حزب النهضة الوطني الديمقراطي في سوريا
الحوار المتمدن-العدد: 1049 - 2004 / 12 / 16 - 11:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وفي دراستنا هذه للتعريف بتلك المشاريع النهضوية وأوجه التقاطع أو التعارض بين مقولاتها المتنوعة نكتفي بالإشارة إلى القول بأن أولوية الحفاظ على كل ما هو إيجابي في التراث العربي في مختلف حقبه،وضرورات التفاعل مع مقولات النهضة في مختلف دول العالم قد يؤسس لمقدمة منهجية في الفكر النهضوي , بهدف تحديد وتجديد الخطاب الثقافي العربي , في مواجهة الفكر السلفي من جهة ومخاطر الاقتباس السهل لمقولات النهضة الغربية من جهة أخرى.
وعندما تبلورت مقولات النهضة من خلال تفاعل مثمر بين جميع المقولات التي ساهمت في دور أساسي بترسيخ وعي نقدي عقلاني بقضايا العرب القومية في عصر الاستعمار . أثبتت تلك الافكار عجز قدرة العرب على تملك تاريخهم وحضارتهم وتراثهم تملكا معرفيا نقديا إذا ما برحوا المضي في مقولات الماضي التاريخي للعرب, والتغني بأمجاده كما يفعل السلفيون. حيث شكلت التجربة الفكرية المعرفية تيارا جديداًً لجيل ثانٍ من النهضويين الذين أرسوا منهجاً ( توفيقياً ) وتوافقياً شمولياً للفكر النهضوي العربي الجديد , والذي كان نتاجاً للفكر التراثي العربي والفكر التحديثي المعاصر.
و في هذا السياق برزت أسماء كثيرة من مفكرين العرب حاولوا بلورة و تطوير منهج نقدي وعيوي لفكر النهضة العربية ومن أبرزهم:الطيب تيزيني، وأدونيس , وعبدالله العروي ,وبرهان غليون،و قسطنطين زريق ،ومحمد عابد الجابري وغيرهم . حيث قدموا صيغيّة جديدة للفكرالعربي أعتمدوا خلالها أعتماداً كبيراً على الفكر الغربي ومناهج التحليل العلمي النقدي في الغرب .
في الوقت الذي لم تتبلور فيه حركة نهضة جديدة تغني مقولات النهضة العربية , وتغذي نمو الفكر النهضوي العربي بشكل يجعله يؤسس لمرحلة ثقافية – اجتماعية جديدة ,تحولت الدعوات القومية من حالة فكرية الى فعل سياسي محض تجلى بخروج وولادة حركات وقوى سياسية تمثلت فكراً حركياً سياسياً طبع المنهج النقدي التحليلي لفكر النهضة بطابع مرحلي أتسم في النضال والكفاح لإعادة الحق العربي المغتصب , رافضاً أي تجديدية في محتوى الفكر النهضوي معتبراً أن مرحلة النهضة العربية مرحلة ترتبط عضوياً باستعادة الاراضي المحتلة , ومن هنا أنطلقت الحركات اليسارية القومية في تبني مشاريع مسلحة ,أسفرت عن حالة من التخبط الفكري والمعرفي النقدي لمقولات النهضة العربية , عندها وقع التأزم الأكبر في المجتمعات العربية عندما تحولت هذه القوى من موقعها في جبهات المقاومة للأحتلال وأستعادة الحقوق المغتصبة , الى موقعها في إدارة الصراع من أجل الوصول الى السلطة معتبرة أن الوصول الى السلطة هي المفصل الأساسي في تنفيذ مشاريعها القومية , وخططها من أجل بناء استراتيجة المقاومة وأستعادة الحقوق , فتحول ذلك الإسهام الى دعوة ثورية شلت مقومات الفكر العربي النقدي في إيجاد الحلول الحقيقية لإشكالية الاصالة والمعاصرة ,عندها أرتطمت الدعوة الى انتاج واقع ثقافي – معرفي نقدي يستند الى منهجاً علمياً تحليلياً بالوضع المتوتر في المنطق العربية عموماً , وخصوصاً عندما كانت المعالجة المباشرة للفكر النهضوي ترتبط بالحدث الزماني - المكاني أكثر من أرتباطها بالمنهج الفكري الذي حاولت التأسيس عليه كحركة نهضوية معاصرة .
إن الحاجة الى ولادة تيار جديد في الفكر النهضوي كانت تدعو دائماً الى ربط آليات المناهج النقدية في التحليل والاستقراءلإقامة بنية معرفية جديدة على أنقاض الثابت في الفكر النهضوي العربي , لبناء المذهب الفكري الجديد على أسس الضرورات الزمنية , وما يطرأ من متغيرات كونية في بنية الفكر العالمي القابل للتحول بسرعة فائقة على حساب مذهب النقد الكلاسيكي الذي ينتمي الى نظرية الصراع التاريخي .
