|
آفة الفقر والفساد وضرورة المعالجة السياسية
محمد بودواهي
الحوار المتمدن-العدد: 3538 - 2011 / 11 / 6 - 18:48
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
ليس هناك من شك في أن الفقر يسبب في العديد من المشكلات الاجتماعية ، والملاحظ أن ليس هناك كثيرا من الجهد في التحرك باتجاه مراقبة تلك المشكلات وتسليط الضوء عليها وبحث وسائل مواجهتها.. كما ليس هناك جهد في حصار الظاهرة الأساس التي شكلت البيئة المناسبة لإنتاج تلك المشكلات وأعراضها ومظاهرها المختلفة . من الواضح جدا لكل دي عقل لبيب أن الفقروالحاجة يؤديان إلى إضعاف المنظومة الأخلاقية للمجتمع وإلى انهيارها ، وأن العوز يسحق الكرامة البشرية وأنه يشكل بيئة مناسبة لانتشار الجرائم بكل أنواعها ولزراعة الأحقاد بين فئات الشعب المختلفة ... وهو ما يستدعي عملا جادا لمواجهة الظاهرة بمواجهة الفساد الدي أنتجها ، وهي الظاهرة التي لا شك أنها تلقي بظلالها على مجتمعات المنطقة بأكملها .. وليس باعتبارها فقط تعني فئات من البشر قدرها أنها وجدت نفسها ضمن طبقة الفقراء والمعدمين فكانت ثمرة ونتيجة بيئات منكوبة ومقهورة . إن محاربة الفساد ووضع حد له كفيل ليس فقط في حفظ ثروات وخيرات الشعوب والمجتمعات والدول وصون حقوق الأمة وتوجيهها التوجيه الأمثل، ولكنه أيضاً عمل هام وفعّال في خفض التوتر الاجتماعي وتبعاته الجمة عبر الوفاء بالتزامات اجتماعية تطال الشرائح الأوسع من المجتمع وسن سياسة شعبية ديموقراطية تعمل على توفير كل الكفايات والكفاءات على جميع الأصعدة تستفيد منها شعوب المنطقة بأسرها . هناك علاقات مترابطة بين الفقر والبطالة وزيادة معدل الجرائم والسرقات لا يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها . يسهم الفقر في إنتاج بيئة تتسع فيها دائرة الجهل والأمية والتهميش، وهذا بدوره ينتج مجموعات بشرية قد تجد فرصة عمل في مجالات هامشية لا تتطلب تأهيلاً وهي فرص ضعيفة المردود ، وقد لا تجد فتزيد معدلات الانحراف والجريمة ، فالفقر ينتج بيئة تُعيد إنتاج الفقر... وهكذا تتوسع دائرته وتصعب محاصرته . العلاقات التبادلية أكثر خطورة من العلاقة التي تتحرك باتجاه واحد ، فهي تراكم نتائجها بسرعة . وهذه الأوضاع لن تسلم من آثارها أي من فئات المجتمع ، وهي تتأثر حتماً من اتساع دائرة الفقر لأنها ستعيش حالة قلق مستمرة لن تعالجها العزلة ولا حماية الأسوار العالية. وإذا كان لا يخلو مجتمع من المجتمعات من الفقراء، ووجوده مسألة طبيعية في أي من المجتمعات.. إلا أن اتساع دائرته مرتبط بضعف وسائل المعالجة خاصة مع توفر إمكانية العلاج وحصار الظاهرة وفي بلدان تملك من الإمكانات و الموارد والقدرات ما تستطيع به تعطيل امتدادات ظاهرته وآثاره ، وكي لا تظل تلك الفئة المحرومة خطيئة كبرى في مجتمعات ، وفي أوطان تملك من المقومات والقدرات ما بإمكانه أن يحد إذا لم يعطل امتداد ظاهرة خطيرة . لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد الفقراء أو دراسات حول سلم الفقر في المنطقة ، وإن كانت توجد بيانات منشورة يمكن الاعتماد عليها في قراءة هذه الظاهرة ، وهي ظاهرة متحركة وليست جامدة ، فالفقر من الظواهر المتحركة التي تتحرك في مدى يقرض في طبقات تسكن على تخومها ، طالما ثمة تراكمات تؤدي للفقر كالبطالة وغلاء كلفة المعيشة وزيادة أجور المساكن ومتطلبات أخرى أصبحت ضرورات لا غنى عنها. وكما أن سقف حالة الفقر تأخذ حدودها من شروط توفير المتطلبات الأساسية لحياة كريمة في حدها الأدنى ، فغير القادرين على توفير المسكن أو العلاج أو التعليم سيكونون أيضاً في دائرة الفقر، فخط الفقر وفق تعريفات ومعايير المنظمات الدولية كالسعرات الحرارية التي يجب أن يتناولها الفرد يومياً لتقيم حياته ، لا يمكن القبول به في مجتمعاتنا وإن كانت تنطبق على بلدان معدمة وفقيرة فهي لا يمكن أن تكون معياراً في مجتمعات الوفرة والثراء والموارد الكبيرة. وإذ لا توجد حتى اليوم مؤشرات واضحة على وجود استراتيجية لمكافحة الفقروالفساد ، ولكون الفقر ظاهرة يمكن أن تُدرس من جوانب كثيرة وحلولها مرتبطة أيضاً بمشكلات لا تقل عنها خطورة ، إلا أن ثمة مسألة