسكال. والنقص الموجود دائماً في النسبي هو عامل التقدم وفي اللحظة التي يعتبر النسبي المنجز في المجتمع أنه أصبح كاملاً يدخل هذا المجتمع في الاستنقاع ويتوقف عن التقدم. من هذا المنطلق نرى أن الذين يقدسون الماضي ويعتبرونه آخر المعرفة وأخر العلم هم معادون للمطلق ولله رغم كل ادعاءاتهم بأنهم يمثلونه. وينطبق هذا الأمر أيضاً على الماركسيين اللينينيين الذين حولوا الماركسية إلى دين وكذلك على الناصريين الذين ديَّنوا الناصرية والقوميين الذين قدسوا اللغة العربية واعتبروا القومية العربية رسالة خالدة. وإذا كان ديكارت قد اعتبر الله أحد أحجار الزاوية في منهجه في البحث فهذا يعني أن العلم والمعرفة النسبيان يحدهما الله وينفيهما باستمرار. فإلهه مستقبلي تماماً وهكذا كان الأمر لدى طه حسين، أي الشك في منجزات الماضي والحاضر ليس بهدف إلغائهما بل للتحقق من ما بقي راهنا وصالحاً من أدوات المعرفة في الماضي وما أصبح بالياً ومن ثم الإنطلاق إلى معارف جديدة. وتبدو موضوعية مفهوم المطلق (أو الله ) الذي هو في الأساس مفهوم إنساني من خلال دوره في العلاقة بين الهدف والنتيجة وتحديد الفرق بينهما في كل ممارسة إنسانية. فالطريق إلى الهدف يشتمل على الواقع والقدرة على رؤية هذا الواقع أثناء الممارسة ونسبية هذه القدرة الإنسانية. وفي هذه العلاقة بالذات حول مدى قرب أو بعد النتيجة عن الهدف الموضوع من قبل الإنسان قبل شروعه بالعمل لتحقيقه يكمن مفهوم (مكر الله) أو كما سمَّاه هيجل (مكر العقل أو مكر التاريخ) أو كما سمَّاه الياس مرقص(مكر الواقع). ويعتبر انجلز في هذا الإطار، في معرض الكلام على الثورة وتوفر ظروفها الموضوعية والذاتية، أنه مهما كان الإعداد لهذه الشروط أقرب إلى الكمال (ففي اللحظة الأخيرة لابد من المغامرة حين البدء في الثورة) وهذه المغامرة تنطلق من اعتبار أن الفرق بين النسبي الممارس واكتشافات الواقع الحقيقية حتى لو كان صغيراً جداً، فهذا الفرق كفيل بأن لا تكون النتيجة مطابقة للهدف. والطامة الكبرى إذا كان هذا الفرق كبيراً جداً بينهما كأن يكون الهدف في الغرب والنتيجة في الشرق، كما حدث بالنسبة إلى حركة التحرر العربية وبالنسبة إلى المشاريع التي وضعتها والنتائج التي وصلت إليها. وفي هذا الإطار في الذات قال غوته: "إن النظرية رمادية يا صاحبي والحياة هي الخضراء "؛ أي أن النظرية ناقصة دائماً ومعرضة للتصحيح دائماً على ضوء الواقع والظروف المستجدة. و لم تكن الفلسفة الشعبية في بلادنا العربية بعيدة عن معالجة مكر الله أو مكر الواقع وموضوع العلاقة بين الهدف والنتيجة حينما قالت: لا ينطبق دائماً حساب البيدر على حساب الحقل، ولا(حساب القرايا على حساب السرايا)، أو حينما قال أبو الطيب المتنبي: تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. هذا المفهوم عن (المطلق) وعلاقته بالنسبي موجود في الماركسية وموجود لدى هيجل وماركس وانجلز ولينين وسبينوزا وديكارت وغوته ومحي الدين بن عربي وتشيخوف وغوركي ولوناتشارسكي ودوستويفسكي وفلسفة التاو الصينية وابن رشد والنفري ولدى معروف الرصافي والشيخ المصري الأزهري السوربوني المعاصر (عباس عبد النور) من دمنهور........ وكثيرون من هذا العالم....... نقولا الزهر دمشق في 16/12/2004
#نقولا_الزهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سياتل بداية النقد العملي للعولمة
-
سوريا في الخمسينات
-
قصيدة قصيرة من أخدود دمشقي
-
من وادي الآلهة إلى وادي القديسين
-
الحوار المتمدن طريق رحب من الرؤوس والقلوب إلى الورق
-
العلمانية تحرر الدولة والدين من طغيان التحالف السلطوي -الفقه
...
-
مداخلة حول مفهوم الشعب
-
من الطقوس والإشارات في الحياة السياسية السورية
-
المجتمع المدني من جون لوك إلى الأمير سعود الفيصل
-
شذرات من - المقامةِ البربرية
-
إلى أيلول
-
يوم مشهود من أيام أبي نرجس
-
حمدي الروماني
-
التقيتهما مرة واحدة
-
حول التداخل بيت المقاومة والإرهاب
-
جودت الهاشمي
-
الشعوب العربية من نير الإقطاع السلطاني إلى نير الإقطاع الشمو
...
-
خيوط القمة العربية أوهى من الكلام على الإصلاح
-
قصيدة :دموع ليست من ماء
-
مقاربة حول الديموقراطية في العالم العربي
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|