|
المجد لا يُعطي سعادة للذي يسرقه، بل للذي يخدمه...
فاضل الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 3536 - 2011 / 11 / 4 - 20:42
المحور:
حقوق الانسان
المجد لا يُعطي سعادة للذي يسرقه، بل للذي يخدمه... أريد أن أكون سعيداً، لا يستطيع أحداً منعي... مؤلم هذا الضجيج الخشن في المدينة الناعمة، هناك هو/ي الوطن، الوطن الذي نحبه رغم أنه لم يُسعدنا كثيراً، ويبقى الأجمل رغم القبح الذي نبت ومازال يغطي بعض تلاله. قبل فترة لم يكن عند المشاعر أو العقل ولا حتى عند العقل الباطن أيّ مبرر للتشكيك بجمالية روحه، لكن اليوم؟... ذاك الأجمل البعيد يحملنا ونحن نركض وراء الساعات الهاربة، نحمله وهو جاثم غافٍ يُوقظ شخيره كل صبايا القرية.. قد يكون الطريق الذي يُوصل للمكان الذي يُستحق ويجب الوصول إليه، لا يمكن تقصيرها! هذا هو القدر، وهكذا يريد أن يُفكّر ويعتقد كل من يؤمن بالقدر، وأن لكلٍ قدَرَه وأنا أضيف أنه لكل إنسان قدْره. لكن هذا لا يعفي المسئولية في سلوك الطريق سواء كان بإرادتنا أم غصباً عنها وعنّا. ولا يُغيظ طول ذلك الطريق الذي اخترناه والماثل أمامنا، بل قد تكون حبات الرمل في الحذاء هي التي تُنكّد المسير –وأنا أشكّ أن تكون هي أيضاً قدَر، لكني لا أشكك بأن الاختيار مسئولية شخصية كبيرة، ويكون لتلك المسئولية قيمة عندما تنبع وتستند إلى الحرية، والحرية أحياناً لا تعني أننا ذاهبون فقط، بل تعني أيضاً أننا باقون، وأننا حتى راجعون.. يقول اينشتاين ما معناه: "العالم مكان محفوف بالمخاطر، لكنه ليس بسبب الأفراد السيئين الذي يجعلون من عالمنا خطراً أو قبيحاً، بل الأرجح بسبب التساهل وعدم الاكتراث مع الممارسات الخطرة للبعض". الحياة أقدس شيء في الحياة. المجد لا يعطي سعادة للذي يسرقه، بل للذي يخدمه.. خلال أكثر من أربعة عقود ونحن نعيش في سورية ضمن عالم شاذّ بكل معاييره. مجتمع نظام لا نظام له، أنتج أجهزة حفظ المناعة الذاتية ذات التشوّه "الجينيّ"! نقابات، ليست فقط لا تملك الحرية للدفاع عن حقوق أعضائها، بل تمتنع عن الوقوف إلى جانبهم، وحتى تحاربهم بدون تردد!. نقابات لها شذوذها الذي يدخل ضمن خصوصيات "سورية الأسد" ومنها نقابة الفنانين. فهي إضافة للأموال التي تقبضها من خزينة الدولة تُلزم النقابة كل عضو فيها بدفع اشتراك شهري، بحجة وهدف تقديم المساعدة عند الحاجة في حالات المرض أو الحوادث، وهذا الاقتطاع الشهري لا علاقة له بدفع رسوم التأمينات الاجتماعية والصحية والتقاعد والبطالة وغيرها والتي تُقتطع بشكل أوتوماتيكي من الرواتب والدخول، والتي تشكل بمجموعها نسبة ليست قليلة من دخل أي عضو فيها.. حتى هذه اللحظة يقول المرء أنه ربما ذلك شيئاً مفيداً، لكن الشذوذ في نقابات سوريا لا يستثني شيئاً، من التشكيل والانتخابات التي تشرف عليها أجهزة الأمن إلى التدخل بكل شيء وتسييسها كإكسسوار هوبرة عند الحاجة مروراً بالفساد ومراقبة الأعضاء وعائلاتهم والتحكم في لقمة خبزهم وابتزاز الهواء الذي يتنفسوه، والكارثة الكبرى عندما يحتاج العضو النقابي مساعدة نقابته سواء مساعدة حقوقية أو سياسية، أو الحاجة الصحية عند حدوث مرض أو حادث، حيث تتعامل إدارة النقابة مع من لا يمكن تدجينه كما لو كان عدواً، تحاربه بكل شيء، ولا تتردد بمحاربة العضو "الذي يُغرّد خارج السرب أو القطيع" حتى في صحته ومرضه، وليست حالات نادرة أن تقف