أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الهلالي - سيوف الفتوى ودماؤها














المزيد.....

سيوف الفتوى ودماؤها


محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)


الحوار المتمدن-العدد: 3545 - 2011 / 11 / 13 - 14:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اللاوعي الجماعي هو مجموع المعطيات النفسية والفكرية والاجتماعية والتاريخية المتجذرة في البنية النفسية لأفراد مجتمع معين، والتي تعتبر بمثابة لحمة هذا المجتمع وأساس وحدته. وبما أنها ليست معطيات بيولوجية فإنها قابلة للتعديل التدريجي مما يسمح لفئات المجتمع المختلفة أن تشكل نسيجا موحدا في أساسه متنوعا ومختلفا في تعبيراته وتمثلاته وتجسيداته.
ويخضع كل مجتمع لمكون مهيمن على بقية العناصر المشكلة لبناه الفكرية والنفسية، فإذا أخذنا أي مجتمع أوروبي فإن العنصر الغالب فيه هو العنصر القانوني وهو ما نلمسه من خلال أهمية دولة الحق التي يطبق فيها القانون على العامل والأمير. وتشهد المجتمعات الأوروبية على أنها خضعت لتطور تدريجي، بالرغم من مقاومة أفراد وفئات لذلك التطور، توج أحيانا بثورات عنيفة ودموية، نقل هذه المجتمعات من حالة سيطرت فيها المعطيات الدينية إلى الحالة الحالية، والتي نعتها أوجست كونت بالحالة الوضعية أي التي يكون فيها للعلم الغلبة والهيمنة.
فالمكون الديني للاشعور الجمعي وطغيانه في الحياة السلوكية والنفسية والفكرية لمجتمع ما هو أمر عادي وتاريخي، لكنه ليس أبديا. ومن بين تمظهرات ضعف المعطيات الدينية وتحلل الأفراد من إلزاماتها وتبني سلوكات وتفسيرات وضعية تجعل المعطى الديني أمرا شخصيا، التصدي العنيف من طرف رجال الدين أو من يخوضون في السياسة باسم الدين، تصريحا أو تلميحا، لما يعتبرونه مسا بالمقدس الديني.
ويعتبر اللجوء للفتوى، كأعلى قرار بشري تنفيذي، مستمد من الخالق، ردا فعليا عنيفا يشبه استعمال السلاح لتغيير الواقع بالقوة.
فهل هناك شروط محددة نظريا، يجب توفرها لتكتسب الفتوى شرعيتها الدينية؟ هل يمكن مثلا لأتباع الإمام مالك أن يستعملوا فتوى صادرة عن المذهب الحنفي ما دام "شرع الله يوجد حيثما توجد مصلحة المسلمين"؟
من الناحية الشكلية، ما الذي يجعل شخصا ما يصدر فتوى محددة ويشيعها في الناس وكانه يملك مشروعية ذلك الفعل؟ هل توفرت فيه مثلا الشروط الفقهية والتاريخية للقيام بذلك؟ هل حظي بإجماع علماء عصره بخصوص علمه وتقواه ونزاهته وتجرده عن أي تحزب أو تعصب أو طائفية؟
إذا كان المفتي ينطلق من مذهب فقهي معين، فكيف يتجاهل أن هناك إمكانية أمام كل مسلم لينتقل إلى مذهب آخر ما دام الأمر لا يعد خروجا عن الإجماع والاجتهاد، ومادام هذا الانتقال يؤكد أن المجتهدين، أي الأئمة والفقهاء، ليسوا رسلا ولا أنبياء مقدسين؟
إن وجود مبحث "التلفيق بين المذاهب الفقهية" يدل على ذلك، والتلفيق هنا مسألة إيجابية وليست انتقائية سلبية. فرغم أن بعض الفقهاء يرفضونه بشكل نهائي، فإن فقهاء آخرين يعتبرونه جائزا جوازا مطلقا، وبعضهم يرونه جائزا شريطة "عدم تتبع الرخص قصدا"...
