أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الهلالي - التطرف الديني وحجب المرأة















المزيد.....

التطرف الديني وحجب المرأة


محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)


الحوار المتمدن-العدد: 3547 - 2011 / 11 / 15 - 09:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هناك ميل ذكوري قوي من الصعب إرجاع جذوره لعامل واحد، سواء كان هذا العامل بيولوجيا أو اقتصاديا أو سياسيا تسلطيا أو لاعقليا انفعاليا، فهذا الميل يعتبر سمة ملازمة تاريخيا للذكر والسيطرة الذكورية ومرجعا لسيادته العدوانية، وهو إخضاع الجنس الآخر والسيطرة عليه واستعماله في الحياة اليومية وفي اقتصاد المتعة ومختلف أشكال مردود يته.
ويمكن الإشارة على سبيل المثال، لإبراز قوة هذا الميل الذكوري لإخضاع المرأة، إلى الموقف المحافظ من المرأة لدى معظم الفلاسفة منذ أفلاطون حتى شوبنهاور، بحيث لم تجنبهم نزعتم النقدية واستعمالهم الفلسفي للعقل والمحاولات الكبيرة لفهم آليات التحليل والتركيب من الخضوع، رغم اختلاف المبررات، موقفهم المحافظ منها.
ولقد وجد هذا الميل القوي والسائد عبر تاريخ المجتمعات الطبقية طريقا للتربع على هرم السلطة. فهذه الأخيرة هي أيضا ذكورية مثلها في ذلك مثل وسائل وأدوات واستراتيجيات الحرب، ولقد عرف الرجال تاريخيا، حسب الدراسات الأنتروبولوجية، باحتكار العنف وأدواته.
ومن المثير للانتباه في ثقافة العرب المسلمين اتهام المرأة بالذات بالدهاء والمكر والخداع، أي إصباغ الصفات الشيطانية عليها لهدف أساسي وهو تبرير معاملتها معاملة سيئة. إن القاتل هنا (الذي جعلته ثقافته الدينية قاتلا بالقوة مثلما يتضح ذلك في تبني المسلمين للرجم حتى الموت والقصاص عموما والمعاملة السيئة الممنهجة للمرأة على وجه الخصوص، تلك المعاملة المبررة دينيا وبالتالي ثقافيا ما دام الدين الإسلامي هو عماد بنية الثقافة العربية الإسلامية) يهيئ المجال لممارسة القتل بدهاء، فيشوه العدو المفترض وينشر حوله الأكاذيب والبهتان حتى لا يجد مقاومة لعمليته المشينة.
وإذا كان تاريخ البشرية مليئا بالمعاملة السيئة وغير الإنسانية للمرأة، ابتداء من تحويلها إلى قربان يلقى به في النهر والبحر، ومرورا بتحميلها مسؤولية الغواية والإغراء، واتهامها بالسحر والشعوذة، واعتبارها عضوا فعالا في أسرة الشياطين، دون نسيان الختان المفروض عليها (ونجد ذلك أيضا في مجموعة من مناطق بلاد المسلمين وإجازتها من طرف مجموعة من فقهاء الفتاوى) وانتهاء بوضع قفل في فرجها إبان سفر الرجل وحتى عودته حماية لعرضه (كما ساد ذلك عند بعض القبائل الإفريقية)... فإن استمرارية هذا النوع أو ما يمت له بصلة من الممارسات يعتبر عارا على جبين البشرية.
إذا كان كل ذلك يشهد على حيوانية التعامل مع المرأة ووحشيته، فلقد استمر الوضع حتى الآن بشكل مغاير عبر الرغبة القوية في "حجب المرأة"، إننا أمام ميل عنيف واندفاع قوي أعمى يقاوم التفكير والتدبر في لا معقولية هذا الفعل.
ما الذي يعنيه "حجب المرأة"؟ يعني ذلك فصلا عنصريا قويا داخل المجتمع بين الجنسين، وجعل الجنس المحتجز بالحجب مصدرا للفتنة والغواية والإغراء، وتبرئة ذمة الجنس الذي نصب نفسه مسؤولا باسم التاريخ والدين والشرف والقوة والفحولة... عبر تطبيق بنود الفصل بين الجنسين والسهر على احترامها ومعاقبة من يخالفها.
فمن العربية السعودية التي تعج ثقافتها بالنفعية المقيتة التي يتم فيها على سبيل المثال تدبير وتقنين وتعميق انفصام سيكولوجية شعب بأكمله وحتى إمارة الملا عمر وطالبان بأفغانستان، التي أريد لها أن تتحول من دولة عصرية تدور في فلك الاتحاد السوفييتي آنذاك، طبقا لمقتضيات الحرب الباردة، إلى إمارة تمارس فيها حدود الشريعة بشكل مضاد لقوانين التاريخ، وتطرد النساء من الفضاء العمومي، ويمنعن من العمل ويتم سجنهن في البيوت وتحرم الفنون ويصبح مقياس الأخلاق هو الزي الخارجي من لحى وبرقع، مرورا بكل الإمارات الموجودة بالقوة في الأحياء والبيوت: أصبح الدين هو المظهر الخارجي...
