مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 1051 - 2004 / 12 / 18 - 12:26
المحور:
القضية الكردية
منع ومحاكم خاصة
وإضراب عــــن الطعام
مشعل التمو
ثمة ثلاث قضايا متتابعة , كان لها في الآونة الأخيرة وقع خاص , المضربين عن الطعام , والمحكمة الخاصة , ومنع السفر , ولكل منهما حيثيات ودوافع , لكنها أوجدت حقائق ومعان متعددة , وجدت انه قد أستطيع أن أوضح بعضا منها .
ففي 2/12/2004 أعلن خمسة عشر معتقلا كورديا , ممن أحيلوا إلى محكمة امن الدولة , الإضراب عن الطعام , ومن ثم تضامن معهم بعض المعتقلين الآخرين , والإضراب في مفهومه , هو فعل احتجاجي , مدني , وسلمي , يأتي ردا على عسف الاعتقال أولا وعلى ظروفه ثانيا , من حيث أن الاعتقال أصلا غير قانوني ويستند إلى قانون الطوارىء فوق الدستوري .
الإضراب بشكل عام , أسلوب نضالي , مطلبي , له فعاليته الميدانية , يلجا إليه أصحاب القضايا المختلفة , سواء المعيشية , أو السياسية , وفعالية أي إضراب تتعلق بإرادة أصحابة وخطتهم وأدارتها , وكلنا يسمع ويرى آلاف الأفعال الاضرابية في كل أنحاء العالم , وهي تتفاوت في مطالبها من حالة لأخرى , ولكنها تتسم بقاسم مشترك هو سلميتها وقدرتها على تحويل الطاقة الشعبية إلى إرادة شارع يحقق بعض من مطالبه , ويفرض نفسه كمساهم وصاحب قرار في قضيته , ويرغم خصمه على الحوار والاستجابة لفعل الضغط إياه .
وفي الحالة الكوردية , جاء الإضراب عن الطعام , ضد الاعتقال التعسفي , وضد المعاملة اللاانسانية التي يلقاها المعتقلون الكورد , وخاصة منهم الذين اعتقلوا على خلفية انتفاضة القامشلي في آذار الماضي , ومن الطبيعي أن يكون الإضراب من اجل أهداف مطلبية , وهي في الحالة السورية , سياسية بامتياز , بحكم أن الاعتقال الطوارئي يحاسب على النية وليس على الفعل , حيث لا يخضع ذلك لأي معيار قانوني , وكلنا يعلم بان وجود القانون هو الناظم للعلاقة بين المعتقل والسلطة , ولذلك أيضا تعاملت السلطات في البداية مع المضربين بأسلوبها المعتاد , القوة والترهيب , وهنا نحن لا ننكر بان هناك بعض التغيير في معاملة بعض المعتقلين وخاصة في الفترة الماضية , لكن التغيير إياه , ليس قاعدة , وبالتالي فمن المفروض أن يتحول إلى قاعدة عامة تأخذ بها كل سجوننا الكثيرة .
أن الكف عن الترهيب والتعذيب واللجوء إلى الحوار , أسلوب من المفروض أن يسود في التعامل بين المعتقل والسلطة , ومجرد قبول الحوار بادرة ايجابية في آليات التعامل , وتعبير عن حالة صحية , نأمل إلا تكون التفافية , وإنما قاعدة مادية , مدنية , يتم عبرها تحقيق مطالب إنسانية للمعتقل , وهي من حق أي معتقل مثلما من حقه وجود محاكمة عادلة وقانونية , والشك في التنفيذ يأتي بسبب عدم وجود مصداقية بين السلطة والمعتقل , بحكم العقلية الأمنية السائدة وانعكاساتها في المجتمع .
يبقى أن المضربون الكورد وجهوا رسالة , لها العديد من الدلالات , لعل أهمها هو أن العمل بعقلانية وموضوعية وتفعيل كل الوسائل النضالية السلمية المتاحة , يفتح أفقا جديدا , ويُوجد مساحات اكبر لنيل الحقوق وتجسيدها حضاريا ومدنيا , وثاني الدلالات تشترك فيها السلطة والأطر الكوردية المتخصصة في بيانات الرثاء والإدانة , بأنه هناك طاقة كامنة في الإنسان , يستطيع تأطيرها واستخدامها عقلانيا , بالضد من رغبة طرفي المعادلة , ولكنها تعبر عن رغبته وما تحتاجه مصلحته كانسان أولا وأخيرا .
أما محكمة الاستثناء الجديدة , أعلن عن تشكيلها , لهدف وحيد , هو محاكمة المعتقلين الكورد على خلفية انتفاضة آذار , بمعنى أن مجرد تشكيل محكمة خاصة , يعني عدم وجود محاكم مختصة لدنيا , تتوافق مع الحالة التي اعتقل أو يحاكم بسبها المعتقلون ؟ رغم انه لدينا سابقا محاكم عادية , ومحاكم استثنائية , ويبدوا أن المجموعتين لا تستجيبان لما هو مطلوب من المحكمة الخاصة الجديدة .
