صباح البدران
الحوار المتمدن-العدد: 3538 - 2011 / 11 / 6 - 06:28
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
عن المؤتمر التأسيسس لـ ( التيار الديمقراطي العراقي )
من طبيعة الاختيار الديمقراطي أن ينتج فعلاً ديمقراطياً . فهل حصل هذا؟
لقد تاسس التيار الديمقراطي العراقي من ثلاثة أحزاب بحسب مسمياتها ( الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي والحزب الوطني الديمقراطي الأول ) وعلى وفق المؤتمر التأسيسي لهذا التيار .
الذي يُلفت النظر هو أن يُعلن عن قيام تيار ديمقراطي خلف ابواب مغلقة ، خصوصاً وأن هذا التيار قد عقد مؤتمره التأسيسي مثل جماعة غنوصية . ولا ندري من أيّة زاوية يمكن مناقشة امر بهذه الأهمية والخطورة . لأننا ندرك أن الاستسهال في تناول هذه الأمور سوف يُعرِّض المشاريع الديمقراطية الجادة إلى الخطر ، ويفقدنا ثقة الجماهير بمشاريع التغيير الديمقراطي الحقيقية ، خصوصاً إذا تعرضت مثل هكذا مشاريع مستعجلة وغير مدروسة وقائمة على مصادرة الآخرين إلى الفشل والتشرذم . والتجربة العراقية تزخر بمثل تلك المشاريع التي فشلت .
* لا بد أن المؤتمرين الديمقراطيين وجدوا أنفسهم الاتجاه الوحيد الأوحد الذي يمكنه أن يمثل الديمقراطية ، واعتبروا الآخرين مجرد هامش لا حاجة لإشراكه بمشروع ديمقراطي . وفي ظننا أن هذا السلوك يأتي على حقيقة وجود مخالفة أولى لمفهوم الديمقراطية ، التي تتطلب الاستماع للرأي الآخر ، ومشاركة الآخر المختلف هموم القضية أو المشروع . إضافة إلى اننا جميعاً ندرك أن اجتماع حزبين أو أكثر أو منظمتين لا يعني قيام تيار . وإنما في الغالب يعني تنظيم اتفاقات حزبية ، وفي افضل الاحوال قيام جبهة معدنها الحساسيات السياسية المغلقة ، وبرؤيا ذات أفق محدد ، وفي النتيجة ، لاتعني بهموم الجماهير التي يجب أن تتوجه إليها مشاريع البناء الديمقراطي بكل أشكالها .
ثم أن إقامة مؤتمر لتأسيس تيارٍ ديمقراطي ، لابد للقائمين عليه من نشر وإذاعة رؤاه وبرنامجه على العلن ، لابد للمؤتمرأن يكون قد نشر مسوّدات برنامجه التي سوف تتحول إلى وثائق للتاريخ ، ولكي يفهم الجميع أيضاً إلى أين يمكن أن يؤدي هذا المؤتمر والتيار فيما بعد . ونحن ندرك أن هذا يوفر امكانية هائلة لالتفاف الجماهير ذات المصلحة حول المشروع والتيار أيضاً ، خصوصاً وأن وثائق المؤتمر تضمنت ( النظام الداخلي ) للتيار الذي سيكون مُلزِماً لمن يريد أن يحشر رأسه فيما بعد في هذا التيار، أو ليكن " خارجياً " .
* من باب آخر ، هناك سؤال لابد أن يراود ذهن كلّ وطني يحرص على نشوء تيار وطني يكفل له وللآخرين حرية الكلام والتعبير ، تيار ديمقراطي وطني يحمي العراق وقوانينه من التلاعب ويعمل على منع نشوء دكتاتوريات جديدة ؛ والسؤال هو : لماذا تستمر سياسة المصادرة والتهميش الأزلية أزاء الديمقراطيين الآخرين ، تلك السياسة التي تؤدي حتماً إلى التشرذم وتسبب غياب الديمقراطيين الوطنيين عن الساحة السياسية ؟ لماذا يُنظر إلى الأصوات الوطنية الأخرى المطالبة بترسيخ الديمقراطية باعتبارها قوى قاصرة لايجوز التوجه إليها بالدعوة للمشاركة في ارساء قواعد الديمقراطية ؟ أليست عملية ايجاد تقاليد ديمقراطية هو ما نواجهه كل يوم ونفشل في تحقيقه؟ هل يظن اقطاب المؤتمر التأسيسي أن على الآخرين أن يحشروا انفسهم حشراً فيما بعد ، قانعين بالفضل الذي يتيحه اقطاب المؤتمر التأسيسي لهم في المشاركة بمثل هذا المشروع على قاعدة السيد والتابع ؟
لا نعرف كيف يمكن أن نتحدث عن الديمقراطية تحت طائلة النظر من أعلى إلى الآخرين – الأعلى الكاذب طبعاً – لأن اقدام الجميع على أرض الواقع الذي تقرره الجماهير في النتيجة النهائية .