لقد تم استبدال المعرفة والإحساس الصادق والثقة وقدسية الحياة الخاصة للفرد "بما يبدو ويظهر" بمجرد ما "يصدم العين"، أي أصبح الدين هو "ما تراه العين"، أصبح الدين مطية لتبرير وتدعيم "حجب المرأة" عن الفضاء العام وضمان السيطرة الذكورية على هذا الفضاء بشكل مطلق.
لكن حيلة الذكور واهية، لأن المشكل الذي يراد حله هو في الظاهر وهو "إثارة شهوة الرجال"، هو في الواقع مشكل يكمن في بنية الذكور أنفسهم، وبدل التفكير في هذه الإثارة وآلياتها وأهميتها وطرق التعامل معها في الرجل ذاته، بدل البحث مثل بقية الشعوب المتحضرة عن طرق معقولة لتنظيم هذه الميل القوي، يتم البحث عن كبش فداء هو جسم المرأة الذي يصبح هو المرأة.
يقود هذا التعسف المتمثل في حجب جسد المرأة بالقوة إلى إذكاء الرغبة فيها وتقوية الافتتان بها وهذا ما تشهد عليه المؤشرات الجنسية العديدة ابتداء من لغة الشتم الجنسية وانتهاء بتضخم الدينية حول الموضوع.
ولحجب جسد المرأة تم اختراع الحجاب الذي يفرض على المرأة عند البلوغ (لما تكون السيطرة لأهل هذا الفكر ومتبنيه داخل عائلة أو في حي أو في إمارة أو في دولة...) حسب المذهب الشافعي مثلا، ويقتضي ستر جسم المرأة كله ما عدا الوجه والكفين.
ثم ساد استعمال النقاب الذي هو قطعة ثوب كبيرة بمثابة حجاب كبير يغطي الجسد كله بما في ذلك الوجه ما عدا العينين اللتين تبرزان من خلال فتحتين صغيرتين بحجمهما. أما البرقع فهو لا يختلف كثيرا عن النقاب، فالبرقع يفرض حجب العينين أيضا عبر تغطيتهما بشبكة من ثوب تسدل فوق غطاء الوجه حيث يبدو الوجه معتقلا داخل قفص من ثياب. ولعل هذه الرمزية قوية لحد يجعل الحجاب والنقاب والبرقع سجونا لحجب جسد المرأة بالدرجة الأولى حتى يشعر الذكر بأنه ليس مسؤولا عن تفاقم غريزته الجنسية بحثا عن نقاوة وبراءة افتراضيتين بل وهميتين.
إن مسألة حجب جسد المرأة تثير عدة قضايا إشكالية من بينها التعامل مع الدين وتاريخية الملابس النسائية ومصداقية النصوص الموروثة التي تشبه قصصا تداولتها أجيال قرابة قرنين ونصف من الزمان شفويا قبل أن تثبت في نصوص دون وجود وثائق لمقارنة النسخ بالأصل لتأصيل المروي ومدارسة المحكي. إضافة إلى قضية الحرية وسيطرة اللاوعي الجمعي والتصورات حول الجنس في الثقافة التقليدية (حيث تتعايش الإباحية مع الطهرانية) واستمرارية أفكار معادية لحقوق الإنسان في تنظيم الفضاء الجماعي ظلما وعدوانا.
يريد الذكر من خلال الحجاب والنقاب والبرقع تأكيد الماضي في الحاضر، وضمان استمرارية المرأة في الخدمة واحتقارها بجعلها بدون معالم إنسانية ومضاعفة سجنها مما يحرمها من ممارسة حقوقها المختلفة كمواطنة.
لا يتعلق الأمر بحرية اللباس ولا بممارسة الطقوس والعادات والمعتقدات... بل إن الأمر في جوهره يمس كرامة المرأة والعمل على إدامة استعبادها بطرق مكشوفة أو مستترة.



#محمد_الهلالي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Hilali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجدد الميلاد
- سيوف الفتوى ودماؤها
- فجر الفقدان
- مفهوم المخزن السياسي والاقتصادي
- الممنوع والمباح
- انحطاط المفاهيم أو الخصوصية القاتلة للكونية
- سنة مهداة للشمس
- الإيديولوجية الدينية والديمقراطية وحقوق الإنسان
- الحداثة
- العقلانية
- الفلسفة والنساء
- العلمانية والإسلام


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الهلالي - التطرف الديني وحجب المرأة