عروة النيربية
الحوار المتمدن-العدد: 238 - 2002 / 9 / 6 - 06:02
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
بعد مرور عشر
سنوات على قمة الأرض الاولى في ريو دي جانيرو، حيث كان المجتمعون ومن حولهم يصرفون
يوميا ما يعادل مصروف افريقيا السنوي من الاوراق، انطلقت القمة الثانية في
جوهانسبورغ (جنوب افريقيا) حيث لم يكف الوقت بعد حتى ينسى عناصر حفظ النظام مهارات
قمع المتظاهرين.
خلال السنوات العشر تلك تغير الكثير، وإن كان الجوهر ما زال
ثابتا. تغير ان الحركات البيئية تطورت الى درجة كبيرة، وكان ذلك بالتحالف الشاب بين
الحركات المناهضة للعولمة والحركات البيئية، التحالف الذي استطاع بقنواته الفقيرة
وبرغم التعتيم الاعلامي ان يخرج من إطاريه الأساسيين (اليساري والبيئي) ليحصل على
تأييد شبابي كبير من شباب من حول العالم ما كانوا لينتموا الى الأطر التقليدية تلك.
بيئيا، ارتفاع حرارة الأرض المستمر وآثاره المدمرة للبيئة مرئية للعيان،
الفيضانات القياسية، والبيئة الطبيعية المنحسرة حول العالم، والتزايد القياسي في
معدلات الاصابة بأمراض الربو. التحالف بدأ من طرف البيئيين وبالصدفة ثم انتقل الى
إدراك المصلحة المشتركة. كانت إحدى اهم الحملات التي أطلقت التحالف حملة
<<السلام الأخضر>> على شركة شل للنفط، التي كانت تحقق أرقاما غير
مسبوقة في إيذاء البيئة البحرية، وكانت <<شل>> احد الأعداء المشتركين
للخضر كما للحمر، ثم تطورت الحكاية لتصبح اكثر عمقا، لتصبح تحالفا استراتيجيا
لمصلحة حقوق الانسان والبيئة والسلام العالمي والعدالة الاجتماعية، اي لتصبح حركة
معادية للسياسات الاميركية بصورة عامة.
يرى الشباب المعترضون على القمة اليوم
أنها لا تسعى في الحقيقة الى ما تدعي من كونها قمة للتنمية المستدامة المعنية
بالبشر والبيئة، بل الى جعل العالم مكانا افضل بالنسبة للشركات العملاقة. ولا ترحب
القمة والمشتركون فيها بهذه المعارضة. كان اول عدم ترحيب هو ملاحقة الشرطة
للمتظاهرين المرتدين القمصان الشهيرة التي يكتب عليها <<ماذا سنفعل بشأن
الولايات المتحدة؟>> مطالبين بخلعها فورا او مغادرة المكان. تم تفتيش حقائب
الناس للكشف عن استعداداتهم للتظاهر من لوحات او لافتات او قمصان... الخ، ووبخت
البعثة الاميركية اولئك الذين تجرأوا على إهانة الولايات المتحدة بملابسهم.
أما
نتيجة ذلك، فلم تكن لتغير ما سيحدث في شوارع جوهانسبورغ، وكان التغيير محصورا بوضع
جملة بديلة على القمصان تقول <<ماذا سنفعل بشأن... تعرفون من!>>.
على الرغم من هذه الاعتراضات، وعلى الرغم من المشاكل كلها، يمكن ان نتعرف الى
فوائد للبشر وللأرض من مباحثات تلك القمة.. على رغم التشكيك المتين بحقيقة الفائدة
الممكن تحصيلها من كل تلك المؤسسة وقممها.
إيجابيا كان الأمر او سلبيا، تم
الاتفاق على 17 برنامجا وجدولا زمنيا، منها الاتفاق على العام 2004 حدا نهائيا
<<لإنهاء>> آثار التلوث على الصحة!! والعام 2005 حدا نهائيا
<<لإنهاء>> الفوارق التعليمية بين الجنسين، والعام 2005 لتطوير برامج
الغذاء لأفريقيا.. التي يجري حاليا إنقاذها من الجوع بتجربة المزروعات المعدلة
جينيا على بعض شعوبها المتضورة.
