|
اذا كان المسيحيون مواطنين فلماذا الكتابة عن الجزية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3548 - 2011 / 11 / 16 - 19:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يرى أصحاب تيار(تجديد الخطاب الدينى) أن البعض يفهم معنى الجزية فهمًا خاطئًا يؤدى الى تبرير ما يحدث فى بعض الأحيان من اعتداء على البعض من أهل الكتاب والذين هم من نفس البلد والوطن. وترجمة هذا الكلام أن المصريين المسيحيين ينطبق عليهم حق (المواطنة) الذى نظمته المواثيق الدولية. فإذا كان الأمر كذلك فلماذا تكرار الحديث عن الجزية ؟ الهدف هو نفى أن الإسلام انتشر بالقوة وبحد السيف . وينتهى هؤلاء الى أن أهل الكتاب لم يتعرّضوا للأذى حتى فى أشد عصورالدولة الإسلامية تطرفًا. بينما يرى أ. حسن كامل الملطاوى أن الجزية تؤخذ من المفروضة عليهم مع إشعارهم بالذلة والصغار (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عام 72 ص 334) وهذا يدل على أن تفسير آية الجزية موضع خلاف بين الفقهاء. وكتب أ. خليل عبدالكريم ((منذ قديم أثار تفسير هذه الآية الكثير من الجدل بين المفسرين والفقهاء واختلفوا فيما بينهم . كما اختلفوا فى تفسير معنى الصغار الوارد فى الآية فبعضهم قال إنها تؤخذ بالعنف)) (المشكلة الطائفية فى مصر- مركز البحوث العربية عام 88 ص 81) أما أ. أحمد أمين فقد نقل ما كتبه ابن الأثير من أن الدخول فى الإسلام كان بهدف الفرار من الجزية لما ((يشعربه من المهانة. فالإسلام هو دين الحكام. أضف الى ذلك أن بعض الولاة لم يكن يرعى تعاليم الدين وتسامحه فى الذميين . فكان يسومهم سوء العذاب فاضطروا أن يفروا من دينهم الى الإسلام)) (فجر الإسلام ص 142) وكتبت د. سيدة إسماعيل كاشف ((كان العرب فى مصر وغيرها من البلاد التى فتحوها يخيرون أهالى البلاد المفتوحة بين ثلاثة أمور: الإسلام أو الجزية أو الحرب. كذلك لم يكن للإسلام مبشرون يقومون بالدعوة لهذا الدين كما فى الديانة المسيحية)) وذكرت أن حيان بن سريح كتب الى عمربن عبدالعزيز ((أن الإسلام قد أضربالجزية)) (مصر فى عصر الولاة - تاريخ المصريين رقم 14 ص111 ،132) أى أن العرب عندما غزوا مصر لم يتبعوا أسلوب التبشير، وإنما أسلوب فرض الأمر الواقع. ويؤكد ذلك ما ذكرته د. ناريمان عبدالكريم من أن الرسول قال لأحد قواده ((إن أنت حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك أن تستنزلهم على حكم الله فلا تستنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لاتدرى أتصيب فيهم حكم الله أم لا. وستجدون رجالا فى الصوامع معتزلين الناس فلا تتعرضوا لهم وستجدون آخرين على رؤوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف)) وكتب الى أساقفة نجران ((إنى أدعوكم الى عبادة الله. فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم آذنتكم بحرب والسلام)) وترى د. ناريمان أن أهل الكتاب ((كفروا بكتاب الله تعالى وهو القرآن ورسوله محمد)) وتنتهى الى ضرورة فرض الجزية عليهم (معاملة غير المسلمين فى الدولة الإسلامية – مكتبة الأسرة عام 97 من ص26- 47) . كان هدف العرب إذن منع مواطنى كل دولة يغزونها من الدفاع عن أنفسهم ، أى منعهم من حمل السلاح الذى ربما يكون ضد المحتل. وتزاوج هذا الهدف مع الهدف الأول ، أى الحصول على ثروات البلاد المغزوة من خلال آليتين : الجزية والخراج. وفى مقارنة بين الإحتلالين الرومانى والعربى لمصر كتبت د. زبيدة عطا ((إن وضع الفلاح تحت الحكم البيزنطى لم يكن بالوضع المميز.