|
التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 1 )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 3543 - 2011 / 11 / 11 - 20:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد فضلنا استعمال كلمة التوجه السياسي بدل الفكر السياسي ، لان التوجه يعني خطا او اختيارا رغم كونه قد يكون عرضة للضبابية والانقلاب في المواقف بسبب التأثر بتجارب مختلفة و متناقضة ، وبسبب التماهي مع عدة نظريات دون الانحياز التام لإحداها ، وهو ما يعني الغوص في الشعبوية باجترار عدة تجارب وعدة نظريات ، مما يجعل التنظيم كما قال احد الأطر الماركسية واصفا تجربة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بأنه حزب " لا نظرية نظريته والتجريبية ممارسته " . أما الفكر السياسي فهو العلم الذي يدرس نظريات الفلاسفة والمنظرين السياسيين والاقتصاديين أمثال ماركس انجليز ، جون بول سارتر ، ابن خلدون ، أدام سميت ، ريكاردو ، هوبز ولوك .. الخ . فالفكر السياسي وبخلاف التوجه السياسي هو مدرسة مبنية على العلم والتدقيق ، ولا يخضع مثل التوجه الى التجربة والاجترار . من هنا وجب التفريق بين السياسي الذي يحترف السياسية وبين رجل السياسة الذي يعتمد البرغماتيكية في كل معالجة للظواهر التي تتراء له في الواقع . وبشكل صريح فان المهدي بن بركة كان شخصا يحترف السياسة ولم يكن رجلا سياسيا بالمعنى المطلوب .. ولدراسة التوجه السياسي عند المهدي بن بركة ، لابد من الإحاطة علما بالتنظيم السياسي الذي أسسه وضمنه كل تفسيراته بخصوص الأزمة السياسية التي استرعت وقتها باهتمام النخبة التي مارست الشأن العام . وهذا يعني ضرورة الإحاطة بالتنظيم الشعبوي الأول في المغرب ، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية قبل ان نهتدي الى تحليل النسق السياسي للتوجه السياسي عند المهدي . لذا ارتأينا ان نقسم هذه الدراسة الى قسمين : القسم الأول سنخصص له فصلا أولا لدراسة الإطار ( الإيديولوجي ) لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية . والفصل الثاني سنخصصه لدراسة التوجه السياسي وليس الفكر السياسي عند المهدي . بينما سنخصص القسم الثاني لمصير المهدي طارحين السؤال : من خطف المهدي وغيبه طيلة هذه السنين . وللإشارة هنا فأننا لم تستعمل كلمة قتل ، لأنه ليست هناك أدلة قضائية وجهت تهمة القتل ، بل اكتفت فقط بالاختفاء الذي طال الى حد كتابة هذه السطور
. القسم الأول الفصل الأول : الإطار الإيديولوجي لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية
لا يمكن لأي بحث هادف ان يشمل جوانب حركة سياسية معينة إذا ركز فقط على الجانب السوسيو – تاريخي الذي يلعب دور العامل الأساسي في تحديد مسار جانب السوسيو – تاريخ ، لان جميع المحطات السياسية الهامة التي يقطعها التنظيم تكون مطبوعة بعامل الإيديولوجية التي وحدها تمكن الباحثين والمحللين السياسيين من تصنيف الخانة التي يوجد بها الحزب . لذا فان الأستاذ موريس دفرجيه في دراسته للنظرية العامة للأحزاب السياسية ، ركز على الجانب الإيديولوجي الى جانب العامل التنظيمي والأعضاء الحزبيين في تعريفه للأحزاب وفي التمييز بينها ، بحيث اذا تعطل عامل واحد من هذه العوامل الثلاث في التعامل مع الظاهرة الحزبية ، فان اية جماعة رغم أنها تنشط سياسيا ، فانه لا يمكن اعتبارها حزبا سياسيا بتعريف الأستاذ موريس دفرجيه للأحزاب ، بل تعتبر فقط جماعة ضغط تكون اقرب الى النقابة منها الى الحزب . ورغم أفول المعسكر ( الاشتراكي ) وأفول الإيديولوجية ( الاشتراكية ) في صراعها مع الإيديولوجية الامبريالية والرأسمالية التي ستعرف نفس مصير الإيديولوجية الأولى ، ليس فقط في العالم الثالث الذي يتميز ببنيات خاصة ، بل في عقر دارها بنيويورك ، باريس ولندن ...