محمود فنون
الحوار المتمدن-العدد: 3535 - 2011 / 11 / 3 - 12:27
المحور:
القضية الفلسطينية
1
ازمة القيادة الفلسطينية
من اللجنةالتنفيذية العربية الى اللجنة العربية العليا والهيئة العربية العليا الى اللجنة التنفيذية ل(م ت ف)
بقلم محمود فنون حزيران 2011
القسم الاول
تشكلت اللجنة العربية العليا في 25ابريل1936 تحت الضغط الشعبي وضغط اللجان القومية التي كانت قد تشكلت اثر اندلاع ثورة 1936 وانطلاق الاضراب المفتوح الذي بدأ في 20 نيسان 1936م.فبعد ان انطلق الاضراب عاما وشاملا وناجحا واستجابت له الجماهير الفلسطينية في كل مكان"تبادر للمخلصين انه لا بد من تشكيل لجنة عليا تتمثل فيها كافة الاحزاب لتنظيم جهود اللجان القومية...وقد تمكن الاستقلاليون من اقناع المفتي بقيادة الحركة الوطنية والاضراب بعد ان ابدى تحسبه من عدم التضامن معه حتى النهاية...وكذلك وافق راغب النشاشيبي بعد ان تذمر من موكزالمفتي الجديد.." وتشكلت اللجنة من تراكيب متناقضة من اجل سد الفراغ من:امين الحسيني وجمال الحسيني وألفرد روك من الحزب العربي وراغب النشاشيبي ويعقوب فراج من حزب الدفاع وعبد اللطيف صلاح من حزب الكتلة الوطنية وحسين الخالدي من حزب الاصلاح وعوني عبد الهادي سكرتيرا واحمد حلمي باشا امينا للصندوق.
اولا:اللجنة التنفيذية العربية
كانت اللجنة التنفيذية العربية اول هيئة قيادية فلسطينية للشعب الفلسطيني بعد القطرية وتحت الاحتلال البريطاني ,ودامت حوالي اربعة عشر عاما "منذ المؤتمر الثاني 1920حتى 1934م "برئاسة موسى كاظم الحسيني زعيم الحسينية ,وبصفته كبير الوجهاء أصبح رئيسا للجنة التنفيذية العربية ,وعلى ذلك يحتل مركز القيادة السياسية دون اية اهلية تنظيمية .فجاء تشكيل اللجنة العربية العليا عام 1936ليسد الفجوة . فجوة النقص التي كانت
2
قائمة بعد تحلل اللجنة التنفيذية العربية في آب 1934 م ودخول البلاد في محطة ثورية جديدة دون قيادة, رغم وجود الزعامة التقليدية, فاللجنة التنفيذية كانت اطارا شكليا وان"ضعفها وتباين اتجاهاتها وتصرفات اعضائها وتأثرهم بالأعتبارات الشخصية والانتماءات المحلية احدث فراغا في الحركة الوطنية"..." ثم" ان اللجنة التنفيذية الممثلة للمؤتمرات العربية الفلسطينية كانت لا تضمر الشر للانتداب البريطاني بل ترى العداء فقط ممثلا بالصهيونية...وظلت تحمل هذه الرؤيا حتى بعد احداث البراق واشتراك الانجليز لصالح الصهيونية... والحكم على ثلاث فلسطينيين بالاعدام وعلى 700 بعقوبات متفاوتة". واصدرت بيانا حينها تبريء ساحة الانجليز من مشاركة الصهيونية وتدعوا "شعب فلسطين جميعا الاخلاد الى السكينة والهدوء ...."وكانت مشكلة من "كاظم الحسيني رئيسا والمفتي وراغب النشاشيبي ومحمود الدجاني واسحق الشهابي وعارف الدجاني"وكانت لجنة فوقية ينصاع لها الناس ولكن بدون صلات تنظيمية.
ان اللجنة التنفيذية اذن كانت قيادة بهذا الحجم وبهذا التخلف وتصر ان الانجليز ليسوا اعداء,ومع ذلك هي التي تملأ كرسي القيادة. ولو أردنا النظر لها من زاوية عملية وخبرة الشعوب في القيادة فانها لم تكن على مستوى القضية ولا على مستوى التفجر الثوري المتصاعد في فلسطين في تلك الفترة, وهي كذلك كما يدل تاريخها لم يكن لها أي دور في تفعيل هذا الوضع الثوري,او تنظيم الجماهير والحركة الوطنية ولم يكن لها مثل هذه الآفاق .بل انها احتجزت تطورالحركة الوطنية التي من البديهي ان تتطور كأداة للفعل الوطني ارتباطا بالنضالات الجماهيرية المتصاعدة. بل كانت تتجرأعلى "دعوة الشعب الفلسطيني الى الاخلاد للسكينة والهدوءوبذل الجهد في المساعدة على اقرار الامن وعدم الاصغاء الى مثل هذه الاشاعات والاراجيف المختلقة(المقصود
3
ضد بريطانيا)"بدلا من استثارة همم الجماهير للنضال والمواجهة مع الاحتلال البريطاني.
لقد كان الشعب الفلسطيني يعيش حالة ثورية بينما الزعامة تماليء الانجليز خلال كل الأحداث المتواترة التي وقعت والتي توجت بانطلاقة ثورة 1936م .
الشخصيات الزعامية التي تصدرت الاحداث
منذ احتلال الانجليزي لفلسطين والشخصيات التقليدية الموروثة من العهد العثماني هي التي تتصدر الزعامة والوجاهة وذلك بصفتها وجاهة اجتماعية في اللوحة الاجتماعية الاقتصادية القائمة ,وهي بهذه الصفة تحتل موقع الزعامة السياسية لهذه التركيبة موضوعيا وبدون عناء, وهي قد احتلت مركزها بالوراثة عن الآباء والاجداد, وبظروف الوجاهة العشائرية القائمة]لنبدأمن قرية ونلحظ وجاهتها في كل عشيرة ومن ثم الشيوخ الاكبر والمخاتير ونذهب الى المدينة التي هي تشبه القرية من حيث شيوخ العشائر وكبار التجار والمستثمرين وعليهم كبار الملاكين الاقطاعيين ومعهم شيوخ الدين الذين نالوا حظا صغيرا من التعليم الديني وعليهم الذين تعلموافي المدارس الدينية, وجميع هؤلاء قاعدة الهرم الزعامي وعلى رأسهم كبار ابناء عائلات الاقطاع ورجال الدين, وهؤلاء معا يشكلون حزب الزعامة التقليدية وركيزة النظام السائد[يتفاعل مع هؤلاء عدد صغير من المثقفين بعضهم ينضوي تحت عبائتهم, ولم تكن الطبقة البرجوازية الناشئة قد خرجت من ذيول النظام الاقطاعي وتقاليده بعد, فهي لم تحظ برعاية نظام راسمالي, وحينما جاء الانجليز تعمدوا تكريس التركيبة القديمة القائمة في التراكيب الفلسطينية.ولذلك ظلت البرجوازية تتطور وتشق طريقها دون ان تكسر قوقعة الاقطاع عن ظهرها بعد.ونشأ الى جانبها الكومبرادور المرتبط بالانجليز والصهاينة.
وكانت هذه التركيبة الزعامية, التي شكلت القيادة السياسية حكما, مستعدة دوما لممالئة الانجليز والتهادن معهم مقابل المصالح
4
الطبقية وحب الظهور,وحفاظا على الوجاهة (من مظاهر الوجاهة ان يتصل بالحكام وان يقيم لهم الولائم وان يمارس الوساطات ويحتج نيابة عن الناس ويحضر الاحتفالات وغير ذلك من الامور الصغيرة).
مربط الفرس ان منشأ هذه الزعامة لم يكن العمل السياسي المتعارف عليه بل هي وكما هو حالها ملأت خانة السياسة في وقت كان الوضع الفلسطيني يتطلب قيادة احترفت العمل السياسي., وعرفت معنى الانتماء الوطني ومعنى الاستعمار, والاستقلال ,ومعنى وضرورةالتنظيم و الكفاح الوطني من اجل حماية الوطن من الاغتصاب القائم على قدم وساق,القائم امام اعين هؤلاء الزعماء وعلى ايدي" الاصدقاء "الانجليز.
ان وصف هذه الزعامة بالجهل لا يعفيها من ثقل المسؤولية التي فرضها الواقع السياسي على أي قيادة سياسية للشعب الفلسطيني ,فالواجبات والمهام تشتق من واقع الحال,وواقع الحال يستدعي الثورة على الانجليز ودحر البرنامج الاستعماري الذي جاء الانجليز لتحقيقه على رؤوس الاشهاد وبمعرفة واطلاع هذه القيادة :-
نماذج لها دلالة
فكاظم الحسيني الزعيم الاول لدار الحسيني وبهذه الصفة الزعيم المحترم في القدس , وبصفته العائلية وانتسابه لجهوية القدس وبمقدار احترام السلطات العثمانية لهذه الوضعية سابقا ومن ثم السلطات الانجليزية لاحقا(وجمهرة الناس) يصبح زعيما على مستوى فلسطين ,وبهذا يكون الشخص الابرز في المؤتمر الفلسطيني سنة العشرين, وعليه يكون رئيسا للجنة التنفيذية العربية التي افرزها هذا المؤتمر ولمدة اربعة عشر عاما ,وتظل اللجنة التنفيذية هذه لا تقوم بالدور القيادي الكفاحي المطلوب وفي نفس الوقت تغلق الطريق على امكانية تشكيل قيادة تقوم بما تستحقه المهمة الوطنية.وبهذا ظلت القضية الخطيرة في ايدي قيادة قزمة
5
(وجد كاظم الحسيني منشورات شيوعية صادرة عن اليهود, فحملها مستعجلا الى الانجليز لينبههم الى خطورة اكتشافه بأن اليهود شيوعيين)
وبدون اسهاب فالحاج امين احد ابرز هذه الوجاهات "تجند اثناء الحرب العالميةالاولى في الجيش العثماني وتخرج برتبة ضابط..." وبالوساطات اعفي من الخدمةالعسكرية .وعفى عنه الانجليز بعد تدخلات"وبعد ان اشتدت الخصومة العائلية بين الحسينية والنشاشيبيةعام 1921 حين توفي الشيخ كامل الحسيني ليعود من المنفى...فأعفت (بريطانيا) عن الحاج امين حكمها الغيابي وسمحت له بالترشح لأنتخابات الافتاء مقابل منافس قوي هو الشيخ حسام جار الله ,وحصل الحسيني على المرتبة الرابعة(أي ليس من الثلاثة الذين يتوجب على المندوب السامي ان يحصر اختياره بواحدا منهم كما هو متبع)..اجتمع المندوب السامي بالحاج امين وبحث معه مسألة تعينه في منصب المفتي الاكبر,وقد تمت الموافقة على المنصب وابدى(الحاج امين) رغبته الملحة في التعاون مع الحكومة,نظرا لنياتها الحسنة تجاه العرب واعدا بان نفوذه واسرته سيكرسان للمحافظة على الهدوء في القدس..".وكان مخلصا لواكهوب وساهم في كبح جماح المظاهرات العربية التي قامت في منتصف كانون ثاني 1934 ضد السياسة البريطانية....."وقال المفتي انه وعد بتقديم المساعدة ..والتعاون مع الحكومة....وكان يتخذ هذا الموقف على الدوام...وسيستمر في اتخاذه حتى ولو لم تصغ الحكومة لاعتراضاته .."كما انه على الدوام كان يعترض على اية محاولات لأستنهاض الكفاح الوطني ضد الاحتلال الانجليزي.ومع ذلك وبصفته العائلية والدينية لا غير ورغم انه "من بعض الوجوه يعتبر نفسه موظفا في الدولة"فانه بهذه الصفات يستطيع ان يحتل موقع قيادة الثورة التي هو ضدها واحتله اسما وشكلا.
"وكان جمال الحسيني زعيم الحزب العربي مستاء من نمو اعتقاد لدى الناس بان الانجليز هم العدو الحقيقي"
"وكان حزب الدفاع – راغب النشاشيبي غير ميال للصدام مع البريطانيين صداما مفتوحا" "وكان راغب متعاونا مع الانجليز"وكان قد انتمى الى جمعية الاتحاد والترقي زمن العثمانيين ,وعلى نفس الشاكلة وفي نفس الحزب يعقوب فراج.
اما الاحزاب التي تشكلت في بداية الثلاثينات ف"كانت اطرا عامة يحكمها شللا من الوجهاء,وتعتمد على ولاءات محددة منحدرة اليها من نفوذها الديني والاقطاعي او الوجاهي ولكنها لم تكن احزابا لها قواعد منظمة."وحزب الدفاع الوطني كان لبريطانيا دور هام في نشوءه"كما كان لها دور في الانقسام بين مجلسيين ومعارضة.
وهؤلاء ومن على شاكلتهم اغلقوا موقع القيادة على انفسهم وتغنت بهم ولهم الجماهير المخلصة البسيطة المؤمنة بهم بحكم التقاليد وفرطوا بتضحياتها وبالوطن.
لون آخر حاول ان يشق طريقه
ويمكن ملاحظة انه من بين الشخصيات البارزة كان عدد ممن يرغبون في وجود قيادة خارج عباءة هذا الفريق وتصرفوا بعض الاحيان بمعزل عنهم ف"في 12 نيسان 1932 تحدث اكرم زعيتر مع عزت دروزة وصبحي الخضرا حيث اظهرا حماسهما لتحرير الحركة الوطنية من العائلية ومجاملة السلطات البريطانية .." وفي 2 تشرين الال 1935م في نابلس عقد مهرجانا رفع شعار "بريطانيا اصل الداء واساس كل البلاء" بما يتناقض مع رؤيا هذا الفريق الواسع ,واكرم زعيتر"تخطى الاحزاب وقياداتها في 17 نيسان 1936حيث تداول مع جماعة من النابلسيين في وضع اسس جديدة للحركة السياسية شملت ما يلي:...تاليف لجنة قومية في نابلس.." ولكن محاولات هذا الفريق ظلت عاجزة عن تحطيم قوقعة الوجاهة الاقطاعية الدينية العشائرية.
ثانيا:اللجنة العربية العليا وثورة 1936
المرحلة الاولى من الثورة
"تفجرت الشرارة الاولى للثورة الكبرى في فلسطين يوم 15 ابريل 1936 عندما قامت مجموعة قسامية بقيادة الشيخ فرحان السعدي بقتل اثنين من اليهود وجرح ثالث على طريق نابلس طولكرم ,وقد رد اليهود باغتيال اثنين من العرب في اليوم التالي ..(.وقعت)..صدامات في منطقة يافا يوم 19 ابريل ادت الى مقتل تسعة يهود وجرح 45 آخرين وقتل من العرب اثنان وجرح 28.ساد جو من التوتر اعلنت الحكومة على اثره حالة الطواريء في كل فلسطين.."اضربت يافا0
في عشرين نيسان دعي الى اجتماع في نابلس بدعوة من مجموعة من الشباب المثقفين ودعى الى الاضراب العام في فلسطين "على ان يستمر الى ان تعلن الحكومة البريطانية استجابتها للمطالب الوطنية"(اضراب مفتوح وبدون التشاور مع القيادات التقليدية ومن وراء ظهرها) وشكلت لجنة قومية غير حزبية في نابلس".وقد لقيت الدعوة للاضراب استجابة واسعة (في فلسطين) وشكلت لجان قومية لتامين الاضراب ونجاحه".كان تاليف اللجان القومية مظهرا شاملا وصل الى الارياف ,والارياف منذ تلك اللحظة شكلت حاضنة الثورة ومناطق نفوذها وحطبها ,وهنا اصبحت الجماهير الفلسطينية باستجابتها العفوية في الميدان ليصبح الميدان كل فلسطين
حتى اللحظة وحتى الخامس والعشرين من نيسان كانت القيادات التقليدية خارج الصورة , وهذه ايام ثمينة جدا حينها ,فهذه القيادة "لا تريد ان تصطدم اصطداما مباشرا مع البريطانيين",ودلت على ان التنظيمات السياسية وقياداتها القبلية متخلفةعن الاحداث. "وخلال الايام الستة الاولى من الاضراب والتي امتازت بحماس
وطني منقطع النظير لم يسمع هناك صوت او راي للقيادات السياسية المعروفة حتى جائت البادرة الاولى من مدينة حيفا عندما وصل وفد منها للقدس مؤلف من :رشيد الحاج ابراهيم ومعين الماضي ومحمد علي التميمي وحنا عصفور للقيام بمهمة انشاء قيادة عليا للاضراب الشعبي تتالف من قادة الاحزاب الستة.ولم تكن هذه المهمة سهلة ,ذلك ان ائتلاف الاحزاب على صعيد زعمائهاوالاختلافات الكبيرة بين توجهاتهم , والاضراب العام يشل البلاد, يعني قبولهم بحتمية الاصطدام المباشر مع السلطة على غير ما يرغبون0 كان زعماء الاحزاب يدركون هذا ويدركون انهم ان تخلوا –هذه المرة – فلن تكون لهم هناك بعدئذ كلمة"فهم اذن تمت دعوتهم لتسنم موقع القيادة دون ان يبادروا هم بانفسهم ,وكانو جميعا هيابين"والواقع ان اللجنة العليا على الرغم من مكانتها الرسمية داخل البلاد وفي المحيط العربي لم تكن -في فترة الاضراب-هي الموجه الحقيقي للنضال...ان دور اللجنة العليا لم يكن اكبر بكثير من دور الناطق الرسمي في القاموس السياسي المعاصر"..
