شامل عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 3537 - 2011 / 11 / 5 - 12:51
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
أليست مفارقة عجيبة أن يحصل * حزب النهضة الإسلامي * بزعامة راشد الغنوشي على 90 مقعداً من أصل 217 في الانتخابات التونسية التي جرت يوم 23 / 10 / 2011 وهي أول انتخابات ديمقراطية بالمعنى الحقيقي لتونس الخضراء باعتراف العالم وعلى رأسه الاتحاد الأوربي , كما يقولون أنّها الأفضل في العالم العربي بالرغم من بعض الاعتراضات من قِبل التيارات العّلمانية إلاّ أنّهم اعترفوا أخيراً بهزيمتهم .
أنا أرى العكس بالضبط * فهي ليست مفارقة * بل هي نتيجة طبيعية لفوز التيارات الإسلامية ولو جرت انتخابات في أي دولة عربية أخرى * من الربيع العربي * أو من غيره سوف تكون للتيارات الإسلامية حصة الأسد .
يقول الأستاذ محمّد عبد المطلب ألهوني :
لو أجريت انتخابات نزيهة في البلاد * ليبيا * فإن التيار الإسلامي سيكون حتمًا المنتصر. ذلك أن الأحزاب الإسلامية منظمة. أما الأحزاب الأخرى فهي لم تؤسس بعد. والسبب الثاني هو أن حجم الأموال الآتية من الخارج ، وخصوصًا من الخليج كبير جدًا .
رأيي المتواضع :
ليس هناك سبب قوي جداً لفوز التيارات الإسلامية سوى * تشرذم التيارات العَلمانية بكافة مسمياتها * هذا التشرذم نفسه يعود لعدة أسباب منها هو أن هذه التيارات * تنظيرية * أكثر مما هي حزبية - مُنظمة * ليست ذات تأثير قوي على أرض الواقع * كذلك تخلو من التضحيات الحقيقية * عدا بعض الحالات الفردية على عكس التيارات الإسلامية التي عانت وتعاني من قمع كافة الحكومات العربية وخصوصاً في ستينات وسبعينات القرن الماضي ولكن هذا ليس معناه أن الحكومات المستبدة لم تقمع بعض التيارات الأخرى ولكن هناك فرق حسب رأيي وهذا ليس موضوعنا * قد يكون هناك مخالف لِمّا نقوله ولكن هذه هي الحقيقة من وجهة نظر شخصيّة .
في عام 1987 وتحديداً في 27 آب كان نصيب راشد الغنوشي * الأشغال الشاقة * مدى الحياة بعد أن فتحت محكمة أمن الدولة بتونس أبوابها لمحاكمة 90 من المحسوبين على الاتجاه الإسلامي بتهمة محاولة قلب نظام الحكم والتعاون مع دولة أجنبية * إيران * ( عادل ألطريفي * بتصرف * في مقاله * الغنوشي العلماني وبورقيبة الواعظ * ) المنشور في صحيفة الشرق الأوسط بالعدد 12020 في 26 / 10 / 2011 .
بورقيبة في حينه رأى أن تلك الأحكام مخففة ولم يرضى عنها وقال ذلك أمام وزير داخليته ,, يستمر الأستاذ ألطريفي فيقول :
( يروي أندرو بورويس الحادثة : لقد أخبره مستشاروه * أي بورقيبة * بأنه لا أساس قانونياً لإعادة المحاكمة ) .
بورقيبة كان يريد ويتمنى رأس الغنوشي ؟
يا لسخرية القدر ,, يذهب بورقيبة وخلفه بن علي ويعود الغنوشي من الحظر إلى الحكم ويكون الوجه الأبرز في المشهد السياسي التونسي .
هناك خيبة أمل وإحباط عند الأغلبية من الذين يتمنون العكس من مصير الثورات العربية ولكن عليهم أن يسألوا أنفسهم لماذا فشلت الأحزاب العلمانية بجميع مسمياتها عند ذلك سوف يعلمون ,, هذا إذا سألوا أنفسهم وترجلوا من بروجهم العاجية ويكونوا واقعيين لا خياليين ,, يحلمون بالتغيير بمجرد التنظير الذي لا يرتقي لمستوى الحدث كذلك هناك فرق بين كتابات * الأماني * وكتابات * الواقع * كما هو وليس كما نتمناه .