النقابة مع التلفيق المخابراتي ضد فرد عضو فيها، وبدل الدفاع عنه أمام الجهات الرسمية تقوم بتمثيل دور رجل المخابرات ضده وضد أسرته. وعند تناول الدور اللا إنساني واللا أخلاقي لنقابة الفنانين في حالات التعامل مع أمراض وعلاج بعض أعضاءها، يبدو واضحاً الدور العدواني للبعض أحياناً، وكأنه فرصة كانوا ينتظرونها للاقتصاص مِن مَن لم يبع شخصيته وكرامته ومهنيته، يظهر التسيب والمماطلة والهروب من تحمل المسئولية، وتقاذف العضو المريض بين هذا المسئول وذاك المشفى، وأحياناً يظهر جلياً التشفيّ من قبل قيادات كان الأولى بها أن تكون المدافع الأول عن حقوق أعضائها.. ما دعاني لتناول هذا الموضوع، وفي هذا الظرف التي تعيشه ثورتنا وبلادنا، هو "التنكيل" الروحي والصحي بالكاتب والمخرج المسرحي طلال نصر الدين، والذي يعاني منذ مدة ليست قصيرة من مرض يحتاج رعاية وعناية فائقة، ويحتاج إلى زرع نقي العظام. وبعد أن اشتدت قبضة التسيب والكذب والتلكؤ والمرض، وعدم تقديم العلاج المناسب بسبب امتناع النقابة عن تمويل تكاليف العلاج الذي يجب عليها تمويله استناداً للقوانين النافذة والأعراف المتبعة في مثل هذه الحالات، وبعد أن نُشر على الموقع الرسمي للنقابة موضوع يُحاول تبرير سلوك النقابة وقد جاء فيه "يقدم الصندوق الدعم الصحي لأكثر من /2000/ زميل موزعين في فروع النقابة ومن كافة المحافظات فالجدير بالزميل طلال ألا يكون أنانياً في معالجته ويحرم الباقين من العلاج"، هكذا تعتبر نقيبة الفنانين أن مطالبة طلال نصر الدين بصحته وحياته هي أنانية، وكأن طلال يقوم بصرف أموال الصندوق على حفلات ورحلات ومكافآت وعلاوات وهدايا تعرفها السيدة المذكورة ويعرفها الجميع، وفي موضوع آخر على نفس صفحة موقع النقابة نقرأ شرحاً آخر يفضحهم أكثر من أن يبرر تقصيرهم المتعمد "المقصود من تحويل مكان العلاج ليس تقصيراً أو تقليلاً من أهمية الزميل طلال إنما كان الهدف هو لطالما العلاج موجود مجاناً فيجب توفير هذه المبالغ لتتمكن النقابة من تخديم بقية الزملاء و لا ننسى الظروف الراهنة التي تمر على وطننا الحبيب سورية مما أدى إلى انخفاض ايرادات النقابة"، وفي هذا تُذكّرنا النقابة بخطاب خشبي كانوا دائماً يُكممون الأفواه فيه، بأنه عارٌ الحديث عن انتقاد كذا وكذا في ظل الهجمة الامبريالية الصهيونية التي تهدد الوطن، وبهذا تكون نكتة الصمود والممانعة والتصدي والرد المناسب، غطاءاً للفساد "المبرر"!. على ضوء ذلك، ورغم تردي وضع السيد طلال نصر الدين الصحي والذي كان في أوقات عديدة حرجاً جداً، ورغم محاولات بعض زملائه وأصدقائه التدخل ومتابعة الوعود حينما تعذر على السيد طلال متابعتها شخصياً بسبب سوء حالته الصحية ولزومه الفراش، وبعد أن فقد الأمل بحصوله على حقوقه النقابية من قبل قيادة النقابة، قام بالإضراب عن الطعام وعن تناول الدواء ولأكثر من مرة وهو في سورية. وبعد كل هذا، قام بعض أصدقائه بطرح تلك "الحكاية" المأساة على صفحات الفيس بوك. وصلت الأخبار إلى بلاد تبعد آلاف كثيرة من الكيلومترات عن دمشق، بلاد لا تعرف لغته ولا تؤمن بالأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، الدانمارك، بلد ستبقى ماثلة في ذاكرة طلال وأهله وأقربائه وأصدقائه، وكل محبيه على خشبة المسرح أو من عرفوه إنساناً حراً يحمل رأياً وموقفاً لم يخفيه بأنه منحازٌ للحرية. وبفترة أسرع من تدبير معاملة