من البين أن ما قاله أبو نواس في الخمر واختلاف المذهب المالكي والحنفي بصدد معناها لا يعد تلفيقا بين المذاهب وإنما هو مجون واستهزاء حيث قال:
أحل العراقي النبيذ وشربه *** وقال حرامان المدامة والسكر
وقال الحجازي الشرابان واحد *** فحلت لنا بين اختلافهما الخمر
ويقصد بالعراقي أبو حنيفة النعمان، أما الحجازي فهو مالك ابن أنس.
ومن مفارقات الفتوى أن الفتوى الصادرة عن مفتي أو عن مؤسسة دينية لا يعتبرها البعض، مثل مفتي مصر محمد سيد طنطاوي، ملزمة، وأن المسلم حر في قبولها أو رفضها.
إن نتيجة هذا المعطيات هي أن الفتوى اليوم لا تستوفي شروطها الدينية كفتوى لأنها لم تعد ضرورية باعتبارها كذلك، فيمكن لأي مفتي أن يصدر فتوى ويأتي مفتي آخر ويفندها في نفس الوقت، حدث هذا في مسالة غزو الغرب للعراق ومسألة الجهاد، ومسألة ارتياد أماكن الخمر في المغرب. إن القانون قد حل محل الفتوى، إضافة إلى أن معظم الناس لا يشكون من انحراف القانون بصفة عامة، وإنما يشكون من عدم تطبيقه ومن التلاعب به.
فالفتوى اليوم لا تعتبر تحريضا فقط، بل هي إضافة على ذلك، دعوة إلى حرب أهلية على أساس ديني بين المسلمين والفاسقين أو الفجار... وهي من جهة أخرى فرض رأي أقلية ساخطة على المعاصرة ومنتجاتها على الأغلبية عبر تسخير المقدس الذي هو أخطر مكون من مكونات اللاوعي الجمعي.
لن نجد أي طبيب مثلا يدافع عن المشروبات الكحولية بدون شروط، وهذا يعني أن الطب هو سلاح فعال لتوعية الناس بخطورة التعاطي لهذه السموم، حيث لم يفلح الجلد وقطع الرؤوس.
لا بد أن يقتنع الفرد اقتناعا فعليا بعدم استهلاكه لمواد تضر بصحته. فمنع تداول الكحول مثلا سيؤدي إلى أمرين خطيرين وهما: البيع غير القانوني والتهريب، وعدم خضوع السلع المعنية للضوابط التجارية والسلامة الصحية، والأمر الثاني هو صنع المشروب أو المادة الممنوعة بطرق بدائية الشيء الذي لا يعني أنها غير فعالة.
يجب أن يعلم الفقهاء أن مكانهم قد احتله القضاة ورجال القانون وأن عليهم أن يعبروا عن آرائهم بكل تواضع ونسبية... فالدين رغم تقلبات التاريخ وسيطرة النزعات السياسوية النفعية التي تضحي بمصير شعب من أجل مصلحة السلطة لا يجب أن يتجاوز المجال الروحي الفردي والعلاقة الفردية مع الخالق وفي هذا تكمن قوته وقدسيته ورمزيته وضرورته. أما خروجه للمجال السياسي عبر الفتوى أو الفتنة أو ولاية الفقيه فهو إعدام للدين على المدى البعيد قبل أن يكون ارتدادا على الحريات والديمقراطية.



#محمد_الهلالي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Hilali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فجر الفقدان
- مفهوم المخزن السياسي والاقتصادي
- الممنوع والمباح
- انحطاط المفاهيم أو الخصوصية القاتلة للكونية
- سنة مهداة للشمس
- الإيديولوجية الدينية والديمقراطية وحقوق الإنسان
- الحداثة
- العقلانية
- الفلسفة والنساء
- العلمانية والإسلام


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الهلالي - سيوف الفتوى ودماؤها