لخ وخاصة ان أفول الصراع الإيديولوجي بسبب ما يسمى بنهاية الإيديولوجية يبقى أمرا مستبعدا بسبب قيام المنظومة الرأسمالية الامبريالية بخلق عدو وهمي جديد لتبرير سياسة الحروب والقتل والدمار ، جسدته في الإسلام ومنه في المسلمين وعلى رأسهم العرب بدرجة أولى . لذا يظل العامل الإيديولوجي مهما في تصنيف الحركات والتنظيمات والأحزاب السياسية ، لأنه هو الذي يصنف الحزب ضمن مجموعة معينة ، ويمكن من ثم إعطاء فكرة مسبقة عن طبيعة ونوع الأشخاص التي تتواجد به وطبيعة ونوع الأهداف التي يخططون لوصولها . لذا فلكي نتعرف على حزب الاتحاد الوطني - الاشتراكي ( هذا الأخير الى حدود المؤتمر الاستثنائي سنة 1975 ) ، ولكي نفهم نوع الأهداف التي كان يرمي إليها ، يكفي ان نطرح سؤالا : هل كان للاتحاد إيديولوجية واضحة ، ام انه كان يسبح في بحر من الإيديولوجيات دون ان يحسم اعتناقه لإحداها . بمعنى انه كان حزبا شعبويا انقلابيا ولم يكن ديمقراطيا ، وبدليل ان النظام السياسي الذي كان يطمح الى إقامته في المغرب كنسته مؤخرا الجماهير في ليبيا ، مصر ، ومستقبلا في سورية واليمن . اي إقامة نظام البرجوازية الصغيرة والمتوسطة و ما فوق المتوسطة . قبل الجواب عما اذا كان الحزب يعتنق فعلا إيديولوجية واضحة ومعروفة تميزه عن بقية الأحزاب التي كانت تتحرك في الساحة ، ام انه كان فقط حزبا من أحزاب الرأي والمساومات يستخدم رصيدا معرفيا متناقضا من الأفكار لتحديد موقف سياسي متذبذب من الأحداث والإشكاليات التي كانت تفرض نفسها على الشأن العام ... لا بد من الإشارة إلى ان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عانى من الخلط الإيديولوجي الذي تمثل في المذاهب التي كانت تسوده بشكل غير منتظم ، فهو تارة يدعي التمسك بالعقيدة والتقاليد و الحضارة العربية ، اي القومية من ناصرية وبعتية . وتارة يدعي الاقتداء بالثورة الفرنسية والمدارس الفكرية المنبثقة عنها مثل العلمانية والعقلانية . وتارة التمسك بالعقيدة الإسلامية . وتارة التمسك بنقيضها ، اي بالماركسية كمنهج في التحليل . ان هذا الوضع الشعبوي الذي طبع مسيرة الحزب جعل منه حزبا " لا نظرية نظريته والتجريبية ممارسته " . ان هذا الوضع ليس له من تفسير غير ان أحزاب برجوازية الدولة والبرجوازية الصغيرة ، من خلال ادعاءها المزيف تريد إيهام المحللين انها تسلك طريقا مستقلا عن التيارين اللذين كانا يسودان العالم ، التيار الشيوعي والتيار الرأسمالي ، وهو ما تسميه هذه الأحزاب بالطريق الثالث في العمل السياسي ، مثل الكتاب الأخضر الذي احرقه الإخوان المسلمون مؤخرا في ليبيا . وفي نظرنا ، انه في غياب إيديولوجية معينة واضحة ، تلجا أحزاب البرجوازية الصغيرة دائما الى أسلوب الانتقائية والاستعانة باطروحات متناقضة ومتضاربة مستقاة من مصادر إيديولوجية مختلفة انطلاقا من الثراة السلفي ، الى الفلسفات العلمانية والملحدة واللادينية ، الى المذاهب الاشتراكية المختلفة من أوربية وشرقية وأسيوية ... لذا فان اشتراكية حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، كانت في الحقيقة تقنوية وفوقية ، وأدت هذه البنية الفكرية المائعة ، والهيكل التنظيمي الهش الى ان تكون اغلب الصراعات السياسية التي خاضها الحزب غير مؤطرة ايديلوجيا وتنظيميا ، ولكن كانت بسبب تدخل عناصر من الدولة كانت تدفع بإرهاق الحزب ، وتوظيفه في عملية الانقلاب على الشرعية التي بلغت قمتها في أحداث 16 يوليوز 1963 ، وأحداث 3 مارس 1973 وانقلاب الطائرة مع الجنرال محمد افقير في سنة 1972 ،وقد أدى هذا الخلط الإيديولوجي والتنظيمي الهش الى تصدع الحزب في عدة محطات ، فعجل بكثرة الانسحابات وانضمام العناصر المنسحبة الى جانب القصر . ان هذا الوضع الذي اتسمت به مسيرة الحزب حيث الغياب الإيديولوجي ، وانعدام التنظيم ،والارتباك السياسي ، والازدواجية والتناقض في المواقف وعدم الانسجام بين مكوناته ... خلق للحزب أزمات سياسية وتنظيمية كان أبرزها ظهور جناحين متقابلين . جناح نقابي يتزعمه الأستاذ عبد الله إبراهيم ، وكان من أنصار فصل الجهاز النقابي عن الحزب حتى لا يتم استعمال العمال واستغلالهم لتحقيق أهداف حزبية ضيقة بعيدة عن مصالح الشغيلة ، ومن جهة أخرى لقطع الطريق على الجناح الانقلابي البلانكي الذي كان يجر المغرب الى متاهات غير مضمونة النتائج وبتواطؤ مكشوف مع التيار السياسي الذي كان يوفر له التغطية السياسية ، واستغلال النقابة لإغراض سياسوية ضيقة لا علاقة لها بمصالح العمال . اما الجناح الثاني فكان يمثله أنصار الملكية الشكلية التي لا يسود فيها الملك و لا يحكم ، وكان على راس هؤلاء المرحوم عبدا لرحيم بوعبيد . ان هذا الجناح كان يعمل جادا على ضم المركزية العمالية ( الاتحاد المغربي للشغل ) الى الحزب لتسييس العمال واحتواءهم ، ثم استعمالهم كوسيلة للضغط على الدولة ، لكسب مواقع متقدمة في المعركة المحتدمة