حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 3536 - 2011 / 11 / 4 - 13:41
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
(1)
هناك الكثير من الأمراض يسبقها عوارض منذرة , و في حال تعرّف الطبيب عليها فإنها قد تفيد من ناحيتين:
الأولى : أننا بانتظار كارثة قد تودي بحياة المريض
الثانية: ضرورة الإسراع في الإجراءات الوقائية و العلاجية الباكرة لمنع وقوع الكارثة أو تفاقمها , و هذا لا يتم دون تعاون المريض و رغبته في ذلك.
العرض المُنْذِرْ هنا: الإجهاض على الجرحى , و التمثيل بالجثث..الخ.
و الكارثة هي : حرب أهلية في سوريا.
(2)
لدينا نحن السوريين شاهد عيان هو المريض العراقي, الجار القريب
فحالتي المريض العراقي و المريض السوري متشابهتين من نواحي:
- وجود أنظمة حكم شمولية غير ديمقراطية تحكم البلدين لفترات طويلة تمتد لعقود
- وجود علاقات ولاء طائفي للسلطة وفق معادلة أقلّية / أكثرية بالمعنى الديني المذهبي و ليس بالمعنى السياسي
- سجل حافل بانتهاكات حقوق الإنسان على مستوى السلطات الحاكمة أساسا, و على مستوى المجتمع بشكل أقل تركيزا
- وجود نَسَبْ تاريخي للصراع من السهل استحضاره , فهو أصلا لم يغب عن الذاكرة الجمعية في الحالتين يبدأ بمعركة صفّين , و لا ينتهي بمجزرة حماة 1982 و مجزرة تدمر و مجزرة المدفعية في سوريا , أو قمع الانتفاضة الشيعية في جنوب العراق عام .. من ثم التفجيرات الانتحاريّة لمواكب الشيعة التي قامت بها القاعدة ,و كذلك ميليشيات فرق الموت ذات الايديلوجيا الطائفية الشيعية.
و ما يزيد الطين بلّه أننا أمام مرض ذو قابلية عالية للعدوى بحكم المناخ و المزاج الطائفي المهيمن على الفكر السياسي و على الحياة الاجتماعية و الثقافية كذلك.
(3)
لست سعيداً باستحضار موضوعة الحرب الأهلية و وقائع من قبيل : الإجهاض على جرحى , و التمثيل بجثث بشر مثلهم مثلي , لهم أباء و زوجات و أطفال, بشر يصرخون و يتألمون مثلهم مثلنا, بشر جاءت بهم الصدفة غالبا ليكونوا مجرد وسيلة للانتقام و تفريغ الحقد ؟
فكيف إذا كان المقصود بالحرب الأهلية هو وطني سوريا , و كذلك إذا كان المقصود بها بشر عاشوا على هذه الأرض تجمعهم تفاصيل الحنين و الذكريات و نبض الحياة .
و لكن ما دفعني للكتابة هو أني استشعر خطرا ربّما يأتي و حبّذا لا يأتي , و لكني أرى عوارضه المنذرة تلوح في الأفق أو وشيكة الحدوث- أكثر وضوحا في حمص- , فسوريا قدرنا مشترك لأبنائها , إما أن نبنيها معاً و ننجح , و إما أن تنازعها , و نهبط معاً أسفل السافلين.
(4)
بالتأكيد هناك مقاومة لوقوع الحرب الأهلية في سوريا قوامها صوت العقل و المصالح المشتركة, و كذلك الاعتبار من دروس الجوار و التاريخ , و كذلك المعرفة المسبقة بحجم الخراب و فداحة الضريبة , كل هذا يشكّل عناصر مقاومة لها .
و لكن بالمقابل هناك: مستفيدون – أو يظنّون أنفسهم - من حدوثها أو التلويح بها من جماعة أنا أو الخراب , الكرسي أو الفوضى , أولئك المخدوعون بأفيون السلطة الغاشم و هوس استعباد أبناء جلدتهم السوريين , و كذلك قوى هيمنة خارجية و المتكسّبون من تجار الأسلحة , أو ممن يعيشون في كهوف التاريخ و الكتب الصفراء أو ممن تغريهم القوة و يظنون أن النصر السريع سيكون حليفهم .
