|
أقباط وإيزيدية (1ـ2) : من يوقف طوفان الإرهاب السلفي؟
طارق حمو
الحوار المتمدن-العدد: 1050 - 2004 / 12 / 17 - 10:11
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
على طول خريطة "شرق المتوسط" تلك، ثمّة حالة هياجية تجتاح حياة ووجود الأقليات الدينية المسالمة. ولأن الغرب وبعد أن طاله الأذى الإصولي في عقر داره وقتل من أبنائه من قتل ، قرر التدخل لضرب البنى التحتية للإرهاب الأصولي والقوموي النرجسي وبدأ( بشكل جدي هذه المرة وبالتدخل الميداني الصاعق ، وجهاً لوجه.. ) في فرض أجندة إصلاح شاملة على هذه الدول والشعوب، فليس كافياً القضاء على المعسكرات والقواعد المسلحة للإرهاب السلفي ، لكن هناك حاجة وجودية لترتيب وإعادة وضع الأسس المعرفية والتربوية لدى تلك الشعوب ، أي المساهمة في تأهيل تلك الشعوب من جديد لتدخل إلى الحياة بنظام تربية وعمل جديد وتقبلية واضحة وصريحة و كذلك بروح تسامحية تعترف وتحاور كل الشعوب والثقافات والعقائد الموجودة بينها و تلك الأخرى المترامية على سطح هذه البسيطة.
أسوق هذا الكلام بمناسبة مايحدث الآن في مصر من حوادث وتجاوزات بحق الأقباط المسالمين من قبل الإصوليين التكفيريين وفي ظل صمت ـ وربما تواطؤ في عدة أوجه ـ أغلب رجالات الحزب الوطني الحاكم المدنيين منهم والعسكر: أولئك المؤتمنين على أمن الوطن والمواطن إياً كانت عقيدته وإصوله الإثنية...
ولعل واقع الأقباط في مصر ، حيث المجتمع ( الأهلي أو الشعبي ، سمه ما شئت..) مغيب ومختنق تحت ركام الأفكار و"التلاقين" الدينية المتزمتة التي تبثها جماعات الإسلام السياسي( الإخوان المسلمين ومؤسسات الأزهر المختلفة) يفصح عن حالة ظلم وحيف كبيرة جرت وتجري بحق هؤلاء المواطنين الأبرياء. فمع وجود تجاوزات من عيار"التفرقة الدينية" و"الحرمان من التمثيل والتوظيف والترقية في السلم العالي لإدارة الدولة" وكذلك تبعات ذاك الخط/الفضيحة المٌسمى بالخط الهمايوني والذي يمنع بناء أو حتى ترميم الكنائس ودور العبادة في المدن والقرى والحواري القبطية ، فإن الظلم يكون بالدرجة الكبيرة التي يصبح معه "أمن وسلامة الوطن" من كل مواجهة داخلية أو تدخل خارجي/إنقاذي أمراً محتملاً ومتوقع الحدوث!.
والحال ، فإن الإقباط ونتيجة إنتشار و ريادة فكرالإسلام الإصولي في طول وعرض المجتمع المصري الشعبي وتغلغله ـ على هيئة جمعيات وجماعات دعوية ـ في قاع هذه المجتمعات حيث هناك هناك الأمية و الجهل والفقر، يعانون من غربة مواطنية ومشاركية داخل وطنهم . فتيار الإسلام السياسي المهيمن على الحياة السياسية والشعبية في البلاد لايعترف بمفهوم المواطنة أو الوطن مقابل ولاءه النصّي الأعمى للإسلام ونصرة المسلم أينما كان ومها كانت جنسيته وأصله، وأدبيات هذا التيار حافلة بأكوام الفتاوي التخوينية والرفضية لهذين المبدئين المؤسسين للحياة الحضرية والمدنية الحديثة في عالمنا المعاصر.