مع القصر ، وتحضيرا لمرحلة التجاوزات للمشروعية التي بدا مسلسلها مع بداية الستينات مع الجناح البلانكي في أحداث 16 يوليوز 1963 ، وإحداث 3 مارس 1973 ، والتحالف مع الجنرال افقير في انقلاب الطائرة في 16 غشت 1972 . لقد انتهى الصراع بين الجناحين في الحزب الى إعلان اكبر انشقاق عرفه حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في 30 يوليوز 1972 ، بعد انشقاق 25 يناير 1959 عن حزب الاستقلال ، و بعد انفصال مجموعة 23 مارس الماركسية بشكل رسمي في سنة 1970 . وقد أدى هذا الانشقاق الى ظهور تسمية جديدة لفرع الرباط هي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في سنة 1974 . وبخلاف الانسحابات التي عرفها حزب الاتحاد الوطني في بداية الستينات وانضمام عناصرها الى جانب القصر ، وبخلاف الانسحاب الذي كون مجموعة 23 مارس ، وانسحاب حركة الاختيار الثوري بعد انقلاب 11 يناير 1975 ( المؤتمر الاستثنائي ) . وبخلاف انسحاب 8 ماي 1983 ( اللجنة الإدارية الوطنية ) وإنشاءها لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي في سنة 1991 ... فان انسحاب 30 يوليوز 1972 كان هاما لعدة أسباب : 1 --- ان الظرف السياسي العام الذي حصل فيه الانشقاق كان من الخطورة بمكان . فمن جهة عرف النظام الملكي انقلابين عسكريين ، ومن جهة أخرى وفي سباق محموم مع الوقت ، شرع البلانكيون وبمشاركة السياسيين اليساريين في التحضير والإعداد للمؤامرة المسلحة بدعم من المخابرات الجزائرية في 3 مارس 1973 ، حيث جاء الانقلابيون الفوقيون من الجزائر لانجاز الثورة في الأحداث المعروفة بخنيفرة مولاي بوعزة . ومن جهة أخرى أيضا فان الصراع بين بين الجناح السياسي اليساري ، ودعاة البؤرة الثورية ، وبين الجناح النقابي ، كان صراعا من اجل السبق لاحتلال المواقع لصالح أطراف النزاع او الصراع ، وليس من اجل المصلحة العامة . ومن ثم فان الهدف من الصراع كان الحسم لأحد القطبين المتصارعين ، وهذا ترجمته الأحداث السياسية اللاحقة التي عرفها المغرب ، حيث سجل انسحاب الجناح النقابي من الساحة وسيادة الجناح السياسي خاصة بعد إنشاء الكنفدرالية الديمقراطية للشغل 2 --- ان انشقاق 30 يوليوز 1972 ، جاء نتيجة ظروف عصيبة كان يمر بها الحزب تمثلت أساسا في تقليص نفوذه ، وتقوقعه أمام المد المتنامي لليسار الماركسي اللينيني ممثلا في تنظيمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية . وللإشارة فان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية رغم انه كان يطالب بملكية شكلية ، وانتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا للبلاد يحدد نظام السلط ويضع حدا لتداخلها ، مع السهر على تنظيم انتخابات نزيهة وديمقراطية وغير مزورة ... فان إلحاح كل من المهدي بن بركة و الفقيه محمد البصري ، ومحمد بن سعيد ايت أيدر ، وعبد السلام الجبلي وآخرون كثيرون ، خاصة أثناء الحكومة التي ترأسها عبدا لله ابراهيم رحمه الله ، بوضع مؤسسة الجيش ووزارة الداخلية تحت إشراف هذه الحكومة ، كان يخفي حقيقة خطيرة تتراءى من وراءها أشياء كثيرة ترجمتها على ارض الواقع محاولة الاعتداء على حياة ولي العهد آنذاك الأمير مولاي الحسن ، وعملية الهجوم المسلح الفاشلة على القاعدة العسكرية الأمريكية بالقنيطرة ، ومن ثم الانقضاض على الحكم . وهنا لا يجب ان ننسى وقوف الحزب قيادة وقواعد وراء انشاء خلايا مسلحة لاشعال حرب اهلية بالمغرب ، ثم وقوف قيادته مع المخابرات الجزائرية ضد المغرب في حرب الرمال سنة 1963 . ان السبب الرئيسي في المنحى الذي اتخذه الحزب إزاء الشعبوية يعود بالأساس الى العناصر التي أشرفت على الانشقاق عن حزب الاستقلال ، وتواطئها مع جهات نافدة في مؤسسة المخزن ( أفقير ، المدبوح ، إدريس لمحمدي .. ) سهلت عملية الانشقاق هذه ، والتقاء مصالح هذه العناصر بمصالح تلك العناصر في التحضير للقضاء على النظام الملكي وتعويضه بنظام جمهوري برلماني على شاكلة الجمهوريات العربية . واذا كان من الممكن تصور طبيعة الأشخاص التي كونت الحزب الجديد وتأثيرها في رسم مساره الذي كان يستجيب لهذا الخليط من الأفكار المتضاربة والمصالح المتعارضة ، فان ما جعل الحزب ينغمس حتى الأذنين في الشعبوية ، ويتشبع بالفلسفة الانقلابية ، كان الفكر المتضارب الذي حاول المهدي بن بركة إصباغه به . فهذا