و هناك سبب آخر هام هو يأس السوريين من التغيير , و عدم القدرة على احتمال العسف و الظلم خاصة أن هناك من يربط بقاء حالهم كذلك بصفات من قبل الأبد و الأبدية ؟!
(5)
التوزيع الديمغرافي للسوريين من أبناء الطائفتين السنّية و العلوية لا يسمح بقيام دولة انفصاليّة علويّة مستقرّة, فهناك خليط سكاني و تداخل كبير ضمن المدينة و المنطقة الواحدة , و تاريخيا تجربة الدولة العلويّة زمن الانتداب الفرنسي لم تكن مشجّعة,كدولة مستقرّة, و لم تنعكس إيجابا في تحسين أوضاع السكّان من الطائفة العلويّة الكريمة.
و القدر المشترك للسوريين أن يعيشوا مع بعضهم فلا أحد يستطيع إبادة الآخر, و للتذكير الطائفة العلويّة عمرها حوالي 1200 عام , و لا طرف يستطيع استعباد الآخر إلى الأخر دون يأمن غدر التاريخ و الانتقام و من ثمّ الانتقام المضاد, فالأذكياء هم من يستفيدوا من دروس التاريخ , و الذي يجرّب المجرّب عقله مخرّب.
القوّة الظالمة ليست ضمانة للاستقرار في أي بلد في العالم, و ضمنا سوريّا, فالاستقرار يكون وليد تفاهم و إرادة مشتركة في العيش و توازن القوى , و دور القوّة عندئذ حماية هذا التفاهم و الإرادة من الطامعين في الخارج و المتطرّفين قاصري النظر في الداخل.
(6)
من ناحية المبدأ لا يوجد عقيدة أو دين – بالمعنى الحيوي للعقيدة- يشرعن أو يدعو لقتل المدنيين, أو للإجهاض على الجرحى أو التمثيل بالجثث, عدا عن التعذيب الوحشي, و الاغتصاب الجماعي , و استخدام الزوجات و البنات و الأطفال كرهائن ووسائل ضغط , و كذلك استحلال البيوت و الممتلكات و نهبها, و الانتقام حتى من حيواناتهم ...الخ
و لا يوجد عقيدة أو دين تقر بأحقّية تفعيس رؤوس الخلق و الناس في الساحات العامة و توثيقها بصريّا كانتصار تاريخي ؟!!
إنّ هذه السلوكيّات لا تنتمي إلى فضاء الدولة الحديثة بل لفضاءات و بُنَى ما قبل الدولة كالعشيرة و الطائفة.
لماذا لا يبادر العقلاء و الخيّرون لإدانة المجرمين و إعادة الاعتبار لعقائدهم الدينيّة "الدين يتجسّد – قانوناً و فطرة - كطوائف"
أم أنّها "حَيْوَنَة الإنسان "على حد تعبير الراحل الكبير ممدوح عدوان .
(7)
المطلوب من الأخوة أبناء الطائفة العلويّة ألا يرهنوا مصيرهم بالنظام, فسوريّا تبقى بغض النظر عن الأنظمة و الحاكمين, و بقدر حضور و فاعليّة القوى الحيوية في الطائفة العلويّة سوف يتبلور مستقبل جديد لسوريّا, مستقبل يرى في السوريّين المنتمين للطائفة العلوية مواطنين سوريين متساوين في الحقوق و الواجبات مع غيرهم ضمن دولة مدنيّة علمانيّة ديمقراطيّة.
ما قد يدفع الإنسان للقتل و العنف هو الخوف , السؤال المهم لماذا يخاف الأخوة في الطائفة العلويّة؟!
هل شهد التاريخ الحديث لسوريا و خلال قرن من الزمان أن شنّ أخوتهم السنّة حرب بدوافع طائفيّة سواء في ظل دولة الانتداب أو بعد الاستقلال؟!
