|
الثورة السورية المتخلقة
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3543 - 2011 / 11 / 11 - 12:11
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الثورة السورية : طلقة الرحمة ، أم الموت تحت التعذيب؟ ديمقراطية لها أنياب وأظافر أم ديمقراطية ميتة مهزومة ؟ غريب أمر هؤلاء الذين يطلبون من المتظاهرين المزيد من الصبر , وهم يواجهون الموت تحت التعذيب ، الموت البطيء ، وبلا أمل بالعودة إلى الحياة ! أليس من الأفضل أن ينصحوهم بأن يتلقوا رصاصة الرحمة ، بدلا من الموت البطيء تحت التعذيب ، بل وحتى الموت بالموت ، أو الموت لأكثرمن مرة ، من خلال قتل الجثث وتشويهها ، والإجهاز على الجرحى في المستشفيات ، وبلا أي وازع من ضمير وأخلاق ؟ وهل من أمل مع من يفعل ذلك بدم بارد ، وينكر فعلته ؟ هل من أمل في الحوار مع من فقد عقله ، واسترسل في الإجرام الجنوني ؟ ثم ما المخرج من طاحونة الموت ؟ وكيف يمكن إيقافها ؟ ومن يمكنه إيقافها ؟ أسئلة نطالب ( العقلاء !؟) بالإجابة عليها . هل لديهم حل واقعي ولا طوباوي سحري خيالي ؟ وهل الحل من بنات الخيال والفرضيات والتمنيات ؟ يقولون : يجب على الشعب السوري كله أن يخرج بأسره للتظاهر ، ومن يقول هذا .. هو من يهرب ويتوارى ويختبئ ويتمترس خلف الجدران ، ولا نجد له أثرا في الشارع ، ولا نجد له مكانا بين التنسيقيات التي تجابه الموت ، ولانجد له حضورا يذكر إلا في المؤتمرات الاستعراضية المتعالية ، ولا عمل له سوى التنظير من العرش الوهمي الذين صنعته مخيلتهم ، ومكانه فوق الشعب ، وليس مع الشعب ، وهؤلاء لايحسون بمعاناة الشعب ، وإلا فلماذا ينصحونه بقبول الموت البطيء تحت التعذيب؟ ويعتبرونه أفضل من الحياة مع (الغريب ) الذي يطالبهم بالثمن والأجرة مقابل خدماته التي سيقدمها لهم للحفاظ على حياتهم وأرواحهم ؟ ومن هو الغريب هنا ؟ الأصدقاء الروس والصينيون ؟ أم الأعداء الأوروبيون ومعهم أمريكا ؟ والسؤال هو : لماذا الروس والصينيون أصدقاء ونفتخر بهم وبدعمهم ؟ ولماذا الأوروبيون وأمريكا أعداء و نخون من يتعامل معهم ويريد صداقتهم ودعمهم ؟ لماذا يحق لطرف مالايحق للطرف الآخر ؟ وأي الطرفين مغبون ومنتهكة حقوقه السياسية ؟ هل يجب أن يستمر موسم القتل سنوات وعقود ؟ وكم ستكون التكلفة ؟ ثم إن الموت أهون مما يحصل من تعذيب لايطاق ، وتعافه أكثر الفصائل همجية ، وهو نوع فظيع من القتل البطيء المادي والمعنوي ، لأنه يعطل ويشل الإنسان ، ويحوله إلى نفاية عاجزة عن الفعل ، وإن النيل من أرزاق الناس وأمنهم واستقرارهم يدمر كل حياتهم الجسدية والروحية ، وماذا عن التهجير هرويا من آلة الموت الطاحنة التي لاتبقي ولاتذر ، ولا تميز بين بريء ومتهم ، ولا بين طفل وشيخ وامرأة وشاب ؟ وعندما تدمر الطاقة البشرية للمحتجين بهذا الشكل المرعب .. فماذا بمقدورهم أن يفعلوا بعد ذلك ؟ وهل يستطيعون ، بل هل يسمح لهم بالحوا ر.. حتى من أجل الخضوع والخنوع وقبول القيود وعدم رفض الذهاب إلى المسلخ بمحض إرادتهم ، هذا شيء مرير ويحز بالنفس ، لكل من لديه ذرة إحساس وضمير ونخوة ؟ وهل سيرتدع النظام حقا بالحوار وبالمنطق والعقل ؟ ويتخلى عن عليائه وعرشه بطيبة خاطر ؟ وبروح رياضية ؟ كما يحصل الآن في اليونان أو كما حصل كثيرا في البلدان الديمقراطية حول العالم ؟ هل سيصغي النظام السوري للغة العقل ؟ ويسلم السلطة بالرضى وبالأساليب الديمقراطية السلمية المتعارف عليها والتي نشهدها في البلدان الديمقراطية ؟ ديمقراطية لها أنياب وأظافر أم ديمقراطية الموت والهزيمة ؟ لامعنى للديمقراطية حبيسة النظريات ، لامعنى للديمقراطية إذا لم تتحول من فكرة إلى وجود وسلوك ، وتطبيق على الأرض ، وقبل ذلك ، أن تمتلك قوة الحق الملزمة .. قوة الإكراه ضد المستبد ، وإرغامه على الرضوخ لمشيئة الديمقراطية ، كما يذكر الكواكبي ، الديمقراطية القوية وحدها الديمقراطية القابلة للحياة والانتصار والبقاء . الديمقراطية الإيجابية الفاعلة ، وليس الديمقراطية السلبية المهزومة الهاربة التي لاحول لها ولاطول ، الديمقراطية المقاتلة هي التي تستحق الحياة ، هي القادرة على انتزاع الحياة ممن يود قتل الحياة ، واعتقال الديمقراطية سواء كانت في المهد ، أو شبت وانتفضت وواجهت لتظفر بالحياة . هل قرأتم عبد الرحمن الكواكبي في وصفه للمستبد والاستبداد ؟ وهل قرأتم سير التاريخ الديمقراطي منذ الإغريق وحتى الآن ؟ هل قرأتم عن الثورة الفرنسية ، وهل تعرفون أن الديمقراطية لامكان لها ولا أمل لها إن لم يكن لها أنياب وأظافر وأسلحة ؟ أم أنكم تعممون خطأ تجارب غاندي ومانديللا ولوثر كينغ على كل ا لحالات ، ولماذا لاتقيسون على الحرب الأهلية الأمريكية ، وحرب الاستقلال الأمريكية ، والثورة الفرنسية ، وللاشتراكيين أذكرهم وأقول: لماذا لاتقيسون على الثورة البلشفية ، وعلى البيان الشيوعي لماركس وأطروحاته حول ديكتاتورية البروليتارنا ، وضرورة أن تكون للثورة القدرة والقوة الكافية لانتزاع النصر ؟ ثم من منا لايعرف أبسط البدهيات في فلسفة القانون التي تؤكد أن القوة الملزمة جزء لايتجزأ من الحق ، والحق لايعني شيئا إن لم يتسلح بالقوةالملزمة أي الرادعة ، ولولا القوة ا لرادعة لانتشرت ا لجريمة على نطاق واسع . وعليه لايسقط الاستبداد سلميا في كل الحالات ، بل في جل الحالات ، ولابد من قوة لإسقاطه ، قوة بالمعنى الشامل للكلمة ، وليس بالمعنى الضيق لها . والتاريخ حافل بالتجارب التي تؤكد أن الصراع والثورات تحكمها قواعد هي أبعد ماتكون عن المنطق النظري البحت ، والسياسة هي عمل ملموس وتاكتيك واستراتيجية ، وهي فن الممكن ، وفن الواقع ، بعيدا عن الطوباويات الأخلاقية والفلسفية .. والتاريخ يحفل بصراعات ماكان لها أن تنجح لولا البراغماتية ، والعملانية .. والحرب خدع ، ومن يموت ليس كمن يتفرج عليه ويذرف الدموع عليه ويتباكى عليه من غير أن يفعل شيئا لإنقاذه . ومن يموت لن يثق بمثل هكذا موقف ، بل إنه يبحث عمن يدعمه ويعمل على إنقاذه ، من براثن الموت . الثورة السورية المتخلقة . والخلاصة أقول : إن الثورة السورية هي بالأساس ثورة متخلقة ، تبتكر صيغها وآلياتها ونظرياتها بالفطرة ، وبعيدا عن المعارضة التقليدية التي لاتختلف مع النظام في شيء من الناحية العقائدية والتطبيقية ، سوى أنها ترفض احتكار السلطة لأن لها مصلحة في ذلك ، وهي المعارضة التي لم تستطع يوما أن تعبر عن وجدان الشارع ومعاناته ونقاء سريرته ، ونظافة وجدانه من ثقافات الكراهية والعنصرية والفصامية المعادية على طول الخط لكل العالم ، والوفية على طول الخط لمنهج وثقافة الشمولية والاستبداد والتدين الأرضي لأشخاص وعقائد بشرية متزمته ومنافية لمبادئ العلم وروحه المرنة الخلاقة المبدعة . إن الثورة السورية هي ثورة نظيفة ، وتعرف بالفطرة ماذا تريد ، وتميز بين الأعداء والأصدقاء داخليا وخارجيا ، وقد اختارت منذ البداية رؤيتها وأصدقاءها وحلفاءها ومنهجها وفلسفتها ، وانحازت بقوة إلى معسكر الحرية والديمقراطية والحياة والكرامة .
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة السورية : من يمثلها؟
-
الشاعر خضر الحمصي في :
-
المستشار الأعظم
-
أوبرا الحياة والموت
-
العنقاء: شعر
-
دفاعا عن السلطة: جحا أولى بلحم ثوره( ذكر البقرة )
-
فاتحة الحجر
-
الزنى والحرية الجنسية
-
الرجيمة : قصة قصيرة
-
الأسد : السكرة والفكرة
-
رحلة ماجلان : شعر
-
عن الأديب حسن حميد
-
العائم: قصة تشكيلية
-
مها عون : مغامرة الإبدع والتشكيل l
-
سوريا : السلطة اللاسياسية
-
فرح نادر: بين غيبوبة العاطفة وصحوة العقل
-
من قصائد الثورة : (6)
-
مساهمة نقدية
-
الشبح : شعر
-
عن المؤسسة الزوجية
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|