مازن السهلاني
الحوار المتمدن-العدد: 1051 - 2004 / 12 / 18 - 12:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في زحمة التحديات الروحية والأخلاقية وفي زحمة التحديات الفكرية والثقافـيـــــــــــــة وفي زحمة التحديات الاجتماعية والسياسية وغيرها والتي تشهدها هذه المرحلة التاريخية بكل مكوناتها الثقافية والاجتماعية والسياسية تدعونا أن نملك وعي الحركة الإصلاحية بكل مساراتها وآفاقها وطموحاتها , وأن نملك وعياً بكل الاتجاهات والقوى المتحركة في الساحة والتي تحاول أن تشــــارك في تفعيل المشروع السياسي أياً كان وصياغة خطوات المرحلة السياسيـــة ..... فقد يصر البعض على رفض قاطع أن يكون لعلماء الدين أي دور في الممارســـــات السياسية وينطلق هؤلاء الرافضون من عدة مبررات:
المبرٌر الأول: ليس من مهام الدين التٌدخل في الشأن السياسي .. الوظيفة الأساسيــة للأديان السماوية هي صياغة الواقع الروحي للإنسان في مساراته الفردية وتهذيب الســـــــــلوك الأخلاقـي وتحصين المحتوى الداخلي للفرد وتطهــير جميـــــــــــــع غرائزه وشهواته , أما منظوم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فهي متروكة لصياغات العقل البشري ومنجزات التطور العلمي وإذا تأسس هذا الفهم في تحديد مهمة الدين فلا يبقى أي مجال لتٌدخل علماء الدين في المســــــــــائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ... إنه من الواضح إن هذا المبٌرر ينطلق من فهم خاطئ جداً للدين ولسنا في حاجة الى جهد كبير لأثبات خطأ هذا الفهم والذي يُعبٌر عن أحد الدلالتين :
الدلالة الأولى : الجهل المفرط بأبسط أسس هذا الدين أو ذاك الدين وأوضح مكوناته , فقراءة عاجلة في أي مصدر من مصادر التشريعات السماوية تبرهن بكل وضوح خطأ وسذاجــــــــة هذا الفهم , فالأديان السماوية في تشريعاتها تنظٌم حركة الإنسان في جميع مساراتها الفردية والاجـتــــــــماعية والاقتصادية وفي جميع مجالاتها الروحية والمادية.
الدلالة الثانية : وهو محاولة التشويه المتعمٌد لمفهوم الدين , كما هي مهمة الكثير من العلمانيـيـن في مصادرة دور الدين وإقصائه عن مواقع الحضـــــــــور الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي وبهدف الاستفراد بكل مواقع الحركة وصياغتها وفق المنظور المناهض لتوجيهات الدين.
المبرٌر الثاني: وثاني المبررات التي ينطلق منها الرافضـــــون لأعطاء علماء الدين حق التٌدخل في الشأن الساسي هو كون العلماء لا يملكون ( القدرة ) على ممارســــــــة العمل السياسي ولا يحملون خبرة هذا الميدان واستعداداته الفكرية والعملية حيث ُ طبيعة تكونٌهم الذهني والثقــــــــــافي والعلمي هو التعاطي مع المسائل الدينية وقضايا الفقه والشرائع السماوية .... هذا الكلام فيه مغالطة واضحة فلا شكٌ أن العمل السياسي يفترض التوفٌر على مؤهلات وقدرات سياسـيـــــــــة , متى توفٌرت هذه المؤهلات والقُدرات جاز لهذا الإنسان أو ذاك أن يمارس الدور السياسي فلا فرق في ذلك بين عالم دين أو غيره ومتى غابت تلك المؤهلات لم يجز لهما معاً تعاطي السياسة .. إن هنــــــاك الكثير من علماء الدين في هذا العصر هم من الدارسين الأكاديميين بالإضافة الى تخصــــاصتهم الدينية فلماذا يُسمح لكل الناس حتى ولو كانوا عاديين لا يحملون أي مؤهل علمي أن يمارسوا العمل السياسي أما علماء الدين وإن توافروا على أرقى القُدرات والمستويات فهُم غير مؤهلـيــــن للعمل السياسي , هل العقدة من مُجٌرد الزي العلمائي أم أن المسألة تنطلق من حسابات أخرى !!!!!
المبرر الثالث: وثالث هذه المبررات أن العمل السياســـي بما فيه من ألاعيب وأكاذيب ودجل ونفاق فهذه العناوين لا تتناســـــب والمكانة الروحية التي يتمتع بها علماء الدين ...
أعتقد إن هذا المٌبرر قد يبدو وجيهاً عند البعض لسببين :
1 - كون السياسة في واقعها الفعلي يطغى عليها الكذب والزيف والدجل والنفاق .
2 - وجود رغبة حقيقية عند الناس في الحفاظ على المكانة الروحية النقية لعلماء الدين ..
إلا أن هذا لا يصٌح أن يكون مبرراً لإقصاء علماء الدين عن ممارســــــــة مسوؤلياتهم السياسية في الأطر النظيفة ووفق المعايير الشرعية والصحيحة .. إن السياسة في شكلها الزائف أمر مرفوض لا يصٌح الاعتراف به ثم إن
النظافة السياسية من العناوين الكبيرة التي ندعو اليها ونطالب بممارستها ولعل من أهم الوسائل لانتاج هذه النظافة أن يتصدى للعمل السياســــــي الناس الذين يحملون نظافة الفكر ونظافة الضمير ونظافة السلوك والمحبة والسلام.
وهنـــا قد يقال بأن الطمــــوح ليس واقعياً وإنما هو طرح مثالي ... لا أدري ماذا يقصد هؤلاء بالواقعية؟؟
إذا كانوا يفهمون الواقعية بأنها التسليم لما يفرضـــــــه الواقع وإن كان هذا الواقـــع خطأ فهذا مفهوم خاطئ , لأن
من مسؤولية أصحاب المشاريع الإصلاحية أن يُغيرٌوا الواقع الفاســــــــــد وأن يُعيدوا صياغته من جديد أليس هذا هو فهمنا للواقعية !! فإذا كانت مسؤولية حركات الإصــــلاح السياسي هو إنقاذ الواقع السياسي من جميع صياغاته الفاسدة فلا يجوز أبداً أن نعتبر فســـــاد الواقع السياسي مبرراً لإقصاء الناس الأتقياء المخلصين إن لم يكن العكس هو الصحيح .... أما كون العمل السياسي يتنافى مع القداسة الروحانية ففكرة صنعتــــــــــها في ذهنية الأمة أسباب كثيرة قد لا أجد مجالاً هنا للخوض فيها ومعالجتها , وما يهم التأكيـــــد عليه إن هذه الفكرة خاطئة بل مشبوهة رٌوج لها أعداء الأديان جميعا لأهداف كثيرة كالدمار والإرهـــاب والقتل وغـيـرها من الأسباب وتسٌربت الى وعي الأمة في مرحلة التخٌلف والانحسار وهيمنة القوى الضـــــالة المنحـرفة على الواقـــــــــــــع الثقافي والاجتماعي والسـيــــاسي ..... وآخر دعــــــوانا الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الشيخ مازن الســــهلاني - أمريكا
#مازن_السهلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