وبالنسبة لنا ؛ فأن الحديث للحزب الشيوعي العراقي لابد أن يجري على قاعدة ما تحدث به ماركس بخصوص كومونة باريس ، وهو يؤكد على أحزاب الطبقة العاملة وليس الحزب الوحيد للطبقة العاملة . وهو ما أُخذَ على ثورة اكتوبر حين ألغت حتى الكتل داخل الحزب في المؤتمر البلشفي بعد الثورة . فليس الحزب الشيوعي العراقي حزب الشيوعيين العراقيين كلهم ، وليس هو ممثلاً وحيداً للطبقة العاملة ، وليبحث كلٌ في أوراقه ، مع احترامنا لمسيرة طويلة من التضحيات اشترك في تقدميها على مذبح الحريات رعيلٌ واسعٌ من المناضلين الشيوعيين الذين حتماً لن يرضوا المصادرة والتهميش لو كانوا أحياء .
كذلك بالنسبة للحزب الوطني الديمقراطي ؛ فهو حتماً لا يمثل الديمقراطيين كلهم وليس هو حزب الديمقراطيين جميعهم مع احترامنا لسابقته التاريخية . ويكفي أنه الآن قد انقسم إلى حزبين يختلفان في التوجهات ( ولا نقول في البرامج ) والرؤية .
والواجب علينا جميعاً أن نحترم الآخر ، ونديم الحوار ونطيله على سعته لكي يشمل كل الأراء والأفكار ولكي تغنيه الحوارات الطويلة معرفة بالقادم والمطلوب من الحقائق ، ومواجهة اشكالات الحاضر بالشكل الذي يضمن قيام تيار لا تطوّقه المصالح الحزبية الضيقة ، ولكي يجد أيضاً من يضيق صدره بالجمع فرصة للابتعاد قدر المستطاع عن إلفة الجمع الديمقراطي المطلوب حضوره في الساحة السياسية .
إن ماطرحَته الاطراف المشاركة في المؤتمر التأسيسي يوحي بصدوره عن ذهنية (التحريم!!) الديمقراطي ، المؤسََسَ على فعاليات التوريث والابتعاد عن مصالح الجماهير ذات المصلحة في المشروع الديمقراطي .
نحن لانريد الحديث عن مشروع النظام الداخلي ولا عمّا جاء فيه من التأكيد على فروع الاحزاب المؤسسة الثلاث !! والتمثيل وما إليه . لأن رسالة الديمقراطيين العراقيين في الدنمارك كفَتْ الأمر رأياً . لكن ما يهمنا هنا هو أن عقلية المصادرة والخوف من هيمنة الآخر تبدو واضحة ، وهي تنبني على فكرة (الأعلى والدون ) مثل مسمى ( اللجنة العليا ) وتداول رئاستها الذي يدل فيما يدل عليه فقدان الثقة الواضح فيما بين الأطراف المشاركة جميعها . وهي نتيجة منطقية لأنحراف تنظيم الديمقراطية عن مسارها الصحيح ، أي التوجه للجماهير بأوسع تنظيماتها وقطاعاتها . حيث تبدو عملية انشاء التيار مجرد فعالية تآمرية تتم خلف ابواب (... ) أو في قاعات وعقول مغلقة على فهم ديمقراطي ما !!
نحن نتفق مع رسالة الديمقراطيين العراقيين في الدنمارك ونبارك لهم خطواتهم لتوسيع عمل هذا التيار الذي يعملون على نشره في أوربا كلها . ونحن معهم في الدعوة لانشاء تيار مفتوح داخل العراق وخارجه ، يقوم على قاعدة المواطنة والديمقراطية ورص صفوف اليسار العراقي، اضافة إلى فهم معنى احترام عقل الشعب ، ثم لتدفع الاحزاب صاحبة المشروع الديمقراطي بكل ثقل جماهيرها دونما خشية من الابتلاع ودونما رغبة في الاستحواذ ، دونما مطامع حزبية ضيقة ايضاً ، نعم حافظوا على تنظيماتكم . ولتقرر الجماهير طبيعة هذا التيار الديمقراطي في النتيجة ، فأن الساحة قد خلت تماماً من حضور أية توجهات ما عدا تياراً ظلامياً ينازع الموت وعرضة للتلف في كل يوم .
كان يمكن أن يحسب هذا المشروع للاحزاب المنظمة ، وعلى طول التاريخ لو أنها ابتعدت عن عقلية المصادرة والتهميش وسعت بعيداً عن الخوف من الآخرين
#صباح_البدران (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