فجاء تشكيل اللجنة العربية العليا بعد ستة ايام من انطلاق التحرك الثوري عام 1936ليسد الفجوة التي دامت سنتين بلا أي مظهر قيادي سياسي رغم ان كل هذه الوجوه والاحزاب موجودة, ورغم ان الاوضاع تتفجر باعمال ثورية تتطلب وجود انشطة قيادية منظمة, وقيادات سياسية تقود النضال, وتحرض, وتوجه, وتتصادم مع الانجليز ومشروعهم الصهيوني0
ولكن وخلال هذه النضالات الجماهيرية الواسعة والاضراب الشامل استمرت صلات هذه الزعامات مع الانجليز0
لقد تكررت الاتصالات بين الانجليز والقيادة التقليدية من اجل وقف الاضراب.وقال الزعماء العرب لواكهوب(المندوب السامي البريطاني)"انهم راغبون بالفعل في مساعدته على اعادة النظام..." وشكا جمال الحسيني "من موقف البوليس الذي اعطى للشعب
-انطباعا بأن العدو الحقيقي هو البريطانيون"!!!في حين من الجهة الاخرى ان الحركة تطورت لتصبح ثورة مسلحة وبكل اشكال النضال المتاحة,ولم يكن لهذا الفريق الزعامي اية ايادي في ذلك. فالقيادة لاتقود ومع ذلك فالجميع يقسمون بحياتها جهلا.فلم يكن هناك فرق في ذهنية الجماهير ولا حتى طلائعها بين الوجاهة التي تتزعم في امور قبلية وعشائرية وبين القيادة السياسية التي من المفترض ان تقود نضالا وطنيا تحرريا0هذا بالاضافة الى سعي الانجليز بنجاح من اجل تكريس هذه الحالة وهذه القيادة0
وبتوصية من واكهوب حصل وفد من" قيادة الثورة"!!على تاشيرات سفرالى بريطانيا مكونا من جمال الحسيني وشبلي الجمل والدكتور عزت طنوس وعبد اللطيف صلاح,وفي لقاءاتهم مع المسؤولين الانجليز "اعترفوا بانهم اصبحوا الى حد كبير مرتهنين لدى الشعب , واشاروا الى تهديدات تلقاها جمال الحسيني وعوني عبد الهادي بان لا يبديا أي تساهل "وهذه العبارات هي على سبيل الاعتذار من الازعاجات التي يسببها الشعب للانجليز 0 ومع ذلك هم القيادة حكما بفعل منزلتهم الطبقية والاجتماعية في مجتمع يزيد الفلاحون والبدو فيه على 85%.وبالرغم من انطلاقة الثورة ضد اصدقائهم الانجليز0
ظلت القيادة تلعب دورا مهادنا وظلت قوى القاعدة تحاول شدشدتها واحيانا الضغط عليها او فرض حالة تؤكد خروج الامر من يد هذه القيادة, وهي في الحقيقة كانت وظلت خلف الاحداث وتحاول التخلص من الثورة, ولكنها تتمسك بقوة بمركزها بالتواطؤ مع الانجليز , وبالاستناد الى الهرم الزعامي التقليدي الذي تقف على رأسه (ويتشرف) بمنحها الولاء دون تفكير وباستغلال سذاجة الجماهير والذين يعتقدون ان مؤهلات القيادة كابر عن كابر, وان هذه الصفة متوفرة في هؤلاء وربما دون غيرهم.
وكانت وساطات لوقف الثورة من البداية لنوري السعيد والامير عبدالله ولم تفلح بالرغم من استعداد الزعامات لتلبيتها
وقبل ايام من نهاية الاضراب" استقبل واكهوب الحاج امين الحسيني وراغب النشاشيبي وعوني عبد الهادي كل على انفراد...ويستفاد من تقرير لواكهوب ان الزعماء العرب ابدوا استعدادهم للحث على وقف الاضطرابات وحل الاضراب دون شروط اذا طلب منهم ذلك الملوك العرب"
أي انهم تنازلوا كلية عن اهداف الاضراب ودافعوا عن سلامتهم وبقائهم .]يتوجب على الشعب الفلسطيني دائما ان يرهن نفسه بسلامة شخوص القيادة[
وفي أواخر شهرايلول توجه وفد من اللجنة العربية العليا للاجتماع بالملك سعود وفي التاسع والعشرين من الشهر نفسه توجه عوني عبد الهادي الى شرق الاردن لمقابلة الامير عبدالله .ونتيجة لهذه الاتصالات وطبقا لاستشارات مسبقة مع الحكومة البريطانية وجه الملك بن سعود والملك غازي والامير عبدالله في العاشر من تشرين الاول نداء مشتركا دعوا فيه الى" حل الاضراب ووقف الثورة والاعتماد على النيات الطيبة لصديقتنا بريطانيا العظمى التي اعلنت انها ستحقق العدالة ."
وعلى الفور استجابت اللجنة العربية العليا للنداء المنسق الذي اعتبرته مخرجا , واصدرت في اليوم التالي ندائها الشهير بوقف الاضراب والاضطرابات.
وبهذا انتهت المرحلة الاولى من الثورة استجابة لطلب الانجليز من قيادة الثورة, وقيادة الثورة بدورها اقترحت على الانجليز ان تستجيب لطلبهم من خلال تلبية نداء يوجهه اتباع بريطانيا من الحكام العرب , وهكذا كان.ولم يراعوا اية اهمية لتضحيات الجماهير واهداف الثورة.
المرحلة الثانية من الثورة
المفتي في وضع حرج فعندما بدأت بوادر المرحلة الثانية من الثورة بالاشتداد وتصاعدت الاضرابات"اصدر المفتي بيانا دعا فيه السكان الى" العودة الى اعمالهم وانهاءالاضراب"انسجاما مع صلاته بالانجليز "واستجاب الناس لنداء( قائدهم) مؤقتا" ثم في 14 تشرين الثاني تجددت الثورة الفلسطينية المسلحة بأعنف من السابق ولكن هذه المرة كان النشاشيبي وصحبه قد انسحبوا من اللجنة العربية العليا وغادر الحاج امين الى بيروت وتصاعدت الاحداث اكثر شدة واتساعا وكان من راي هايننج ومكمايكل "ان المرحلة الثانية من الثورة اصبحت اقل اعتمادا على المساعدات الخارجية مما كانت عليه المرحلة الاولى عام 1936 م وليس هنلك من يملك نفوذا لدى الثوار الذين هم ذو ذهنية وطنية".."ولقد ادى الضغط على الثوار الى الكشف عن ضعف تنظيماتهم الداخلية والعواقب الخطيرة لفقدان قيادة سياسية..."فقياداتهم الميدانية من الارياف وهم اكثر ثورية واكثر استعداد للتضحية حتى النهاية المظفرة , ولكنهم ولضعف التنظيم وبسبب اعتماد المرجلة بدلا من حسن التخطيط والتوجيه , فان الثورة وبعد تصاعدها الحاد والمؤثر والعنيف أخذت في التراجع والاضمحلال اثر الانشقاق في مواقف عضوية اللجنة العربية العليا, وعدم قدرة واهلية اللجنة المركزية للجهاد التي كانت تحت سقف اللجنة العليا موضوعيا واكثر كفاحية منها(اصدرت مواقف عصيانية )ثم عمدت بريطانيا الى اعادة احتلال فلسطين مستخدمة اشد وسائل القمع, بينما الثوار بلا قيادة سياسية قادرة على تجنيد الجماهير وحشدها وتعويض الخسائر ومتابعة اشكال النضال الضرورية, و(فصائل) المعارضة تمارس ادوارا مقلقة للجماهير وتثير بينها الفزع ,واقتراب طبول الحرب العالمية الثانية ,كل ذلك ادى لاضمحلال الثورة ثم توقفها نهائيا.(في الخامس والعشرين من آذار استشهد عبد الرحيم الحاج محمد وفي الثالث عشر من نيسان سلم عارف عبد الرزاق نفسه للسلطات الفرنسية على الحدود السورية وفي الرابع والعشرين من تموز اسرت القوات الاردنية يوسف ابو درة بالقرب من نهر الاردن).وبهذا انتهت المرحلة الثانية من الثورة .
ثالثا:الهيئة العربية العليا
بعد انقطاع في الوضع القيادي الفلسطيني مع بقاء الحاج امين الحسيني رئيسا للجنة العربية العليا" حلت الهيئة العربية العليا محل اللجنة العربية العليا( وذلك بقرار هذه المرة من الجامعة العربية)في 12 حزيران 1946م بعد فشل الفلسطينيين في الاتفاق على تشكيل هيئة عامة ممثلة لهم.وقد تشكلت في البداية من الحاج امين الحسيني رئيسا وجمال الحسيني نائبا للرئيس وكل من احمد حلمي عبدالباقي,اميل الغوري,والدكتور حسين فخري الخالدي اعضاء, ثم ضم المفتي رجال حزب الاستقلال محمد عزت دروزة ومعين الماضي اضافة الى الشيخ حسن ابو السعود واسحق درويش ورفيق التميمي دون مشاورة احد.وقد استقال فيما بعد دروزة والماضي احتجاجا منهما على ادارة امور الهيئة.وحاولت الهيئة قيادة الشعب الفلسطيني اثناء حرب ونكبة 1948..."
ف"طوال الحرب العالمية الثانية كانت الحركة الوطنية في فلسطين تنتقل من عثرة الى اخرى وقد فشلت كل الجهود لاحياء الهياكل الحزبية التي كانت قائمة في الثلاثينات كما انه لم ينشأ عوضاعنها مؤسسات سياسية اخرى او بديلة لقيادة الحركة الوطنية .....باستناء الحزب العربي الفلسطيني الذي اختير لقيادته توفيق صالح الحسيني الذي لم يسبق له العمل السياسي...وكان يعتبر ان منصب القيادة السياسية العليا في الداخل يجب ان يبقى فارغا بغياب المفتي وجمال الحسيني في الخارج.." حيث كان امين الحسيني (يقودالنضال ؟)"في لبنان,ثم يقود في العراق,ثم في المانيا.فحيثما كان المفتي يتخذ لنفسه مقرا كان عدد كبير من القادة السياسيين والمجاهدين والقادة العسكريين ينتقل معه ويكون هناك مركز القيادة.
وهكذا لم تكن في داخل فلسطين قيادة وطنية معترف بها.وحسب رأي هذا الفريق المتنفذ تكون القيادة حيث يكون المفتي, ولم يسمح بتشكيل قيادة من غير شخوصه تسد الفراغ في غيابه.
وفي هذه الاثناء كان المفتي يعمل كزعيم للامة العربية والاسلامية في تصريحاته وتنقلاته "وكانت ترتفع كفته الدولية كي يصبح الزعيم العربي الاسلامي الاول في العالم, بينما في فلسطين كانت
كفة الحركة الوطنية في انخفاض متواصل تهبط ولا ترتفع"وظل الحال هكذا حتى سنة 1946م0وتكرر ذلك في مرحلة منظمة التحرير الفلسطينية .
وعلى اعتاب الحرب , ومن خلال التفاعلات العربية والدولية حول فلسطين, وفي حزيران 1946م, أخذت جامعة الدول العربية الامر الفلسطيني بيدها, وشكلت لجنة دائمة لفلسطين باسم لجنة فلسطين, برئاسة عبد الرحمن عزام ,وكان المفتي مندوبا عن عرب فلسطين"ويكفي ذلك للتدليل الواضح ان القضية الفلسطينية اصبحت من اختصاص الجامعة وحدها..وقررت تشكيل لجنة عسكرية انيطت بها كل المهام ". وتخطت اللجنة العربية العليا والجبهة العربية العليا(المجلسيين والمعارضة) وشكلت الهيئة العربية العليا بتوحيد الطرفين "واعلن الطرفان الغاء وجودهما من اجل وحدة العمل الوطني. وفي هذاالاجتماع نفسه اعلنت قيادات الاحزاب عن حل نفسها" ان المفتي لم يتمتع بصلاحيات القائد الاول في نظر الجامعة العربية ,والهيئة العربية العليا لم تأخذ صلاحيات العمل السياسي بشكل منفصل عن الجامعة, وعزلت تماما عن قيادة العمل العسكري والصلاحيات المتعلقة به.و برزالتناقض بين الهيئة العربية العليا والجامعة العربية لاسباب منها ما يتعلق بتصرفاتها ومنها ما يتعلق بشخص رئيسها ومنها ما يتعلق بخطة بعض الحكومات العربية لابعاد المفتي وتاييد الملك عبد الله...المهم ان الهيئة لم تعد لها كلمة مسموعة في البلاد العربية "وهي وان كانت ذو منزلة عاطفية في فلسطين فانه لم يكن لها دور قيادي فعال ,بالرغم من تكرار اعلانات الولاء والتاييد لها, وبالرغم من انطلاق المشروع الصهيوني في احتلال المدن والقرى على اعتاب الحرب وخلالها.
فلم يكن في فلسطين من رجالات الهيئة سوى جمال الحسيني واحمد حلمي والدكتور حسين الخالدي وما لبث جمال الحسيني حتى غادرالبلاد, ليبقى اثنان و بلا صلاحيات ويتعرضان باستمرار لنقد ونقمة الجمهور لعجزهما عن اية فاعليات لقيادة النضال وتامين مستلزماته ,بينما الوطن يضيع شبرا شبرا امام اعين الجمبيع ..
قسمت الهيئة العربية العليا الوظائف الادارية على الاعضاء المتفرغين للعمل وقسمت الدوائر الرئيسية على ستة دوائر هي دائرة الشؤون العامة الادارية والمالية والسياسية والاجتماعية والداخلية وعلى راس كل منها مسؤولا .
وافتتحت لها مكتبا في القدس "اقتصرت اعماله على العرائض المقدمة من الاهلين العرب الى الدوائر الحكومية المختصة ,ثم التوسط لدى هذه الدوائر لتسهيل مصالح المواطنين من ايراد وتصدير ..."وقد وصف احد اعضاء الهيئة طبيعة العمل قائلا: وكانت فوضى الادارة والمال والموظفين غير الاكفاء مما لا مجال لبحثه وتفصيله...كما كان مكتب الهيئة في القدس محروما من الصلاحيات السياسية وعاجزا عن اتخاذ أي قرار محلي قبل الرجوع الى رئاسة الهيئة العربية العليا وقد كان محروما من الصلاحيات المالية..."
ان المؤآمرة شاملة من فلسطينيين وعرب
"فالمجلسيين يتولون الصلاحية الرسمية ومعهم الجامعة العربية ولا يفعلون شيئا,فلم تقم الهيئة العربية العليا بانشاء كوادر سياسية تنظيمية هرمية خاصة بها ...فقد اعتاد المفتي ان لا يمنح ثقته المطلقة الا للبعض من اعوانه ...والمهم هو العلاقة الشخصية التي تربط المفتي بكل واحد..(هذا تكرر في منظمة التحرير وكذلك في تشكيلة سلطة الحكم الذاتي)لا توجد هناك حلقات وصل ابدا ولا يوجد تدرج في المسؤولية توجد رسل لنقل الاوامر.." وهذا ألحق ضررا كبيرا بالعمل النضالي الفلسطيني لصالح العدو.ان عدم قيام القيادة بواجب تنظيم وتسليح الجماهير بينما هي تتولى مسؤولية هذه المهمة بالذات , هو شراكة في المسؤولية0
ان المؤامرة اكبر من هذه القيادة, وشركاء المؤامرة من العرب اشركوا هذه القيادة في الاعيبهم وصراعاتهم واستعملوها لانجاح المؤامرة ,وهي(القيادة) شامخة بما يحيط بها من تبجيل وتكريم وتمسح زائف ومتشبعة بما يصل رئيسها من فروض الموالاة والتاييد العاطفي من منظومة الوجاهات العشائرية الجاهلة التي وصفناها في بداية الموضوع.هل سيتكرر استعمال القيادات الفلسطينية في اطار برامج اخرى مع حفظ التبجيل والمنزلة العالية الرفيعة والمحاطة بفيض من الولاءات المستثارة في مرحلة منظمة الاتحرير؟..
والمعارضة من جانب آخر جلسوا في بيوتهم يتفرجون ويفسحون المجال لتقدم الصهيونية , وهم يعلمون جيدا بمجريات المؤامرة وما سوف تؤول اليه الاحوال في فلسطين .وهم كذلك يتم استعمالهم لبرنامج غير البرنامج الوطني وفي سياق تآمر اكبرمنهم ومن مصالحهم .وهم وجوقة الدول العربية التي استخدمتهم ,في اطار حلقة اوسع وتآمر اكثر صراحة ,ومشاركة مقصودة وهادفة لمساعدة الاعداء دون لبس او ابهام, لتكون فلسطين وشعب فلسطين ضحية هذا التآمر, وبواسطة مثل هذه القيادات العربية والفلسطينية ذاتها ,فما ان اتت الحرب وبهذه الصورة حتى تكشف العجز العربي عن المواجهة وتبين قصدية هذا العجز وافتعاله ,استمرارا لسياسة رسمية بدأها الامير فيصل بن الحسين حينما اتفق مع اليهود على ان يعطيهم فلسطين كما نصت" اتفاقية فيصل وايزمن" واستكملت حلقاتها في عام 1948م بتسليم الامروالقيادة الى جلوب باشا الانجليزى الذي يقود الجيش الاردني.
ان نضالات الشعب الفلسطيني وتضحياته استهدفت افشال المشروع الصهيوني دون مواربة ولم تتقاطع معه ولا مع أي جزئية فيه .وان حجم التضحيات التي بذلها لو كانت ضمن سياق فعال لأعطت مردودا مختلفا.ولكن ودون ان نغرق انفسنا في تحليل العوامل والاسباب التي جعلت النتائج مغايرة ,نؤشر هنا على العامل الذاتي القاصر عن المجابهة, ممثلا بالقيادة بمعناها الواسع .المستوى القيادي الذي تنصب على المجتمع وراثيا وبقصدية من بريطانيا كان قاصرا عن المهمة, وتم استعماله محاطا بالالقاب والتبجيل والولاءات ليكون قصوره وقصور ذهنيته عامل قوة لفريق المتآمرين والاعداء.(هكذا تمكنت بريطانيا من استراج الشريف حسين ليكون بالاسم قائدا للثورة العربية الكبرى, واحاطته بهالة من التبجيل الملكي الكاذب,كما سنرى في دراسة تتبعية لاحقا- وباسمه وبمقدار ما استطاعت قادت الثورة بنفسها وتمكنت من استعمالها على المقاس وادارت ظهرها لاهدافها بعد الحرب مباشرة)
لا يكفي ان نقول ان هذا الفريق لم يؤيد تقسيم فلسطين وبعضه لم يؤيد الحاق ما تبقى منها لمصر والاردن , فالاصل ان لا يقبل التقسيم ولا الالحاق .ان الخسران حصل في ظل قيادته وهو يتحمل المسؤولية , ولا بد من القول ان الهيئة العربية العليا تدير كفاح فلسطين ادارة سيئة جدا ...فهل يعقل ان يكون كل اعضائها في الخارج ما عدا اثنين...ويتحمل المسؤولية بشكل اكبر الحكام العرب الذين نفذوا سياسة بريطانيا وهم يعلنون مساندتهم للشعب الفلسطيني ويوهمونه بتاييدهم له. وكانت الهيئة العربية العليا تصدر البيانات المضللة عن مواقف الحكام العرب بشأن" التسليح والتدريب" , وعن اجتماعات" سرية ستكون لها نتائج مهمة ", مما يخلق اجواء زائفة عن اخلاص هؤلاء الحكام وهم في نفس الوقت ينفذون مآرب الانجليز ويخدعوننا .
فاللجنة العسكرية التي شكلتها الجامعة العربية وسلمتها منفردة كامل الصلاحيات قد حجبت المساعدات العسكرية عن المناضلين الفلسطينيين بينما هم في امس الحاجة لها, وكانت قد جمعت الاسلحة واودعت في المخازن بدل من ان تصل للمجاهدين. والحكومات منعت تجنيد الضباط للتطوع لقيادة المناضلين الفلسطينيين, بينما هؤلاء المتطوعين الفلسطينيين الذين كانوا على استعداد للنضال حتى الموت لا يمتلكون مواصفات القيادة العسكرية المطلوبة لهذا النضالولا يمتلك الكثير منهم الحد الادنى من التاهيل العسكري .والقيادة السياسية بالاضافة الى عجزها تقف كالايتام على ابواب اللئام ولا تصرح بالحقائق .