الأخير لم تكن له قناعة فلسفية واضحة ، لكنه كان خليطا من الأفكار والنظريات ، وتضاربا من الفلسفات همه الأساسي وبجانب رفاقه الإطاحة بالملكية في المرحلة الأخيرة بعد استنفاذ دور الملكية الشكلية . لذا فحين كان المهدي بن بركة الدينامو الرئيسي في حركة 25 يناير 1959 يستلهم النموذج الغربي في الحكم ، فانه كان من أنصار الملكية الشكلية التي لا يسود فيها الملك و لا يحكم ، فكان يشترك هنا ويلتقي مع السياسيين الذين كانوا ينعتون بالتقدميين اليساريين . وحين كان المهدي يشيد بالقومية العربية ، وبالاتجاهات البعثية والناصرية ، فهو كان يؤمن ويحضر للانقلابية والدكتاتورية ، فكان يلتقي بذلك مع الاتجاه البلانكي الذي كان يؤمن بالانقلاب من فوق . وعندما كان المهدي يشيد بالتجارب الشيوعية والماركسية ( أنظمة أوربة الشرقية وروسيا ) وحتى بالتجربة الصينية ( الماوية ) ، فانه كان يناصر دعاة الحزب الوحيد والثورات الشعبية ، فكان بذلك يلتقي مع الماركسيين الذين خرجوا من حزبه ، وكونوا يسار السبعينات . وحين كان المهدي يرجع الى السلفية ، فذلك حتى لا يقطع مع مقومات الشعب المغربي الذي كان يعمل على توظيفه في المعركة الكبرى المنتظرة ، وهكذا ... لذا فان أي بحث وتحليل عميقين لمعرفة الخط السياسي والإيديولوجي لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لا يمكن ان يكون هادفا وعلميا اذا لم يكن على ضوء دراسة الخطاب السياسي الذي كان يستعمله زعيم الحزب المهدي بن بركة عند تقييمه او حكمه على اية ظاهرة كانت تسترعي باهتمامه وباهتمام الطبقة السياسية التي تتعاطى للشأن العام . الفصل الثاني : التوجه والخطاب السياسي للمهدي بن بركة برجوعنا الى بحث الأفكار التي كانت تتضمن في الخطاب السياسي للمهدي بن بركة دينامو الانشقاق عن حزب الاستقلال الى جانب الفقيه محمد البصري وآخرين ، وصاحب كراس " الاختيار الثوري " الذي ضمنه جميع أفكاره وتصوراته للعمل الوطني ... ستتضح لنا ملاحظة أساسية تتجلى في ان الارتباطات السياسية للمهدي بن بركة بالقضية الوطنية ، والمسالة المستقبلية كانت تنطلق من اعتبارات مجردة ، تهدف الى رد التخلف الذي يعاني منه المغرب الى افتقاره الى الاقتصاد القوي والتكنولوجية الصلبة الهادفة ، وفي غياب القاعدة الاقتصادية التحتية والقوية . لكن موقف المهدي من هذا النقص او الخلل جعله يريد اختزال الاقتصاد الغربي في العمل والإصلاح ، ولكن ومن غير ان يشعر يقوم بإفراغ هذا الاقتصاد من جميع مضامينه الإيديولوجية المؤسساتية والثقافية الغربية . ان هذا يعني ان المهدي بن بركة كان في أصله من دعاة تقديس التقنية الغربية ، فكان بذلك يتوفر على نظرة تقنوية إصلاحية ضيقة ومجردة من كل الاعتبارات الإنسانية لدواليب الاقتصاد والحكم ، و لكن ومن غير ان يشعر يفرغ هذا البناء من عقيدته الايديولجية التي هي ضرورية لمقودة هذا الإصلاح في شتى المجالات ... هكذا نجد مثلا ان المهدي بن بركة تجرع في المجال الديمقراطي أساليب القيادة المركانتيلية داخل حزب الاستقلال في لجم الصراع الداخلي بوسائل إدارية ، وإجراءات تقنية أطاحت بالحياة الديمقراطية داخل الحزب ، وحرفت الصراع عن طبيعته وأهدافه ، فجعلته يدور بين أفراد يحتكمون الى ( الشرعية التاريخية ) المفترى عليها ، والأهداف السياسية المعلقة والمركز الاجتماعي الطبقي . وكان هذا السلوك من تدبير القيادة المحافظة المركانتيلية التي خرجت منهكة من مرحلة الكفاح الوطني البرجوازي الذي كان يعتمد الدعاية الإعلامية الموجهة الى أوربة وأمريكا ، فحاولت هذه الطبقة بعد استقلال المغرب توظيف الاستقلال الذي تحقق بفضل المقاومة وجيش التحرير ، لخدمة مصالحها الطبقية على حساب مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية التي كانت قاعدة المقاومة المسلحة في الشمال والجنوب وبالمدينة والريف ... وبين أفراد سئموا هذه الأساليب في النضال لانه كانت لهم مشاريع سياسية اكبر جعلت المغرب يؤدي فاتورة كبيرة لا يزال يعاني من تبعاتها الى الان في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية . وقد استغلت عناصر داخل المخزن هذا التناقض الذي كان يوجد عليه حزب الاستقلال كأكبر حزب بعد الاستقلال ، فدفعت بالجناح البرجوازي الصغير التواق الى الحكم الى إعلان تمرده وانشقاقه عن الحزب الأم ، وخلق حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي تعرض بدوره ، و عندما كانت الظروف تسمح بذلك لعدة انشقاقات وانسحابات ولدت العديد من التنظيمات التي عرفت بدورها انشقاقات وانسحابات مماثلة وهكذا . وهذا جعل بحق القول ان تاريخ اليسار في المغرب هو تاريخ انشقاقات ليس أكثر من ذلك وفي مجال السلطة العامة الفعلية ربط المهدي بن بركة بين ثلاث عناصر أساسية اعتبرها ضرورية ولازمة لأية عملية نهضوية تقدمية للخروج من التخلف الاقتصادي والاجتماعي الذي يعاني منه المغرب . واعتبر انه في حالة عدم توافر هذه العناصر فان دار لقمان ستبقى على حالها ، وستزيد التبعية والتخلف في اخط أمامي مما ينذر بوقوع كارثة ستضرب المغرب في الصميم . ان هذه العناصر يحددها المهدي بن بركة في الحكومة القوية المنبثقة من البرلمان ، وفي الانتخابات الحرة والنزيهة وتقوية سلطات البرلمان على حساب سلطات الملك ، تم وضع التصميمات الاقتصادية الخماسية والصناعة الثقيلة ، وتمكين الشعب من تسيير شؤونه بنفسه وبدون وصاية من احد . الملاحظ ان هذه العناصر التي يقيم بها المهدي الوضع العام السائد في المغرب ، والتي يعتبرها مفتاح الحل للازمة العامة المستشرية ، تجعل منه مثل سلامة موسى في الشرق العربي يعمل على اختزال البنيات الأساسية للغرب الرأسمالي في المجال الديمقراطي والسياسي والاجتماعي ، لكنه ومن دون ان يشعر يسقط في الانتقائية والإسقاط لأنه ، اي المهدي لم يأخذ بعين الاعتبار الإطار الإيديولوجي للغرب الرأسمالي ، اي البنيات المؤسساتية والثقافية والحضارية والتاريخ المشترك في إقامة هدا النوع من البناء . والسؤال هنا هل يصلح للمغرب ان يعيش في ظل ملكية شكلية ، وخريطته الحزبية تعج بالانقلابيين الداعين الى إسقاط النظام وتعويضه بآخر جمهوري ماركسي توتاليتاري ام اسلاموي فاشي ؟ انها مفارقة غريبة تخفي بين طياتها أخطار زوال النظام . لذا فان محاولة المهدي بن بركة الرامية الى اختزال الغرب الرأسمالي الى مجرد تقنية مجردة ، وتفريغه من محتوياته الإيديولوجية والمؤسساتية والحضارية التي كانت وراء تلك التقنية ، تجد مثيلها الوصفي فيما عبر عنه الأستاذ عبد الله العروي " ... ان النزعة التقنوية تختزل كل شيء في مسالة التقنية ... " " ... ان برامج التامين والإصلاح الزراعي والتصنيع هي مجرد وسائل تقنية خالية من المدلول الاجتماعي ... " . و لا غرابة ان يجتر عبد الرحمان اليوسفي المهووس بالنزعة التقنوية نفس المسار الذي لن يحصد منه غير الاصفار بسبب الخصوصية التي ينفرد بها المجتمع المغربي . ان شغف المهدي بن بركة بإفراغ جميع أفكاره السياسية في النزعة التقنوية الاصلاحوية ، تعني في الحقيقة حسب الرجل ان هناك فعلا مشاكل وهناك أزمة ، وبمفهوم أوضح هناك تخلف واجترار بطيء نحو الآخر الذي استعمرنا وأهاننا ومرغ انفنا في الوحل ، ولا يزال يفعل وسيستمر في فعلته طالما هناك تناقض أساسي فلسفي ، وصراع حضاري أبان عن وجهه القبيح في القضية الفلسطينية والعراقية وبما يختمر الآن بالساحة العربية . .. وهذا يعني في التحليل السياسي ان المهدي بن بركة مثل سلامة موسى استعمل مقولة التأخر التاريخي الذي يعيشه المغرب مع بقية الدول العربية ، لكن البديل الذي طرحه للخروج من هذه الوضعية الصعبة والبنيوية التي كبلت عجلتنا ، لا تنطلق أصلا من الموروث الإيديولوجي المغربي الذي سبق للمهدي بن بركة نفسه ان اعتبره " ... ان الإسلام لا يعارض الاندفاع التقدمي الذي يراد بعثه في المجتمع ... " . " ... ان ( الحركة الوطنية ) عملت على تطهير الإسلام من الأضرار التي لحقت به .. " . كما انه لا ينبع من الفكر الاشتراكي العلمي المحض الذي ساد أوربة واسيا ، ولكنه انطلق من تصورات فكرية متناقضة ومتباينة فيما بينها ، حيث جعلت من افتقار المهدي الى نظرية من النظريات السائدة يسقط من حيث لا يشعر في النظرة التقنوية التي لا تنظر الى الغرب الرأسمالي سوى كآلات ومعدات وأدوات وقطع غيار . وكما قال الأستاذ احمد زحلان " ... ان هذه النظرية تعتبر مجرد صفقة تجارية تهم سلعا رأسمالية معينة ومجسدة مستوردة من الغرب ، ودون ان تأخذ بعين الاعتبار المستلزمات المؤسسية الفنية والعلمية والقانونية لهذه السلع الرأسمالية . اي دون اعتبار للسياق الإيديولوجي لهذه القواعد المؤسساتية ، فهي لذلك لا تضمن اي تقدم تكنولوجي في البلاد العربية . انها