|
الاستفتاء على كركوك بين الشرعية الدستورية والاستحالة العملية/ج3
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 3535 - 2011 / 11 / 3 - 00:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاستفتاء على كركوك بين الشرعية الدستورية والاستحالة العملية/ج3 علاء اللامي لا خلاف على أنّ الاستفتاء على مستقبل محافظة كركوك ورد حرفيا في المادة 140، وحتى الخلاف حول نفاد أو عدم نفاد مفعولية هذه المادة ليس مهما، إذْ يمكن أنْ يحال إلى المحكمة الاتحادية العليا للتبت فيه. الخلاف الحقيقي، الذي يرقى لدرجة جعل المادة مستحيلة التطبيق هو: ثمة من يرى، التحالف الكردستاني وحلفاؤه والتابعون له، أن هذه المادة واجبة التنفيذ بصرف النظر عن الملابسات والظروف الجغراسياسية المحيطة أو تلك الموروثة من السردية التاريخية والمجتمعية الكركوكية العريقة، ودون تحقيق التوافق بين الأطراف. وأن تنفيذها يتم عبر التطبيع الذي يشمل إعادة المهجرين "وهم من الأكراد مع القليل من التركمان" وطرد من يسمونهم الوافدين والغرباء "وكلهم من العراقيين العرب"، فإحصاء للسكان بعد تلاعب خطير في التركيبة السكانية، ثم استفتاء سكان المحافظة للتعبير عن "إرادتهم". وهنا تعترضنا عدة مشكلات حقيقية : أولا، إنّ عدم تحقيق التوافق الذي يرضي الجميع قبل الاستفتاء سيعني تغليب طرف واحد، هو الكردي، على الأطراف الأخرى، وفوزه بتقرير مصير المحافظة بفارق صغير في الأصوات قد لا يزيد على5%. معنى ذلك أنَّ نصف السكان تقريبا سيفرضون رأيهم وبالتالي سيادتهم القومية النصف الآخر تقريبا. "تقريبا" هذه سببها الـ 5%! هذه النتيجة ستعني تقسيم كركوك وإلى الأبد. ثانيا: إنّ إجراء الاستفتاء بمن حضر، ودون توافق، سيجابه بمقاطعة شاملة من المكونات الأخرى، ما سيفضي إلى نتائج ستؤدي تلقائيا وعمليا إلى ذات النتيجة أي التقسيم، وربما إلى مضاعفات وتداعيات أكثر خطورة. ثالثا: إنّ المادة 140 لم تحدد بدقة نوع الإرادة التي يجب أن يعبر عنها المشاركون في الاستفتاء. وبصدد هذه الثغرة الدستورية، كتب الدبلوماسي والأستاذ الجامعي د. مجيد العنبكي (لنركز على عبارة "لتحديد إرادة مواطنيها" إنّ النص لم يذكر لتحديد إرادة مواطنيها في أي مجال؟ لو كان النص قد ذكر صراحة لتحديد إرادة مواطنيها في الانضمام إلى إقليم كردستان من عدمه، لكانت المشكلة منتهية، ولكنه لم يشر إلى ذلك) باختصار: إن عدم التنصيص على المقصود بـ"إرادة المواطنين"، سواء في الانضمام إلى إقليم كردستان العراق أو عدمه، يعطي الحق لمن يرفضون إجراء الاستفتاء برفض التنصيص على تلك الصيغة من تحديد الإرادة قبل الاستفتاء. ويمضي المُفَسِّر مقترحا طريقتين لحل هذا الإشكال: الأولى، بطريقة المقارنة الدستورية النصية. أي بمقارنة النص الحالي بالنصوص ذات العلاقة في الدستور ذاته، و يجد ضالته في المادة 119 التي تسمح بإقامة إقليم خاص بكركوك بطلب من ثلث الأعضاء مجلسها أو عشر الناخبين فيها. وهذا حل قد ترفضه الأحزاب الكردية على اعتبار أنه لا يجوز دستوريا استبدال مادة دستورية بأخرى. إن عدم تحديد مغزى عبارة "إرادة المواطنين" يجعل تلك المادة غير قابله للتطبيق، وهذا ما قد يدفع الأطراف المتضررة، غير الكردية، إلى رفع الخلاف إلى المحكمة الدستورية ما قد يجعل الخلاف يدوم لعدة سنوات و ربما يتعقد