الطاقة
بعدما ملأت الكتلة العربية
(المنخفضة مستوى التمثيل نسبة لغيرها، ربما لعدم إدراك الأنظمة العربية اهمية
الموضوع) العالم بضجيج اعتراضها على مشاريع تطوير استخدامات الطاقة البديلة، قياسا
لارتفاع اسعار النفط الذي تسبب بأن يستهلك كل فرد في الدول الغنية 25 ضعفا من موارد
الطاقة التي يستخدمها الفرد في الدول الفقيرة، كان هناك تخوف عربي مبالغ به من
الفكرة، إذ رأى فيها منتجو النفط خفضا لأهمية بضاعتهم.
كان الهدف الذي اقترحه
الاتحاد الاوروبي هو جعل 15% من استهلاك الطاقة لكل دولة قائما على الموارد
المتجددة (الشمس والريح... الخ). وكان ان اعترضت الولايات المتحدة ايضا على ذلك
باعتبار ان الموارد التقليدية للطاقة ما زالت أقل كلفة وأن الفكرة <<ليست
ملائمة لكل الحالات!>>.
على كل حال، وبما ان النفط لن يبقى لنا، بل هو في
تناقص سريع كثروة طبيعية، وبما ان الولايات المتحدة تتفوق على كل العالم مجتمعا في
كميات النفط الاحتياطية التي تخزنها، يصبح هاما ان نلاحظ ان فرق الطور بين سكان
العالم في هذا الموضوع يصل في آخر القائمة الى مليوني انسان ما زالوا يعيشون في عصر
الطاقة ما قبل الصناعية، معتمدين على نار الحطب والروث.
التجارة والتمويل
والعولمة
حصل توافق ممتاز بين المؤتمرين حول ورقة العمل المالية، فكان ان أقر
99% من محتواها، وأقر ثمانون بالمئة من الورقة المعنية بالتجارة. وكانت لغة
الورقتين مقروءة العلاقة والارتباط بأوراق اجتماع منظمة التجارة العالمية (WTO) في
قطر في تشرين الاول الماضي ومن اوراق مؤتمر التمويل من اجل التنمية الذي عقد في
المكسيك آذار الماضي. قال مدير الجلسات المذكورة <<عمت الجلسات روح من الود
والاتفاق جعلتنا نتابع العمل حتى الثالثة صباحا>>.
وتابع المسؤول
<<في الواقع تم الاتفاق على كل شيء، وكانت الخلافات جميعا تحت العنوان
<<مسؤوليات مشتركة ولكن متمايزة>> في حين ما زال الخلاف قائما حول
توصيف نتائج العولمة كفرصة مثلما كتحدٍّ>>.
وكان هذا الارتباط المباشر
بين القمة والمنظمة الدولية للتجارة ما أثار التصاعد الكبير في معارضة القمة، إذ
أفقد القمة مصداقيتها البيئية والانسانية، ربطا بما للمنظمة من سمعة سيئة بشأن
تغليبها العميق والدائم لمصالح الشركات العملاقة على مصالح الشعوب والبيئة. في حين
تعكس المنظمة الصورة لتقول إن دورها في القمة إثبات لعكس الشائع وتأكيد لإنسانيتها
ووعيها لمصلحة الكوكب الاستراتيجية.
المشروع الأردني الإسرائيلي
أمام كل
التخوين العربي للمشروع، تم الاتفاق بين الأردن وإسرائيل على مشروع مشترك بقيمة
مليار دولار لاستجرار المياه من البحر الاحمر الى البحر الميت لإيقاف تقلصه، إذ
انخفض منسوب البحر الميت خمسة عشر مترا خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة، وليس أمامه
من منافس على منصب أقل بقعة انخفاضا على وجه الارض. وتقول الدراسات ان نصفه الجنوبي
سيختفي خلال خمسين عاما إن لم يفعل شيء.
