|
تأملات في النموذج السويسري للديموقراطية المباشرة والدولة الاتحادية المحايدة
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 1050 - 2004 / 12 / 17 - 10:33
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
مشكلات التنوع الطائفي والقومي والدولة الاتحادية " الفيدرالية " : تأملات في النموذج السويسري للديموقراطية المباشرة والدولة الاتحادية المحايدة . " النص الكامل " تأملات في النموذج السويسري للديموقراطية المباشرة والدولة الاتحادية المحايدة تأملات في النموذج السويسري للديموقراطية المباشرة والدولة الاتحادية المحايدة علاء اللامي توطئة : نهدف عبر هذه المقالة إلى التعريف بواحدة من أهم وأغنى تجارب الحكم الديموقراطي في التاريخ المعاصر هي التجربة السويسرية التي يمتد عمرها إلى سبعة قرون خلت حيث تأسس أول اتحاد سويسري سنة 1291 بين ثلاث دويلات "ولايات / محافظات " انضمت إليها فيما بعد خمس أخرى . وليس التعريف بحد ذاته هو دافعنا الأول بل القراءة التاريخية النقدية الطامحة إلى استخلاص العبر والدروس من تجربة قادمة من مجتمع متنوع لغويا وقوميا وطائفيا ودينيا ، مجتمع جعل من هذا التنوع مصدرا للثراء والإخصاب الحضاري والاستقرار السياسي والتقدم العلمي والاقتصادي والاجتماعي بعد أن كان مصدرَ شرورٍ وحروبٍ أهلية وإقليمية واضطرابات كثيرة سفك السويسريون خلالها دماء بعضهم البعض ثم انتهى هذا الطور من تاريخهم بقيام دولة اتحادية راقية وحكم قائم على الديموقراطية المباشرة أو ديموقراطية القاعدة كما تسمى أحيانا .إن هذه الحيثيات المتعلقة بواقع ومواصفات التجربة السويسرية تجعل منها مدرسة ومختبرا تاريخيا ممتازا لجميع الشعوب والمجتمعات التعددية وذات النسيج المجتمعي المتنوع قوميا ولغويا ودينيا وطائفيا والطامحة إلى حل مشاكلها سلميا وعبر الحوار والمصالحة والتجريب والتسامح وغير ذلك من تقاليد وأساليب إيجابية أرستها تجارب الشعوب . ونحن حين سنقرأ ونستقرأ وقائع وحقائق هذه التجربة الغنية نضع العين على ما عانته وتعانيه تلك المجتمعات وفي مقدمتها العراق ولبنان وغيرهما . سنحرص في هذه المقالة على الإقلال من التفاصيل والوقائع الجزئية التاريخية ذات الطابع التسجيلي ونركز ونكثف الضوء على الجانب التحليلي والاستنباطي في ثلاثة جوانب نراها الأكثر أهمية وهي البنية الاتحادية " الفيدرالية " للدولة و أسلوب الديموقراطية المباشرة مع التعريج على الحل الذي قدمته هذه التجربة للصراع الطائفي والقومي ونختم بوقفة سريعة عند موضوعة الحياد السويسري الشهير . تجربة عريقة وخصبة : لم تتعرض تجربة ديموقراطية عريقة للغبن و التعتيم وعدم الانتشار كما تعرضت التجربة السويسرية ، وربما يعود السبب الأهم في ذلك إلى إن السويسريين أنفسهم -وهم أصحاب وبناة ورواد هذه التجربة - قليلو الكلام عن أنفسهم وعن تجربتهم ويفضلون غالبا الفعل على القول هذا أولا ، وثانيا لأنهم -شعبا ودولة - ليست لديهم أطماع أو طموحات في السيطرة والهيمنة على بلدان أخرى بل اكتفوا بأن يصنعوا تجربتهم ومؤسسات دولتهم وبلغوا بها المستوى الذي يجعلهم فخورين بها، مطمئنين إليها ،متابعين عن كثب لآلياتها وإفرازاتها . كانت البداية الحقيقية في القرن الثالث عشر حين تشكل أول نظام اتحادي في