حين بدأت الحرب كان الانجليز على طرفي الحرب, وتولى الملك عبدالله القيادة العامة لجيش مصر وسوريا والسعودية والعراق والاردن ولبنان وكان جلوب هو رئيس اركان حرب الجيش العربي الاردني . وبذلك كانت الاوامر العسكرية التي تصدر باسم القائد العام الملك عبدالله(لهذه الجيوش)" انما يضعها وينفذها
القائد البريطاني في الجيش العربي.... والجيش العربي الاردني الذي دخل حرب فلسطين كان بقيادة خمسين رتبة عسكريةانجليزية ومعهم خمسة رتب عربية فقط والباقي جميعا هم من الانجليز "وحوادث عديدة برهنت على ان جلوب القائد البريطاني للجيش العربي انما كان يقود هذا الجيش ليقيم دولة يهودية, ويكشف اجنحة الجيوش العربية الاخرى...وحتى اللد والرملة التي تضمنها قرار التقسيم ضمن القسم المخصص للعرب تخلى عنهما جلوب وسحب منهما جيشه.." ليضمهما الصهاينة معهم0
ان هذه الجيوش لم تدخل لطرد العصابات الصهيونية من فلسطين. ان المطلعين والمتابعين في ذلك الوقت قد ادركوا حجم المأساة الفلسطينية حينما علموا بالترتيبات اعلاه, وان عصابات الصهيونية كانت مطمئنة الى النتيجة النهائية بفعل تآمر النظم العربية واتفاقها مع الانجليز على خيانة فلسطين(الاسلحة الفاسدة من مصر وتواطؤ النظام المصري,واتفاق النظام الاردني مع بيفن وزير خارجية بريطانيا ومع الكثير من المبعوثين الانجليز على التساوق مع الاهداف البريطانية,وموافقة الدول العربية على تولية الملك عبد الله قائدا عاما و جلوب باشا قائدا عسكريا لما سمي بجيش الانقاذ, لتكون جميع القوات والتحركات والعمليات على جانبي الجبهات تحت سيطرة بريطانيا والصهيونية)
من الواضح ان تدخل الجيوش قد طغى على كل شيء وما كان يجب ان تدخل هذه الجيوش (مع العلم ان الهيئة العربية العليا لم تكن متحمسة لدخولهم وكان من رأيها ان يكتفى بتقديم المساعدة اللازمة للفلسطينيين والمتطوعين معهم, ليتحملوا مسؤولية المجابهة من البداية )
ما كان يجب ان تدخل هذه الجيوش بقيادة الانجليز لتحارب! الجيوش التي دربها ويقودها الانجليز كذلك!
لقد ادركت القيادات الفلسطينية الميدانية (واغلبها من الفلاحين) حجم المأساة وبذلت جهدها قدر طاقتها وهي محاطة بالخيانة والتواطؤ مع الانجليز والصهيونية وكان الامر فوق طاقتها .فكانت الهزيمة الماحقة لهذه الجيوش التي كانت هي بنفسها كذلك ضحية المؤامرة .
وكان اللجوء والشتات الفلسطيني, لتدخل القضية الفلسطينية مرحلة جديدة .
بعد الحرب شكلت الهيئة العربية العليا حكومة عموم فلسطين بالتوافق مع الجامعة العربية ,حيث عقد مؤتمرا في غزة حضره 85 مندوب وانتخب مجلس وطني, وهذا انتخب حكومة عموم فلسطين اعترفت بها لبنان وسوريا والسعودية .غير ان النقراشي رئيس وزراء مصر استدعى المفتي ليغادر غزة حيث اضطر لمغادرتها بالقوة "وفي خريف 1949 تخلت عنها الجامعة العربية وانفرط عقدها واختفت من الوجود" .وألحق قطاع غزة بمصر.واثر مؤتمر اريحا وما سبقه وما تلاه ألحقت الضفة الغربية بالاردن.
وخلال سنوات الخمسينات ,انفرط عقد الجماعة التي كانت تشكل ما سمي بقيادة الشعب الفلسطيني, وذهب الجزء الاعظم منها ليتعيش في بلاط الانظمة, وبعضهم بلغ اعلى المراتب0 وظل القليل( المفتي ومن معه ) في بيروت يتعيشون على مركز في جامعة الدول العربية وعلى ما يصدروه من بيانات وتصريحات وما تجريه الصحافة معهم من لقاءات وعلى البعض ممن ياتون لانتزاع معلومات تاريخية منهم عن المأساه بوصفهم شهوداعليها, وكل هذا تحت اسم" الهيئة العربية العليا "المحدودة بحدود الانظمة العربية والمحاطة بشيء من التبجيل الاستعمالي الكاذب .لقد كانت مرحلة اللجوء على كثافتها وخطورتها ,ولم يصدر عن هذه القيادة توجيه لتنظيم او لفعل او لمسيرة عودة 0لقد اصبح اللاجيء الفلسطيني نهبا وهو في امس الحاجة الى قيادة حقيقية جديدة,وهذه المرة ليس لان اصلها من بيوت القيادة والزعامة كما في الفترة من بداية الاحتلال البريطاني حتى عام 1948م بل قيادة تنتقد الطريقة السابقة وتتفوق عليها 0والذي حصل ان هذه القيادة الميتة ماتت على صدر القضية ,ماتت على صدر الشعب, وظلت رائحتها تنتنه, معطية للانظمة العربية فجوة اخرى تستفيد منها, وتعيد ترتيب اوراقها في وجه الهجمة الانتقادية الجارفة من الحركة الشعبية , وتحركات ضباط الجيش في سوريا ومصر, ولاحقا العراق ,بينما القضية تتضرر واللجوء يتكرس والزمن يمضي, ليستثمره العدو في تجسيد مشروعه واقامة مستوطناته وبناء مصادر وجوده ومصادر قوته, بل وبناء استعداده لجولة اخرى وهجمة اخرى
0لقد كان من الاولى الانقلاب على هذه القيادة ووضعها في خانة الاتهام مبكرا, كي تخرج نهائيا: عمليا واستعماليا وفكريا وثقافيا من حياة الشعب الفلسطيني محملة بنصيبها الذي يخصها من الفشل0 والهزيمة والذل.
ويجب ان لا نبحث في خيالنا ونجاري السلطان كي نقيم المرحلة وزعيمها(وهذا ما سناتي عليه في دراسة اوسع واشمل) فالذي يتوجب تقييمه هو الحقبة التاريخية ,هو ما حصل, هو المجريات في سياقها. حيث كانت الهزيمة هي الحصاد0 ولا نقبل حصر التقييم كله فيما يختزله البعض تزلفا انه يكفي ان فلان لم يقبل التقسيم ولم يعترف باسرائيل, فالمسالة ليست بالالفاظ معزولة ومعسولة ,انما هو سياق من الفعل والمواقف, هو الدور التاريخي الذي يتوجب دراسته ولكن ليس من اجل تصفية حساب مشخصن, وانما من اجل المستقبل0فالشعب الفلسطيني تقسم: جزء منه في قطاع غزة من سكان القطاع واللذين لجؤوا اليه يتبعون الادارة المصرية ,وسكان الضفة الغربية ومن لجأ اليها يتبعون المملكة الاردنية الهاشمية , وجزء آخر لجأ الى الضفة الشرقية ليكون كذلك في تبعية للاردن, وقسم آخر هاجر الى لبنان وسوريا وأماكن شتى من الارض.
لقد كان بحاجة ماسة الى عنوان سياسي ينظم وحدته السياسية واحلامه بالعودة, وهو يعيش كل هذا الشتات على الارض ,ويفقد
اساس وحدته الاقتصادية والاجتماعية ,ويفقد تجمعه على ارض واحدة تشكل كيانه موضوعيا.
القسم الثاني
رابعا: اللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرالفلسطينية
منذ1964 حتى الآن
اثر تفاعلات عربية متواصلة ونقاشات وقرارات في مؤتمرات القمة انعقد مؤتمر فلسطيني في القدس في الفترة بين 28|5- 2|6|1964م( وكانت الضفة الغربية مع الاردن والقطاع تحت الادارة المصرية )وبحضور350 مندوب عن تجمعات الشعب الفلسطيني ,جرى تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية وانتخاب احمد اسعد الشقيري رئيسا للجنة التنفيذية التي غدت منذ هذه اللحظة القيادة الفلسطينية الرسمية المعترف بها من قبل جامعة الدول العربية ,وكان احمد الشقيري ذاته ممثلا لفلسطين في جامعة الدول العربية ,ورفعت المنظمة شعارات الوحدة الوطنية والتعبئة القومية والتحرير 0
قامت المنظمة بتشكيل عدد من اللجان ,وبدأت بتاسيس جيش التحرير الفلسطيني واسست الصندوق القومي الفلسطيني0وتم اقرار الميثاق الوطني الفلسطيني الذي عرف فلسطين وثبت حدودها كما في مادة 2"فلسطين بحدودها التي كانت قائمة في عهد الانتداب البريطاني وحدة اقليمية لا تتجزأ"ثم عرف الفلسطيني في المادة الخامسة وفي المادة السادسةعرف اليهودي"اليهود الذين كانوا يقيمون اقامة عادية في فلسطين حتى بدء الغزو الصيوني لها يعتبرون فلسطينيين"
وحددت المادة التاسعةان"الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وهو بذلك استراتيجية وليس تاكتيكا ويؤكد الشعب الفلسطيني تصميمه المطلق وعزمه الثابت على متابعة الكفاح المسلح والسير قدما نحو الثورة الشعبية المسلحة لتحرير وطنه
والعودة اليه وعن حقه في الحياة الطبيعية وفي ممارسة حق تقرير مصيره فيه والسيادة عليه0والوطن هنا ذلك الجزء من فلسطين الذي أصبح اسرائيل في 1948 حتى 1967م.
واكد في المادة 19على رفض قرار التقسيم لعام 1947 " تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947م وقيام اسرائيل باطل من اساسه مهما طال عليه الزمن لمغايرته لارادة الشعب الفلسطيني000
ورفض المسوغات الاوروبة والدولية لاقامة اسرائل كما في المادة20 0"يعتبر باطلا كل من تصريح بلفور وصك الانتداب وما ترتب عليهما000وان اليهود بوصفهم دينا سماويا ليست قومية ذلت وجود مستقل وان اليهود ليسو شعبا واحدا له شخصيته المستقلة وانما هم مواطنون من الدول التي ينتمون اليها0"وتقول المادة 21"ان الشعب العربي الفلسطيني معبرا عن ذاته بالثورة الفلسطينية المسلحة يرفض كل الحلول البديلة عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا ويرفض كل المشاريع الرامية الى تصفية القضية الفلسطينية" وبهذا جاءالميثاق الوطني ببنوده ليحدد الهوية الوطنية ويعززالمواقف الوطنية للشعب الفلسطين(وتحرير فلسطين هنا تعني تحرير الاراضي التي احتلت عام 1948م
ويحدد وسيلة وطرائق التحريربالكفاح المسلح حصرا0
ان الاراضي المقصود تحريرها هناهي "هي الوطن السليب"كما كان يطلق على الجزء الذي اغتصب عام 1948م .وكل البنود والتفاصيل التي وردت اعلاه تخصه بالذات. ولم تكن تخص اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلت عام 1967م
وقد انشغلت قيادة المنظمة حتى حزيران 1967 في ثلاثة امور:-
انشغلت في تاسيس نفسها واقامة مؤسساتها واقامة جيش التحرير الفلسطيني وانشغلت بتثبيت نفسها فلسطينيا ,وعربيا ودوليا 0وقد كانت امام المنظمة عقبات كبيرة لحساسية وجود المنظمة على الصعيد الاردني, حيث ان الفلسطينيين يشكلون ثلثي سكان الاردن, كما ان الضفة الغربية هي جزء من فلسطين التي تنوي المنظمة تحريرها وتقرير المصير عليهاعليا (أي فلسطين)وفكرة الكيان الفلسطيني من اساسها كانت مرفوضة من قبل الحكومات الاردنية
المتعاقبة لتناقضها مع تشكيلة الاردن الديموغرافية والجغرافية,0 ومع السياسات التي اعتمدتها الحكومات منذ عهد الأنتدابالنتداب تجاه فلسطين, وتساوقها مع المواقف السياسية للدول الغربية .ولهذا كان جزء كبير من جهد اللجنة التنفيذية منصبا على تثبيت وجود المنظمة بشكل مستقل عن الحكومة الاردنية و لدرجةالصراع.وقد تبادل الطرفان مهاترات واتهامات وطعون توجت" بتقديم الاردن مذكرة لجامعة الدول العربية اعلنت فيها سحب اعترافها بالمنظمة""كما قامت بختم مكتبها في القدس بالشمع الاحمر" وبالمناسبة كان الموقف الشعبي الفلسطيني تجاه النظام الاردني سلبياسلبا وعدائيا وكان الموقف الجماهيري يتهم النظام بالتآمر على فلسطين بالاضافة الى تسليم اللد والرملة والمثلث لليهود عمدا ودون قتال وكذلك بسبب تحسس النظام الاردني من ابراز الهوية الفلسطينية0
ان ابرز مهمة انجزتها قيادة الشقيري هي اعادة الاعتبار لفلسطينية الفلسطيني مؤيدا بكونه خطيبا مفوها, وصوت جهوري, ومدعوما بالناصرية وخطابات عبد الناصر, ووسائل الاعلام المصرية ,في فترة نهوض قومي عربي تحرري معاد للاستعمار واعوانه,وذلك بعد انقطاع طويل دام منذ النكبة وحتى تشكيل المنظمة على ايدي الانظمة العربية حيث كانت تتناهشهالعربيةحيث تناهشته الانظمة المتناقضة والاحزاب المتناقضة لولا تمسكه بحلم العودة والتحرير.اما على صعيد تنظيم الجماهير واقامة صلات منظمة معها فلم تحدث اية انجازات0 ولولا تعطش الفلسطيني للاصوات التي تبرز هويته وتثير قضيته, ولولا الناصرية والحزاب القومية ودورها في النهوض القومي في ذلك الوقت, لما تحقق مثل هذا الانجازالكبير 0انه انجاز كبير لانه يتعلق بالهوية والشخصية الوطنية وباحياء القضية ووضعها على جدول اعمال واهتمام الفلسطينيين حيثما كانوا0
ولا يفوتنا ان نذكر ان احمد الشقيري هو احمد اسعد الشقيري ولد عام 1907 "وكان والده مع المعارضة للمجلسيين وهو كذلك ونشأ هذه النشأة " "وكان عضوا في حزب الاستقلال وعضو المجلس الفلسطيني الاعلى عام 1946 والوفد السوري الى الامم المتحدة 1949 و امين عام مساعد جامعة الدول العربية,مسؤول عن القضية الفلسطينية من 1951-1957م ,سفير السعودية لدى الامم المتحدة. وظل رئيسا للمنظمة حتى عام 1967م"حيث جاء عام 1967 (بعد الحرب)"فوضع المنظمة امام مهام ومتطلبات عظمى000ومرة ثانية ,وقبل انصرام عام 1967 قام رئيس المنظمة بتشكيل مجلس ثورة آخر لتطويق بعض التحولات 000ومسايرة التطلعات الجديدة فكانت النتيجة ان محاولات رئيس المنظمة هذه المرة ادت الى تنحيته وسقوطه"0
"في السابع من كانون الثاني 1967م بحثت اللجنة التنفيذية تمثيل فلسطين في الجامعة العربية"و"في الثامن من كانون الثاني وافق مجلس الجامعة العربية على ترشيح السيد يحيى حمودة ممثلا لفلسطين في الجامعة العربية"واصبح رئيسا مؤقتا للجنة التنفيذية للمنظمة0وتشكلت لجنة "مكونة من يحيى حمودة وبهجت ابو غربية ونمر المصري واللواء وجيه المدني وكانت مهمتها الاساسية الاتصال بحركة فتح والجبهة الشعبية لتحقيق الوحدة الوطنية"التي لم تتحقق الا لماما0وحدثت نقلة جديدة حيث في "الثالث والعشرين من شباط اذاعت منظمة التحرير بيانا ايدت فيه اعمال المقاومة المسلحة"و"على اثر قيام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باختطاف طائرة اسرائيلية تابعة لشركة العال اعلنت م0ت .ف 0في بيان لها "ان حادث الطائرة هو ناقوس لايقاظ الضمير العالمي"0
" اعلنت المنظمة في23|11|1967م رفضها لقرار مجلس الامن 242 الصادر قبل ذلك بيوم واحد وفي السادس من كانون الاول 1968م اصدرت بيانا قالت فيه" المنظمة وكل شعب فلسطين وجميع قواته الفدائية 000ترفض قرار مجلس الامن واي قرار لا
يحقق اهداف الشعب الفلسطيني"والمقصود قرار242 الصادر في 22 تشرين الثاني 1967 م 0 "وفي 10 كانون الاول 1968 اصدرت حركة التحرير الوطني الفلسطيني( فتح )بيانا سياسيا الى الشعب الفلسطيني والامة العربية اعلنت فيه رفض قرار مجلس الامن رقم 242بل وحذرت أي جبهةعربية تحاول ان تفرض وصايتها عليه(الشعب الفلسطيني)وتقبل باي قرلر يتجاهل ارادته وتصميمه على مواصلة الكفاح والنضال حتى يصفي الكيان الصهيوني والاستعماري من ارضه المحتلة000"وفي ذات البيان حددت فتح موقفها من الدخول في المنظمة بعد مهاجمتها ثم استعدادها للتوافق معها"في جبهة القوى الفلسطينية الشريفة بما فيها المنظمة بعد اصلاح جذري في قيادتها السياسية واسلوبها 000"
وفي الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في (10-17|7|1968)وهي الدورة الاولى بعد حرب 1967اعيد انتخاب يحيى حمودة رئيسا للجنة التنفيذية وجاء في القرارات السياسية :
1"-على الصعيد الفلسطيني00
اولا:الهدف هو تحرير الارض الفلسطينية بكاملها وممارسة سيادة الشعب الفلسطيني عليها وتأطير الشخصية العربية الفلسطينية والوقوف في وجه أي محاولات لاذابتها والوصاية عليها0
ثانيا:الاسلوب هو الكفاح المسلح والنضال لاسترداد الارض والحقوق المغتصبة وهذا يدعو الى الاعلان بصراحة ان هذاالكفاح يتجاوزما اصطلح على تسميته ازالة آثار العدوان وما شابه من شعارات"أي ان مهمة الكفاح الفلسطيني تتجاوز تحرير اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلت في حرب 1967م وبهذا ظلت قرارات وميثاق المجلس الوطني المقرة سابقا حول اراضي 1948 سارية وتوسعت بالضفة والقطاع وهنا تصبح عبارة فلسطين المستعملة تعني كامل فلسطين في حدودها الانتدابية0