وما الحوادث والإضطرابات الأخيرة في مصر سوى رأس لجبل الجليد الضخم و الذي تشكل جراء "الخمخمة" السلطوية المديدة والتناسي والإهمال المقصود من قبل مصرالدولة لهموم ومشاكل هذه الشريحة التي تربو على الثمانية ملايين إنسان ومايقارب المليون في المهجر يمدون ويرفدون وطنهم بالكثير من المال والسمعة الحسنة. وتأتي خطورة هذه المظالم كون بعض المتواطئين والمشتركين فيها يٌمثلون الجهات الرسمية التي من المفروض أن تكون حامية( لا حرامية..) للسلام الأهلي وغير منحازة للطرف الغوغائي المندفع تحت تخرص النص الديني والمتسلح دائماً بالفتوى الإجتهادية الجاهزة من شيخ متعصب له أكثر من دافع و وجهة... كل هذا والدولة المصرية خوفاً من ـ و غالباً نفاقاً ل.. ـ الجماعات الإصولية الإسلاموية تعمي بصرها عن هذه الإنتهاكات الفظيعة لحقوق جزء رئيسي من مواطنيها . والأغرب إن الإعلام ورجالاته في" أم الدنيا" لايٌحيدون عن الموقف السلطوي المكرر قيد أنملة والذي لا يخرج عن ترديد كليشهات مملة من قبيل " فتنة خارجية" و" إخوة في وطن واحد" وإنه " لافرق بين عنصري الأمة" لذلك فمن يتحدث عن هذا الموضوع لابد إنه يريد" الإساءة للوحدة الوطنية المتينة" و" النيل من صمود مصر أمام الأعداء" . ولا حاجة هنا ـ عزيزي القارئ ـ أن نتباحث في "إفلاسية" هذه الشعارات التي أحكمت أيادي "الرفاق الثوار" على خناق الجماهير فساقوها كالدواب من هزيمة ماحقة إلى أخرى منكرة ، حتى شبوا على السياسية فشابوا عليها وقرورا ، بعد عمر طويل ـ تسليم الراية و "توريثها" لخلفهم الصالح ، لما للبذرة الطاهرة من خصائص وراثية/جينية في عبقريات القيادة والإنقياد ، والعبور بالأمة إلى شاطئ الأمان ، وهذه المرة ليس ببث شعارات تحرير فلسطين والقدس وإنما لتحقيق الدخول السريع والعام إلى الإنترنت والإقتصاد العولمي الحر..!.
أقباط مصر وأقليات البلاد العربية كلها تحتاج إلى الإنصاف ورد الإعتبار لها عن ذلك الظلم التاريخي والحضاري الذي لحق بها نتيجة توقف العقل العربي عن التفكير وتفعيل الأثر المدمر لتلك الآلية الإجتهادية التي تعرضّ لها النص الديني (وهو المٌلغم أصلاً ...) وذلك عبر نزعه من سياقه التأريخي والزمان ـ مكاني وجرّه للتطبيق في عصرنا هذا.
ثمّة ضرورة لإعادة تأسيس وتموضع تجديدي لمجمل المنظومة الفكرية والتربوية في شرق المتوسط العربي، مشروع إصلاحي كبير ينهض بالجميع وينتشلهم من جب التخلف والتعصب : الجماهير الفقيرة والمخدوعة بإنتشالها من جهلها ونرجسيتها النصيّة. والأقليات الشرق أوسطية بإنقاذها من واقع التهميش والتحريض والظلم المبرمج الذي تتعرض له يومياً ومنذ دهور عصور الإنحطاط العربي ، التي يبدو إنها لم تنته بعد...
طارق حمو صحافي كردي ـ ألمانيا
#طارق_حمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التوزيع الجديد على النوتة القديمة : هل ستنجح تركيا في هضم كر
...
-
أوجلان : في تركيا هناك ثلاثة قوى متصارعة و إزدواجية صارخة في
...
-
الأكراد والجمهورية التركية : إعادة الحسابات القديمة ، دائماً
...
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|