سويسرا عندما اتحدت ثلاث مقاطعات هي شفيتز ( Schwys ) التي اشتق منها اسم سويسرا و أوري (Uri ) وأونترفالد (Unterwald ) في كيان سياسي واحد يحمل اسم الاتحاد الفيدرالي السويسري ، وبدأت المقاطعات الأخرى بالانضمام إلى الاتحاد حتى القرن التاسع عشر . وحتى قبل ذلك التاريخ ، وفي الألف الميلادي الأول تحديدا ، وجدت المجالس البرلمانية في جميع المقاطعات السويسرية حيث ثمة برلمان لكل كانتون له السلطة العليا وحق اتخاذ قرارات الحرب والسلام . أما الاتحاد الذي نشأ في سنة 1291 واستمر لأكثر من مائتي عام فقد كان أسلوب الحكم فيه قائما على الديموقراطية المباشرة حيث يجتمع الشعب بأسره مرة في السنة في أحد الميادين العامة ويصوت برفع الأيدي أو امتشاق السيوف على انتخاب المسؤولين الحكوميين الكبار والقضاة ومازالت آثار هذه الممارسة الديموقراطية المباشرة قائمة حتى اليوم في كانتون الآبانزل الجبلي ( Appenzell ) ومن الطريف واللافت أن حرمان النساء من حق التصويت والمشاركة السياسية في هذا الكانتون تعود إلى أسباب بروتوكولية - كما يقول بعض المتابعين للتجربة السويسرية - حيث يمتشق الناخبون سيوفهم عند التصويت في الميدان العام تأكيدا لاستعدادهم للدفاع عن الكانتون الفعل الذي لا تقوم به النساء ! ثورة دستورية اتحادية : غير أن تاريخ التجربة السويسرية في الحكم والقائمة على الديموقراطية المباشرة أو ديموقراطية القاعدة والاتحاد الحر والطوعي بين كيانات مستقلة يبين لنا أن هذه التجربة قد بلغت اليوم درجة عالية من النضج والثراء والاستقرار ، وهي لم تعد كما كانت في بداياتها حين كان يسودها الطابع التجريبي . ومع ذلك فإن عددا من المؤرخين يرون أن البداية الحقيقية للنظام الديموقراطي الاتحادي القائم اليوم كانت حين اتحدت المقاطعات أو الدويلات السويسرية وأقرت الدستور الجديد الذي يحمل اسم " القانون الأساسي للاتحاد السويسري " في الثاني عشر من شهر أيلول سنة 1848 وألغي الدستور القديم الذي يحمل اسم "ميثاق 1815 " وقد بلغ عدد مكونات الاتحاد اليوم ثلاثة وعشرين كانتونا وبصدور الدستور الجديد ودَّع السويسريون صيغة "اتحاد الدول" و أسسوا لدستور الدولة الاتحادية . وبموجب الدستور الجديد والمعمول به في الوقت الحاضر فقد حددت صلاحيات السلطات الاتحادية وخصوصا في الإشراف على السياسة الخارجية وأمور الدفاع والجيش كما حددت الحريات الفردية وصلاحيات حكومات الكانتونات . وقد تقرر أن تناط السلطة التنفيذية الاتحادية بحكومة مؤلفة من سبعة أعضاء يدعي كل منهم مستشار الدولة و مقرها في مدينة "بيرن " العاصمة الاتحادية وتسمى هذه الحكومة المجلس الفيدرالي( Le conseil Fédéral ) وتضم سبع مديريات (Départements ) وليس وزارات هي على التوالي : الخارجية ،والداخلية ،والدفاع ،والعدل والشرطة ، والمالية ، والاقتصاد العام ، والنقل والطاقة . وتتكون السلطة التشريعية من مجلسين الأول هو المجلس الوطني ( Le conseil national ) المنتخب مباشرة من قبل الشعب و على قاعدة نائب واحد على الأقل لكل مجموعة من الناخبين مما يعني أن عدد النواب يتناسب طرديا مع عدد الناخبين والثاني هو مجلس دويلات أو ولايات الاتحاد ( Le conseil des Etats) وفيه يتمثل كل كانتون صغيرا كان أو كبيرا بنائبين اثنين .