ثم اكدت قرارات المجلس "3-على الصعيد الدولي :ان قرار مجلس الامن رقم 242 الصادر في 22|11|1967مرفوض لعدة اسباب منها ان القرار يضمن انهاء حالة الحرب بين الدول العربية و(اسرائيل)ويترتب على ذلك فتح الممرات المائية للملاحة الاسرائيلية والتزام الدول العربية بانهاء المقاطعة العربية (لاسرائيل)وفتح الباب لغزو المنتجات الاسرائيلية جميع الاسواق العربيةويضمن القرار اقامة حدود آمنة متفق عليها مع اسرائيل وهذا ينطوي على الاعتراف الواقعي بها بما يتناقض مع حق الشعب الفلسطيني بكامل وطنه"
أي استجابت المنظمة للحدث الكبير وهو احتلال بقية فلسطين من خلال قرارات المجلس الوطني, وظل دور قيادتها محدودا سياسيا واعلاميا امام بروز العمل الفدائي الفلسطينئ واسماء فصيلي فتح والجبهة الشعبية وقائديهما, وافول اسم الحاج امين الحسيني والشقيري الذين كانا كان كبيرين في اسماع الشعب الفلسطيني, وعدم امكانية اسم يحيى حمودة على البروز امام قادة العمل الفدائي, الذي أخذ بألباب الناس حقا ولمدة طويلة .وبالاضافة الى ادارة الشؤون الداخلية لمؤسسة المنظمة وبعض الاتصالات العربية فان الدور الابرز كان الترتيب لتسليم المنظمة لفتح والشعبية واعادة بنائها بما يضمن ذلك, وذلك تحت عنوان السعي للوحدة الوطنية وحل الاشكالات التي تعترض ذلك الهدف0
وفي الدورة الخامسة (1-4|2|1969م) اعيد تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بحوارات شملت كل من الشعبية وفتح وتمثلت فتح ولم تسم الشعبية اسماء مندوبيها الثمانية المتفق عليهم, كما رفض جيش التحرير المشاركة, واصبح ياسر عرفات رئيسا للجنة التنفيذية, وظل حتى وفاته0وقد تناولت القرارات السياسية مايلي"أ-التصدي بحزم لكافة الحلول الاستسلامية ورفض كافة الاتفاقات والقرارات والمشاريع التي تتعارض مع حق الشعب
الفلسطيني في وطنه بما في ذلك قرار مجلس الامن رقم 242 والصادر في 22|11|1967م والمشروع السوفييتي والمشاريع المشابهة0
ب-التصدي بحزم لكل المحاولات المشبوهة التي تستهدف انشاء كيان فلسطيني زائف يهيمن عليه الاستعمار والصهيونية"0
وجاء هذا البند اثر مشاريع واقتراحات أ- لاقامة دولة فلسطينية مثل: مشروع حمدي التاجي الفاروقي باسم الدولة الفلسطينية, ومشروع عزيز شحادة . ب-وبصورة اخرى مشروع الشيخ الجعبري بوضع المناطق المحتلة تحت ادارة دولية لمدة خمس سنوات وعودة الضفة والقطاع الى الاردن, ومشروع الميثاق الوطني المرحلي في الارض المحتلةفي 4|11|1967 الداعي لعودة وحدة الضفتين وما شابه0
أي ان المنظمة بقيادتها الجديدة اكدت على قرارات المجلس السابقة التي اتخذت في فترة يحيى حمودة ,وانسجمت بالتالي مع مواقف وتصريحات فصيلي الشعبية وفتح لتصبح هذه المواقف هي الموقف الوطني, وهي اللازمة التي يتم تردادها في كل بيان وفي كل مناسبة, الى درجة انها تصبغ الخطاب السياسي الفلسطيني في كل المحافل0
وفي الدورة السادسة في ايلول 1969 م كانت الديموقراطية قد انشقت عن الشعبية وتمثلت في المنظمة بثمانية اعضاء بغياب الشعبية 0ووافقت الشعبية ان تتمثل رمزيا بعضوواحد في الدورة السابعة في حزيران 1970 م ووافق المجلس الوطني على انشاء اللجنة المركزية لمنظمة التحرير اثر حوارات جماعية للامناء العامين للفصائل واللجنة التنفيذية, ولم تتمثل الشعبية في اللجنة التنفيذية 0 وبعد ان اكد المجلس على الثوابت الوطنية المتعارف عليها حتى ذلك الوقت ورد في قراراته"بحث المجلس الوطني موضوع الدولة الديموقراطية في كل فلسطين وقرر احالته على اللجنة التنفيذية لتضع حوله دراسة وافية تتقدم بها الى المجلس الوطني في دورته المقبلة"0
كانت مسألة المآل النهائي للنضال الفلسطيني مطروحة, ويبدو انها كانت مطروحة لسببين: الاول للرد على دعاية (القاء اليهود في البحر) بعد الانتصار العربي المتوقع عام 1967وخاصة ما اشاعته وسائل الاعلام قبيل واثناء حرب 1967"تجوع يا سمك القرش00"وما شابه ,فقد كان المسؤولون الفلسطينيين يتعرضون الى مثل هذا السؤال قصدا :ماذا ستفعلون باليهود بعد الانتصار؟ .لتكون اجابتهم المطلوب الاستماع اليها بالطبع نفي مسألة الرمي في البحر 0 والسبب الثاني لاستكمال اللوحة وصياغة فكرة برنامجية مكتملة نظريا,حول نتائج النضال الفلسطئني وماذا سيفعلون حين الانتصار, وماذا سيفعلون باليهود حينما تهزم اسرائيل وتصبح الغلبة والسيادة والقرار للفلسطينيين 0
هذا هو المناخ الذي طرحت فيه المسألة وأغلب الظن ان الاجوبة كانت معممة الى هذه الدرجة لأن الفلسطيني قد حاول الاجابة على كل المسائل اجابات معممة بدون آليات ولا تفاصيل, ولا خطط وبرامج عملية يمكن ان تقدم الوضع خطوة واحدة على ما هو عليه 0ومع تكرار طرح هذه المسألة ادرجت في ادبيات الفصائل ولذلك كان على المنظمة التي اصبحت اطارا عاما لهذه الفصائل ان تقول كلمتها في هذا الموضوع اترسيمه وبلغة جمعية هذه المرة و بقرار من المجلس الوطني الفلسطيني باسم المنظمة0
وفي الدورة الثامنة في 28|2-5|3|1971قرر المجلس الوطني حول الدولة الديموقراطية كما جاء في البرنامج السياسي"2-الدولة الديموقراطية الفلسطينية:ليس الكفاح الفلسطيني كفاحا عرقيا او مذهبيا ضد اليهود ,ولهذا فان دولة المستقبل في فلسطين المتحررة من الاستعمار الصهيوني هي الدولة الفلسطينية الديموقراطية التي يتمتع الراغبون في العيش فيها بسلام بنفس الحقوق والواجبات
ضمن اطار مطامح الامة العربية في التحرر القومي والوحدة الشاملة مع التشديد على وحدة الشعب في كلتا ضفتي الاردن"
عقدت هذه الدورة بعد مجازر ايلول 1970وقبل احراش جرش 1971م وفي هذا القرار استكملت المنظمة الصيغة البرنامجية المحالة الى اللجنة التنفيذية من الدورة السابعة برفع دراسة "عن موضوع الدولة الديموقراطية في كل فلسطين " والتفتت الدراسة المرفوعة والتي اقرها المجلس الى الموضوع الديموغرافي في الاردن حيث حوالي ثلثي سكان شرق الاردن هم من الفلسطينيين ولحظ مسالة الوحدة مع الاردن 0
وانتبهت اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني متاخرين في الدورة التاسعة للمجلس الوطني 7-13|7|1971م, انتبهت بالاجماع الى ضرورة اقامة حكم وطني ديموقراطي في الاردن, وبالتعاون مع الحركة الوطنية الاردنية ,وعلى انقاض العرش الهاشمي ليشكل حماية حقيقية للثورة الفلسطينية ,وذلك بعد خسران الساحة الاردنية وانتصار العرش الهاشمي.
لقد تعاملت الحركة الفدائية الفلسطينية مع هذا الموضوع قبل ايلول 1970م كل على حدة وبمواقف وشعارات متناقضة ,حيث لم يكن من الممكن ان يعالج هذا الامرالمهم جدا , بغير توافق سياسي ليكون في مقدمة اجندة الفدائيين وانصارهم الاردنيين والعرب في مرحلة تحلل النظام اثر هزيمة 1967م, وخسران الضفة الغربية او تسليمها كما يقول البعض .لقد نشطت الحركة الفدائية في الاردن وكبرت واصبح وجودها العسكري والجماهيري وما لها من مليشيات وانصار يمثل حالة ثورية فريدة تطورت الى ازدواجية السلطة.
ونضجت الاوضاع وصولا الى حتمية حسمها لصالح احد طرفي التناقض, بينما كانت قيادة المنظمة "تتطلع الى ادامتها لاطول فترة ممكنة" ظنا منها ان الانظمة العربية لن تسمح للنظام بسحق الثورة,واذا ما أخذنا بعين الاعتبار تناقضات التنظيمات الفدائيةالفداءية في مواقفها وسلوكها تجاه النظام نصل الى مسألتين الاولى: ان القوى الفلسطينية المتناقضة ليس لها موقف موحد تجاه النظام الاردني
وبالتالي فهي لا تحضر نفسها لساعة الحسم معه بل ترغب في اطالة امد ازدواجية السلطة دون حسم وبقاء كل شيء كما هو, مع العلم انها ترفع شعارات معادية للنظام ومتناقضة مع ادارته, ومتناقضة مع وجوده, مثل شعار اليسار "الطريق الى القدس يمر من عمان" فاللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لا تقود فصائل الفدائيين الفلسطينيين التي كثر عددها وتعددت انتماءاتها ,وهي على هذا لم ترتق الى مستوى اقرار صيغة داخلية ملزمة لشكل التواجد في الاردن, وطريقة الحفاظ عليه, بما يتناسب وشعار حرب التحرير الشعبية طويلة الامد عبر الأردن كما كان الحال في فيتنام.لقد شكلت الفصائل لنفسها نظاما وادارة ,وكان لها قواعد عسكرية تغطي مساحات واسعة في الاردن, في عمان, وجرش والاغوار ومنطقة اربدوغيرها, وكان لها نظام تواصل خاص بمعزل عن النظام الاردني, ولها جماهيرها ,وتدير عملياتها ضد اسرائيل, وتتصرف وكأن النظام غير موجود ,ولكنه موجود. والمسألة الثانية :ان النظام الاردني كان يجهز نفسه لساعة الحسم وعلى المكشوف وكانت الصحف تنشر عن الاستعدادات, والتحضير المتواصل للقوات المسلحة الاردنية ,والمناخات السياسية. ثم وصلت الامور ذروتها بعد وقف اطلاق النار اثر مشروع روجرز ,حيث بادرت الحكومة الاردنية لسحب القوات من الاغوار وخو, ومحاصرة عمان امام عيون الجميع,مدعمة بالتحريض الامريكي ومساندة الدول العربية الرجعية وصمت الدول الاخرى أوتخلفها عن المساعدة 0
في نهاية شهر آب 1970 تداعت فصائل المقاومة الى اللقاء تحت خيمة المنظمة في اجتماعلجتماع للمجلس الوطني(ولكن كل يحمل استقلاليته)"بسبب امور استثنائية(كما يقول بيان المنظمة) بعد شهرين من الدورة السابقة واهم هذه الامور1-اعلان وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية وليم روجرز مشروعا جديدا لحل مشكلة الشرق الاوسط وقبول مصر والاردن...بذلك المشروع...لان المشروع الجديد كان يهدف (في راي منظمة التحرير)الى تصفية قضية فلسطين وضرب المقاومة الفلسطينية وتصفيتها.
2-ازدياد حدة التوتر بين السلطات الادنية ومنظمة التحرير بعد اعلان مشروع روجرز وازدياد الاحتكاك بين الجيش الاردني والمقاومة الفلسطينية"...ويضيف و" تستغل بعض الجهات المتطرفة في السلطة الاردنية الاوضاع لتوجيه الضربات الى المقاومة الفلسطينية ولا سيما ان امريكا كانت تشجع هذا الامر الى ابعد الحدود.."
أي ان آب حمل معه وضوح غايات النظام وسلوكه الفعلي لبلوغ هذه الغايات, بينما المنظمة وفصائلها اكتفت بعقيدة ومهمة (الفضح), بحيث انها تكتفي بفضح النظام ظانة بان النظام ما ان يشعر بانه انفضح وانكشفت اهدافه حتى تدفعه فضيحته الى التراجع للملمة الفضائح وتنتهي الازمة!.
لقد ظهرت الفصائل في الاردن كأمر واقع بعد الهزيمة ,ومثلت بهذا دوروركيزة الخارج الفلسطيني في التحرير, ورفعت شعار حرب التحرير الشعبية ,واخذت النظام على حين ضعف,النظام المتهم بالخيانة والتواطؤ والتفريط من قبل الجماهير, النظام الذي قال مخاطباجماهير الارض المحتلة بعد الهزيمة محرضا على الجيش الاسرائيلي المنتصر على الجيوش العربية "كلوهم باظافركم باسنانكم"!! فاخذت المقاومة تقيم قواعدها وتنظم اوضاعها دون ان تحسب الحساب لتطور الاوضاع لاحقا .وهي تعرف بحتمية المؤامرة عليها, وتعرف المواقف المدعية والمتداعية للانظمة العربية,فما كان عليها ان ترتكن الى حمايتها .
لقد اختار النظام ساعة الحسم وهجم على الشعب الفلسطيني, وسحق المقاومة دون رحمة, وسحب سلاحها وشتتها مبقيا على جزء منها في احراش جرش ليعود في العام التالي ليجهز على الباقي, ولتدخل المقاومة الفلسطينية مرحلة جديدة مخلية ورائها اهم واكبر تجمع فلسطيني واهم ساحة ارتكاز للهجوم على العدو
الصهيوني واهم ركيزة في حرب التحرير الشعبية .
وبهذا بدأت المقاومة مسارا تنازليا أوصلها كما هو معلوم الى احداث تغيرات جوهرية على مواقفها وعلاقاتها وبنيتها وادارتها للنضال واوصلها الى اتفاقات اوسلو التي تتناقض جوهريا مع منطلقاتها وكل قراراتها.
على الرغم من امتناع الجبهة عن المشاركة الجدية في المنظمة لاسبابها فان قيادة فتح رغبت في الهيمنة على المنظمة والاستيلاء عليها باكبر ثقل ممكن وتحويلها الى اداة بيدها ,وهي قد استعملت تناقضات الفصائل واتكأت على بعضها لتعميق تفردها في اطر ودوائر المنظمة ولاحقا الهيمنة على قراراتها.
على اية حال فشلت المنظمة في الامتحان الصعب, وفشلت قيادتها في حماية الوجود الفلسطيني المقاوم في الاردن, وبالتالي تم احباط مشروع الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية من الساحة الاردنية.وخرجت المقاومة او ما تبقى منها الى منافي جديدة وكانت قيادتها قد سبقتها. لتدخل الثورة الفلسطينية مرة اخرى مرحلة جديدة وفي ظروف جديدة أصعب وأشد من سابقاتها .
ان وجود الحركة الفدائية في لبنان في حالة صراع دائم من أجل بقائها. وقد بدأت تؤسس لوجودها مدعومة بتأييد الحركة الوطنية اللبنانية وكمال جنبلاط, وبدأت تثبت وجودها بعد عام 1969م وعبر اتفاقات وقرارات عربية .ولكن بعد عام 1971 اصبحت لبنان هي المقر الوحيد المتاح والممكن حيث اغلقت الاردن نهائيا, وحددت سوريا الوجود الفلسطيني بما دون التجييش ودون قتال اسرائيل عبر الحدود.ولان الامر بهذه الحدة فقد قررت الفصائل القتال عن وجودها مدعمة من القوى الوطنية اللبنانية ورفعت شعار" حماية البندقية الفاسطينية في لبنان" واستمرت في حالة صراعية كما سنرى الى ان غادرت لبنان عام 1982 وبعد مغادرتها ايضا
مرحلة جديدة مواقف جديدة
في الدورة التاسعة للمجلس الوطني الفلسطيني من 7-13|7|1971يمكن ان ترصد الامور التالية :1- ان الفصائل جميعها اصبحت في اطار المنظمة 2-انتبهت كما ذكرنا اعلاه الى ضرورة اتخاذ موقف من النظام الاردني لفظيا و بعد فوات الاوان وكأنها تعزي نفسها عما فقدت,و بعد ان فتك النظام بالمقاومة وجماهير المقاومة واشاع جوا من الرعب تجاه الجماهير الفلسطينية في الاردن ,وتجاه كل ما هو فلسطيني, أي بعد فوات الاوان وبعد ان اصبحت المنظمة غير قادرة على الدفاع عن الجماهير , فقد قررت في اجتماع المجلس الوطني وفي باب القرارات السياسية
"الاردن:جميع قوى الثورة الفلسطينية المشتركة في هذا المجلس مطالبة بالمبادرة الى تدعيم الجهود المبذولة من قبل القوى الوطنية الاردنية لبناء الجبهة الوطنية الاردنية التي تضم كافة الاحزاب والنقابات والشخصيات الوطنية لاقامة حكم وطني ديموقراطي يخدم مصالح الجماهير الاردنية ويشكل حماية حقيقية للثورة الفلسطينية...."
3-وانتبهت الى ضرورة الوقوف امام الفلتان الفدائي ضد جماهير لبنان والمسلكيات الخاطئة وقررت"انهاء كل المظاهر والتصرفات التي قد تسيء الى سمعة العمل الفدائي وعلاقاته بالجماهير اللبنانية"
4-ووقفت امام التسويات السياسية التي كثر الحديث عنها وقررت"التمسك الكامل بالحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني في تحرير ارضه عن طريق الكفاح المسلح وتجديد الرفض الحاسم لجميع الحلول السلمية والاستسلامية التي تتعرض للحقوق الطبيعية والتاريخية للشعب الفلسطيني
بما في ذلك قرارمجلس الامن رقم 242 الصادر في 22|11|1967م"
وهذا القرارات كرست موقف الرفض الفلسطيني الذي ظلت تجمع عليه الفصائل حتى بعد مجازر ايلول 0
لم تظهر حتى هذا التاريخ بوادر تناقض اساسية حيال التسويات المطروحة بين الفصائل وتظاهرت مواقف الجميع برفض التسوبة ونقد الانظمة التي تبدي أي درجة من الاستعداد للانخراط في اية تسويات مع العدو الصهيوني.فهذه التسويات لصالح الانظمة وضد مصالح الشعب الفلسطيني وتلحق الضرر بامكانية تقدمها .