ولكنه لم يكن أسوأ فترات تاريخه. إذْ ليس بأسوأ من سابقه أولاحقه)) (الفلاح المصرى بين العصر القبطى والعصر الإسلامى – تاريخ المصريين رقم 48 ص 10) وعندما حاور عمروبن العاص عمربن الخطاب (رضى الله عنهما) ليقنعه بغزو مصر، لم يتطرق فى حديثه الى نشر الإسلام إنما قال ((يا أمير المؤمنين. إئذن لى أن أسير الى مصر. هى أكثر الأرض أموالا. وأعجزها عن القتال والحرب)) (ابن عبدالحكم : فتوح مصر- مؤسسة دار التعاون ص47) وكيف يكون الفتح / الغزو (سلمًا) وقد وصل عدد جيش عمرو فى غزوه لمصر أكثر من 16 ألف مقاتل عربى ؟ وكيف يكون الهدف نشر الإسلام مع إجبار كل مصرى أن يستضيف عددًا من العرب لمدة ثلاثة أيام وسط زوجته وأولاده ؟ وعن غزو الاسكندرية فإنها ((فتحت عنوة بغيرعهد ولاعقد ولم يكن لهم صلح ولاذمة)) كما أن عمروبن العاص ((سبى أهل بلهيب وسلطيس وقرطسا وسخا فتفرقوا وكتب عمربن الخطاب الى عمرو بردهم فردّ من وجد منهم)) وما معنى عبارة عمرو التى لاعلاقة لها بنشر الإسلام ((من كتمنى كنزًا عنده فقدرت عليه قتلته)) ؟ وذكر ابن أبى رقية ((أن القبط أخرجوا كنوزهم شفقًا أن يبغى على أحد منهم فيقتل كما قتل بطرس)) وما علاقة نشر الإسلام بالجباية التى وصلت الى درجة أن تكون (جزية موتى القبط على أحيائهم)) وأن القبط ((بمنزلة العبيد)) ؟ وما علاقة نشرالإسلام بأسلوب أداء الجزية حيث التعليمات ((أن يختم فى رقاب أهل الذمة بالرصاص ويظهروا مناطقهم ويجزوا نواصيهم ويركبوا على الأكف عرضًا ولا يدعوهم يتشبهون بالمسلمين فى لبوسهم)) وهل كان للجزية مقدار ثابت ؟ روى هشام ابن أبى رقية أن قسيسًا طلب من عمروبن العاص أن يخبره مقدار ما عليه من الجزية. فقال عمرو وهو يشير الى ركن الكنيسة ((لو أعطيتنى من الأرض الى السقف ما أخبرتك ما عليك إنما أنتم خزانة لنا الخ)) كما أن الجزية جزيتان : جزية على رؤوس الرجال. وجزية جملة على أهل القرية. ومن هلك ممن جزيته على رؤوس الرجال ولم يدع وارثًا فإن أرضه للمسلمين)) (أى للعرب) وعن عبدالملك بن مسلمة ((أن رجلا أسلم على عهد عمربن الخطاب فقال : ضعوا الجزية عن أرضى. فقال عمر: لا. إن أرضك فتحت عنوة)) وكانت الجزية فى وقائع عديدة تؤخذ من الذين دخلوا فى الإسلام. لذلك كتب عبدالملك بن مروان الى عبدالعزيز بن مروان أن ((يضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة. فكلّمه ابن حجيرة فى ذلك فقال : أعيذك بالله أيها الأمير أن تكون أول من سن ذلك بمصر. فوالله إن أهل الذمة ليتحملون جزية من ترهب فكيف تضعها على من أسلم منهم. فتركهم عند ذلك)) وعندما تم عزل عمروبن العاص عن الجباية قال له عثمان ((يا أبا عبدالله درّت اللقحة بأكثر من درها الأول. فقال عمرو: أضررتم بولدها)) وهل كانت الجزية هى الأداة الوحيدة ؟ لنستمع الى كلمات عمربن الخطاب الى عمروبن العاص (رضى الله عنهما) فى عام المجاعة : الى العاص بن العاص. فإنك لعمرى لاتبالى اذا سمنت أنت ومن معك أن أعجف أنا ومن قبلى. فياغوثاه ياغوثاه. فكتب اليه عمروبأنه سيرسل له قافلة من العيرأولها عندك وآخرها عندى. ووعده بقافلة أخرى عن طريق البحر. ثم شعر بالندم فقال (( إن أمكنتُ عمر من هذا خرب مصر)) ورغم هذا الندم من عمرو فإنه عندما عُزل عن الجباية قال ((أنا إذن كماسك البقرة من قرنيها وآخر يحلبها)) كما أنه كتب الى ولاته فى غزوة برقة أن يشترط عليهم ((عليكم أن تبيعوا أبناءكم وبناتكم فيما عليكم من الجزية)) (ابن عبدالحكم – مصدر سابق من ص 47 – 121) وكتب د. عبدالله خورشيد البرى ((أنه أتبع فى توزيع دورالاسكندرية التى كان الجنود العرب يحتلونها بطريقة الابتدار. أى أن ((من ركز رمحه فى دارفهى له ولبنى أبيه)) (القبائل العربيبة فى مصر- دار الكاتب العربى عام 67 ص 230) . اذا كان تيار تجديد الخطاب الدينى ينتهجون نهجًا مثاليًا ، فكيف يكون الرد على الأصوليين الذين يرون ضرورة فرض الجزية على المسيحيين مع حرمانهم من الخدمة العسكرية أمثال أ. مصطفى مشهورمرشد الإخوان الراحل ؟ (أهرام ويكلى 3-9 إبريل 97) ولماذا تكون الكتابة عن الجزية ولاتكون عن الأساس العصرى للدولة الحديثة؟ الأساس الذى يُعلى من حق المواطنة. وأن هذا الحق لن يتحقق إلاّ فى ظل (علمنة الدولة) التى تتأسس على فصل المؤسسات الدينية عن المؤسسات السياسية. لو تحقق هذا لن نجد من يكتب ((الإسلام لايمنع التعامل مع غير المسلمين. ولكن يمنع المودة القلبية والموالاة. لأن المودة القلبية لاتكون إلاّ بين المسلم والمسلم )) (جريدة اللواء الإسلامى – العدد 153) لم يكتب هذاالكلام شكرى مصطفى أو عبود الزمرمن مدرسة أعداء الحياة وأعداء الحداثة ، إنما كتبه الأستاذ الدكتورأحمد عمر هاشم. فهل نلوم الذين يقومون بتنفيذ أوامر القتل ويتربون على كراهية المختلف معهم دينيًا ، أم أن سبب المشكلة فى الأساتذة والدكاترة الذين يروجون للتعصب ولايعترفون بأبسط حقوق الإنسان : حق المواطنة ؟ *****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إرهاصات العالمانية فى مصر
-
الحب والظلال للمبدعة إيزابيل اللندى
-
الحرام بين النظرة الأحادية وتعدد المنظور
-
الأدب التراثى وأنظمة الحكم وجهان لمنظومة واحدة
-
جدل العلاقة بين البؤس الاجتماعى والميتافيزيقا
-
دستور يحكم الثقافة ويحمى المثقفين
-
عقاب الطغاة بين دولة القانون وقانون الغابة
-
انعكاسات الحرب والدمار على أهل الهوى
-
الفلسطينيون بين العرب والإسرائيليين
-
محمد البوعزيزى : الإبداع على أجنحة الحرية
-
نجران تحت الصفر للكاتب الفلسطينى يحيى يخلف
-
المبدعة الليبنانية هدى بركات وجدل العلاقة بين الحياة والموت
-
عمارة يعقوبيان : الإبداع بين الأحادية والجدل الدرامى
-
اللغة القبطية بين لغة العلم والأيديولوجيا السياسية والعواطف
...
-
المبدعة البنانية رشا الأمير وروايتها البدية ( يوم الدين )
-
الإيمان بحق الاختلاف هو الحل
-
تحالف الديكتاتورية مع العداء للخصوصية الثقافية للشعوب
-
أولاد حارتنا بين الكهنوت الدينى والإبداع
-
أبو حصيرة : من الضرح إلى المستوطنة
-
نبوءات الليبراليين المصريين حول المخطط الصهيونى
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|