إن الاتحاد السويسري واسمه الرسمي " الاتحادية الهلفيسية La Confédération Helvétique " نسبة إلى شعب "الهلفاس " وتحديدا قبائل السلت من هذا الشعب وهو من الشعوب الهندوآرية التي استوطنت ربوع سويسرا في العصور السحيقة ، إن هذا الاتحاد لم يتأسس على أساس الأصل القومي " العرقي " للسكان فهو ليس اتحادا بين "الفرنجة الرومان" الناطقين بالفرنسية و"الجرمان " الناطقين بالألمانية والذين يؤلفون الأغلبية السكانية و"الإيطاليين" في إقليم "تسين" و"الرومان الرومانش" وهم أقلية ناطقة بلغة قديمة تدعى الرومانشية في كانتون " غريزون " بل على أساس الاتحاد الطوعي بين مجموعة من الكانتونات المستقلة والتي تتمتع بحق الانفصال والخروج من الاتحاد متى صوتت الأغلبية السكانية لصالح ذلك ، والأكثر من ذلك أن حق الانفصال مضمون حتى للكومونات " المشاعات " الصغيرة وقد حدث ذلك فعلا حين انفصلت سنة 1978 عدة كومونات من كانتون "بيرن " العاصمة السياسية للاتحاد وأسست كانتونا جديدا هو "جورا "بعد أن وافقت الأغلبية السكانية على الانفصال خلال استفتاء أجري بتاريخ 23 حزيران 1974 . والكومون هو الوحدة السياسية الأصغر ويترجم البعض هذه الكلمة إلى " مشاعة " يليها الكانتون والذي يمكن أن يقابل المقاطعة أو المحافظة أو الولاية في الدول المركزية وهو – الكانتون - مؤلف عادة من عدة كومونات . والاتحاد السويسري يضم كما قلنا في موضع آخر من هذه المقالة ثلاثة وعشرين كانتونا "محافظة / ولاية " ويبلغ عدد الكومونات " المشاعات " ثلاثة آلاف واثنين وعشرين كومونا وقد يبلغ عدد سكان الكومون أكثر من 250 ألف نسمة كما هي الحال في كومون مدينة "زيورخ" وقد يتدنى إلى اثنين وعشرين شخصا فقط كما هي الحال في كومون " غومان لو جو " إشارة صغيرة لابد منها بخصوص الفرق بين الفيدرالية والكونفدرالية فقاموسيا واصطلاحيا لا يمكن التفريق بوضوح وحسم بين الاثنين غير أن هناك ميلا أقرب إلى الاتفاق الضمني بين الباحثين والكتاب والسياسيين على اعتبار الكونفدرالية شكلا من أشكال الاتحاد بين دول مستقلة كما كانت الحال في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية أما الفيدرالية فهي اتحاد بين ولايات ، محافظات أو مدن في دولة واحدة كما هي الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى ذلك يمكن اعتبار الكونفدرالية أكثر مرونة وأقل مركزية من الفيدرالية . إن هذا التفريق الاصطلاحي لا يمكن الأخذ به كيفما اتفق عند مقاربة النموذج السويسري فهم يسمون دولتهم الاتحادية كونفدرالية بما يعني أن الكانتونات السويسرية كانت ولا تزال أقرب إلى الدول أو الدويلات ذات السيادة منها ولكن ثمة أيضا مَن يستعمل كلمة الفيدرالية أيضا عند الحديث عن هذا النموذج ذاته بل إن الحكومة الاتحادية تسمي المجلس الفيدرالي كما أسلفنا في فقرة سابقة ويبدو أن الفرق يكاد يضيق بين الاثنين إلى درجة التمازج والاختلاط أو قد يكون النموذج موضوع البحث فيه من خصائص ومزايا النوعين الشيء الكثير. . الدرس السويسري والواقع العراقي : إن هذا الأساس الديموقراطي والشفاف هو الذي وفر القاعدة الاجتماعية والحضارية لاندماج مجتمعي عميق وسليم بين سكان الدول الاتحادية ووفر في المقابل حصانة مهمة للخصوصيات القومية واللغوية لجميع المكونات السكانية حيث لكل مجموعة أن تعتز بأصلها ولغتها وثقافتها ولكن ليس على حساب الولاء والانتماء للاتحاد السويسري ففي جميع المدن السويسرية يعيش السكان من مختلف الأصول واللغات والطوائف سوية ويعملون سوية دون أية حساسيات ذات منشأ قومي أو عنصري أو طائفي . والحقيقة فإن التجربة السويسرية ونتائجها الإيجابية التي جنبت البلاد الهزات والاضطرابات طوال قرون جديرة بأن تُحتذى وتُستَلهم من قبل الشعوب الأخرى