ومن الجدير ذكره ان المنظمة في هيئاتها القيادية درجت على اخذ مواقغها وقراراتها بالاجماع أوالتوافق وبعد مشاورات مسبقة0 وان تركيب المظمة يعكس التراكيب الفلسطينية الطبقية الى حد بعيد بمعزل عن درجة التمثيل العددي ,كما يعكس تمثيل لوحة الانظمة العربية ,فجزء من تلك الانظمة كان ممثلا بشكل صريح من خلال فصائل محددة ,فالصاعقة تمثل حزب البعث السوري وبشكل منضبط وتعكس السياسة السورية .وجبهة التحرير العربية تمثل حزب البعث العراقي وبشكل منضبط وتعكس السياسة العراقية .
ويمكن ان يكون التمثيل بشكل غير صريح بما يضمن حضور دول الخليج (ابني الحسن)و مصر والاردن
والمغرب ( وبعد 1982 تونس) و باعداد متزايدة من الممثلين.
وكان رئيس اللجنة التنفيذية حريصا على تسوية المواقف والقرارات ارتباطا بهذه اللوحة, بل والافظع ارتباطا بتوازناتها وتقلباتها, وبهذا فقط يضمن ان يسير بين رشقات المطر دون ان يبتل قدر الامكان, وليظل في حالة استرضاء مستمرة .وحتى الى ما قبل مؤتمر قمة الرباط ظل رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة يفضل ان يتأكد من موقف الشعبية قبل ان يتخذ أي قرار(وكانت اكبر الشركاء في المنظمة واكثرها تاثيرا في الداخل والخارج)وذلك حتى قبيل قرار الرباط عام1974م.
وكان ياسر عرفات يحتل موقعين رئيسيين ,الاول امين سر فتح أي رئيس فتح وبهذه الصفة وكممثل لحركة فتح يحتل منصب رئيس اللجنة التنفيذية .وبمقدار ما عزز موقعه وتفرده في حركة فتح بمقدار ما كرس نفسه كرئيس للجنة التنفيذية دون منازع ,وبمقدار ما عزز قبضته على قرارها الاداري والمالي بمقدار ما يكرس نفسه رئيسا لفتح ويقبض على قرارها الاداري والمالي, بحيث اصبح الفصل في أي مسالة يتطلب موافقته, فكرس فرديته في المركزين واستعمل الواحد لتعزيز الثاني.حصل هذا بالتدريج ولكنه أخذ يتكرس اكثر فأكثر بعد الخروج من الاردن.
ان دخول الجميع في المنظمة والتوافق على القرارات والمواقف السياسية من خلال هيئاتها , لم يكن يعني الوحدة الوطنية فعلا,ولم تبنى مؤسسات تعزز الوحدة
الوطنية بل كان المبنى التنظيمي والاداري يعزز سلطة فتح في المنظمة بما يعزز سلطة الرئيس في النهاية.وقد لقي هذا التوجه ركيزة قوية من خلال توجه الانظمة الداعمة بالمال لتقديم الدعم باسم عرفات شخصيا وهذ عزز سلطة المال بيده مما عزز سلطة الادارة والتعيينات الكبيرة والصغيرة وسلطة الترفيعات في الجيش وطرائق صرف المال للفصائل...
وجاءت الدورة العاشرة 6-12|4|1972 بعد اعلان الملك عن مشروع المملكة المتحدة .
لم يأت في هذه الدورة شيء جديد 0غيررفض مشروع الملك"وماصلة تعبئة وتنظيم طاقات الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجهفي حرب شعبية طويلة الامد من أجل التحرير الشامل واقامة المجتمع والدولة الديموقراطية" في المجال السياسي , وفي المجال التنظيمي" وضع برنامج عمل مرحلي لتحقيق وحدة فصائل الثورة وقوى الشعب الفلسطيني".اي انه وحتى تاريخه لم يكن هناك برنامج للوحدة الوطنيةوبالتالي لم تكن هناك منظومة وحدة وطنية متماسكة تقود قوى الشعب وتوحد طاقاته ونضاله.
وكانت الدورة الحادية عشرة هي الدورة الاخيرة التي ظلت تتمسك بالثبات على المواقف التي اقرت في الدورات التي سبقتها وخاصة منذ عام 1967 قبل ان تتولى فتح قيادة المنظمة ,وبعد عام 1969 أي بعد ان تولت فتح والفصائل الفلسطينية هذه القيادة "واقر المجلس
خطوات من اجل تحقيق تقدم على طريق الوحدة الوطنية"0
ثم جائت النقلة النوعية حيث الانتقال من التأكيد على مواقف كان يظن انها ثابتة ,الى مسار آخر نتج عنه ثوابت وطنية جديدة اخذت شيئا فشيئا تطمس الثوابت القديمة وتحل محلها .
لم تقل قيادة المنظمة انها غادرت ثوابتها ,بل أدخلت اضافات بلبوس اللغة القديمة وزجتها في الخطاب السياسي عبر صراعات داخلية متواصلة 0
لقد اقر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة من 1-9|6|1974م ما عرف في تاريخ الشعب الفلسطيني ببرنامج النقاط العشرة وهنا دخلت المواقف السياسية الفلسطينية مرحلة جديدة أخذت تتناقض شيئا فشيئا مع الخطاب السياسي الذي سبق حرب اكتوبر 1973م0
ماهو المناخ الذي احاط باستعداد القيادة المتنفذة في المنظمة للسير بهذا الاتجاه الجديد؟
1-كانت مصر والاردن قد قبلتا قرار مجلس الامن242 منذ صدوره وبعده مشروع روجرزعام1970 والكثير من دعوات السلام,وتمت الكثير من اللقاءات وطرح الكثير من المشاريع" لتسوية النزاع "وكانت الاردن احد الاطراف المشاركة في هذه الانشطة وكانت المنظمة غير مستهدفة للانخراط في مثل هذه النشاطات
2- وقعت حرب 1973 وما احاط بها من امورشكلت بداية جديدة للنظام العربي في اتجاهه الجديد من الناحية
العملية وتظاهر السادات بطلا للعبور العربي وقائدا لمرحلة جديدة وزعيم قومي .وظهرت مقولة بطل الحرب بطل السلام.
2-نتائج حرب اكتوبرمكنت النظام العربي من الجرأة في التقدم نحو التسويات واظهر استعدادا كبيرا لذل كخاصة وانها لخصت حرب اكتوبر كلها بعبور قناة السويس وظهرتها بينما طمست النتائج المهينة الاخرى.
3- اصبحت السعودية لاعبا بارزا في القضايا العربية بعد ان كانت تابعة ومتهمة ,علما انها قدمت مساعدات مالية كبيرة للدول العربية الاخرى وخاصة مصر وسورياوالمنظمة,ومع تقدم دور السعودية تقدم دور الرجعيات العربية كلها(ما سمي بالحقبة السعودية)
4-خفت دور المنظمة الفلسطينية في التاثير على الموقف العربي من التسويات,آخذين بعين الاعتبار ان دورها الكفاحي من الخارج قد تراجع اثر الضربات القوية التي تعرضت لهامنذ ايلول 1970 و فقدان الساحة الاردنية, والاشكالات التي تواجهها في لبنان0
5-ضعف الرفض العربي في اطار هذه اللوحة واصبح في مسار تراجعي 0
وجهت الدعوة لعقد مؤتمر جنيف الذي عقد في 22 كانون الاول 1973,أي بعد فترة وجيزة من حرب اكتوبر ودعيت لحضوره اسرائيل ويقابلها مصر وسوريا(رفضت الذهاب للمؤتمر) والاردن ولم تدع المنظمة.وكان العنوان الرئيسي" ان المؤتمرسيحقق تقدما حول الفصل بين القوات العربية والاسرائيلية وفك الارتباط بينها على جبهة قناة السويس ,ثم ينتقل لاقامة سلام عادل ودائم في الشرق الاوسط"وحديث عن امكانية فك ارتباط على الجبهة الاردنية.
وقدم هنري كيسنغر وزير خارجية امريكا والمهندس الحقيقي للتسوية في ذلك الوقت مشروعا من ست نقاط:
1-الانسحاب من الاراضي المحتلة 2-حدود معترف بها
3-مناطق منزوعة السلاح
4ضمانات دولية للحدود
5-الاعتراف بالحقوق الشرعية للفلسطينيين
6-الاعتراف بقدسية الاماكن المقدسة في القدس بالنسبة للاديان الثلاثة
وقال في نهاية كلمته في المؤتمر ان الهدف النهائي للمؤتمر هو التطبيق الكامل للقرار 242 على اساس ان المشكلة العاجلة هي الفصل بين القوات العسكرية .
وحددت مصر السادات "ان مصر جائت الى هذا المؤتمر للدفاع عن حقوق الامة العربية والتوصل بوسائل سلمية الى استعادة كل الاراضي العربية التي احتلت منذ حزيران 67 واقرار الحقوق المشروعة والمقدسة للشعب العربي الفلسطيني"
اما الاردن فقدطالبت :
1انسحاب اسرائيل الكامل من جميع الاراضي العربية التي تحتلها منذ 5 حزيران 1967 ويجب وضع برنامج تنفيذي وجدول زمني لهذا الانسحاب والموافقة عليها
2يجب الاعتراف بالحدود الدولية لدول المنطقة ....
4-يجب تعهد وضمان كل دولة في المنطقة في ان تعيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها ...
5-يجب تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ...
6-القدس عربية ...ويجب ان تعود للسيالدة العربية..."
بينما كان لاسرائيل رأي آخر على لسان ابا ايبان وهو لا يرى ما يراه العرب حيث رفض العودة الى حدود الخامس من حيزران واعلن" ان المسألة الاساسية في مباحثات السلام هي مسألة الامن..ويمكن ايجاد طريقة لمرور الحجاج المسلمين والمسيحيين الى الاماكن المقدسة وبشأن الحدود ان المحك الحاسم هو امكان اسرائيل الدفاع الحاسم عن هذه الحدود ...وتفسير القرار 242...ان بنوده الرئيسية هي اقرار سلام عادل وثابت والاعتراف المتبادل بين كل الدول بحق كل منها في السيادة وسلامة الاراضي..وان اسرائيل ستحدد مساهمتها التي هي على استعداد لتقديمها في عمل دولي واقليمي يستهدف اعادة توطين اللاجئين ..."
اذن اصبح مناخ الدول العربية المحيط بالمنظمة هو مناخ التسوية وقد اشر كيسنجر في نقاطه الست على الفلسطينيين وعلى امكانية الانسحاب من الاراضي المحتلة ..واكد المقررين في المؤتمر على منهج التسوية السلمية واهدافها المحددة بازالة آثار العدوان والاعتراف والحدود الآمنة...وعلى قاعدة الاعتراف بقرار 242 الذي اكدت المنظمة في قرارات مجالسها الوطنية المتتابعة على رفضه ورفص الحدود التي يقف عندها,ويؤكد مناخ التسوية ومفاعيلها على الاعتراف المتبادل أي الاعتراف باسرائيل خلافا لما هو دارج وخلافا لقرارات مؤتمر الخرطوم 1967 الذي قرر لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات مع اسرائيل .
هنا تمكن السادات بالاستناد على بطولة العبور بالتجرؤ على مخالفة السياق العربي وكسره معززا بتاييد النظم الرجعية العربية المهادنة والقابلة بالاملاءات الامريكية سلفا والمهيأة لمسارات التسوية مهما كانت هابطة ,وقد التحق بها السادات وأعطاها زخما كبيرا ودفعة قوية.
و كانت المنظمة راغبة في الاندماج في النظام العربي ولكن ليست مدعوة على الوليمة وما كان من الممكن ان تدعي وهي لا تزال تلبس لبوس الفدائي الراغب في هزيمة المشروع الصهيوني والتصرف بفلسطين كما تشاء بعد الانتصار .
وقد ادركت قيادتها على ما يبدو انها بحاجة فعلا لاعادة تأهيل بما يناسب السياسة الامريكية وما يتناسب مع مصالح الدول العربية التي لم تعد ترفع شعار تحرير فلسطين .لقد لاحظنا في البيانات الرسمية لممثلي مصر والاردن ان سياستهما خلت من مسألة تحرير فلسطين, ووقوفهما عند حدود ازالة آثار العدوان كهدف نهائي محمي بالاتفاقات والتعهدات , وهذا ما كانت المنظمة ترفضه في قراراتها كما سلف في السياق 0
ان المتتبع لقرارات المجالس الفلسطينية المتعاقبة,والدارس لما آلت اليه مواقف الدول العربية بعد حرب اكتوبر بالاقوال والافعال سيجد استمرار ثبات المنظمة على المواقف الوطنية بمعيار ذلك الوقت بينما تهافت موقف الانظمة نزولا من قرارات الخرطوم التي ترفض الهزيمة وتقرر الرد عليها الى التعاطي مع الهزيمة والاستعداد لتقديم التنازلات الكبيرة والمؤلمة جدا
وحقا للامة العربية عموما والفلسطينيون خصوصا,بما فيها الاعتراف بحق اسرائيل بالوجود في فلسطين, وبامن وسلام,مقابل امكانية الانسحاب الى حدود 67 من اراضى مصر المحتلة , والاستمرار في السعي لفرص سلام أخرى على الجبهة السورية0
في جنيف وبعد جنيف لم تطرح مسألة الانسحاب الى حدود 67 كقرار ومعزز بجدول زمني انما طرحت بشكل قابل للقسمة 0
هنا اصبحت معالجة الموقف الفلسطيني الرافض للتسوية مسألة مطروحة على بساط البحث عربيا وقبل أي طرف آخر ,وذلك لتسويغ المسلك السياسي العربي واحداث درجة من التقارب في الخطاب السياسي يخفف حدة التراجع العربي عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني على كامل ارض فلسطين .
ان المنظمة في نظر اطراف التسويات وكذلك في نظر عرابيها اصبحت بحاجة الى اعادة تاهيل بما يتناسب والمواقف العربية الرسمية الجديدة وبحجة "ان لا تظل خارج الملعب" كما كانوا يقولون .وهي ترفض قرار 242 وتشرح السبب في انه يتجاهل التمثيل الفلسطيني والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني ويعترف بحق اسرائيل من جهة اخرى بالاراضي الفلسطينية .
وقبل وبعد محطة جنيف عمل العرابون والمزينون من دوائر المنظمة ومن العرب والاوروبيون بكثافة من اجل دفع قيادة الشعب الفلسطيني قيادة منظمة التحرير الى التساوق مع فكرة التسوية والانتقال الى محطة جديدة في
الخطاب السياسي الفلسطيني 0وكانت اسرائيل توجه الضربات العسكرية لقواعد الفدائيين ومقراتهم في لبنان, والانظمة العربية تدفع الاموال التي تجعل التربة مناسبة ,وتمارس" تزيين المستنقع" وكان الشيوعيون الفلسطينيون منذ البداية يقفون عند حدود ازالة آثار العدوان والتسوية السلمية مع اسرائيل وكانت الجبهة الديموقراطية قد مثلت دور الذي يرود الطريق قبل بضع شهور من هذه الفترة.وصرح قادة فتح:
"لقد توصلت فتح الى قناعة بأن حرب تشرين اوجدت معطيات جديدة ,وبانه يجب تكوين موقف فلسطيني يستطيع ان يواجه تطورات التسويةالمستجدة ....حرب تشرين اعطت معطيات جديدة يجب ان لا نتجاهلها"
وأعلنت فتح على لسان قادتها "ان كل رقعة أرض من تراب فلسطين يتم انتزاعها ودحر الاحتلال عنها ,يمارس الشغب الفلسطيني عليها كامل حقوق سيادته الوطنية ويشيد وجوده الوطني المستقل فوقها ...وأعتبرت فتح ان ممارسة الشعب الفلسطيني فوق أي جزء من ترابه, خطوة نحو تحقيق الهدف الاستراتيجي في بناء دولة فلسطين الديموقراطية "وكرر صلاح خلف موضحا"استعداد الشعب الفلسطيني لاقامة سلطته الوطنية على اية ارض ينحسر عنها الاحتلال...ولكن لا يجب ان تكون هذه السلطة على حساب استمرارية الثورة فلا اعتراف ولا صلح مع اسرائيل ولا حدود آمنة معها..."وأكد عرفات ...استمرار النضال الفلسطيني بعد بناء السلطة الوطنية لتحرير باقي الارض الفلسطينية 0
وطرحت الجبهة الديموقراطية ضرورة ان يعلن الشعب الفلسطيني ان مطالبه في هذه المرحلة هي:ان يعترف العالم بحقوقه المشروعة والوطنية في فلسطين وبحق تقرير المصير على ارضه كسائر الشعوب أي حقه في الاستقلال الوطني وبناء كيانه المستقل على اية ارض فلسطينية يتم تحريرها ..وان هذا اقصى ما يمكن ان تحققه الثورة الفلسطينية(نفهم هنا ان كلمة ارضه أخذت تعني ليس كامل الارض الفلسطينية بل فقط أي جزء يتم الحصول عليه بالتسويات) ...ومدافعا عن البرنامج قال ياسر عبد ربة "ان اقامة السلطة الوطنية لا تنهي القضية الفلسطينية بل تنقلها الى موقع اكثر تقدما ...لانتزاع بقية الحقوق الفلسطينية في المدى اللاحق"
اما الجبهة الشعبية فقد اكدت ان أية سلطة فلسطينية تقام على ارض فلسطينية نتيجة التسوية السياسية القائمة على قراري مجلس الامن 242 و338 لا يمكن الا ان تكون سلطة رجعية ومستسلمة ...واستبعدت انسحاب اسرائيل من الضفة الغربية كهدف منظور 0
ان النقاشات التي دارت على مدى شهور طويلة بين القوى الفلسطينية كانت ضمن مناخات التسوية التي تم استثارتها بنجاح 0ومن الملاحظ ان اغلب النقاشات الفلسطينية تصارعت حول شكل السلطة التي ستقام, وتاثيرها على المراحل اللاحقة في النضال الفلسطيني وعلى الحقوق المتبقية, مفترضين ان السلطة قادمة ,ولم يبق سوى الموافقة الفلسطينية .ان استثارة الجدل استهدفت تكريس مناخات التسوية و تشكل محطة للموافقة والبحث عن مكان في قطار التسوية, دون ان يقدم للفلسطينيين مشروع او موافقة محددة على شيء محدد 0لقد قدموا موافقتهم فقط تعبيرا عن الرغبة في امكانية المشاركة في التسوية وعن حسن النية عل المفاوض العربي يستطيع تسويق المنظمة في مناخات الاعتدال العربي الرسمي ويلقي العبء الفلسطيني عن ظهره شيئا فشيئا.
وعمل الرئيس الروماني ومستشار النمسا كوسطاء بين المنظمة واسرائيل "علما ان الوساطة منذ ذلك الوقت وحتى وقتنا هذا هي ليست ضغطا على اسرائيل للاعتراف بالحقوق الفلسطينية أو جزء منها ,بل هي ضغط على قيادة المنظمة من اجل ان تتخلى عن مواقفها وبرامجها السياسية على قاعدة الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود, كما كانت اللغة الدارجة حينها ,واتخاذ المواقف من اجل تطمين اسرائيل على حسن نوايا قيادة المنظمة .