والأنكى بعد الخيبة والخسران تتعالى بعض الأصوات لتقول لنّا سوف نحاربهم بعد وصولهم للسلطة ,, هذه نكتة ولكنّها نكتة * سخيفة * ؟
المجلس التأسيسي القادم في تونس يضم 49 امرأة من حزب النهضة فقط 42 ,, يا للعجب ,, أقرب منافسيه الحزب الديمقراطي 30 مقعد .
ما هو السبب ,, ماذا كانت تفعل الأحزاب العّلمانية ؟ بماذا كانت مشغولة ؟
أحد أعضاء حزب النهضة الإسلامي * سمير * يقول لقناة الجزيرة * 30000 من أعضاء النهضة كانوا في السجون التونسية * أي أنهم اليوم يقطفون ثمار تضحياتهم بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معهم فهذا لا يقدم ولا يؤخر في صناعة الحدث .
هل كان بورقيبة يتوقع أو يدور بخلده أن يعود الغنوشي إلى تونس منتصراً بعد أكثر من 24 عاماً وكيف يفكر بن علي حالياً وهو يشاهد الغنوشي بديلاً عنه ؟
يا للمفارقة العجيبة ,, في عام 1989 حصلوا على نفس النسبة تقريباً ولكن بن علي انقلب عليهم واليوم 2011 ينالون أكثر من 40 % ...
يسأل ألطريفي ماذا تغيّر من 1989 لغاية 2011 ؟
حسب ألطريفي * يحاول المبشرون بالربيع العربي بأننا إزاء ثورات شعبية غير مؤدلجة ( رأيي الشخصي هي عفوية اختلط فيها الحابل بالنابل لا ترتكز على أيّ قاعدة من قواعد الثورات في العالم اجمع ) وعليه فإننا موعودون بمرحلة جديدة تتم فيها إشاعة روح المواطنة والمشاركة السياسية بين الأطياف كافة السياسية والأيدلوجية بمن في ذلك الإسلاميون ( يقولون بأن أحداث العام ستفرض ) على الإسلاميين تحديداً إجراء تغيير سلوكي وفكري يتواءم مع المرحلة الجديدة ؟
ثمّ يطرح صاحب المقال سؤالاً ؟
هل تغيّر الإسلاميون فعلاً خلال العقود الماضية ؟
أم هو تغيّراً في التكتيكات السياسية والوسائل لا تغييراً في المفاهيم .
( من وجهة نظر شخصية إذا لم تستوعب التيارات الإسلامية * تونس – مصر – ليبيا * وحتى سوريا مستقبلاً - التغييرات الحاصلة في العالم عموماً ومنطقتنا خصوصاً فإن الفرصة الذهبية لهم سوف تذهب إدراج الرياح ,, عليهم التحالف مع باقي التيارات الأخرى وأن يكون المواطن هو الأساس والابتعاد عن مفاهيم القرون الوسطى وأن يعملوا جميعاً من اجل مجتمعات أفضل ) .
إذن نحنُ أمام حالتين :
إمّا تغييراً في الوسائل * وبهذا سوف يفقدون فرصتهم الذهبية *
أو تغييراً في المفاهيم * هذا هو المراد والمطلوب إذا كانوا عقلاء *
هناك ملاحظة عامة في تونس – مصر – ليبيا يلجأ إليها الإسلاميين وهي : التطمين والوعود بالمحافظة على العقود والاستثمارات والعقود الخارجية * هذا هو المهم بالنسبة للعالم الغربي *
ما معنى هذا ؟ هذا معناه إرسال رسالة تهدئة وثقة للحكومات الغربية ,, أي أن الحكومات الجديدة لن تلجأ إلى نقض المعاهدات الدولية والعقود التي تربط بلدانهم بالعالم الغربي .
قُتل ألقذّافي بطريقة غير إنسانية حسب الإنسانيين فقط وفي نفس الوقت شددّ مصطفى عبد الجليل على عزمه * شخصياً * على مراجعة القوانين الليبية للتوافق مع الشريعة الإسلامية وفي نفس الوقت مؤكدا على التزام ليبيا بالمعاهدات والعقود كافة مع العالم الخارجي في الوقت الذي وعد فيه بإلغاء قانون منع تعدد الزوجات كان نائبه * عبد الحفيظ غوقة * يكرر التعهد باحترام عقود ليبيا مع الخارج .
