نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1050 - 2004 / 12 / 17 - 10:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حين كانت الفضائية الاستهبالاتية الحرون تعرض جثثا مقطعة الاوصال في الشارع القمعستاني الكئيب مع سيارات تندلع فيها النيران , والدخان الاسود المتكاسل ينزوي الى افق بعيد داكن لامتناه ,فيما كانت ثلة غليظة من العسكر والعسس وقساة القلوب المنحدرين من احفاد جنكيز خان المأفون تصوب فوهات بنادقها الأوتوماتيكية في كل الاتجاهات باستثناء الحدود, مع الموسيقى التصويرية القمعستانية المعروفة السيمفونية الوحيدة التي تصدح في اجوائها وهي ترانيم الموت وتراتيل الدفن والبكاء والنحيب, تذكرت على الفور ما قالته الشخصية العبرانية الرفيعة المستوى ذات يوم بتهكم وسخرية واضحتين " ان العربي الجيد هو العربي الميت ". وخطر لي على الفور ان آخذ هذه الصورة المعبرة واهرع بها منطلقا الى مقر الجامعة العربنجية وامينها العام المعين بالاجماع والاتفاق الشمولي بشقيه القومجي والطالباني.لأن صورة هذه المسالخ البشرية المفجعة هي افضل ما تكون من معبر عن فكرة الثوابت والهوية والخصوصية القومجية التي يتغنى بها نجباء وفقهاء وفلاسفة العربنجيات البائدة. وبالتالي تصلح لان تكون رمزا وشعارا لجامعتهم التي اصبحت مأوى للعجزة السياسيين , ورمزا للترهل والركود الاداري والروتيني, ومركزا للتعيش والاسترزاق لابناء الاكابر والذوات والمحظيين سليلي الحقب التدميرية والتخريبية والتشويهية الكارثية الاستبدادية العظمى. وكثيرا ماكانت تصريحات العربنجي الاول نابعة من حرصه على مركزه البيروقراطي الاستنفاعي الاسترزاقي اكثر من كونه تعبيرا عن مصالح وتطلعات الشرائح العريضة التي يمثلها ويتحدث باسمها. وكانت التصريحات والبيانات تظهردائما كتوازن مضحك وغير منسجم ومبهم بين الطالبانيات والقوميات الجاثمة على صدور العباد والبلاد, وهكذا نادرا ماشوهد وهو يبتسم اثناء اطلاق تلك التصريحات المبهمة والالغاز المحيرة وكأنه شاهد زور على جريمة ابادة جماعية. ولطاما استفسر الكثيرون من الناس عن جدوى وفائدة هذه المنظومة المتهالكة وما هي اهم منجزاتها التاريخية؟
وكثيرا مايتساءل المرء عن العلاقة بين تلك التصريحات الاستفزازية الازدرائية العنصرية للمسؤول الشمولي الصهيوني الآخر, والصورة النمطية التي يحاول العربنجيون الرسميون رسمها عن هذا العربي البائس. وكيف تطابقت النظرتان نحو المصير النهائي والمحطة الاخيرة والكفن الاخير لهذا الكائن البائس سيء الحظوظ والاقدار. والتي يبدو انه لن يتخلص من تلك الثوابت الراسخة في الالفية الرابعة على حد توقعات اشد المراقبين تفاؤولا وأملا. والدولة العبرانية تلك التي قامت على مجموعة من المهاجرين والمرتزقة وشذاذ الآفاق استطاعت ان تهزمهم اجمعين ,لا بل كانت تشهر عصا الطاعة في وجه كل من حاول الخروج عنها ليعود طائعا وصاغرا الى القطيع العريض التائه والسائر بثبات ملفت نحو المجهول.
ففي ضوء النتائج التي تمخض عنها نتائج اعمال منتدى المستقبل الذي انعقد في الرباط في نهاية الاسبوع ,اثبت وبما لايدع مجالا للشك ان حالة الحصار الحضاري المفروضة على الانسان العربي مستمرة حتى اشعار اخر وحتى يرضى علينا العربنجيون الاشاوس ويمنون علينا بنذر يسير من بعض الخطط التي يكتنزها فكرهم الاستراتيجي الجهنمي الرهيب. ولا يبدو بان هناك املا برفع هذا الحظر وذلك حفاظا على الثوابت والهوية التي يجب ان تبقى مشوهة ومدماة وقذرة حتى يقضي الله امرا كان مفعولا. ولأن هذه الشخصية تتمتع بخصوصية خاصة لا تتقبل معها اي نوع من التغيير والتبديل بسبب تشوه بنيوي تركيبي عجزت الفرويدية الحديثة وأختها الغشتالتية في سبر اغوارها وفهمها وجعلها تتأقلم مع المحيط العالمي. وجاء في الخطبة العصماء اياها اننا ضد هذه النوعية من الاصلاحات لانها تتنافى مع هذه الشخصية الفريدة والمميزة, وان الاملاءات الاصلاحية المفروضة من الخارج مرفوضة جملة وتفصيلا ولا يمكن قبولها بحال من الاحوال. ونسي الجهبذ العربنجي الاول ان يكمل عصماويته المجلجلة فأكملها احد "الخبثاء"بالقول وأما الاصلاحات من الداخل مستحيلة وممنوعة ومؤجلة وغير ممكنة, ومن غير الواجب ان نزعج ولاة الامر المعصومين بالحديث عن هكذا ترف وضلال فكري صارخ. وهنا كان لابد من الاتصال بالمنجمين وعلماء الفلك والرياضيات لحل هذه المعادلة التي تتألف من عدة مجاهيل. وكما هو معلوم بالمنطق الرياضياتي ان معادلات باكثر من مجهولين هي معادلات عصية ومستحيلة الحل. واما التفكير به فهو من باب نقض الشموليات العظمى وهو من الكبائر والمنكرات العربنجية العظام وعقوبته إقامة حد الردة السياسية على مدعيه .