لم يكن الامر يتعدى الوصول الى مثل هذا الهدف كما دلت التجربة منذ 1974 وحتى يومنا هذا .مع العلم ان لغة العرابين كانت وما زالت واحدة وتعتمد التقليل من اهمية التنازلات, التي تمت مقابل ضخامة الفائدة من التنازل ذاته وعظمة الهدف الذي يرغبون في تحقيقه( مع انه لم يتحقق حتى الآن) وضرورة كسب الامريكان!! الذين بيدهم الحل والربط.
نضيف الى ذلك ان المنظمة تمسكت بان تكون هي ممثلة الشعب الفلسطيني دون غيرها ,فكيف يكون هذا الا اذا تأهلت من وجهة نظر صناع التسويات. والتاهيل هنا يعني ان تعيد بناء مواقفها السياسية وسلوكها بحيث يصبح مقبولا من امريكا
وانصارها في المنطقة 0
في هذه المناخات عقدت الدورة الثانية عشر للمجلس الوطني الفلسطيني موسعة ومضخمة بالمستقلين الذين تم اختيار معظمهم على المقاس. و قد اتخذت الموقف الجديد في سياق قراراتها محاطا بهالة المواقف والقرارات السابقة وكأن شيئا لم يتغير, وذلك لاخفاء حقية ان سياقا جديدا قد بدأ, ومن اجل تخفيف حدته الى ان يتم ابتلاعه,وحينها تمسح كل رتوش التزيين0 ففي قرارات دورة المجلس الثانية عشرة ورد"انطلاقا من الميثاق الوطني الفلسطيني (أي نحن لا زلنا مع الميثاق)والبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية المقر في الدورة الحادية عشرة...(وهو يعني شيئا آخر غير ما اصطلح عليه لاحقا بالبرنامج المرحلي) ومن الايمان باستحالة
اقامة سلام دائم وعادل في المنطقة(أي من وجهة نظرنا)دون استعادة شعبنا لكامل حقوقه الوطنية وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير مصيره على كامل ترابه الوطني ,(حتى الآن يبدو انه لم يتغير شيء وان كلمة كامل ترابه الوطني تعني كل فلسطين بحدودها الانتدابية ) وعلى ضوء دراسة الظروف السياسية التي استجدت في الفترة ما بين الدورة السابقة والحالية للمجلس,يقرر المجلس ما يأتي:
"1-تأكيد موقف منظمة التحرير السابق من القرار 242 الذي يطمس الحقوق الوطنية لشعبنا...ولذا يرفض التعامل مع هذا القرار..."(مع ان قبوله شرط للمشاركة في التسوية التي تنص كل القرارات والتصريحات ان هذه التسوية على اساسه وتنفيذ له)
" 2-تناضل منظمة التحرير بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الارض الفلسطينية واقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة( على)أي جزء من الارض الفلسطينية يتم تحريرها ,وهذا يستدعي احداث المزيد من التغيير في ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله"
وهذا البند يحتوي على اللغم المزين بالعبارات الثورية والالتزام بالمقررات السابقة ولنتأكد من ذلك لنرى هذا البند ذاته كيف اصبح في الدورة اللاحقة للمجلس الوطني الدورة الثالثة عشرة في القاهرة 12-22|3|1977 بعد ان امكن الاستغناء عن التزيين"11-مواصلة النضال لاستعادة حقوق شعبنا الوطنية وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته الوطنية المستقلة فوق ترابه الوطني "حيث اسقطت عبارات النضال بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح ووصف السلطة بأنها مقاتلة0ففي الدورة الثانية عشرة كانت الشعبية ممثلة هي وكل القوى فتم تدبيج القرارات بطريقة تستقطب تصويت اوسع قاعدة ممكنة وتخفيف الانتقادات الى حدها الادنى.
لقد كانت آليات اتخاذ القرارات في الهيئات الفلسطينية تستدعي التوافق والاجماع ,ثم بعد ذلك تتم ازالة الاشتراطات الرفضية اللفظية والمحسنات البديعية وتبقى الموافقة كما جرت العادة بعد ذلك 0ثم استكملت اللوحة الزائفة:"3-تناضل منظمة التحرير ضد أي مشروع كيان فلسطيني ثمنه الاعتراف والصلح والحدود الآمنة والتنازل عن الحق الوطني وحرمان شعبنا من حقوقه في العودة وحقه في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني"(وهذه الاضافة المشددة في آخر البندهي توطئة للصياغة الواردة في بند رقم 11 في الدورة اللاحقةكما رأينا
" 4-ان اية خطوة تحريرية تتم هي لمتابعة تحقيق استراتيجية منظمة التحرير في اقامة الدولة الفلسطينية الديموقراطية المنصوص عليها في قرارات المجالس الوطنية السابقة"
بعد ذلك "7-على ضوء هذا البرنامج تناضل منظمة التحرير من أجل تعزيز الوحدة الوطنية والارتقاء بها..."
على اثر اتضاح الاتجاه الجديد وما يرمي اليه من محاولة اعادة تأهيل المنظمة على مقاسات معينة وعلى امل و طمع المشاركة في التسوية0
في 18 تموز 1974 أي بعد دورة المجلس الثانية عشرة صدر بيان الاسكندرية الذي تراجع عن قرار قمة الجزائر وتضمن نقطتين مثيرتين كما سنرى"ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي للفلسطينيين باستثناء المقيمين في المملكة الاردنية الهاشمية" وهنا تراجع عن شمولية تمثيل المنظمة للفلسطينيين اينما كانوا 0وتحدث "عن ضروة فصل القوات على الجبهة الاردنية "ويعنى الضفة الغربية0و كلا النقطتين شكلتا استثارة للمنظمة للتعجيل باعادة تأهيل نفسها على مقاسات الانظمة وعرابي التسوية,خشية ان تبقى على الرصيف وخارج التسوية التي لا تزال تعلن رفضها لها,بالاصافة الى ذلك وخلال هذه الفترة اعلنت الولايات المتحدة" التزامها بايجاد تسوية في الشرق الاوسط تأخذ بعين الاعتبار المصالح المشروعة للشعب الفلسطيني" (اطلب من القاريء ان يتخيل كيف هرع العرابون من كل شاكلة وطراز لوشوشة قادة المنظمة بالتفسير الحقيقي لهذه العبارة واقتراح تنفيذ استحقاقاتها)
وفي 26 أيلول 1974عقد السيد ابو ماهر اليماني (الجبهة الشعبية)مؤتمرا صحفيا اعلن فيه انسحاب الجبهة من اللجنة التنفيذية وابرز ثماني نقاط تدور كلها لاحول ما اسمته الجبهة الخط السياسي المستسلم الذي تسير على اساسه قيادة المنظكة بما في ذلك موقف اللا موقف 0
وفي 10 تشرين الاول اعلن الاتفاق على تشكيل جبهة موحدة رافضة لكل مشاريع التسوية
ملاحظةهامة :الظروف المستجدة هي حرب تشرين واهم ما فيها انتقال مصر السادات الى معسكر التسوية والى معسكر امريكا .اما الحرب ذاتها فقد خسرت فيها سوريا اراضي جديدة ووقعت مصر في فخ الدفرسوار بدخول الجيش الاسرائيلي غرب القناة وذلك بسبب ضعف القيادة السياسية في الدولتين وسوء ادارتهما للحرب ومحدودية اهدافها وثبت لاحقا انها حرب تحريكية وليست حرب تحريرولكن امكن تكثيفها اعلاميا بالعبور وهو فعلا خطة عظيمة .
بعد قرار المجلس الوطني الفلسطيني في حزيران 1974 وبعد اربعة اشهر من الاخذ والرد في اوساط الحركة الفلسطينية وانقسام الرفض وابتعاده عن قرار المنظمة والتخلص من طريقة الاجماع والتوافق في اتخاذ القرارات وأخيرا بعد ان تعمقت بيروقراطية المنظمة وتعمقت الفردية في قيادتها والاستئثار بقرارها السياسي والاداري والمالي ,انعقد مؤتمر القمة العربية في الرباط في 27-29|10|1974م واتخذ قرار اعتبار المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني مؤكدا على قرار قمة الجزائر قبل سنة ومتخطيا بيان اسكندية الذي اشرنا اليه اعلاه0
وهنا نلاحظ ثلاث مسائل في قرارات المؤتمر:
1-التزم العرب" باستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفق ما تقرره منظمة التحرير الفلسطينية"وقد ظهرت الترجمة الفعلية للعبارة المشددة لاحقا وبعد تغير عميق في الظروف السياسية المحلية والدولية .فالحقوق وفق هذه العبارة ليس محددة مسبقا بشكل نهائي وبالاجماع , بل هي ما تراه قيادة المنظمة, وهي قد راتها في الحكم الذاتي كما هو الحال منذ تسعينات القرن الماضي كما سنرى لاحقا.وهنا بالضبط رفع اليد العربية واخلاء المسؤولية في داخل النص ذاته الذي يؤكد على الالتزام بالحقوق.
2-وشددت القمة العربية"على تاكيدحق الشعب الفلسطيني في العودة الى وطنه وتقرير مصيره""وتاكيد حق الشعب الفلسطيني في اقامة السلطة الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ,بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على اية ارض فلسطينية يتم تحريرها"
وهنا بوضوح تام والى جانب تأكيد الهوية الفلسطينية وهذا مهم, اسقط شعار تحرير فلسطين الذي التزم به العرب رسميا وشعبيا واصبح الشعار كما تدل الايضاحات والنقاشات السابقة هو قبول "اي جزء من فلسطين يندحر عنه الاحتلال"
اما تاكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة الى وطنه فيصبح (الوطن)هنا عبارة استكمالية معومة المعنى ولم تعد محددة (بالحدود الانتدابية)كما درج الحال سابقا0 بل هو أي جزء من فلسطين ينحسر عنه الاحتلال.
كان قرارمؤتمر القمة في الرباط آنف الذكر تاهيلا للمنظمة للذهاب للامم المتحدة اثر قرارها رقم 3210 الدورة 29بادراج القضية الفلسطينية كبند مستقل قبل اسبوعين من القمة.
بدأت محاولات ادراج قضية فلسطين كبند مستقل على جدول اعمال المنظمة منذ آب وتظافرت جهود الدول العربية ودول عدم الانحياز والدول الاشتراكية وكانت تمثل اغلبية دول العالم وانتزعت قرارابذلك باغلبية 105 دول في 14 تشرين الاول
1974 حيث دعي ياسر عرفات لالقاء خطابه في 13 تشرين الثاني أي بعد اسبوعين من قرار القمة العربية التي ساهمت في استكمال اللوحة بشكلها المقبول .
في كلمته امام الامم المتحدة عرض عرفات فكرة الدولة الديموقراطية يعيش فيها المسلم والمسيحي واليهودي وعرف اليهودي ب:"كل اليهود الذين يعيشون الآن في فلسطين ويقبلون العيش معنا بسلام دون تمييز على ارض فاسطين" أي بما يناقض تعريف اليهودي كما ورد في الميثاق في المادة الخامسة والتي عرفت اليهودي:"اليهود الذين كانوا يقيمون اقامة عادية في فلسطين حتى بدء الغزو الصهيوني لها يعتبرون فلسطينيين"وهذا تغييرملموس يطال ليس الموقف السياسي فقط بل يصل الى الثقافة الوطنية ,وهو تغيير يستهدف دفع عقلنا الى قبول المغتصب كأمر واقع وتسويغ التعامل والتعايش معه0
وبعد هذا العرض الذي اسس لذهنية فلسطينية جديدة هي ذهنية التسوية والتي سيظهر لاحقا انها تهبط الى الحكم الذاتي ,تقدم عرفات بطلباته من المجتمع الدولي على( عمومية التعبير)حيث قال:"انني كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية وكقائد للثورة الفلسطينية اتوجه اليكم ان تقفوا مع نضال شعبنا من اجل تطبيق حقه في تقرير مصيره0هذا الحق الذي كرسه ميثاق منظمتكموأقرته جمعيتكم الموقرة في مناسبات عديدة ...وانني اتوجه اليكم ايضا ان تمكنوا شعبنا من العودة من منفاه الاجباري الذي دفع اليه تحت حراب البنادق وبالعنف والظلم ليعيش في وطنه ودياره وتحت ظلال اشجاره حرا سيدا متمتعا بكافة حقةقه القومية ...كما اتوجه اليكم بان تمكنوا شعبنا من اقامة سلطته الوطنية المستقلة وتاسيس كيانه الوطني على ارضه".
لقد طرح الدولة الديموقراطية وهو طرح مقر في ادبيات المجلس الوطني ولكن بصورة مختلفة عن الصياغات التي وردت في الخطاب والتي عرفت الدولة الديموقراطية الفلسطينية"ولهذا فان
دولة المستقبل المتحررة من الاستعمار الصهيوني هي الدولة الفلسطينية الديموقراطية التي يتمتع الراغبون في العيش فيها بسلام بنفس الحقوق والواجبات ضمن اطار مطامح الامة العربية في التحرر القومي والوحدة الشاملة مع التاكيد على وحدة الشعب في كلا ضفتي الاردن"كما انها جائت في صياغة"اننا نقدم لكم اكرم دعوة.. "لقد كان هذا العرض سخيا وتضمن حصر المطالبة الفلسطينية في اراضي الضفة والقطاع ,وكان هذا يعني وفقط يعني التوقف عن المطالبة بالاراضي التي كانت محتلة منذ عام 1948 دون مقابل, سوى لحظات من التصفيق المدوي في قاعة الامم المتحدة ولقاءات في كبريات الصحف ومقابلات تلفزيونية.اي لم يقف طرف آخربالمقابل ووفق ترتيبات مسبقة ليقول "ونحن نوافق على الاكتفاء بهذا وسنعطيكم ذاك "ان الامربرمته عبارة عن تنازلات مسبقة وباستعداد ل"سلام دائم وعادل"كما جاء في مقدمة قرارات المجلس في الدورة الثانية عشرة و تعبيرا عن حسن النية فقط مقابل (القبول)
فالمطالب كانت محدودة كما هو مبين في صياغتها بما ورد في ديباجة قرارالمجلس في النقاط العشرة ولم يرد اقامة السلطة بقوة السلاح ولا انها ستكون "مسلحة ومقاتلة" من اجل تحرير بقية الوطن كما جاء في القرارات ذاتها .بل و دلت التجربة الطويلة جدا المنصرمة ان هذه العبارات الثورية كانت للديكور المحيط بالصورة وكان شطبها سهلا بعد خمس شهور فقط , وهي لم تكن مقصودة بذاتها.
اما عبارة "فلا تسقطوا الغصن الاخضر من يدي"فانهم بالاساس لم يكونوا يستهدفوا اسقاط الغصن الاخضر بل اسقاط البندقية.
قلنا ان قرارات الدورة الثانية عشرة قد تضمنت الجديد, وحشرته في الصياغات القديمة ,ثم أخذت شيئا فشيئاتزيح القديم وتظهر الجديد ,لتصبح المواقف والصياغات التي درجت المنظمة على تظهيرها وكأنها ماضي خاطيء, تستحي منه القيادات صاحبة هذا التوجه ,وتؤكد على التزامها الجديد .اما في اللقاءات مع الاجانب فتزداد المرونة التي تثير النهم لمزيد من التنازلات دون طائل كما جرى فعلا وحقا .
في تلك الفترة جرت العادة ان تصنف الصحافة الغربية والصهيونية القيادات الفلسطينية بين متطرف ومعتدل .وقد تسابق الكثيرون للحصول على لقب معتدل ,على نفقة اساس وتاريخ القضية الفلسطينية والمواقف الوطنية المقررة في الاطر الوطنية, والتي تمثل اساس وعدالة القضية .بل ان بعضهم كان يستشيط غضبا عندما يوصف بالمتطرف والمخرب (لم تكن عبارة ارهابي دارجة بعد)ولذلك كان هؤلاء يعيدون تاكيد مواقفهم مرات عديدة امام وكالات الانباء الغربية بأنهم ضد العنف ,ومع الكفاح بغير العنف ,وبالتالي تبادر وكالات الانباء لاخذ تصريحاتهم بعد كل عملية عسكرية, يشجبون فيها العمليات العسكرية والعنف الثوري, يشجبون العنف الثوري الذي كانوا قد اكدوا عليه بشكل متكرر في السابق .
ثم انتقلوا نقلة نوعية اخرى تؤكد حبهم للسلام وشجبهم للعنف من قبل الطرفين أي شجب العنف الثوري الفلسطيني,ورغبتهم الاكيدة في المشاركة في تسوية سلمية.
تعمق مناخ التسويات السياسية في الاجواء العربية, وازداد قبولا شيئا فشيئا, حيث قام السادات بزيارة القدس (وتبين انه نسق مواقفه مع ملك المغرب وعدد من الانظمة العربية الرجعية)وعقد صفقة كامب ديفد التي انتجت الاتفاق على انسحابات شكلية وحقيقتها استبدال القوات الاسرائيلية في سيناء بقوات الانذار المبكر, وادارة مدنية لسيناء منزوعة السلاح, وصلح مع اسرائيل. وبالنسبة(للجبهة الفلسطينية )كانت اتفاقية الاطار وهي حكم ذاتي كامل للسكان تحت السيادة الاسرائيلية (التي جاء اوسلو بشبيهتها واقل)ولكنها لم تنفذ بسبب الرفض الفلسطيني والعربي لها وبسبب عدم جدية النظام المصري في شمل قطاع غزة في جهوده (لازالة آثار العدوان).
في حقيقة الحال ان نظام كامب ديفد المصري تخلى عن القضية الفلسطينية منذ ذلك الوقت وحتى الآن ,مع العلم ان قطاع غزة سقط بيد اسرائيل من يد النظام المصري, وان النظام المصري كان ولا يزال مع النظام الاردني والسوري يتحملون المسؤولية عن سقوط الضفة والقطاع ,وكانوا ولا زالوا يتحملون المسؤولية عن تحقيق شعاراتهم(ازالة آثار العدوان) والتي تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة, بعد تذكير العرب ان الجولان السوري لا زال تحت الاحتلال, كي لا يشملنا النسيان.
بعض الدول العربية ومعها منظمة التحرير التي لم تحرز شيئا من اتفاقات كامب ديفد ولم تكن مطلوبة للمشاكة فيها ,شكلوا جبهة الصمود والتصدي العربية وشارك فيها المنظمة وسوريا وليبيا والجزائر والعراق وجمهورية اليمن الديموقراطية
وعقدت قمة بغداد 1978م بغياب مصر وعزلها , القمة التي رفضت نهج السادات .