سياسات تقنوية خالية من اي مدلول إيديولوجي .. " . ومن وجهة نظرنا ان هذه السياسة تكرس الاستعمار الجديد ، وتخلق شروط تبعية ممنهجة عكستها المرحلة النيوكلونيالية التي مهدت بدورها الطريق للمرحلة التكنوكلونيالية . لكن أمام زحف العولمة وانتشار الانترنيت والفيسبوك والثويتر ، فان واقع الحال العربي وضمنه المغرب ينبئ بمفارقات من نتائجها توسيع قاعدة المهمشين والفقراء والمتضررين من الوضع ، والذين قد يلجئون الى الحجارة واحتلال الشارع والساحات مع توقع جميع السيناريوهات المحتملة وغير المحتملة لتصحيح الخلل ، حيث يمكن إنشاء دولة كافرة ، لكن لا يمكن إنشاء دولة ظالمة . الدولة الأولى تقوم بالدعوى والإصلاح ، اما الثانية فهي ساقطة لا محالة . ان موقف المهدي بن بركة هذا جعله لا ينظر الى الغرب الرأسمالي إلا تفوقه التكنولوجي مع إغفال الإطار الإيديولوجي الذي أسس لهذا التفوق . ان هذا السقوط في النزعة التقنوية هو الذي دفع المهدي الى معارضة النزعة الميركانتيلية والمحافظة داخل حزب الاستقلال ، وجعله يصف الحزب الجديد الذي لعبت عناصر من المخزن دورا في إنشاءه ( الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ) " ... بانه الحزب الحامل للرسالة التي تناقلها الأبطال الذين ضحوا طوال التاريخ في سبيل سعادة الشعب المغربي .. " . ان السؤال الذي يجب ان نطرحه في هذه النقطة . اية رسالة هذه تحمل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في سبيل تجسيد استمرارية التواصل والتخاطب مع الماضي الذي أعطاه وصف رسالة انتقلت من السلف ( حزب الاستقلال ) الى الخلف الذي هو ( الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ) الذي " لا نظرية نظريته والتجريبية ممارسته " وهنا لا بد من التذكير بما قاله لينين " لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية " . وهو ما يعني ان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لم يكن حزبا ثوريا ، بل كان حزبا شعبويا وانقلابيا غرضه الحكم وليس غير الحكم ان الجواب عن هذا السقوط الوصفي من المهدي للحزب الجديد هو بسيط للغاية ، ونصل إليه اذا نحن علمنا مسبقا بالنسق الفكري الذي خيم على أحزاب ( الحركة الوطنية ) خلال الأربعينات من القرن الماضي . وبدون إطالة نجزم في تحليلنا ان المهدي بن بركة وبطريقة حربائية لا تخلو من مقاصد ملتوية من ميكيافيلية معروفة ، كان يرمز الى الإيديولوجية السلفية التي لوحت بها النخبة البرجوازية المثقفة كمشروع نضالي ديني إصلاحي في مواجهة المشروع اللائيكي ، ومشروع إعادة ترتيب التكوين ألاثني الموجود في بنية الأمة المغربية تاريخيا ، و ذلك من اجل الفصل بين عنصرين هامين وأساسيين في هذا التكوين . العنصر البربري والعنصر العروبي الذي وفد الى المغرب من مصر الفاطمية في القرن الحادي عشر ميلادي ، تم إصدار قوانين إدارية حقوقية عرفية دينية ولغوية وقضائية ترمي الى عزل السهول عن الجبال جغرافيا وإداريا ، والبوادي عن المدن سياسيا وتجاريا وثقافيا ، وعزل القوة البرجوازية المدينية الناهضة عن الارستقراطية القبيلة والإقطاع والفلاحين الصغار ... لقد اعتبر المهدي بن بركة السلفية مهدية للعقول ومتزنة للنفوس ، وأنها أعادت الهمة والشأن والقيمة الى الدين ، وحافظت على طهارته من البدع والخرافات والإسرائيليات والشعوذة ، ومواجهة حملة التنصير التي لفها الظهير البربري . وبما ان قيادة العمل السلفي في ذلك الوقت كانت تعبر عن طموح حركة اجتماعية معينة ، وطرحت على نفسها مهمات أساسية خلال حقبة زمنية كانت أحلك في التاريخ السياسي المغربي ( الثلاثينات والأربعينات ) كمحاربة الطرقية والبدع والخرافات ، وقراءة الدين في منظوره التثويري الداعي الى التحريض والمواجهة مع العدو المسيحي الدخيل ، والدعوة الى إقامة الديمقراطية ومحاربة الاستعمار كظاهرة امبريالية ولدت الفقر والتخلف والأمراض ، ثم الدعوة الى الإصلاحات السياسية وتتويج هذا العمل بتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 ، وهي الوثيقة التي تم تحريرها بالقصر الملكي تحت إشراف الأمير مولاي الحسن ، وخرجت من القصر في سرية تامة ولتعود إليه محملة بتوقيعات لأشخاص وقعوها عن طريق الصدفة ولم تكن هناك علاقة تجمعهم بالقضية الوطنية ، فراكموا بعد هذا التوقيع الصدفة بعد الاستقلال من الثروة