بين دائرتين حكوميتين متجاورتين في دمشق كان طلال في الدانمارك بدعوة رسمية للمشاركة في مهرجان مسرحي، فاسمه معروف في الدانمارك كما سورية، وخلال أيام المهرجان تردّت حالته الصحية وأدخلوه المشفى، ولكون حالته الصحية كانت تستدعي بقاءه لأن المرض كان قد استفحل أكثر، ولكونه في بلد يعرف قيمة الإنسان وقدسيتها، ولكون فترة الدعوة الرسمية انتهت، ولكونه لا يستطيع السفر ولا يسمحون له بذلك حرصاً على حياته، لذا لم يكن من بُدّ أن طلبوا منه تمديد الإقامة لاعتبارات إنسانية –وأكرر لاعتبارات إنسانية، قد لا يعرف معناها مسئولي النقابة في دمشق واستطالاتهم في الخارج، لأن جهاز مناعتهم الممانع أقوى من أي حسّ إنساني، وهكذا وبعد كل ذلك الموقف البائس غير الإنساني من قبل قيادة النقابة في سورية، لا يتردد البعض من ممارسة خطابهم الثنائي المرافق لوجوههم الثنائية "ذات الوجه والقفا"، ولكون التشوّه كان جذرياً وربما "جينياً" في خريطة أخلاقهم، وبدل ان يعتذروا للإنسان القابع في جسم طلال نصر الدين، بدل أن يبادروا تعويض ما "سرقته" النقابة بحجة العلاج ولم تعالجه، بدل أن تحافظ على قامة أخلاقية قدمت وماتزال عطاءاً فنياً معروفاً داخل الوطن وخارجه، بدل ذلك قامت تلك الطحالب بالهروب من كل استحقاق أخلاقي ومادي إلى ترديد سخافات رخيصة بهدف الإساءة إلى طلال، إلى فنان حرموه حتى قسمٍ من روحه. وأرى من هنا وأنا على بعد آلاف أكثر من الكيلومترات، أن قدرة الأخلاق على التحمّل عند طلال كانت أقوى وأكثر وأطول من محاربتهم وعدائهم ومن التشوّه الأخلاقي عندهم.. ربما الكثير بيننا يُحدّق أو يُحملق ولا يُفكّر، ينظر ولا يشعر، لا بالبرد ولا بدقات القلب من الداخل أو الخارج. فقط يُحدّق، يُحملق، هكذا يرتاح!.. للعبودية أيضاً أيامها المعتادة الروتينية.. رغم ذلك لا يمكن تجاهل ذلك الصمت، ولا تلك القرقعة.. حاولت إلغاء الفواصل بين الأشياء، بين المرض والأخلاق والوطن، بين الجسد والعقل والروح والوطن أيضاً، بين الوطن والعالم.. من يسمع صوت الكاتب والمخرج طلال نصر الدين على التليفون، يرى البسمة (سمايل) يمثلها خط بسيط منحني على الأثير، يجعل هذا الانحناء البسيط، الكثير من الأمور مستقيمة على الأرض وبدون تشويه...
#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نجاح -البعبع- ليس نهاية التاريخ...
-
زوايا دينية في حضرة الثورة الشعبية، -فيسبوكائيات-...
-
أزمة أقليات مذهبية، أم أقليات مأزومة!؟...
-
الهروب من مواجهة آخر آثار النظام....
-
مغامرة الحرية، والخوف منها...
-
افتراضية الحكم الذاتي فرضت انتقاداً غير افتراضياً...
-
هل يُعطي الأسد حكماً ذاتياً للأكراد، قبل محاولة هروبه لحكمه
...
-
إله العقل في أزمة أخلاق؟ أم على وثبة انعتاق؟!..
-
تجربة المجر في التغيير الديمقراطي...
-
غزوة غازية...
-
الجبل الذي وُلدت فيه نسراً، لا تمُت فيه عصفوراً...
-
نكتة ممدوح الأطرش...
-
المنافسة على كسب الذلّ في الجبل...
-
-أشرف- يحكي وعاقل يفهم...
-
إيديولوجية -مطرح ما يدوس يبوسوا- للأحذية المستعملة...
-
هل صار الأسد مثل النبي شعيب؟...
-
أسرانا يهزّون العرش..
-
الجذور العظيمة الطيبة تنزف دماءً في النيل العظيم...
-
عائلة الأسد تُحب سوريا وتكره السوريين...
-
هواجس -أقلّية- على ضفاف الثورة السورية...
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|