ولان المنظمة اعلنت موقفا رفضيا,وامام خطورة خطوة السادات,وفي ظل التفاعلات العربية لمواجهة نهج كامب ديفد, عاد التقارب مرة ثانية بين فريق الرفض الفلسطيني وفريق القبول وبوساطة ليبية وعربية, وعقدت على اثرها الدورة الرابعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في دمشق من 15-22|1|1979 وجاء في قرارات المجلس تحت عنوان البرنامج السياسي:
"ان التسوية الامريكية للصراع العربي الصهيوني التي تجسدت في اتفاقيات كامب ديفد ,تشكل اخطارا مصيرية على قضية فلسطين وقضية التحرر الوطني العربية ,فهي تسلم للعدو الصهيوني بمواصلة اغتصاب التراب الوطني الفلسطيني,وتلغي حق الشعب الفلسطيني الثابت في وطنه فلسطين وحقه في العودة اليه وتقرير مصيره ومماسة استقلاله الوطني فوق ارضه ,وتفرط بأجزاء أخرى من الارض العربية وتتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية قائد الكفاح الوطني لشعبنا وممثله الوحيد الناطق باسمه والمعبر عنه."
وجاء في المجال السياسي "1- التمسك بالحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا في وطنه وحقه في العودة اليه وتقرير مصيره على ارضه دون تدخل خارجي واقامة دولته المستقلة فوق ترابه الوطني دون قيد او شرط "ونشير هنا الى مرونة كبيرة قد استجدت في تعريف عبارة ارضه وعبارة ترابه الوطني ,حيث بقيت نفس الكلمات من اجل تضليل الجماهير وتغير معناها بحيث تكون مقبولة من اسياد التسويات وعرابيها ,لتعني الضفة والقطاع كما تحددت لاحقا.
وتعرض في النقطة الثانية للدفاع عن منظمة التحرير.وفي الثالثة دعى لتصعيد الكفاح المسلح .واستمر في النقطة"5-رفض ومقاومة مشروع الحكم الذاتي في الوطن المحتل لانه يكرس الاستعمار الاستيطاني الصهيوني"وفي نقاط لاحقة اكد على التمسك بفلسطين وطنا تاريخيا ...ومقاومة مشاريع التوطين.
وهنا لا بد ان نلاحظ ان هذه الصياغات هي التي استحوذت على الخطاب السياسي الفلسطيني منذ الدورة الثانية عشرة والتي أدت الى تمايز جبهة الرفض وتجميد مشاكارتها في اعمال المنظمة. وان الضغوط من اجل المصالحة كانت موجهة لجبهة الرفض من اجل الاقتراب من جبهة القبول التي سنسميها القيادة الرسمية للمنظمة من الآن فصاعدا.فهي(جبهة الرفض) وان كانت قد ابدت تحفظات الا انها مضطرة ان تراعي الموقف الرسمي للمنظمة التي تنتمي اليها.
لقد أخذ الوضع يتشكل على طريقة معارضة سلطة سواء بالمشاركة في اللجنة التنفيذية أو بدون هذه المشاركة .ان هذا قد زاد الامر خطورة .مع ملاحظة ان اللغة قد تأثرت شكليا بحضور الرفض وبما لا يحدث تغييرا في الاتجاه الذي تشكل فعلا وترسخ مع الايام منذ النقاشات حول التسوية,التي دارت قبيل انعقاد الدورة الثانية عشرة التي اسلفنا عنها.
ونلفت الانتباه في تتبعنا لما جاء في القرارات الى مسألتين:الاولى ان العبارات التي استجدت في الدورة الثانية عشرة(سلطته الوطنية المستقلة والمقاتلة) قد خففت كثيرا في الدورة الرابعة عشرة, اقترابا من نهج التسوية, وتعميقا لتأهيل المنظمة للمشاركة بها , واحيطت ببعض الصياغات القديمة مثل الكفاح المسلح والتمسك بفلسطين وطنا تاريخيا....والثانية:"رفض ومقاومة مشروع الحكم الذاتي في الوطن المحتل لانه يكرس الاستعمار الصهيوني لفلسطين" وذلك ارتباطا بالمناخات السائدة عند قوى الرفض العربي. ونؤسس هنا ان هذا الرفض قد تلاشى لا حقا, وان القيادة الرسمية قد قبلت حكما ذاتيا بما هو ادنى من اتفاقية الاطارهذه, بما يؤكد ان نهج القيادة قد انتقل نوعيا من خط الكفاح الثوري من أجل التحرير الى البحث عن تسوية بأي ثمن منذ ما قبل الدورة الثانية عشرة, حيث تجسد ذلك لاحقا في اتفاقات اوسلو وما تلاها .
ومع ان قوى الرفض قد شاركت في دورة المجلس ال14, الا ان اللجنة التنفيذية الموروثة من الدورة السابقة قد بقيت على حالها دون ان تشارك بها .
وقد اتسمت الدورة الخامسة عشرة اكثر من غيرها بالمتناقضات بين الموقف الجديد الذي ازداد وضوحا ورسوخا و والموقف القديم الذي ما زال له درجة من الحضور والثبات.
سميت الدورة الخامسة عشرة المنعقدة في دمشق (11-19|4|1981م دورة الوحدة الوطنية حيث حضر الجميع ,ولذلك ظهرت نغمة جديدة بشأن كيفية اتخاذ القرار في الهيئات الفلسطينية .
فبحضور الجميع هذه المرة تم اقرار ذات القرارات التي انقسمت المنظمة بسببها ودون احداث أي تغيير بل وبصيغ اكثر مرونة مع العدو مما كان عليه الحال في الدورة الثانية عشرة التي ادت قراراتها الى تشكل جبهة الرفض .حيث ورد في الشؤون السياسية نقطة رقم 1-" جدد المجلس تبنيه البرنامجين السياسي والتنظيمي المقررين في الدورة السابقة "ثم ثبت رسميا مسألة جديدة في سياق تعريفه للقيادة الفلسطينية وبعبارات مراوغة واسترضائية الغى رسميا قاعدة جماعية القرار التي كانت متعارف عليها في مرات سابقة وثبت قاعدة سلطة معارضة وهذا حصل في دورة الوحدة الوطنية التي تدخلت دول عربية من اجل انجاحها وتحت عنوان الوحدة الوطنية حيث جاء في بند أ-"ان القيادة الفلسطينية قيادة جماعية بمعنى ان القرار مسؤولية الجميع سواء من حيث المشاركة في اتخاذه او تنفيذه على اساس ديموقراطي بألتزام الاقلية برأي الاكثرية طبقا للبرنامج السياسي والتنظيمي وقرارات المجالس الوطنية ".
هنا فان هذا النص يستهدف الزام كافة تلاوين المنظمة بقرارات القيادة المتنفذة وهذا الحال مع هذه القيادة يصعب احتماله كما سنرى بعد ان خرجت القيادة الرسمية من بيروت وبعد الاقتتال الفلسطيني اثر انشقاق فتح بعد عامين .
ان مناخات الدورة الخامسة عشرة تقريبا هي مناخات ما بعد كامب ديفد ,حيث تفرد السادات بالتفاوض مع اسرائيل, وهو القوة الرئيسية في الجانب العربي ,تاركا الباقي عراة, مما اثار حفيظة الجميع سواء القابلين او الرافضين كل لاسبابه.وبالتالي كان الخطاب السياسي العربي اكثر ميلا الى الرفض لفظيا على الاقل مما سيعكس نفسه بكل تاكيد على خطاب المجلس علما انه منعقد في سوريا .ولهذا امتلأت القرارات بمناهضة الامبريالية والصهيونية مع بقاء الابواب موربة.
فقد جاء في المجال العربي"تعزيز وتدعيم جبهة الصمود والتصدي وتوسيع قاعدتها على اساس مقاومة مخططات التسوية الامبريالية الصهيونية" وفي ذات الوقت اكد المجلس كما اسلفنا على برنامج الدولة والعودة وتقرير المصير الذي هو برنامج تسوية .وقد ثبت للتسوويين بعد السادات انه لا تسوية الا التسوية الامريكية .
وبخصوص الارض المحتلة قرر المجلس "دعم بناء الجبهة الوطنية الفلسطينية داخل الوطن المحتل وتعزيزها باعتبارها الذراع الاساسي الفعال لمنظمة التحرير الفلسطينية في توجيه نضالات شعبنا السياسية والجماهيرية في الارض المحتلة ...:
وبشأن التصالات التي كانت جارية بين افراد وجماعات فلسطينية واسرائيليين فقد قرر المجلس توجيه هذه العلاقات "ويدين أي اتصال يجري مع الاطراف التي تنتهج الصهيونية عقيدة وممارسة"(علما ان الكثير من العلاقات مع الصهاينة كانت بمعرفة قيادة المنظمة ,ثم قامت قيادة المنظمة نفسها بدخول سرداب هذه العلاقات ولا تزال عالقة به حتى الآن).
سنتتبع في مكان آخر دفق الاموال الذي انهال على قيادة المنظمة بشكل تصاعدي وخاصة بعد الطفرة النفطية عام 1974 وبعد قرار الممثل الشرعي والوحيد ثم تصاعد الدفق اكثر فاكثر بعد ذهاب السادات الى القدس ومرحلة كامب ديفد .ولكننا أخذنا نرى آثار ذلك من خلال قرارات المجلس ومن خلال ميل قيادة المنظمة للتصرف بوصفها دولة, بينما الوضع الفلسطيني لا زال في مرحلة الثورة .فقد تقرر صرف مئات الملايين من الدولارات للمنظمة كما تقرر دعم صمود اهالي الارض المحتلة بملايين أخرى ,علما ان آليات صرف اموال كهذه تتطلب موافقة ومشاركة الاردن ,وكي تدخل الاموال الى المستفيدين يحتاج الامر الى موافقة السلطات الاسرائيلية, وقد وافقت هذه على آليات تكون فيها الاردن طرفا اساسيا وان يكون الصرف والادخال بعلمها واطلاعها, وذلك كي يمكن ادراجه في موازنات المؤسسات التي تخضع موازناتها للرقابة الحكومية او اموال المشاريع التطويرية في القرى والمدن .من أجل ان تكون المنظمة حاضرة على صرف وتوزيع هذه الاموال قرر المجلس الوطني الفلسطيني ان المنظمة هي المسؤولة الوحيدة عن صرف الاموال "على ان تقدم السلطات الاردنية كافة التسهيلات الادارية اللازمة لتوصيل هذه الاموال.."وفي حقيقة الحال تشكلت اللجنة الاردنية الفلسطينية المشتركة لدعم الصمودوبرأسين احدهما اردني والثاني فلسطيني .
كما افتتحت دائرة الوطن المحتل كعنوان وضمن الآلية التخضيرية, واصبحت هي بنفسها جهة صرف, بالاضافة الى مؤسسة اسر الشهداء التي كانت تنفق استحقاقات المعتقلين والشهداء والجرحى ثم وسعت دائرة عملها واصبحت تنفق لاسباب متعددة , واصبحت دوائر المنظمة المختلفة عناوين صرف مساعدات لاهالي الارض المحتلة.هنا انفتح باب جديد مضاد للاصول. فبدلا من ان يتكفل الشعب بالانفاق على الثورة اصبحت المنظمة عنوان مساعدة الافراد الذين يطرقون بابها والذين يجدون التسهيلات اللازمة للوصول الى المسؤولين.لقد مارست الثورة دور الدولة وهي لم تكن دولة وكل مصادرها المالية الضخمة هي مساعدات وتندرج في الغالب تحت بند" يدفعون ويحرفون" ,ثم يعوضوا تخاذلهم عن الوقوف في وجه امريكا واسرائيل بالتقدمات المالية الجزيلة .
في سنة 1981 طرح الامير فهد مشروعا لحل النزاع العربي الصهيوني عرف باسمه ,وذلك في ظل مناخات تتحدث عن استعدادات اسرائيلية لضرب الوجود الفلسطيني في لبنان وطرد الثورة من هناك ,وفي سياق تداعيات عربية وفلسطينية للتعامل مع هذه الامكانية الداهمة.
ان طرح مشروع عربي أمر مرحب به امريكيا واسرائيليا ,ليس لأنهم سيأخذوا به ,بل لانه يتضمن مواقف تخدم فكرة وجود اسرائيل والاعتراف بها على مستوى السياسة العربية والعقل العربي ,وتمثل خطوة في الاتجاه المرغوب .
وكي نفهم قيمة هذا الامر بالنسبة لاسرائيل ,يمكننا تتبع الموقف العربي مثلا منذ قمة الخرطوم عام 1967 حيث اللاءات الثلاث "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض "وشعار" ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة " واستمرار شعار وجوب "تحرير فلسطين من النهر الى البحر" ونقارن ذلك بما يرد في المشاريع العربية المتلاحقة كي نلحظ الايجابيات الكبيرة في المبادرات العربية لصالح اسرائيل .
مثلا ورد في مشروع الامير فهد نقطتين فيهما جديد هما: النقطة رقم اربعة والتي جاء فيها "تاكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة وتعويض من لا يرغب في العودة" الشق الثاني من العبارة هو الامر الجديد الذي تغير,حيث كان الموقف (حق جميع اللاجئين في العودة الى مدنهم وقراهم التي هجروا منها)ولكن مشروع فهد يفتح الباب لامكانية التعويض بدلا من العودة .
وكذلك النقطة السابعة"تاكيد حق دول المنطقة العيش بسلام" وهذا لا يقصد منه تاكيد حق السعودية في العيش بسلام ولا حق أي دولة عربية, انما هو حق اسرائيل في العيش بسلام وبلسان العرب,وهذا يعني الامتناع عن محاربتها والاعتراف بحقها في الوجود على الارض الفلسطينية بقرار عربي, كما تكرر ذلك في القمم العربية اللاحقة.
ان العرب يطرحون مبادراتهم تساوقا مع طروحات واغراءات كاذبة ولفظية, وفي ظل مناخات التراجع العربي, وبديلا عن اتباع وسائل اخرى للضغط على اسرائيل ومن معها ,لابداء تنازلات من جانبها .
انها مبادرات حسن النية ظاهريا, وهي اعلان ر سمي بقبولهم لاسرائيل ومشروعها , وهي تطبيع وتثقيف للعقل العربي عموما والفلسطيني خصوصا للتعامل مع المشروع الصهيوني وكانه لا راد له, وتغييب الشعارات والمواقف الوطنية التي ترى اسرائيل مغتصبة للارض الفلسطينية, بل وتعترف باسرائيل اعترافا حقوقيا وسياسيا.
ان الاعتراف باسرائيل تطوعا وتعبيرا عن حسن النية وخارج صفقات تنفيذية مباشرة يعني الاعتراف بالمشروع الصهيوني الاساسي, و بوجود اسرائيل, وحقها بالاستيطان وجلب المستوطنين الجدد, والاستيلاء على اراضي جديدة من اجل اسكان المستوطنين الجدد ..يعني قبول تواصل المشروع الصهيوني. وهذا امر مرحب به اسرائيليا ويشجعه البيت الابيض. أحيانا تتلطف الدوائر الغربية وتعلن اشادتها بفكرة المبادرة ولكنهم يعتبرونها غير كافية ,و تعلن اسرائيل انها فكرة خطيرة على امنها,علما انها(أي المبادرة)تكون مرتبة كخطوة تنازلية عربية باتجاه اسرائيل.( علما ان العقل العربي مستعد لتقبل افكارمعينة لان اسرائيل ترفضها او تقول عنها انها خطرة عليها).ثم تاتي مبادرات لاحقة تبدأ من المبادرة التي سبقتها وتؤكد على الحقوق الوطنية وتتنازل خطوة اخرى في مسار هابط.
ان المبادرات العربية كلها التي طرحت تندرج في هذا السياق وهي تعزز الوجود الصهيوني ولا تلبي المطالب الفلسطينية كما اقرها الميثاق الوطني الفلسطيني في حينه.
ثم وقعت حرب 1982 على لبنان وكان لها تداعياتها وآثارها,وكان لخسران لبنان انعكاسات كثيرة على المواقف الفلسطينية بما فيها قرارات المجلس الوطني في دورته بعد بيروت.
لقد جاءت قرارات الدورة السادسة عشرة في الجزائر من 14-22|شباط|1983منسجمة مع الاوضاع التي سبقتها وتؤكد على القرار المستقل للمنظمة ,وتؤكد على" ضرورة تطوير وتفعيل الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني ....من جميع الجبهات العربية كما يؤكد على ضروة توحيد قوات الثورة الفلسطينية في اطار جيش تحرير وطني موحد "
وهنا لا بد من الاشارة الى ان الجبهات العربية من الخارج كلها اصبحت مغلقة امام ما كان يعرف بالعمل الفدائي وامام القصف الحدودي الصاروخي .
اما تطوير وتصعيد الكفاح المسلح فكانت جملة ثورية تنطوي على شيء من العزاء لا اكثر ,ان لم تكن من باب المزايدات في غير محلها,ذلك ان القيادة الرسمية لا تريد ان تتعارض مع أي من النظم العربية الحدودية ,وليست بصدد أي تصعيد من أي نوع.
ولاول مرة يخصص بند لفلسطينيي 1948م واكد على اهمية التنسيق مع القوى اليهودية وفقا لما جاء في بند (14)في الدورة الثالثة عشرة .
وطرح المجلس نقطة جديدة كموقف من مشروع فهد الذي اصبح قرارا في قمة فاس مع تعديلات .فبعد الرفض في مرحلة سابقة اصبح القرار"يعتبر المجلس الوطني الفلسطيني قرارات قمة فاس الحد الادنى للتحرك السياسي للدول العربية الذي يجب ان يتكامل مع العمل العسكري بكافة مستلزماته..."ان اضافة التكامل مع العمل العسكري لم تكن عبارة جدية, فالدول العربية ليست بصدد القيام بعمل رعسكري ضد اسرائيل, بل بصدد اقامة سلام معها, ويفترض ان يكون القاريئ العربي قد تعود على مثل عبارات التضليل هذه ,فالمجلس الوطني الذي بالكاد يقرر في الشأن الفلسطيني لقيادة تستعمله ولا تلتزم بقراراته كما سنرى لاحقا ,هذا المجلس لا يقرر للانظمة العربية بل يتساوق مع رغباتهامن الآن فصاعدا.
وفي شأن العلاقة مع الاردن "ويرى المجلس الوطني ان تقوم العلاقة المستقبلية مع الاردن على اسس كنفدرالية بين دولتين مستقلتين "بعد ان كان رفض المملكة المتحدة.
ومن الاهمية بمكان ان نرى كيف عالجت قرارات المجلس الوطني العلاقة مع النظام المصري حتى تاريخه, وسنرى لاحقا كيف تبخر هذا الموقف .ففي شأن العلاقة مع مصر "يؤكد المجلس الوطني الفلسطيني رفضه لاتفاقات كامب ديفد وما يرتبط بها من مشاريع الحكم الذاتي والادارة المدنية ...والوقوف جانب نضال الشعب المصري وقواه الوطنية لانهاء سياسة كامب ديفد وحتى تعود مصر...ويدعو المجلس الوطني اللجنة التنفيذية الى تحديد العلاقة مع النظام المصري على اساس تخليه عن سياسة كامب ديفد"وكانت هذه آخر مرة يتخذ فيها المجلس قرارا بهذه الصورة رغم ان مصر لم تتخل عن سياسة كامب ديفد ولا عن ذيولها وامتداداتها كما قال المجلس .