دون آفاق. الطريقة الثانية للحل تكون ( بمعرفة نية المُشَرِّع الدستوري من خلال مَن شارك في وضع الدستور. حيث ينبغي اجتماع اللجنة التي وضعت الدستور مع البرلمان والخروج برأي موسع ومشترك يتم فيه شرح نية المشرع الدستوري في هذه النقطة ويكون ذلك ببيان دستوري يصادق عليه البرلمان والرئاسات الثلاثة) هذه الطريقة ستنتهي إلى ما انتهت إليه اللجان البرلمانية الأخرى، والتي شكلت لتعديل الدستور، فقد بقي كل طرف متمسكا بمكتسباته، فلا الأحزاب الكردية في وارد التخلي عن مكاسبها، ولا الأطراف الأخرى "ستبتلع" اقتطاع كركوك وضمها بكاملها إلى الإقليم الكردي والشطب على تعدديتها وتنوعها القومي والديني. نعتقد أن النتيجة الحتمية للثغرة الموجودة في هذه المادة تكمن في أمرين : الأول : إنها تجعل المادة مستحيلة التطبيق، وهي على هذا وبسببه، إما أن تبقى نصا ودون مفاعيل، وإما أن يبدأ الطرف الكردي بالتفاوض على جوهرها وهذا هو الحل الواقعي الأمثل لأنَّ ميزان القوى في العراق تغير تماما ولم يعد في قدرة المحتلين الأميركيين الضغط على الأطراف الأخرى لانتزاع مكاسب جديدة لصالح الأحزاب الكردية أو الحفاظ على المكاسب المنجزة والتي ستكون في مهب الريح في حال العناد والتطرف. يشجع على هذا الخيار واقع الحال الجديد للتحالف الكردستاني ذاته، حيث بدأ يعود إلى حجمه الطبيعي وينشغل بمشاكله الداخلية، وخرج قسم من الشبك واليزيديين والكلدان والآشوريون من هيمنته. إضافة إلى بروز معارضة كردستانية قوية وفعالة تنافس تحالف بارزاني وطالباني. إن إصرار الزعامات الكردية والنتوءات السياسية التابعة لها على القول بأن الفيصل بينهم وبين خصومهم هو الدستور، وأنهم لا يقبلون بديلا لهذا الفيصل والحَكَم، هو قول متعسف ولا قيمة دستورية له فصيغة الدستور الحالية ليست نهائية ولا هي نصا مقدسا ثابتا مثلها في ذلك مثل دساتير العالم القابلة للتعديل والتغيير. إن الدستور موضوع إشكالٍ وخلافٍ، وثمة لجان برلمانية عملت طويلا خلال عهدة البرلمان السابق ولم تصل إلى حلول نهائية. بمعنى أن الدستور الحالي يعتبر مشكلة بين الأطراف المتشاكلة، والمشكلةُ لا يمكن أن تكون حلا لمشاكل أخرى. الأخطر من ذلك، هو أنّ الطرف الكردي قد يواجه قريبا في البرلمان الاتحادي أغلبية عربية تعيد صياغة الدستور بكامله فماذا تفعل حينها؟ هل تعلن انفصالها وهي المحاطة بطوق من الأعداء المتربصين والذين ينتظرون تلك الخطوة ليجهزوا على جميع إنجازات الشعب الكردي؟ لقد كان ممكنا أن تكون لجنة تنفيذ المادة 140 مفيدة وخلاقة في تطبيقاتها لو أنها كانت محايدة تكوينا وممارسة، ولكنها للأسف بدأت برئيسها الأول "هاشم الشبلي" الذي أراد صادقا أن يكون محايدا فلم يفسح أحد له المجال للحركة. ولأنه لم يشأ أن يُرضي طرفا على حساب آخر، فقد ظلت اللجنة في عهده مشلولة تماما، وذلك لم يكن بخطأ منه ولكنَّ طبيعة المشكلة جعلت الأمور تأخذ هذا المسار، فإنْ لم تكن منحازا ومحميا من طرق أقوى لن تستطيع أن تفعل شيئا. ثم تسلم رئاستها وزير آخر هو رائد فهمي، فأخذت المشكلة تزداد تعقيدا فالرئيس الجديد قيادي في حزب منحاز تماما قولا وفعلا للتحالف الكردستاني و حزبه ممول من قبل الأخير علنا، وظل يطالب بأن تضخ بغداد ملياري دولار في صندوق اللجنة كتعويضات للمهجرين من كركوك وهو مبلغ ربما ناهز