حيث شكلت الثنائيات الفكرية جدلية جديدة تتماهى و نظرية النقد البنيوي في المذاهب الفكرية التي دعت للنهضة : فالحداثة والتقليد،والدين والعلمانية،والتقدم والتخلف،والمستبد والعادل وغيرها , ثنائيات رسمت الخارطة الفكرية الصحيحة للمنهج النقدي في تبني أسس المذهب الفكري العلمي ( العلماني ) لمقولات النهضة , مما أدى الى وضع الأولويات الزمنية في حيز الواقع الموضوعي الذي يقوم على صياغة قاعدة المصدر الثابت في الأصل والقيمة الذاتية في الموضوع , ومن هنا كان المنعطف الأساسي للتفكير ملياً بجديد مقولات النهضة التي تعتمد منهج المحاكمة العقلية في تحليل البعدية كظاهرة في رسم حقائق المتحول الموضوعي لآلية التطور التاريخي .
ومن جانب آخر فقد بقيت نظرية المعرفة الحسية للفكر النهضوي غارقة في رسم أستبيانات وتجليات الوقائع الجائمة على الارض , فلم يطرأ ذلك التغير البنيوي الجذري في أبجدية التعريف بالنظرية في حين أن سياق التحديد الصيغوي لمفهومي الحداثة والتحديث أخذا ينحون مناحي تدارك السببية في إظها جملة الشروط المعرفية للسؤال التاريخي ( لماذا وصل حالنا الى ما نحن عليه الآن ) ؟...
وبالرغم من المحاولات الكثيرة التي تسعى لإيجاد منهج نقدي جديد ليس لمعالجة الاسباب بل لدراسة الشروط الموضوعية للسياق التاريخي الجديد الذي وضع مقولة النهضة موضع لأي وتخبط فكري وعلمي فإن ما تحقق الى الآن لم يقدم الحلول الناجعة , بل لم يستطيع أن يشخص ظواهر الإنحطاط النهجوي في الفكر النهضوي العربي .
وعلى جانب آخر،تم تفكيك مقولات الحرية،والعدالة الاجتماعية،والمساواة التي اقتبست بشكل رومانسي عن مرحلة عصر الأنوار في أوروبا دون أن تتم الاستفادة منها في المشروع النهضوي العربي في مختلف مراحله طالما أنها مقولات جذابة لكنها عصية على التنفيذ.
في الوقت ذاته أستشعرت بعض النخب الثقافية في الوطن العربي إنه لا جدوى من صياغة منهج نقدي جديد للفكر النهضوي العربي ما لم تتجدد مقولات النهضة جذرياً , وما لم يتم وضعها موضع التنفيذ على مستوى البرامج والخطط والمشروعات الميدانية على أرض الواقع , إنطلاقاً من بناء الهوية الثقافية التي تشكلت عند اليابانيين في بداية نهوضهم , حيث اعتبروا أن التراث بقدر ما هو تجسيد لثقافة الأمة في ماضيها فإن الأمة بحاجة ماسة على الدوام لتجديد تراثها وثقافتها في مواجهة تحديات المعاصرة . لذا لا يجوز وضع مقولة الحفاظ على التراث أو الأصالة في موقع التعارض مع مقولة الانفتاح على الثقافات الكونية.
لذا كان العمل مجدداً على رصد ملامح جديدة للشخصية التاريخية , منطلقة من حقيقة الأمة التي لا بد أن تكون العامل الرئيسي في قيام كيان ثقافي جديد , يختلف بمعاييره وسماته ومقولاته التاريخية النهضوية , عن السياق الذي مرّ به الفكر النهضوي العربي في عصوره الأولى .
ولعل الخطوة الأكثر أهمية في مسار الفكر النهضوي المعاصر الذي نقدمه حالياً في دراستنا هذه أنه حذر من مخاطر العودة إلى ثنائيات جديدة غير علمية تضع الأصالة في مواجهة المعاصرة،أو الشرق في مواجهة الغرب،أو الدين في مواجهة العلمنة. فالدعوة الى تبني مقولات الفكر الليبرالي والديموقراطي في السياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها كانت دعوة الى التجديد في المنهج العلمي – الفكري للثقافة التقليدية التي كانت قائمة في وجه التداعيات المختلفة التي وقعت تحت تأثيرها المجتمعات العربية , ورواسب المراحل التاريخية ومخلفاتها,فالليبرالية والديموقراطية تراث عالمي وليس من خصوصيات الغرب وحده،وهما المدخل الذي لا غنى عنه للعرب إذا كانوا يرغبون فعلا دخول عالم الحداثة والتدرج في مراحلها المتتابعة .
وبذلك كانت الانتقادات الحادة توجه الى المشاريع النهضوية السابقة التي لم تنجح في تحليل بنى الأنظمة السياسية،وطبيعة تشكل السلطة في كل بلد عربي . ولم ترسم آليات التدرج في تخطي المعوقات البنيوية التي منعت قيام الوحدة القومية الشاملة .
حزب النهضة الوطني الديمقراطي في سوريا
www.alnahdaparty.com
#حزب_النهضة_الوطني_الديمقراطي_في_سوريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