وأيد المجلس مشروع بريجينيف الصادر في 16|8|1982اي بعد القضاء على الثورة في لبنان, وفي نفس الوقت اعلن رفضا مخففا لمشروع ريغان .حيث اعلن"المجلس الوطني رفض اعتباره اساسا صالحا للحل العادل والدائم لقضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني"ثم اعلن المجلس"التصدي للامبريالية الامريكية وسياساتها باعتبارها تقف على رأس المعسكر المعادي لقضايانا العادلة ولقضايا الشعوب المناضلة "ولم يقل كيف سيتصدى,وهي عبارة عن لفظة للديكور.
ان مشروع ريجان جاء عبارات تعويضية على الاغلب بعد الخروج من لبنان وليس بهدف التطبيق بحال من الاحوال.
تفسخ جديد
بعد هذه الدورة عادت دورات الانشقاق والافتراق الفلسطيني مرة أخرى اثر انشقاق فتح وتبلور مواقف جديدة لرئيس المنظمة بما فيها زيارة القاهرة .
انعقدت الدورة السابعة عشرة في عمان ولاول مرة منذ ما بعد ايلول 1970م وبعد انشقاق فتح والحرب الفلسطينية الفلسطينية في لبنان وبعد مغادرة عرفات لبنان وزيارته لنظام كامب ديفد منقلبا على كل القرارات والمواقف آنفة الذكر .
لقدأحدث عرفات نقلة نوعية أخرى في تفرده وانقلابه على قرارات الهيئات القيادية للمنظمة ,وأحدث تغييرا جوهريا في علاقات ومواقف المنظمةاستمرت في التبلور لاحقا وصولا الى اوسلو وملحقاته.
في هذه المناخات وفي ظل مقاطعة الشعبية والديموقراطية وغالبية الفصائل عقدت الدورة السابعة عشرة في عمان في تشرين ثاني 1984 وسميت دورة القرار المستقل.وعلى الاغلب كانت هذه الدورة تنحو نحو الاستقلال عن قرارات الدورات السابقة والاستقلال عن الفصائل الاخرى في اتخاذ القرارات في المجلس الوطني .وفي هذا الصدد عرف المجلس الوطني الوحدة الوطنية بأنها" وحدة الشعب اولا داخل وخارج الارض المحتلة"وكرر الحديث عن الوحدة الوطنية وأشاد باتفاق عدن الجزائر الذي لم ير النور واشاد بالحوارات من اجل الوحدة الوطنية وفي نفس الوقت كانت الدورة انشقاقية.
بعد ذلك احدث انقلابات اخرى ففي بند 2-"ان المجلس الوطني اذ يعتبر ان تقرير المصير والعودة ,واقامة الدولة الفلسطينية هي المدخل والاساس لاي تحرك سياسي عادل لقضيتنا ,فانه يؤكد قراراته في دواته السابقة حول موقفه من قرار242 ,الذي لا يتعامل مع قضية شعبنا كقضية شعب وحقوقه وانما كقضية لاجئين ويتنكر لحقوقنا الوطنية..." هنا قدم صياغة في غير مكانها لاحداث تغيير معين باتجاه التأهل لدخول التسوية وتقديم تنازل بالقول ان "شعار تقرير المصير والعودة واقامة الدولة "هي مدخل لأي تحرك سياسي بدلا من الصياغات السابقة التي كانت تنص على" التمسك بالحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا "
ويكمل "....وهو يرى ان أي حل لقضية فلسطين لا يحقق الا وفق الشرعية الدولية,وعلى اساس قرارات الامم المتحدة المتعلقة بفلسطين,وفي اطار مؤتمر دولي تشترك فيه الدولتان العظميتان تحت رعاية الامم المتحدة ومجلس الامن وبحضور كافة الاطراف المعنية بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية وعلى قدم المساواة"
هذه خطوة نوعية أخرى باتجاه التأهيل الامريكي المطلوب حيث نلاحظ هنا :
1-ان الحل حصرا من وجهة النظر المقرة هو بالشرعية الدولية ,وحيث اننا لا نلزم الشرعية الدولية والمجتمع الدولي فهذه الصيغة من اجل القول اننا انقلبنا على مقرراتنا السابقة التي كانت تحصر الحل في الكفاح المسلح وتتحسس من شعار ازالة آثار العدوان الذي يتجاهل فلسطين المحتلة عام 1948 م .
2- ان هذه الصيغة تعرف فلسطين والتراب الوطني بانه اراضى الضفة والقطاع .وعبارة على اساس قرارات الامم المتحدة المتعلقة بفلسطين ووفقا للقرار 242 ليس كل الضفة والقطاع بل اراضي..
3-الاعتراف بأحقية اسرائيل في الوجود والجلوس على طاولة المفاوضات في اطار مؤتمر دولي(تأهلت المنظمة للمؤتمر الدولي بصيغة اخرى بعد سبع سنوات)
وتجاه الاردن كان القرارمثيرا كذلك "ضرورة تمتين العلاقات للتحرك المشترك.."علما ان القرارات السابقة لا للمشاركة ولا للانابة ولا للتفويض.
والنقلة الاخرى كانت بالانقلاب على مقررات المجلس بخصوص مصر علما ان الموقف المصري لم يتغير قيد انملة .وكان عرفات قد زار القاهرة واتهمته الفصائل الفلسطينية بشتى التهم .وهو بذلك ضرب قرارات المنظمة وقرارات" الجبهة القومية للصمود والتصدي" وكسر حاجز المقاطعة المضروب حول مصر.
فجاء حول مصر"ان المجلس الوطني الفلسطيني آخذا بعين الاعتبار :
1-اهمية مصر العربية ومكانتها الدولية ودورها التاريخي في نصرة الشعب الفلسطيني ...
2-الخسارة الفادحة الناتجة عن خروج مصر من العمل الجماعي...
3-التطورات والمستجدات الهامة في السياسة المصرية خاصة فيما بين دورتي انعقاد المجلس الوطني السادسة عشرة والسابعة عشرة ومنها توجه مصر المتنامي لتأييد اهداف الشعب الفلسطيني .
5-مسؤولية متف في رعاية امور ابناء فلسطين المقيمين في مصر وفي تعزيز علاقات الاخوة...
يقرر المجلس :
الطلب الى اللجنة التنفيذية انتهاج سياسةتجاه مصر تتفق وهذه الثوابت ."
هذا انقلاب في النهج على القرارات السابقة تجاه" نظام كامب ديفد" كما كان يسمى و التي كانت تمثل الاجماع الفلسطيني في حينه,لانه غادر الصف الوطني العربي وتخلى عن القضية الفلسطينية عموما وتخلى عن قطاع غزة الذي يتحمل هو مسؤولية سقوطه بيد الاحتلال الاسرائيلي عام 1967 .
ولكن ليس هذا كل شيء:فالاساس ان هذه الخطوة هي انتقال الى معسكر قوى التسوية الى معسكر كامب ديفد والرجعيات العربية انتقالا جذريا دون ان يصبح شريكا في التسوية بعد (كل هذا تعبيرا عن الاستعداد وحسن النية)
ونظرا لانه لم يعد الخارج قادرا على ممارسة دور كفاحي ولو بادنى الحدود فقد كثرت في قرارات المجلس على غير العادة عبارات الاعتزاز باهالي الارض المحتلة في 1948 و1967 والمعتقلين في السجون الاسرائيلية .وكثر الحديث عن ضرورة مساندتهم والدفاع عنهم بكل ما اوتيت المنظمة من الفاظ وعبارات وبيانات .
]لا بد ان نستذكر هنا ما تبقى من الهيئة العربية العليا بعد النكبة, ولانه لم يكن لها دور قيادي ولا كفاحي تجاه الاراضي الفلسطينية واللاجئين, كيف كانت تشغل نفسها باصدار المواقف والبيانات.[
لقد انشقت المنظمة اثر زيارة مصر وتجسد الانشقاق بعقد دورة المجلس التي غاب عنها معظم القوى الفلسطينية .وجائت القرارات لتزيد الطين بلة.ثم وبعد شهور قليلة في شباط 1985 عقدعرفات منفردا اتفاق شباط مع الملك حسين وعبر بذلك عن موقف منسجم مع نفسه ومع النهج السياسي الذي التزمه وان كان بهذا يخالف كل النهج الفلسطيني والقرارات الوطنية التي اقرها المجلس الوطني في دوراته المتعاقبة .
قد لا يلحظ القاريء عبارات محددة في اتفاق عمان, صاخة بهذا الشكل او ذاك, وانما هي وانسجاما مع قرار المجلس في الدورة السابعة عشرة حول العمل المشترك والتي تعني المشاركة أي المشاركة في تمثيل الفلسطينيين "ضمن وفد مشترك"كما جاء في بند رقم خمسة .ومن جهة اخرى هناك ضبابية في بند رقم ثلاثة "حل مشكلة اللجئين الفلسطينيين حسب قرارات الامم المتحدة"وذلك بدلا من صيغة عودة اللجئين الى مدنهم وقراهم المعتاد سابقا.
وبسبب الخلافات الواسعة وبسبب من عدم قدرة عرفات على اخضاع كوادر مهمة من فتح لهذه الخطوة ونتيجة لحوارات متصلة وضغوطات من وساطات عربية جزائرية وليبية ومن جنوب اليمن اعلن الملك في شباط 1986 وقف التنسيق السياسي مع المنظمة وقررت اللجنة التنفيذية على ضوء ذلك لنه"لم يعد الاتفاق قائما على ارض الواقع فانها(المنظمة)تعتبره لاغيا"
وفي الدورة الثامنة عشرة المنعقدة في الجزائر في 20-25|4|1987م اكد المجلس على التمسك بالحقوق الثابتة للشعب العربي الفلسطيني في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة المستقلة فوق التراب الوطني ...و 2-"التمسك بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ورفض التفويض والانابة والمشاركة في التمثيل الفلسطيني ورفض ومقاومة أي بدائل عن المنظمة "
و3-"...رفض الوصاية والالحاق والتدخل في شؤونها (المنظمة).
ثم عاد واكد على قرار الرباط وقمة فاس وايد"عقد المؤتمر الدولي في اطار الامم المتحدة وتحت اشرافها "
لقد أخذ المجلس منحى جديدا بتكرار صيغة المؤتمر الدولي, مبديا لهذا الطرح وكانه موقف اعتراضي على امريكا والمشاريع المختلفة ,ولكنه في حقيقة الامر كان تجريعا تدريجيا لما سيأتي بعد وكما سنلاحظ في الدورة التاسعة عشرة.
في الدورة التاسعة عشرة ازيحت الصيغ المبطنة والمشنشلة باللفظية الثورية والمعاني المتعددة ,بل وتم استغلال مناخات الانتفاضة المجيدة والحالة العاطفية نحو جماهير الانتفاضة وبطولات الشعب, والنزوع الوحدوي لقوى الخارج, التي سارعت جميعها لتأييد الانتفاضة, وسارع البعض للادعاء انه صنعها كما لو كانت عبوة ناسفة فاسدة من تلك التي كانوا يصنعونها.
في ظل هذه المناخات عقدت الدورة التاسعة عشرة في الجزائر في 12-15|تشرين ثاني 1988م واتخذت قرارات هي في مجملها كما سنرى جواز سفر لدخول ملعب التسوية السلمية التي ظل المجلس يكرر رفضه لها بل ويعبر عن اسباب هذا الرفض والتي لم تزل وقرر:
في مجال تصعيد الانتفاضة واستمراريتها ...و- "دعوة الامم المتحدة الى وضع الارض الفلسطينية المحتلة تحت اشراف دولي لحماية جماهيرنا ولانهاء الاحتلال الاسرائيلي "وهذا يتعارض من حيث المبدأ مع قرار رفض الوصاية ثم" في المجال السياسي
...يؤكد عزم منظمة التحرير على الوصول الى تسوية سياسية شاملة للصراع العربي الاسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية في اطار ميثاق الامم المتحدة ومباديء واحكام الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة وآخرها قرارات مجلس المن الدولي 605, 607 ,608 وضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره عملا بمباديء واحكام الامم المتحدة بشأن حق تقرير المصير
1-ضرورة انعقاد المؤتمر الدولي الفعال الخاص بقضية الشرق الاوسط وجوهرها القضية الفلسطينية تحت اشراف الامم المتحدة ...آخذين بعين الاعتبار ان المؤتمر الدولي ينعقد على قاعدة قراري مجلس الامن 242, 338 .
2- انسحاب اسرائيل من جميع الاراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها منذ عام 1967 بما فيها القدس العربية .
4-السعي لوضع الاراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس العربية تحت اشراف الامم المتحدة.
5-حل قضية اللاجئين وفق قرارات الامم المتحدة الخاصة بهذا الشأن"
وهنا نلاحظ ما يلي:
1- ان المنظمة قدمت مشروعا للحل حددت فيه سقف مطالبها وهذه الاهمية الاساسية للمشروع .فهي حددت قبولها بالتسوية السلمية على قاعدة قرارات الامم المتحدة كما وصفت اعلاه بما فيها قرار 242 الذي اعلن رفضه في كل تصريحات القيادات,وحددت قبولها بدولة في الضفة والقطاع .ونستذكر هنا صيغة قرارات المجلس حول هذين العنوانين في دورته الثامنة والتي استخدمت بصيغ مختلفة في العديد من الدورات حيث اصرت قرارات الدورة الثامنة وبنفس ابطال الدورة التاسعة عشرة على ان"الحل الوحيد للقضية الفلسطينية,هو تحرير التراب الفلسطيني كاملا بقوة السلاح وأ- النضال دون هوادة ضد جميع المحاولات والمساعي والمؤامرات والقوى ,التي تستهدف وقف مسيرة الثورة ...ب-الوقوف بحزم ضد دعاة اقامة دويلة فلسطينية فوق جزء من التراب الفلسطيني وعلى اعتبار ان السعي لاقامة مثل تلك الدولة انما يقع في اطار تصفية قضية فلسطين".
وهنا نرى بسهولة الحجم الهائل للانقلاب الذي تحقق ,وما كان هذا الانقلاب ليتحقق وباسم الشعب الفلسطيني في ظل حركة وطنية فلسطينية قوية في الخارج وتمارس النضال المباشر ضد العدو, ولو كانت الحركة الوطنية العربية فعالة و قادرة على قول كلمتها بفاعلية , ولو لم تكن القيادة المتنفذة قد تماهت مع وضع التراجع العربي والهزائم المتكررة التي عانت منها دول الطوق,ولولا انكسار العمل الفدائي في الاردن وخروج دولة الفاكهاني من لبنان .من هنا تمكنت مناخات الرجعية العربية من احتواء القيادة ودمجتها في النظام العربي المتهالك على التسويات .هذا مما سهل عمل عرابي التسوية ومما جعل اغتيال بعض القيادات " خرزة في ساق الذئب"
2-تحدد في النقطة رقم اثنين وعلى لسان المجلس ان مقولة "التراب الوطني الفلسطيني" و"كامل التراب الفلسطيني" تعنيان الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967م ولم يعد هناك مجال للتمويه.
3-الاعلان الصريح عن قبول قرار مجلس الامن 242 الصادر عام 1967,والذي وصفته نفس القيادات التي قبلته بأنه يستهدف تصفية القضية الفلسطينية ويتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني كما لاحظنا في الصياغات التي ابرزناها سابقا,وهنا في هذه النقطة نلاحظ ان فتح هي التي تبادر للتساوق مع مناخات التسوية ومن خلال قيادتها وبالرغم من الفاظ المعارضة التي يبديها اعضاء اللجنة المركزية بعيدا عن ابو عمار بل وضده واحيانا بالفاظ غير لائقة والفاظ لم تستعملها المعارضة .
(سنعود لامور حصلت قبل الدورة لاحقا)
ثم جاءت الدورة العشرين في الجزائر 23-28|ايلول 1991م حيث تم تعويم عضويتها بما مكن القيادة من اتخاذ الخطوات العملية في مسار التسوية الذي بدأت تتأهل له منذ عام 1974 م دون فائدة
وبعد ان كان المجلس يبادر الى اعلان رفض المبادرات بادر هذه المرة الى قبول كل المبادرات المطروحةحيث قال: "وانسجاما مع مبادرة السلام الفلسطينية سنة1988 والشرعية الدولية تعاملت منظمة التحرير بشكل ايجابي وفعال مع الافكار والمقترحات والمبادرات الدولية السلمية التي استمدت الشرعية الدولية ,كما رحبت بالعناصر الايجابية التي وردت في اعلان الرئيس الامريكي جورج بوش ومواقف المجموعة الاوروبية والاتحاد السوفييتي ودول عدم الانحياز وغيرها من الجهات الدولية."هنا وبدلا من ملاحظة الالغام في هذه المبادرات كما هو الواجب لاحظت هذه المرة العناصر الايجابية ولم تذكرها ثم
قبلت دعوة بوش وغورباتشوف "لعقد مؤتمر السلام الخاص بتسوية الصراع القائم..."وذلك بستة شروط تم حشدها من اجل استقطاب المصوتين ومن خلال مساومات مع بعض القوى التي كانت ترفض التصويت بالموافقة من اجل اعطائها مسوغا لرفع الايدي لا غير ,وهي شروط مستمدة من الخطاب الفلسطيني الدارج ولم يكن هناك اية قيمة عملية لذكرها حيث ما ان انتهى التصويت على الفقرة حتى خرج الناطق الرسمي باسم المنظمة الى الباب وصرح للصحفيين بان المجلس وافق على الذهاب لمؤتمر السلام ولم يذكر أي من الشروط ,وكان هذا بشكل فوري.
وقد سلم المجلس الوطني صلاحيات المتابعة لمسألة مؤتمر السلام للمجلس المركزي على اعتبار ان المركزي سيتابع الشروط .وفي المركزي حاول القفز عنها ولكن الخيرين من اعضاء المجلس تمكنوا من تثبيت ثلاثة منها ليتم تجاوزها لاحقا .بعد ذلك انعقد مؤتمر مدريد وشاركت فيه المنظمة بوفد مشترك مع الاردن من وجهة نظر المنظمة, ومن خلال الوفد الاردني حيث قصد ذلك ,ثم الى مفاوضات واشنطن التي لم تحقق نتيجة ,ووجد الاطراف ملجأهم في اتفاقات اوسلو التي وصفها بيكر وزير الخارجية الامريكية بانها استهدفت "جعل الامن الاسرائيلي هما فلسطينيا"حيث استمر التفسخ والانشقاق وسنتابع ذلك لاحقا
المصادر تأتي لاحقا
القسم الثالث
#محمود_فنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