|
هل رفعت قصة نبيل فياض سقف الصحافة السورية؟
يعرب العيسى
الحوار المتمدن-العدد: 1050 - 2004 / 12 / 17 - 10:12
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
هل رفعت قصة نبيل فياض سقف الصحافة السورية؟ في سوريا فقط: لا بد لكل رمية من رامي
لأكثر من ثلاثين عاماً خرجنا من بيوتنا كل صباح ومارسنا حياتنا الطبيعية باطمئنان، مسلِّمين بأن صرخة منى واصف الشهيرة: "أسعاااااااااااااااااد" حين يصلها خبر موت زوجها في المشهد الأخير من مسلسل أسعد الوراق، كانت إيذاناً بعودة النطق للمرأة الخرساء، ورغم أن الصرخة تعقبها مباشرة تترات طاقم العمل الذين تركونا دون أن نعرف ما الذي جرى بعد ذلك، لكن كلمات الأغنية المرافقة للمشهد تعزز الاعتقاد "بيلبقلك شك الألماس أه يا عيني" ففي عقلنا الشعبي لا يليق شك الألماس إلا بامرأة يسيل لسانها وكل ما فيها عسلاً. وما دمنا هذه الأيام نحدِّث ونطور ونعيد النظر بمفاهيمنا وعاداتنا، تعالوا نعيد النظر بهذا المشهد أيضاً، ألا يمكن أن تكون صرخة منى واصف مجرد كلمة واحدة خرجت من هول الحدث؟ وأنها ستعود لصمتها الأبدي؟ ألا يمكن أننا سنحتاج لموت أسعد وراق آخر كلما فكرنا بنطق كلمة اخرى ؟ أدعوكم لمناقشة المشهد لأنني أريد الإدلاء بدلوي مزاحماً الدلاء الكثيرة التي امتلأ بها بئر الصحافة السورية هذه الأيام، وتتلخص عملية حفر هذا البئر في الحكاية التالية: في طريق عودته من معاركه الخائبة أصدر نبيل فياض بياناً بصفته الطازجة التي اتخذها للتو: الناطق باسم التجمع الليبرالي، واحتوى البيان على عبارات فضفاضة من تلك التي نقرأها كل يوم في بيانات ومقالات مختلفة، ولأن الخط الأحمر مفهوم مائع ومطاط لا أحد يعرف أين يبدأ ولا أين ينتهي، لا أحد يعرف لماذا اعتبرها البعض في الأجهزة الأمنية تجاوزاً للخط الأحمر، اعتقل نبيل فياض و(جهاد نصرة الذي أطلق بعد بضعة أيام) وبعد شهر أطلق سراح نبيل فياض فأصدر بياناً (نشرته صحيفة سورية خلافاً لتقاليدها الصارمة) تحدث فيه عن التعامل الطيب واللطيف الذي لقيه خلال فترة اعتقاله متهماً بيانات التضامن معه بأنها كلمة حق يراد بها باطل، ثم وفي حدث اعتبر قنبلة إعلامية كتب (والصحيح أن نقول: نشر وزير الإعلام مقالاً ل) حكم البابا سخر فيه من بيان نبيل فياض مذكراً بتاريخ المخابرات (أطلق عليها تلطفاً اسم الأمن) وطالباً من قراءه ألا يصدقوه إذا ما نشر ذات يوم بياناً مشابهاً. الجميع سمعوا صوت انفجار، وتناقلوا فيما بينهم أن حكم البابا فجر قنبلة، لكن ألا يمكن أن يكون صوت الانفجار الذي سمعناها هو لغم انفجر بحكم البابا وهو واحد من حقل ألغام لا يعرف امتداده سوى الله، فصوت اللغم يشبه صوت القنبلة، ورفع السقف يحتاج لأكتاف تتعاضد من الزوايا الأربعة، وإذا لم تتوفر الأكتاف فإن الرفع الذين رأيناه ليس للسقف بحد ذاته بل لشبح ما رأيناه من بعيد صعد فوق السقف ثم ألقى بنفسه. اعتبر كثيرون حكم البابا شجاعاً واعتبره البعض جزءاً من مؤامرة، لكني اعتبر نبيل فياض أكثر شجاعة بكثير، لأنه كان صادماً، يقول ما لن يصدقه أحد، ويتفاخر بما لا يقبله أحد، ويصر على ما يزعج أي أحد، وأعتقد أن وصف المخابرات بكل هذه الأوصاف (اللطف والدماثة والاكتراث ومراعاة المشاعر) أمر يرفضه كثيرون منا ربما، ولكن سترفضه المخابرات نفسها حتماً، فالسمعة الطيبة التي بنوها بآذانهم وسواعدهم وجلودنا عبر نصف قرن، يأتي نبيل فياض ليمسحها بجرة قلم، والعنصر المرعب القابع داخل كل منا، لم يأت بين يوم وليلة، ولم يأت من لطف ودماثة آبائه، وما قاله نبيل فياض يجعلنا نظن أن عملية استئصاله اقتربت، وإن بعد الظن إثم. أصدق نبيل فياض ولكن أود تذكيره بحكاية: دخل رجل على حاتم الطائي، وكانت مسيرة أيام في الصحراء قد هدته جوعاً وعطشاً وتعباً، فطرده حاتم ورفض أن يسقيه حتى شربة ماء، غادر الرجل مضارب بني طيء، ليلحق به حاتم ويأتيه من طريق آخر متلثماً، أوقفه وسأله من أين أتى، فقال: من مضارب طيء، فقال: وكيف وجدت حاتماً، قال: كريم شهم أكرمني وأحسن وفادتي، فكشف حاتم عن وجهه وقال: انا حاتم وقد طردتك منذ ساعة فلم تكذب، قال: يا أخا طيء والله لو قلت لأهل الأرض جميعاً ما حصل بيننا فلن يقول أحد حاتم بخيل، بل سيقولون عني كاذب جاحد. ربما حصل مع نبيل فياض ما حصل فعلاً لكن لا يصح أن يقوله، فلن يجد من يصدق أن المخابرات لم يحسنوا وفادته كما تقتضي سمعتهم العطرة التي رسخوها بالجهد والعرق سنة بعد سنة. ما فعله حكم البابا كان عملية اقتفاء أثر، أمسك طرف الخيط ومشى خطوة أخرى للأمام، الآخرون تناقشوا كثيراً واعتبر كثيرون أن الأمر انتهى وأن سقف الرقابة في الإعلام قد ارتفع، ولكن من الذي سيرفعه؟ إذا كانت فقرات أعناقنا قد تكلست من طول الانحناء تحت هذا السقف الواطئ، ولماذا سنفكر برفعه أساساً ما دامت قاماتنا القزمة قد صارت على قياس السقف تماما. فقد أثبت السوريون من بين الأشياء الكثيرة التي أثبتوها أن لا صحة للمثل القائل: "رب رمية من غير رام" ففي سورية لا رمية من غير رامي، ولفظة رامي هنا قد تكون اسم علم كما في اقتصادنا "الوطني" أو اسم فاعل كما في حالة توسيع هامش الحريات، فمن الذي سيوسع الهامش؟ وكيف سنرمي بسهامنا وليس فينا من لم تكسر قوسه أو علاها الصدأ. ربما أحدث فياض والبابا ثقباً في الجدار، لكن إن لم نسارع لتحويله إلى نافذة تأتي بالهواء والشمس، سيسارع غيرنا لإغلاق الثقب وفي طريقه سيعيد تمتين الجدار كاملاً، وسيجد بين يديه أدوات أكثر مما يحتاج، فقانون المطبوعات سيء الذكر أداة كافية لسد الثقب برأسي الرجلين، ولا حاجة بعده لاستخدام قوانين ومحاكم استثنائية ما زالت قائمة( قانون الطوارئ والأحكام العرفية ومحاكم أمن الدولة)، لتجعل من قنبلة حكم مجرد لغم، ومن استضافة نبيل مجرد مساج. لم يتفق السوريون عبر تاريخهم الحديث سوى على شيئين: التصويت لرويدة عطية وتفسير كل شئ على أنه لعبة مخابرات. فالتفسير التآمري ـ كالعادة ـ كان موجوداً وشمل فيما شمل نبيل فياض وحكم البابا ووزير الإعلام وجريدة تشرين، فمن اتهامات لنبيل فياض بالعمالة للمخابرات، والعقوق بمن هبوا لنصرته ووقعوا بيانات التأييد له (رغم أن توقيع البيانات بات مهنة مستقلة لا يهمها الشاعر ولا المناسبة) واتهامات مقابلة بضلوع حكم البابا وجريدة تشرين في لعبة مخابراتية خبيثة، وأن وراء الأكمة ما وراءها، إلى آخرين ذهبوا لآخر الشوط واعتبروا وزيري الإعلام والداخلية وحكم البابا ونبيل فياض وجريدة تشرين ودورية المخابرات التي اعتقلت نبيل فياض، والطبيب الذي عالجه، وكل من له علاقة بالموضوع، هم جزء من خطة محكمة تهدف من خلال الفلتان الموهوم لإقناع القيادة بإعادة قبضة المخابرات للامساك بصلابة على عنق البلاد (وكأنها تريد عكس ذلك)، وتستمر الدوامة لتصل إلى من يقول أن هذه الرواية مفبركة لتصدير صورة عن القيادة وكأنها تريد فعلا التخفيف من سطوة المخابرات، فالتفسير التآمري بات جزء من التفكير الشعبي السوري، وهو يشبه التفكير الغيبي المريح الذي يرفع عن صاحبه عناء التفكير والبحث. يتندر السوريون هذه الأيام بنكتة بالغة الذكاء تقول: "شراء الأسهم في سيرياتيل ليس إلزامياً" أخشى ما أخشاه أن ينهض أحد ما ليقول لنا بطريقته اللطيفة: الحديث عن المخابرات ليس إلزامياً، ثم يقدم لنا حليب بالفريز ويتصل بطبيبنا الخاص.
#يعرب_العيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحديثيو التلفزيون السوري يسلبونني موفق الخاني
-
جمال سليمان ..نجم محبوب بموجب المادة 8 من الدستور السوري
-
ولا نتقن دور الضحية أيضاً؟
-
الاسلام متخرجاً من مدرسة أحمد عدوية
المزيد.....
-
التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف
...
-
جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا
...
-
قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل
...
-
مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي
...
-
مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار
...
-
السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
-
ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال
...
-
واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي
...
-
هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
-
تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|