قلما يلتفت إليها أو تقرأ في سياق هذه الظاهرة ، وهي علاقة الفساد بإنتاج الفقر. وإذا كان الحديث عن الفساد على الصعيد الاقتصادي لا تغفل تأثيراته السلبية ، من حيث إنه معوق رئيس للاستثمار، ويسهم في رفع كلفة التنمية ، ويشيع حالة من التراخي في حماية المال العام ، ويعزز حضور ظاهرة الكسب غير المشروع... وفي إطار هذه التأثيرات فهو يؤدي إلى انخفاض الإيرادات العامة ويزيد من النفقات ويقلل من الكفاءة ويحجب الإنفاق العام عن مجالات ملحة للمجتمع.. إلا أنه أيضاً يزيد من حالة الفقر عندما تختل معادلة توزيع الدخل وتوجيه الإنفاق ، فيؤدي ذلك إلى تقليل فرص فئات في المجتمع من الحصول على حقها الطبيعي في الوظائف أو الخدمات أو أنظمة الرعاية الاجتماعية. ثمة علاقة قوية بين الفساد وتراخي الرقابة أو انعدامها من الأساس ، مما يمكن لها من النمو في بيئات تزداد فيها حالات الفقر دون معالجة، وتطفو على السطح ظواهر الإثراء غير المشروع ، وقد تتحول بعض مشروعات التنمية بلا رقابة إلى بيئة مناسبة للفساد ونهب المال العام. وهذا بدوره يؤثر على نصيب فئات كثيرة بالمجتمع من عوائد تلك الموارد أو الأموال للوفاء باحتياجات أساسية. كما يصبح تحقيق شبكة أمان اجتماعي لها سمات الرعاية الاجتماعية من غير المقدور على الوفاء بالتزاماتها، التي تزيد ولا تنقص بزيادة أفراد المجتمع ونمو سكانه واحتياجاته. عربياً، قدَّر أحد المختصين أن المتراكم من إجمالي الدخل القومي العربي للنصف الأخير من القرن العشرين (١٩٥٠ - ٢٠٠٠) بنحو ثلاثة آلاف مليار دولار، أي (ثلاثة تريليونات دولار)، وأن ما صرف على عملية إعمار البنية التحتية وما خصص للقطاعات الصناعية والزراعية والخدمية والعسكرية والأمنية كان بحدود ألفي مليار دولار. أما الألف الثالثة فيقدر أنها ذهبت إلى أشخاص ومؤسسات عملوا وسعوا من أجل تسهيل وتسيير العمليات والأعمال المطلوبة في القطاعات التي استهلكت الألفي مليار الأولى، وهذا يعني - إن صحت هذه الأرقام - أن ثلث الثروة تحجب وتذهب بعيداً عن مشروعات التنمية التي تستهدف القطاع الأوسع من المواطنين نتيجة لهذا النوع من الفساد. إن وضع حد للفساد ومقاومته كفيل ليس فقط في حفظ حقوق الأمة والمجتمع والدولة في ثرواتها ومواردها وتوجيهها التوجيه الأمثل ، ولكنه أيضاً عامل مهم وفعال في خفض التوتر الاجتماعي وتراكماته عبر الوفاء بالتزامات اجتماعية تطال الشرائح الأوسع من المجتمع الأكثر حاجة . مواجهة اتساع دائرة الفقر أو التهام الطبقات الوسطى التي تقترب من دائرة الفقر يتطلب سد باب الفساد الكبير، وهو ما لا يتأتى إلا في اتجاه سن سياسة وطنية شعبية ديموقراطية . سن سياسة غير تبعية للإمبريالية الغربية ولا لمؤسساتها الاقتصادية العابرة للقارات الناهبة لخيرات الشعوب .
#محمد_بودواهي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأزمة الرأسمالية الراهنة وعدم راهنية النظرية الكينزية المست
...
-
دولة المخزن والسيرورة التي لا تريد أن تنتهي
-
لا خلاص لشعوب المنطقة إلا في الاشتراكية ... وفي وجود قيادات
...
-
ما هي الطبيعية الوجودية ؟
-
الثورات العربية والشمال إفريقية : حجمها وأفقها....
-
الرأسمالية المأزومة والنهوض الشعبي المتوقع
-
الأحزاب الشيوعية ومهام الحاضر
-
المفهوم الضيق والمتناقض للهويات والإثنيات والقوميات عند السي
...
-
مقال السيد سعيد الكحل وعصا الابتزاز
-
حركة 20 فبراير: الإنجازات والتحديات ....
-
الملكية التنفيدية ودولة المخزن ( الحرايمية )
-
من دولة المخزن إلى دولة القانون
-
مطالب الإصلاح والأفق المفتوح للسيرورة النضالية في المغرب
-
محطة 20 مارس والتحديات المطروحة على الدولة المغربية
-
الثورة الليبية والمؤامرة الغربية المدبرة
-
تطورات الوضع في المغرب في ظل الدينامية النضالية الإقليمية
-
المغرب والجزائر : بين الاتفاقيات الرسمية المشبوهة وضرورة الت
...
-
الأسباب الكامنة وراء تأخر المغرب في مواكبة الانتفاضات الشمال
...
-
القدافي - الثائر - والقدافي المتسلط
-
ملخص للأجواء التي تمت فيها تظاهرة 20 فبراير في مدينة خنيفرة
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|