والجاه ما لم يظفر به القادة الحقيقيون للمقاومة المسلحة وجيش التحرير الذين تعرضوا للاغتيالات والاعتقالات والمنافي والسجون . كل هذا إذن جعل من المهدي بن بركة يرى في مشروعه السلفي ، وعلى طريقته الخاصة نوعا من التثوير العقلي والسايكولوجي الذي مكن الشباب من مواجهة الإلحاد ( تم منع الحزب الشيوعي المغربي من طرف الحكومة الاتحادية التي ترأسها الأستاذ عبدا لله إبراهيم ) وفهم الإسلام فهما حقيقيا .. وهذه الأطروحة التي هدف من وراءها المهدي تسييس السلفية وضرب احتكارها من طرف الجناح الميركانتيلي المحافظ في حزب الاستقلال الذي سطا على المغرب بعد الاستقلال حين اعتبر ان الاستقلال هو استقلال لطبقته البرجوازية الفاسية ،، هو صراع ايديلوجي مشوه بين البادية ( المهدي وحزب الاتحاد الوطني ) و ( أهل) فاس البربرية ( علال الفاسي وحزب الاستقلال ) . و بطريقة ذكية وحتى يقطع المهدي كذلك مع الاتجاهات الأصولية في القرويين وابن يوسف والمساجد ، اعتبر ان السلفية لم تكن حركة فكرية ثقافية معزولة عن مستوى تطور المجتمع المغربي ، وتطور تناقضاته ، كما أنها لم تكن تيارا أصوليا يهدف الى إقامة الدولة الإسلامية ، ولكنه اعتبرها حركة اجتماعية سياسية وايديولجية حاولت بما فيه الكفاية ان تمنطق الدين وتضفي عليه حلة بيضاء ، وتحدد مضمونه الصحيح ، وتمكنه من قيمته الحقيقية تمشيا مع التطورات الفكرية و الفلسفية والحضارية وحتى السياسية التي ظهرت في أوائل القرن الماضي وتأزمت على اثر القطيعة السياسية بين نضال العلماء الذين اسقطوا السلطان المولى عبد الحفيظ وبعده مشاكل المولى عبد العزيز ، وما أعقب ذلك من أعمال سلبية كاتفاقية الحماية لسنة 1912 .. ان هذا المعنى السلفي عند المهدي بن بركة ليس له من تفسير سوى المتاجرة بالسلفية ، وإعطاء مضمون للدين كما يفهمه هو ، لا كما هو مسطر في التشريع الإسلامي والفقه ، وهدا يعني ركوب جميع الموجات اذا كانت ستوصل الى الحكم ، وستحسم مسالة السلطة لصالح الملكية الشكلية او نظام الجمهورية البرلمانية على الطريقة العربية . لقد كانت قيادة العمل السلفي تهدف من خلال أسلوبها الثقافي السلمي والإصلاحي في النضال السياسي السلمي المهادن ، الى احتواء ومحاربة المشروع السياسي للحركة الوطنية الذي تحمل بدوره تركة النضال السياسي السلمي بقيادة النخبة المثقفة تقليديا خاصة الفاسية منها خريجة جامعة القرويين ، وبعد النجاح في إخماد المقاومة المسلحة الثورية التي قادتها القبائل المغربية العروبية والبربرية ضمن المقاومة المدينية المسلحة وضمن جيش التحرير في الشمال والجنوب . وإذا كان عبد الكريم غلاب في كتابه " تاريخ الحركة الوطنية " اعتبر الفترة الممتدة من 1930 الى 1934 بأنها : .. أهم مرحلة في تاريخ الحركة الوطنية .. " لأنها جاءت على أنقاض القبائل المغربية وجيش التحرير ، وأصبحت المطالب لا تتعدى المطالبة بتطبيق بنود اتفاقية الحماية لشعور البرجوازية الفاسية الميركانتيلية والمحافظة بالإضرار التي لحقت مصالحها من طرف الإدارة الكلونيالية ، فان علال الفاسي أعرب بشكل أوضح عن الخط الذي يعتمد النضال البوليميكي الموجه للاستهلاك والدعاية الى الخارج ، فهو وصف المرحلة في كتابه " الحركات الاستقلالية في المغرب العربي " " نشوء جيل جديد متبع بروح المقاومة السلمية التي لا تعطي للسلاح المقام الأول في كل معركة ". وللتاريخ نسجل انه خلال مرحلة المواجهة مع الاستعمار الغاشم ، وقع انفصام عضوي بين القيادات الانتهازية للأحزاب التي انبثقت عن كتلة العمل الوطني ، وبالأخص منها حزب الاستقلال ، وبين الجماهير الشعبية التي كانت في عطاءاتها تتجاوز خيارات السياسيين البوليميكييين البرجوزاية التطلع ، فكانت جل الانتفاضات الشعبية التي عرفتها المدن المغربية مثل الدار البيضاء ، الشاوية ، قبائل اسماعلة بوادزم ، مكناس ... من ابتكار الأطر السياسية والنقابية المتمردة والنابعة من وسط دور الصفيح والخيام والأحياء الشعبية الفقيرة المعدمة ، والمتعلمين الذين كونوا نواة البرجوازية الصغيرة والمتوسطة وما فوق المتوسطة التي أخذت تنشط في خلايا داخل أحزاب الحركة الوطنية ، متحملة جزءا من مسئولية قيادة العمل الوطني على الصعيدين الوطني والإقليمي ، وكانت في نفس الوقت تمارس نشاطا راديكاليا موازيا كمجموعة قيادية معارضة للاتجاهات التجارية المحافظة