أم أن المسار السياسي لسوريا بعد الاستقلال كان وطنيّا جامعا ذو طابع ديمقراطي سمح و أتاح للكثير من أبناء الريف و ضمنا الطائفة العلويّة الانخراط في الحراك السياسي و المؤسسة العسكرية ليتبوءوا مركز فاعلة و مهيمنة؟
(8)
المطلوب من أبناء في الطائفة السنّية الكريمة: تبنّي فهم حيوي للإسلام يقبل و يعترف بالطوائف الأخرى بما فيه العلويين, بعيدا عن التكفير و فتاوى ابن تيمية و مروان حديد و القاعدة.
المطلوب من أبناء في الطائفة السنّية النأي بأنفسهم عن هاجس الانتقام لمظالم تعرّضوا لها كثير منها مختلط بدوافع طائفيّة, و الانخراط في حراك سياسي يؤسس لدولة المساواة , و يعتمد كذلك مبدأ العدالة كمطلب فطري و وطني جامع.
(9)
المطلوب من أبناء الطائفتين السنّية و العلوية النظر إلى أنفسهم كسوريين أولا قبل أن يكونوا من أبناء طوائف دينية, فالقاسم المشترك الأكبر بين السوريين هو كونهم سوريين و ليس شيء آخر.
الرد على أي مشروع طائفي هو مشروع وطني, فالمشاريع و الانتماءات الطائفية تنمو و تزدهر في الصراع مع بعضها, و المشاريع و الانتماءات الطائفية تخبو و تضمحل عند مجابهتها بمشروع وطني قوامه المواطنة المتساوية في المثال السوري محصّنة بعلمانيّة إجرائية تحول دون استغلال الدين لخدمة الطبقة السياسية, و بالطبع مع احترام حرّية التدين و عدم التمييز على أسس دينية.
(10)
إن وجود صراع تاريخي ديني/ سياسي بين علويين و سنة – بدون أل التعريف- عبر التاريخ لا يبّرر إعادة إنتاج الصراع من جديد و النفخ على نار الانتقام و الانتقام المضاد, فأي علاقة بين مجموعتين لا يمكن اختصارها في حالة الصراع بل لها حالات متعددة :عزلة- صراع-تعاون- توحيد.
لماذا التركيز على حالة واحدة و اجترارها؟ لماذا يتم إغفال الأبعاد المتعددة للكينونة الاجتماعية في البعد العقائدي الصراعي و إغفال أبعاد أخرى سياسية اقتصادية ثقافية اجتماعية فاعلة ؟
لماذا لا يتم البحث عن حل جذري للمشكلة بدلا من الغوص في تفاصيل لا تخدم استرايجية الحل الوطني و بناء سوريا المستقبل؟!
(11)
تبقى المصالح الإسرائيلية في قيام حرب أهلية مضطربة , فهي لا تمانع في حدوثها , لا بل و تحرِّض عليها في حال أمنت بقاء حدودها الشمالية هادئة كما عهدتها في العقود الأخيرة.
(12)
الانتماء الديني – و هو ضمنا انتماء فئوي- أمر فطري و هو ليس امتيازاً أو عار, من المفترض أن ينحو منحى ايجابيّاً تفاعليّاً مع الآخرين, انتماء يجب نقله من الشأن العام إلى شأن خاص يؤثر في الشأن العام عبر تفعيل الجانب القِيَمِي و الحضاري .
(13)
سؤال الإصلاح" التغيير" السياسي كمطلب مركزي في ثورات الربيع العربي لن يقدّر له النجاح و الازدهار من دون أن يواكبه و يعزّزه بإصلاح " تغيير" ديني .
و هذا الإصلاح و التغيير الديني المنشود سيكون حدث في التاريخ , متواكب و متفاعل مع التغيير السياسيّ , و ليس كشرط مُسبق لها.
و تكتسب هذه النقطة أهميّة أكبر في الدول متعدّدة الأديان و الطوائف: كسوريا و العراق و لبنان و البحرين و مصر .
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