حازم الناصر وزير المياه الاردني قال
ان المشروع لا يحتمل التأجيل وأوضح ان المشروع العملاق يستهدف بناء <<قناة
سلام>> تحت الارض بين خليج العقبة والبحر الميت. كما اعتبر وزير التخطيط
الأردني ان الكارثة البيئية التي يجب إيقافها لن تنتظر حتى يتم حل الصراعات في
المنطقة.
واعتبر وزير البيئة الاسرائيلي ان هذا الاتفاق يبرر القمة برمّتها،
وأضاف وزير التعاون الاقليمي الاسرائيلي انه مشروع سيحيي الشرق الأوسط كاملا وان
الفلسطينيين سيدخلون كشركاء فيه.
التظاهرات... وفلسطين في القلب
بمساهمة
رئيسية من منظمة "a seed" (بذرة) الاوروبية البيئية ومنظمات جنوب افريقية مستقلة
وبمشاركة 13000 منظمة مستقلة حول العالم، تم تنظيم تظاهرات منسقة حول العالم في يوم
31 آب للاحتجاج على ما يحدث في القمة. انتشرت التظاهرات في القارات جميعا وعدد كبير
من العواصم الاوروبية.
أما على ارض جوهانسبورغ، فكان ثمة عنوانان رئيسيان هما
رفض مشاريع المنظمة الدولية للتجارة، والاحتجاج على ما يقع بالفلسطينيين من إجرام
صهيوني (هكذا سماه المتظاهرون). على بعد 14 ميلا من مركز القمة أعلنت قمة اخرى
بديلة تحت الاسم <<منتدى الشعوب العالمي>> بمشاركة واسعة من منظمات غير
حكومية ومن ناشطين من حول العالم. حيث تقام ندوات وورشات عمل حول مواضيع مستدامة
عديدة منها العدالة البيئية والمياه وتنمية الاقتصادات المحلية. التقدير الرسمي
لعدد المشتركين يتراوح بين اربعين ألفا وستين ألفا. ويعتبر هذا الحدث امتدادا
لمؤتمر بورتو أليغري الذي أقامته جماعات معارضة العولمة في البرازيل اوائل العام
لتجعل منه بديلا لمنتدى العالم الاقتصادي التابع للمنظمة الدولية للتجارة. على
الصعيد الاقتصادي يرى المنتدى ان قمة الارض ليست إلا خطوة في سياق الصدام بين انصار
السوق الحرة الذين يحاولون فرض معادلة واحدة تصلح لكل الحالات، في مقابل الناشطين
من اجل العدالة البيئية والاجتماعية الذين يعتبرون انه لا يمكن للصيغ الاقتصادية
النيوليبرالية ان تتفق مع اهداف التنمية المستدامة، خصوصا بمشاركة شركات مثل نايكه
وشل ونوفارتيس في اعمال القمة وهي جميعا شركات قامت بانتهاكات فاضحة للبيئة ولحقوق
الانسان خلال الأعوام الأخيرة. في حين اعتبرت <<السلام الأخضر>> في
رسالة وجهتها للقمة ان القمة <<تسمح للشركات المجرمة بحق البيئة والانسان بأن
تلف نفسها بعلم الأمم المتحدة، وتضع الأفضليات لصالح الشركات العملاقة وليس لصالح
البيئة والصحة البشرية والمجتمعات المحلية والعمال والمزارعين والنساء
والفقراء>>.
وكان لفلسطين حضور كبير في التظاهرات كما في النقاشات. وكان
الحدث الأكبر ما أقيم من تظاهرات امام كلية التربية في جامعة جوهانسبورغ حيث كان
شيمون بيريز يلقي خطابا. منع المتظاهرون من دخول الحرم الجامعي وقوبلوا بمدافع
المياه كما اعتقل أحد الناشطين الفلسطينيين واسمه سليم والي.
<<حيث توجد
اسرائيل توجد الدماء>>، قال مراسل تلفزيون <<الجزيرة>> المدمى في
نهاية رسالته من أمام كلية التربية في جوهانسبورغ.