في تونس :
عبد الحميد الجلاصي عضو المكتب التنفيذي أعلن للصحفيين الأجانب بأن حزبه سيضمن لشركاء تونس * التجاريين والاقتصاديين * عقودهم والحزب يتعهد بتقديم كل التسهيلات والضمانات للاستثمار الأجنبي .
نور الدين البحيري عضو المكتب السياسي أكد لوكالة الصحافة الفرنسية أنّ حزبه ملتزم * إعادة بناء مؤسسات دستورية قائمة على احترام القانون واستقلالية القضاء واحترام حقوق المرأة بل وتدعيمها على قاعدة المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن المعتقد والجنس والجهة التي ينتمون إليها .
( إذا التزم حزب النهضة بكل تصريحاته ومبادئه والبرامج التي أعلن عنها وخصوصاً خطاب الغنوشي بعد فوزهم بالانتخابات اعتقد * وأتمنى أن لا أكون مخطئاً *سوف تكون تجربة ناجحة في البلاد العربية وعلى غرار * الإسلام التركي * ولا ننسى أردوغان ورحلته لدول الربيع العربي ) .
يسأل ألطريفي : إذا كان الإسلاميون قد تغيروا فلماذا كل هذا الحماس في التأكيد على حسن النوايا ؟
قد يقال حسب تعبير الكاتب بأن ذلك أمر طبيعي نتيجة لعقود من تشويه السمعة والروايات الكيدية من قبل الأجهزة الأمنية في بعض الدول العربية .
هذا القول يخالفه التاريخ الطويل والمديد من العنف واستخدام السلاح والتكفير وتبرير التطرف الذي مارسه قطاع فير قليل من الإسلاميين على امتداد العالم العربي .
هناك من يقول وهو * محق * بأن الإسلاميين ليسوا تياراً واحداً وبينهم اختلافات عميقة وتفاصيل دقيقة .
هذا الكلام من وجهة نظر ألطريفي ينطبق على الأنظمة العربية * والتي هي بالأساس عدوة للأحزاب والجماعات الأصولية والعكس صحيح *
هناك سؤال ؟
لماذا يقبل أن تدافع الجماعات الدينية عن نفسها وتاريخها بل وعن أحقيتها في ممارسة العمل السياسي ثم بعد ذلك يراد أن نصدق رواياتها بخصوص الأنظمة التي سقطت ؟
( بالمناسبة ما معنى سقوط الأنظمة ومن هو الذي يحدد ذلك ,, سقوط الأنظمة لا يتم برفع الشعارات التعبوية * من شباب دون العشرين * مع احترامنا للتضحيات ولكن سقوط الأنظمة يتم عبر توازنات القوى وهذا هو البعيد عن ذهن الأغلبية حسب رأيي الشخصي لذلك نرى تفاوت وجهات النظر بالنسبة للعالم تجاه كل دولة ,, تونس – مصر – اليمن – ليبيا – سوريا ,, إذا كانت ليبيا عبارة عن خزان نفطي كبير ولا مثيل له فإن سوريا لها وضع أخر مرتبط بإسرائيل التي لم تحسم أمرها بعد حسب تعبير أحد الأصدقاء ,, لا حرب طائفية ولا أهلية في سوريا ولكن من المحتمل * حرب إقليمية * ) .
نعود للإجابة عن السؤال :
هو أن الإسلاميين في وقت من الأوقات كانوا شركاء تلك الأنظمة * الفاسدة * وسوف نضرب بعض الأمثال لعلهم يتذكرون :
الإخوان في مصر اعتبروا انقلاب 1952 حركة مباركة وكانوا شركاء فيها * يقال أن عبد الناصر كان احد أعضاء الإخوان ثم انقلب عليهم * حسب كلام الدكتور أحمد شلبي في الموسوعة الإسلامية * .
اختطاف الملالي الشيعة وأتباعهم من الإسلاميين الثورة في إيران عام 1979 .
اتفاق الغنوشي نفسه مع بن علي على بدء مرحلة جديدة والمشاركة في الانتخابات عام 1988 بعد أن اخرج بن علي الآلاف من السجون .