المتنوعة قوميا وإثنيا ولعل في مقدمتها الشعب العراقي حيث يدور حاليا سجال وجدال طويل وحاد حول موضوع " الحكم الاتحادي /الفيدرالية " الذي تطالب به الأحزاب الكردية وتريد له أن يقوم على أساس قومي وليس على أساس جغرافي أو مدائني وتعارضه أحزاب وقوى كثيرة وترى فيه خطرا يهدد وحدة البلاد . والمثير للانتباه والريبة هو أن التصنيف القومي لا يشمل عرب العراق الذين يمثلون الأغلبية الساحقة من السكان : فالحديث يجري عن أكراد وتركمان وكلدان وآشوريين وهذه كلها تصنيفات قومية ولكن حين يصل الأمر إلى عرب العراق الذين يؤلفون أكثر من ثمانين بالمائة من السكان فإنهم يجردون من صفتهم القومية ويصنفون طائفيا إلى شيعة وسنة .ولعل من المفيد التأشير على أن موقفنا المتحفظ على المطالب التي ترفعها الأحزاب الكردية لا يعني أبدا رفض حق الأمة الكردية في تقرير مصيرها بنفسها وإقامة كيانها القومي على جميع أرجاء كردستان غير أن المشكلة أكبر من أن تكون مشكلة بين أحزاب عراقية حول موضوع الحكم الاتحادي " الفيدرالي " بل هي مشكلة ومأساة أمة كبيرة موزعة بين أربعة دول شرق أوسطية وقد حرمت حتى الآن من حقها الطبيعي في تقرير المصير وعلى المجموعة الدولية كلها وهيئة الأمم المتحدة قبل أي طرف آخر أن تضغط باتجاه إنهاء مأساة هذه الأمة وإيجاد حل سلمي لمشكلتها توافق علية الدول الأربع التي تضم أجزاء من بلاد كردستان التاريخية . غير إن التحفظ ينبع أصلا من كون شعار ومطلب الفيدرالية الآن وفي ظل الاحتلال الأجنبي وتحالف تلك الأحزاب مع ذلك الاحتلال يفرغ شعار حق تقرير المصير والحكم الاتحادي من أي مضمون تاريخي مفيد لأنه سيكون أقرب إلى محاولة تقوم بها مجموعة من الشخصيات والأحزاب لبناء دويلة تسيطر عليها الميليشيات داخل دولة محتلة لا تحل مشكلة الأمة الكردية بل تزيد من تعقيدها وتضر كثيرا بالشعب الكردي ذاته . والواقع فإن تأمل التجربة السويسرية في الحكم الاتحادي القائم على اتحاد مجموعة من الكانتونات شبه المستقلة من قبل السياسيين والمثقفين العراقيين مفيد إلى درجة كبيرة لأنه يقدم تجربة ناضجة أثبت التاريخ قوتها وسلامتها ونجاعة أغلب الحلول التي تقدمها للمشكلات القديمة المستعصية أو لتلك الجديدة الطالعة من خضم الحراك الاجتماعي والتغيير الطبيعي المستمر .ولقد استفادت واقتبست شعوب عديدة من التجربة السويسرية وآخرها بلجيكا التي أوفدت سنة 1988 وفدا كبيرا من البرلمانيين ورجال الدولة إلى سويسرا ليدرس عن قرب هذه التجربة الفريدة والخصبة ويأخذ منها ما يفيد المجتمع البلجيكي الذي يعاني هو الآخر من صراع بين المكونَين المجتمعيين له أي قوميتي الفلامون والفالون . المعضلة الطائفية : تنطوي التجربة السويسرية على الكثير من الخبرة الثمينة في حل ومعالجة قضية التنوع الطائفي الديني فالمجتمع السويسري يتألف وفق إحصائيات الثمانينات من القرن الماضي من أغلبية كاثوليكية تصل إلى 47% وأقلية بروتستاندية مهمة تفوق 44% وما تبقى هم من أديان ومذاهب أخرى وهذه النسب ليست بعيدة كثيرا عن نسب التركيبة الطائفية العراقية . لقد ذاق السويسريون كأس الحرب الأهلية الطائفية المر ولكنهم استخلصوا العبرة والدروس الإيجابية منها : فبعد نجاح الحركة الإصلاحية البروتستناندية التي قادها الداعية الشهير وابن مدينة جنيف " جون كالفن " سنة 1536 والذي أطلق من جديد دعوة المصلح الكاهن "أولريخ زفينغلي " الذي سبق "كالفن " في إطلاق أول حركة إصلاحية بروتستاندية بدأت سنة 1519 في مدينة زيورخ وانتهت هذه الحركة بمقتل داعيتها و قائدها "زفينغلي" في معركة كابُل " Kappel " . وبعد نجاح الحركة الكالفنية اكتمل وتعمق انقسام المجتمع السويسري طائفيا وحدث انشقاق عميق توج باندلاع الحرب الأهلية بين سنتي 1841و 1848 . لقد اندلعت تلك الحرب بعد أن عقد المحافظون الكاثوليك ميثاقا رفضوا بموجبه الامتثال لأوامر السلطة التشريعية الاتحادية العليا فأمرت هذه السلطة أوامرها إلى القوات الاتحادية المسلحة بالقضاء على التمرد و تمكنت القوات الاتحادية فعلا و بقيادة الجنرال القدير "دوفور " من القضاء على التمرد بأقل قدر من الخسائر البشرية . وبمجرد أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها حتى فُتِحَ الباب من قبل أهل التجربة ذاتها لمراجعة تجربتهم برمتها فولد دستور سنة 1848 ذو المضامين الديموقراطية التقدمية النافذ المفعول حتى الآن والذي استوعب وفهم واضعوه جميع دروس وعِبَر الحرب الأهلية . يمكننا القول إذن أن الشعب السويسري ككل خرج منتصرا من الحرب الأهلية وعلى الحرب الأهلية واستفاد منها استفادة عظيمة حين حدد عددا من المبادئ والشروط التي تحكم عملية الاختلاف والتنوع الطائفي ومن ذلك : - حرية الأفراد والجماعات في اعتناق المذهب الديني الذي يختارونه . - التسامح الديني والمساواة الواقعية بين الأفراد والجماعات . - منع الترويج لمذهب طائفي ضد مذهب آخر أو للغة ما ضد لغة أخرى وتحريم الترويج للكراهية وازدراء المذاهب والأديان الأخرى وأصحابها . - الأخذ بمبدأ التصنيف الوطني وليس الطائفي أو العنصري للأفراد في هيئات الدولة والسلطات الثلاث . - ليس من المستساغ أن يعلن أي كانتون عن هويته الطائفية أو اللغوية فيقول أنه كانتون كاثوليكي أو بروتستاندي ، ألماني أو فرنسي أو إيطالي .
لقد تمخضت الحرب الأهلية سنة 1841 عن دستور جديد وضع الأساس المكين لتلافي الوقوع في حروب مدمرة أخرى ولكننا حين نقارن تحليليا وتاريخيا بين المآل السويسري والآخر الذي آلت إليه مثلا الحرب الأهلية اللبنانية نرى لشديد الأسف أن هذه الأخيرة انتهت إلى ترسيخ النظام الطائفي الذي كان موجودا قبل اندلاع الحرب الأمر الذي لا يعني أن مسببات الحرب الأهلية اللبنانية قد قُبِرت وانتهت وفي ذلك درس وعبرة لمن يريد الإفادة من تجارب الشعوب .
فشل الجمهورية السويسرية المركزية : غير أن مخاض الحرب الأهلية لم يكن الباعث الوحيد والسبب الأهم - على الرغم من أهميته - على ولادة الدستور الجديد سنة 1848 إذ أن هناك عاملا آخر لا يقل أهمية عن سابقه وهو أن الأمة السويسرية مرت بتجربة تخالف تقاليدها في اللامركزية ورفض التسلط المركزي أيا كان منشأه . فقد تأثرت سويسرا بقوة بالثورة الفرنسية ، والثوار الفرنسيون أنفسهم مارسوا سياسة الفتح والتوسع باتجاه سويسرا فضموا مقاطعة بال التي سيطر عليها الثوريون السويسريون بقيادة " أوخس " إلى فرنسا وثارت بعد ذلك عدة مقاطعات منها "فو" و "بيرن " وعندها تأسست بوحي ودعم من الجمهوريين الفرنسيين " الجمهورية السويسرية غير القابلة للتجزئة " وهذا هو اسمها الكامل والرسمي مع إنها ذات استقلال شكلي بسب تبعيتها الكاملة لنظام الثوري الفرنسي . وقد فرض الفرنسيون دستورا مركزيا على السويسريين وبدأ التذمر يسود . وبعد بضعة سنوات أي في سنة 1801 طرح بونابارت على السويسريين دستورا جديدا مستلهَما من دستور الولايات المتحدة الأمريكية ثم دخلت سويسرا في مرحلة من الضعف والهزال السياسي والاقتصادي وجاءت الحرب الأهلية الطائفية التي سلف ذكرها لتزيد من ضعفها وهكذا فشلت تجربة الدولة الجمهورية المركزية وبدأ الدويلات والمقاطعات السويسرية تستعيد استقلالها واحدة إثر أخرى حتى انعقاد مؤتمر فينا سنة 1815 ، بعد موت نابليون بونابارت ،حيث تفككت الجمهورية السويسرية المركزية تماما وبحلول سنة 1848 بدأت سويسرا وشعبها بداية جديدة وصاغت دستورها الجديد اللامركزي والشديد الحيوية والذي يمنح المقاطعات استقلالها شبه كامل وحقوقا كثيرة وهذا الدستور مازال حيا وفعالا حتى اليوم .