تعويضات الحرب العالمية الثانية بكاملها! لقد أوجد رئيس اللجنة الثاني، بانحيازه، الكثير من المشكلات الجديدة، لا بل أنه حاول افتعال مشاكل من ذات النوع عبر نقل ملف واصطلاح "المناطق المتنازع عليها" سيء الصيت إلى محافظات أخرى. تأملوا ، بالمناسبة، عبارة "المتنازع عليها" التي ثبتها كما يبدو الخبيران غالبريث و فيلدمان في الدستور، حتى أنهما لم "يتساهلا" فيختارا عبارة كـ"المختلف عليها"! لعل هذا الانحياز هو ما جعل الأطراف الكركوكية الأخرى تحذر منه ومن لجنته وتنظر إليها بعين الريبة والشك ما حدَّ من فعاليتها وجعلها أشبه بلجنة لتوزيع التعويضات على المهجرين الأكراد ولكنها من جانب آخر مارست أعمالا لا تخلو من روائح "التطهير العرقي" كإغراء مواطنين كركوكيين من غير الأكراد بالرحيل عنها مقابل مبالغ طائلة وامتيازات خاصة بدعوى أنهم من "الوافدين والغرباء"! ترى، ما ذنب المواطن العراقي الكركوكي الذي ولد في محافظة ما، دون إرادة منه، ولمجرد أن أسرته من الأسر التي أشركها نظام البعث الصدامي في ما يسميه البعض"حملة تعريب كركوك"، ما الذنب أو المخالفة القانونية التي ارتكبها هذا المواطن، إذا كان قد ولد ونشأ وترعرع وأصبح عمره الآن في الثلاثينات من العمر ولم يعرف مدينة أخرى غير كركوك، ما ذنبه ليقتلع من مدينته وذكرياته ويرغم على مغادرة المدينة لأنه "وافد" أو مواطن "غير أصيل" من محافظة عراقية أخرى، في حين يحصل كل إنسان يولد في أية مدينة في العالم على حق المواطنة فيها حتى إذا كان أجنبيا، لا بل إن قوانين بعض الدول كأيرلندة تمنح جنسيتها لمن يولدوا في طائرات تطير في أجوائها؟ ثم، كيف يمكن لمسؤول، يرأس لجنة حكومية حساسة، أنْ يعتبر مواطنين عراقيين يعيشون منذ عشرات السنوات في مدينة عراقية هي كركوك وافدين وغرباء؟ أليس مضحكا حدَّ القهقهة، أنْ يقرر مسؤول حكومي يحمل جنسية أجنبية "فرنسية" أصالةَ أو وِفادةَ، مواطنٍ لم يخرج من مدينته العراقية كركوك طيلة حياته؟
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاتفاقية الأمنية : حساب السلب والإيجاب
-
العراق: ساسة العرب السُنة يقيمون للشيعة إقليمهم!
-
الدستور في قضية كركوك: هل كان عوناً أم فرعونا؟ /ج2
-
مع قتل القذافي ..العراقيّون يستعيدون إعدام صدّام
-
لتكن كركوك أنموذجا لعراق المستقبل والمواطنة الحقة !/ج1
-
الشهرستاني يدافع عن صفقة -غاز البصرة -شِل- معترفا ضمنا بعيوب
...
-
الحدث السوري بعيون عراقية
-
مجلس السياسات المستعصي
-
أسرار المشهداني لم تحرك ساسة بغداد
-
المعلم التركي والدرس الكردي -غيرالعويص-
-
هدايا كويتية -مسمومة- قد تطيح هوشيار زيباري
-
تحذير لنائب المالكي يثير الذعر: العراق سيُحْرَم من نصف مياهه
...
-
العلوي بين فلسفة التاو الصينية والمتصوف النُفّري/ج2
-
العلوي وفلسفة التاو الصينية : بين المطلق الصيني والآخر الإبر
...
-
عزّت الدوري يعزّي البرزاني فيثير غضب البعثيّين
-
هل أحبط المالكي انفصالا عشائريا في الأنبار؟
-
مجزرة «النخيب» العراقيّة: طائفيّة وعشائريّة وغياب للمركز
-
-تطوير- غاز البصرة : صفقة مشبوهة مع -شِل- وكارثة يتحمل مسؤول
...
-
أتهم جلال طالباني وآخرين باغتيال هادي المهدي!
-
خرافة -جاموس الحجاج- وحقائق التراث الرافديني
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|