ألم يأتِ الإسلاميون بالرئيس البشير وحكومة الإنقاذ في السودان عام 1989 ؟
الم يتحالف الزنداني وحزبه في اليمن مع الرئيس صالح في الحكم في منتصف التسعينات ؟
ألم يتصالح الإسلاميين مع بوتفليقة في الجزائر ؟
أولم يخرج أعضاء الجماعة الليبية المقاتلة بفضل الحوارات التي أجرتها مؤسسة ألقذّافي الخيرية مع رموز الحركة الإسلامية * عبد الحكيم بلحاج – علي الصلابي ؟
( بالمناسبة بدأت بشائر الخير في ليبيا بهدم المساجد التي تحوي قبور الأولياء لأنّها حرام حسب السُنّة النبوية ) ؟
ماذا قال الغنوشي ؟
لن يقدم على حظر * البكيني * والخمور ويتعهد بعدم التدخل في الحريات الشخصية ويمتدح الأحوال الشخصية التي أصدرها بورقيبة عام 1956 ويقول عنها * اجتهاداً فقهياً *
أهم سؤال ؟
من هو العّلماني ؟ الشخص الذي يستخدم الدين ذرائعياً للوصول إلى السلطة – الغنوشي - أم المستبد المتنور الذي يريد تحديث الدين – بورقيبة - ؟
أين تكمن الحقيقة ؟
ما هو الفرق بين الغنوشي وبورقيبة ؟
من وجهة نظر شخصية لا يوجد فرق .. المهم الوصول للسلطة ولكن بشعارات مختلفة ,,
تعهدات – ووثائق وعقود مع الغرب * عدو الإسلام * وخمور وبكيني وسياحة وأحوال شخصية وحقوق المرأة والسفور ,, الخ .
إذن * بعبع * الشريعة سوف لن يكون حاضراً حسب القراءة الأولية للتصريحات .
سؤال ؟ ما هو نوع الصراع بين التيارات الإسلامية والأنظمة ؟
ديني أم دنيوي ؟
رأي الكاتب ألطريفي :
مشكلة بعض الحزبيين الإسلاميين هي أن خطابهم مبني على الأوهام وتصوير نزاعهم مع الأنظمة أنه نزاع * ديني * مع العلم أن الصراع * دنيوي * مادي على المناصب والغنائم * هذه حقيقة لا يساورني الشك فيها أبداً ,, المهم الوصول إلى كرسي الحكم بأي ثمن أو بأي شعار * واعتقد كذلك بأن هذا اختصاص * عربي * بحت لا ينافسهم فيه أحد .
( إذا كانوا مستعدين لتقديم كل التنازلات الدينية والسياسية بل والتعهد بالتحالف مع الغرب * الكافر * فلماذا إذن عهد بورقيبة * وغيره * هي عهود علمانية ظالمة شريرة * إذا كان يرغب في الحفاظ على تراثها القانوني وسياساتها الاقتصادية وعلاقتها بالخارج ) ؟
السبب هو الاستبداد * علمانياً * كان أم * إسلامياً *
يقول السيّد ألطريفي :
محاولة بعض الإسلاميين تصوير أنفسهم على أنهم ضحايا المرحلة السابقة من دون الاعتراف بالمسؤولية فيها نوع من تبرئة الذات ورواية غير أمينة لعقود من المشاركة والصراع على السلطة مع أنظمة قائمة وسابقة ,, لقد مارس بعض الإسلاميين العنف فيما تصالح البعض الأخر مع حكام مثل معمر ألقذّافي وبشار الأسد وأصبحوا ضيوفاً دائمين على موائدهم ..
( أي جلادين وضحايا) ..
( لقد وصلوا إلى الحكم مرات عديدة ففشلوا ,, فهل سوف يفشلون اليوم ) ؟
ختاماً عن ألطريفي :
يقول الوزير * الطاهر بلخوجه * في كتابه ( بورقيبة ,, سيرة زعيم ,, 1999 ) :
أن الراحل بورقيبة * كان يخشى التعصب الديني ويسعى إلى تمرير روح التسامح والتماشي مع مقتضيات العصر وكنا أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين نجتمع حوله سنوياً بمناسبة المولد النبوي الشريف في جامع الصحابي أبي زمعة بالقيروان للاستماع إلى ما كان يقدمه من مواعظ صارمة واجتهادات يشدد فيها على ضرورة تطوير الممارسات الدينية لتصبح أكثر تسامحاً *
( الآن ماذا تريدون ) ؟
شكراً جزيلاً لجميع الصديقات والأصدقاء الذين سألوا ,, على صفحتي في الفيس بوك أو على بريدي الالكتروني ..
كل عام والجميع بصحة وسعادة ..
/ ألقاكم على خير / ..
#شامل_عبد_العزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