وقد افرزت تلك الدعوات الاصلاحية ثلاثة محاور رئيسية ظلت تتركز حولها تلك المحاولات الاصلاحية الفاشلة والموؤودة والتي اول ما ظهرت الدعوة لها كان في اعقاب سماع صوت انفجارات الكروز والتوماهوك المدوية وسقوطها بالقرب من القصور الرئاسية ”للحردون" العربنجي المشهورومشهدالوقوف القاهر للدبابتين على الجسر البغدادي الشهير, اضافة الى منظر تساقط الاصنام المشين.
والمحور الاول كانت تمثله النخب الشمولية والطالبانية القدرية الحاكمة مع طبقة المنتفعين ببقاء الاوضاع كما هي والى ابد الآبدين وممارسة السياسات الشفطوية والنهبوية والسلبوية والسلطوية والمافيوزية المطلقة دون رقيب او حسيب.ولذك عمدت ومنذ البداية لعرقلة عمليات الاصلاح ووضع العصي في عجلات الإصلاح البطيئة اصلا واستمرار مسلسل الفساد والافساد والدولة الشمولية الامنية وكل المتعيشين والمسترزقين من هذا الوضع البائس والمزري والذي لا تنفع معه حتى طلقة الرحمة لا ن دفنه مرة واحدة بالكامل امر محال وغير ممكن. وظهرت لغايات تسويفية وتنويمية وتخديرية محضة جوقة تردد بدعة فلسفة الاصلاح وادلجته التي يبدو انها ستأخذ اكثر مما أخذ الخمر من وقت الامام مالك.وكان محامو الشياطين والابالسة جاهزين ايضا للقيام بهذه المهمة الالتفافية الدورانية المكشوفة والمعيبة.
واما المحور الثاني فهو تلك النخب المثقفة والمهمشة بشكل عام والتي تمتلك الى حد ما رؤية تحديثية وتطويرية نابعة احيانا من حس وطني ووجداني واحيانا من اعتبارات حزبية وعقائدية ضيقة ايضا ولا يخلو بعضها احيانا من اعتبارات طفيلية واحلام امبراطورية صغيرة وهذا للامانة والواقع الموجود كما هو.وهي تحاول جاهدة وبكل السبل دفع عجلة الاصلاح ولكن دون جدوى احيانا . وقد دفع بعض منهم قسطا من عمرهم في زنازين انفرادية ثمنا لذلك.
ونصل الى المحور الثالث وهو ذلك الجمهور العريض الذي تتقاذفه الامواج ويتمتع بقسط لا بأس به من الامية والجهل السياسي والاستراتيجي وكان على الدوام مهمشا ومسيرا ومطية سهلة لقارئي البيانات الاولى. ولم يسجل له اي دور يذكر منذ زمن ليس بقريب ,وكان هذا بحد ذاته سلاحا مهما في ايدي الشموليات تتسلح به في مهاجمة خصومها.
والخصوصية التي يتغنى بها جهابذة العربنجية المنقرضة هي ان يبقى الانسان العربي مشوها ومدمى وجائعا ومطاردا وسجينا ومقموعا وحبيسا لارادة اولي الامر المعصومين, وان يحرم من كافة اشكال التعبير والتمثيل وان يبقى خارج الحلبة السياسية ويحرم من كافة حقوقه الانسانية المعترف بها عند قبائل الهوتو والتوتسي التي روعت العالم بصور الموت والاجرام المنفلت من اي قيد, وان تبقى الزعامات التقليدية القدرية جاثمة فوق الصدور كأبي الهول الفرعوني الصامت ابدا لا يأتيها الباطل أبدا, ولا تزال تمارس كافة الوان القهر والنهب والاقصاء وسرقة الثروات وتكديس الاموال بحسابات سرية وتمثيلية الانتخابات الخزعبلاتية المئوية المزيفة ذات النسب المشهورة.
ولذلك كانت الديمقراطية, وحقوق الانسان, والصحافة الحرة, وتحرير المرأة واعطائها كافة حقوقها جنبا الى جنب مع الرجل, والاقتراعات الحرة المباشرة والنزيهة, والتداول السلمي والهادىء للسلطات, واستقلال القضاء, والاعتراف بالاقليات العرقية والدينية والفكرية, كلها مناطق محرمة ممنوع دخولها واقتحامها ومنكرات لا يمكن القيام بها,ولا يمكن العمل والاخذ بها لان الثوابت والهوية, والخصوصية, ستتعرض للخرق والانتهاك الصارخ المبين.ان صورة العربي الفقير الجاهل والامي المتعصب المستلب الخنوع والمطارد والمدمى هي الصورة الامثل كما تمناها ورغب بها ذلك الشمولي التوراتي المعتوه. والسؤال الاهم من كل ذلك من الذي خول ايا كان بالتحدث باسم مجموعات معزولة ومهمشة والتنكر لمصالحها وتطلعاتها والمتاجرة باحلامها,وإلام ستبقى تلك المومياءات المحنطة تغرد خارج السرب وتراوغ وتجازف بمبدأ المراوحة في المكان الابله ؟
فلقد بات واضحا وبعد كل تلك المساجلات والمداولات واللقاءات والندوات ان هذه المنظومة العربنجية المنتهية الصلاحية لن تتنازل عن تراثها الشمولي وممارساتها السلطوية برغم كل ما حدث ويحدث في العالم من تغيرات وتفاعلات وتراهن على المجهول الذي يحمل كل اسباب ومؤشرات الفوضوية الانفلاتية الخطرة.
الهرطقات العربنجية..................تأملوها
نضال نعيسة صحفي سوري مستقل
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