بغض النظر انه لمجرد تشكيل محكمة استثنائية هو ضرب في مصداقية القضاء المدني السوري , وحتى مصداقية المحاكم العسكرية , وحتى أيضا محكمة امن الدولة , بمعنى أن المحكمة الجديدة , لا تنتمي إلى أي جهة من أجنحة المحاكم السورية الموجودة , وبالتالي لا تستند إلى أي قانون ناظم لتلك المحاكم , وأيضا لا ترتبط بوظائفها ؟ واعتقد بان المعتقلين الكورد لم يكونوا يوما في السلطة ولم يقوموا بجرائم حرب - على نمط صدام وزمرته – حتى يتم تشكيل محكمة خاصة لمحاكمتهم .
هناك استغراب وتساؤل , ما هو وظيفة هذه المحكمة , والى أي قانون ستستند , والى أي فصيلة محكمية تنتمي , والكثير من هذا وذاك ينتظر الإجابة , ولكن الناظم الوحيد المتوفر لدينا , أي الذي نستطيع نحن جموع " الرعية " أن نقوله , أو المسموح لنا أن ننادي به , هو تحية العقلية الأمنية وبراءة اختراعاتها الجديدة ؟.
ومنع السفر كأجراء امني وقائي , يتضمن الإلغاء السياسي والإنساني , وهو ذو منبت قمعي , يتم فيه منع الإنسان من السفر , والسفر هنا , يعني حرية التنقل المرتبطة بحرية الرأي والتعبير , والأجراء المنعي هذا , كان له تأثير كبير في منع نقل المعلومة , الكامنة في الشخص الممنوع من السفر , نظرا لعدم وجود – وقتها – قنوات إعلامية , وكانت الحدود تشكل سياجا مغلقا حتى على الفضاء ؟.
اعتقد بأنه إذا كان المنع الأمني يأتي بنتائج ايجابية في الماضي , والايجابية هنا أمنية , لكنه بات ذو نتائج سلبية راهنا على صعيد العقلية الأمنية نفسها , وايجابية على صعيد الإنسان الممنوع , بحكم أن المعلومة لم تعد حبيسة المنع والحدود , بل أنها تنتشر بسرعة الهشيم في الفضاء المفتوح , محدثة صدى اكبر بكثير من نقلها شخصيا , بمعنى التواصل عبر الحدود , والأدق سقوط الحدود الجغرافية , وضعت الجميع في العالم في دائرة واحدة من المعلوماتية , حيث الرأي ينتشر عبر الأفق , متجاوزا المنع الأمني ومقزما إياه إلى حدود ثقافته المنتجة والبعيدة عن فهم الحالة المعلوماتية للعالم .
أن منع العاملين في الشأن العام , ودعاة حقوق الإنسان من السفر , هو نتاج لفقه الإلغاء وثقافة الإقصاء , التي اشبع بها المجتمع السوري , بحكم الواحدية البعثية , وتحكمها بمفاصل الحياة الإنسانية , وعزفها المنفرد على أوهام صحة النهج , وبالتالي تلجأ إلى أساليب بدائية في تبرير العجز عن تحقيق العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون , ولعل المنع الاعتباطي للسفر المستند إلى مزاجيات الأجهزة الأمنية المتعددة , يشكل مُعبرا عن العقلية المتحكمة ومحاولتها استنساخ الماضي للتعتيم على الرأي ومنع حرية التعبير .
ثمة أمر لا تريد الأجهزة إياها الإجابة عنه , وهو في فضاء كوني مفتوح , هل يفيد منع السفر في تقييد حرية الإنسان , قد يفيد في تقييد حرية التنقل , لكنه ينهار ولا جدوى منه بالنسبة لحرية الكلمة وحرية إبداء الرأي وحرية التواصل , فإذا كان المقصود منع حق التعبير فالمنع الاعتباطي فاشل وأسلوب بدائي لم يعد بذي جدوى , وإذا كان المقصود هو منع حرية التنقل , فهو أسلوب بدائي وقمعي أيضا , لأنه ينتهك حقوق الإنسان , ويعطي صورة سلبية عن ما يسود المجتمع السوري , وفي الحالتين , أليس من المفروض بالأجهزة الأمنية السورية , إعادة هيكلة ذاتها , فكرا وممارسة ودور , أليس مطلوبا الآن وفق ما تتطلبه مصلحة سوريا الوطنية , إعادة بناء الثقة بين المواطن والسلطة , الثقة التي لا اعتقد بأنها ستجد لها أرضية في سوريا طالما غاب القانون وساد قانون الطوارىء ؟.
القامشلي 15/12/2004
كاتب كوردي , ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا
#مشعل_التمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