في حزب الاستقلال . ان تشبث المهدي بن بركة بأفكاره السياسية الضيقة من المشروع السلفي الذي لوحت به أحزاب الحركة الوطنية كإيديولوجية عبرت عن خط النضال السلمي الإصلاحي ، وتبلورت في إطار صراعاته وتناقضاته ، وانطلقت في جانبها الرئيسي من توجهاتها في معارضة الخط ونقد الخط الثوري المسلح للفلاحين في البادية ، والذي بلغ ذروته القصوى في الثورة الريفية وثورة الهيبة وثورة موحى اوحمو الزياني ... والحكم على هدا الخط تاريخيا بالفشل ، اي نقد النضال المسلح الثوري للقبائل الثائرة ، بالنضال الإصلاحي المديني البرجوازي الفاسي والسلمي ، تم نقد اختيارات الفلاحين بالاختيارات البرجوازية الجديدة ، ونقد الاستعمار بالدين .. كل هذا جعل من المهدي بن بركة مفكرا شعبويا وليس سلفيا او اشتراكيا او ماركسيا خالصا . ان الشعبوية التي تعني الجمع بين هذا الخليط ، تجعل صاحبها حائرا بين عدة نظريات ، وتجعل منه بضاعة سهلة لتقبل كل ما يطرح عليه من أشكال النضال والعمل السياسي وان كان يناقض قناعاته ، اي حتى ولو كان غلافها التآمر والانقلاب من فوق . ان المهدي بن بركة أخد من الماركسية طريقتها التقنوية التحديثية والاصلاحوية في التنمية والتقدم الاقتصادي ، لكنه في الجانب الإيديولوجي لم يكن ماركسيا نصيا او ماركساني العقيدة والنظرية . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى وكما شرحنا أعلاه فانه وظف المشروع السلفي في محاربة الاتجاه الميركانتيلي المحافظ ، وفي محاربة الاتجاهات الأصولية التي تحمل مشاريع تصادمية مع المشاريع التغريبية التي يؤمن بها المهدي حتى النخاع . وحيث ان الرجل لم يكن في عقيدته الفلسفية ماركسيا او ماركساني على الطريقة العروبية ، فانه لم يكن كذلك في عقيدته سلفيا بالمرة . وحيث انه يؤمن بالانقلاب من فوق ، فان الاختيارات الغربية في مشروعه السياسي لم تكن تخرج ظاهريا عن نظام الملكية الشكلية ، وجوهريا الجمهورية البرلمانية على الطريقة البعثية والناصرية والحزب الوحيد بالجزائر . فمثل الماركسية واللبرالية فان سلفية المهدي لم تكن تخرج عما يعمق الصراع مع الخصم ، وحسم المعركة لصالح تحولات كانت تحصل هنا وهناك في مناطق مختلفة من العالم . ان المهدي بن بركة كان شعبويا ، وجاءت تركبة واختيارات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية شعبوية ، تطغى على معظم ممارساته التجريبية والعفوية والانقلابية التي ترجمتها أحداث 16 يوليوز 1963 ، وأحداث 3 مارس 1973 والمشاركة في انقلاب الطائرة في 16 غشت 1972 ، ناهيك عن تزكية انقلاب 9 يوليوز 1971 حيث التزم الحزب الصمت ، ولم يخرج ببيان يحدد فيه صراحة موقفه من الانقلاب . ان هذا التناقض والغموض المذهبي موجود في كراسه " الاختيار الثوري " مما جعله يتعرض لانتقادات لاذعة من قبل منشقين عن الاتحاد اعتنقوا الماركسية ، ومن قبل منظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية . ان النظام السياسي الذي روج له المهدي هو نفسه المسئول عن هزيمة 1967 ، وهو نفسه النظام الذي تكنسه الجماهير هذه الأيام في ليبيا ، مصر ، اليمن و سورية . ( يتبع )
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقاطعة الانتخابات في المغرب ( الخطر قد يقترب )
-
ردا على مزاعم بعض المشارقة بخصوص الاستفتاء بالصحراء
-
ملف حول قيام الدولة الفلسطينية والقضية الكردية وحقوق الأقليا
...
-
استثناء الاستثناء المغربي
-
مقاطعة الاستفتاء على الدستور
-
هل تم تعبيد الطريق الى فلسطين ؟
-
نقد مقولة الصراع الطبقي بالمغرب
-
تيارات سياسية مؤتمرات أوطمية
-
مراوحة السياسة التكنولوجية العربية بين النقل والتبعية
-
نظام الاقتراع الأكثر ديمقراطية : هل هو نظام اللائحة أم الاقت
...
-
المجلس الدستوري يعلن رسميا موافقة المغاربة على الدستور
-
ثوار الإسلام السياسي
-
الجماعات الاسلاموية ودولة الحقوق والواجبات
-
القرار السياسي في المملكة المغربية
-
منظمة إلى الأمام الماركسية اللينينية
-
النظام السوري يتململ تحت الضغط
-
بين الملكية البرلمانية والملكية الدستورية المطلوب راس النظام
-
جماعة العدل والاحسان بين الانقلاب والثورة
-
الفرق بين الهبات (بتشديد الباء) او الانتفاضات وبين الثورة
-
كيف سيكون اللقاء التشاوري لحراك 20 فبراير؟
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|