الحياد السويسري : وقبل أن ننتهي من هذا المفصل من الموضوع نذكر بأن السويسريين سبق لهم أن استفادوا من تجربة تاريخية قاسية أخرى مروا بها وكانت ثمرتها تبنيهم لخيار الحياد التام الذي تحول فيما بعد إلى "الحياد المسلح " حين هزموا هزيمة كبرى في معركة " مارينيان " سنة 1515 . و تفصيل ذلك هو أن السويسريين انحازوا في بداية القرن السادس عشر إلى جانب البابا يوليوس الثاني وهاجموا الفرنسيين في جنوب إيطاليا وتمكنوا من طردهم من "ميلانو" بعد معركة " نافار " ولكن الملك فرانسوا الأول هزم السويسريين هزيمة قاسية واستعاد منهم دوقية ميلان . لقد رجع السويسريون إلى أنفسهم بعد تجربتهم تلك وهي الوحيدة في الخروج من بلادهم ومحاولة السيطرة على أراض أخرى وتوصلوا منذ تلك الهزيمة إلى اتخاذ قرار استراتيجي ثابت ولا محيد عنه في الحياد التام وعدم لاشتراك في المحاور والأحلاف وسياسة الاستعمار والفتوحات فكانوا أول أمة تتخذ الحياد الإيجابي التام سياسة وشعارا لها ثم ما لبث الحياد التام ،وبعد بناء جيش شعبي قوي ومدرب جيدا ، أن أصبح يدعى الحياد الإيجابي المسلح والذي يختلف عن الحياد السلبي الذي يعني العزلة عن العالم والانزواء بعيدا عن الحياة و العصر بل هو حياد تفاعلي يعني الانفتاح على العصر والتواصل مع الشعوب الأخرى ولكنه يرفض الدخول في الأحلاف والمحاور والاتفاقيات العسكرية والسياسية وهو حياد مسلح أي مدعوم من قبل الشعب المسلح الذي اختاره سياسة وشعارا .
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تصاعد التفجيرات الإجرامية وواجب المقاومة العراقية الجديد .
-
الانتخابات العراقية بين استراتيجيتي بوش والسيستاني
-
مجزرة الخميس الدامي وسياقات اتفاق السيستاني الصدر .
-
أياد علاوي تلميذ نجيب في مدرسة الكذب الصدامية !
-
نعم ، نعم ، لآية الله الكبرى الطفل علي إسماعيل إماما وقدوة
-
المعركة هي بين الاحتلال والحركة الاستقلالية وليس بين مقتدى و
...
-
تضامن الجلبي مع الصدريين و عشم إبليس في الجنة !
-
حلبجة النجفية بدأتْ ..سلاماً للمقاومين الزينين ،واللعنة على
...
-
نص الرد الذي نشر في مجلة الآداب البيروتية على اتهامات جماعة
...
-
لمعركة الكبرى لم تبدأ بعد :بوش يريد الصعود إلى الرئاسة على ج
...
-
توصيات التقرير وخلط السم الأيديولوجي بالدسم العلمي ./قراءة ف
...
-
/قراءة في تقرير المعهد الدولي للعدالة الانتقالية 6لكي لا ننس
...
-
كيف ينظر العراقيون إلى مأساتهم وجلاديهم وقضائهم /قراءة في تق
...
-
القنبلة الطائفية والعنصرية جاء بها الاحتلال وسيفجرها العملاء
...
-
نظام القمع والحروب والاضطهاد الشامل وصمت الغرب .قراءة في تقر
...
-
/قراءة في تقرير معهد العدالة الانتقالية 2مشهدية الانتقال من
...
-
الاحتلال هو النقيض التام للعدالة ولا يمكن للنقيض تحقيق نقيضه
...
-
الموجبات التاريخية والمجتمعية لمشروع المجلس التأسيسي الوطني
...
-
تحالف الدوري والزرقاوي سيدمر المقاومة العراقية من الداخل !
-
حكومة المنفى كحكومة علاوي غير شرعية و كلتاهما مرفوضة !
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|