|
متى يعيد الحزب الشيوعي العراقي النظر في طبيعة علاقته مع المثقفين؟!
رزاق عبود
الحوار المتمدن-العدد: 3532 - 2011 / 10 / 31 - 18:07
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
الحزب الشيوعي العراقي اقدم حزب سياسي في العراق لازال يواصل نشاطه، ونضاله لتحقيق اهدافه. كان في خمسينات، وستينات، وسبعينات، وحتى منتصف ثمانينات القرن الماضي اكثر الاحزاب جماهيرية طوعيا، وافضلها تنظيما، وقدرة على التحرك بين صفوف الجماهير. بل الاكثر سطوة، وفاعلية في التعبئة خاصة بين اوساط المتقفين. كان موقف الحزب من مبدع ما، اوموقف المبدع من الحزب دليل، وفي اوقات كثيرة مقياس، وسر شهرته، ومكانته. لقد حافظ غالبية المبدعين على علاقة جيدة مع الحزب، وان اختلفوا مع بعض سسياساته، ومواققه.لان المستهلك الثقافي ياتي بالاساس من جماهير هذا الحزب. لكن قيادات الحزب بعد استشهاد فهد، وسلام عادل، للاسف، لم تواصل خط فهد، الذي كان يحترم المبدعين، ويتعامل معهم على هذا الاساس، ويقدر حساسيتهم، ومشاعرهم الملتهبة، ونزوعهم الفطري للاستقلال. لقد تعاملت قيادات الحزب مع الانتلجنسيا،للاسف، وفق الفهم، والخظ الستاليني.اعتقد انه دون وعي، او قصد، خاصة وان، اغلب قيادات الحزب،التي تحكمت بسياساته كانت من الانتلجنسيا المتأدلجة حتى النخاع. لقد اشترطت، تلك النخبة، مثل ستالين الطاعة العمياء لمنتسبي، واصدقاء الحزب، وانصاره، واعتبرتهم جنودا ملزمين بتنفيذ الاوامر الصادرة من المسؤول، اللجنة المركزية، المكتب السياسي، السكرتير.اعتقد، ان من عملوا في اعلام الحزب، على سبيل المثال، لمسوا، ويتذكرون حالة الاجبار، والالزام تلك، التي خلقت الاحباط في نفوسهم، وجعلت الغالبية تبتعد عن الحزب، ونشاطاته، واعماله، وصحافته، وحتى سياساته. بل وصل الامر ببعضهم الى مقاطعة، ومعادات نشاطات، وفعاليات الحزب لحد تسفيه المشاركة بالانتخابات. ليس لعدم ايمانهم بالديمقراطية، بل لان(قيادة) الحزب، رغم ادعاءات التجديد لاتزال تعتبر تصويت الاعضاء، والاصدقاء، والمناصرين أمر مفروغ منه (بالجيب) حسب التعبير الشائع. هذا احد اسباب المبالغة بحجم، وقوة الحزب الانتخابية. متناسين، ان الكثير تغيرت افكاره، ومواقعه الطبقية، والتزاماته، ونظراته الفلسفية، وهذا حق مشروع اذا كان قائما على اسس فكرية. بل نشأت على الطريق عداوات قائمة مع الحزب، ورغبة في الثار، والانتقام، والتشفي، للاسف الشديد. ليس من حقي،هنا، تقييم الظروف، والاسباب، التي تغير، وتبدل فيها الكثير، خاصة جمهرة المثقفين ممن عانوا من قمع افكارهم، وارائهم، وتسفيه مقترحاتهم داخل الحزب، والتهم الجاهزة من الشللية، والتكتل، والتسيب.. الخ. وممن عارضوا الجبهة مع البعث بالتطير، والفقرالايديولوجي، والبتي برجوازية، والتطرف اليساري، والتفرج، وغيرها.هناك ايضا من له معاناته، وتجاربه المرة في حركة الانصار المسلحة في شمال، وجنوب الوطن. وهناك من اتخذ موقفا من الستالينية البغيضة اثناء الدراسة، او اللجوء،اوالعيش في الدول التي كانت تسمى اشتراكية. ولا ننسى الجمهرة الكبيرة، التي عانت مرارة، واحباط تجربة تواجدهم في اليمن الديمقراطية، وسوريا، والجزائر، وغيرها. كل من اجتهد، او اختلف، اوعارض، او رفض، او احتج، او ابدى رأيا، قد لا ينسجم مع الخط العام، ولو ممانعة خجولة. حتى من مارس حقه في النقد والتقد الذاتي اعتبر معاديا، او منشقا، او منهزما، اومشوش التفكير...الخ. لقد احتكروا النقد لانفسهم، وكانه حق مقدس للقيادات، التي تختار بعضها، وتتوارث المهمات، والمناصب، والادوار بالتوصيات، وكانها محفل ديني مغلق. رغم ان الحزب كان ولا زال بنظر عامة الناس يسمى حزب المثقفين. والمقصود شعبيا ان الشيوعيين كثيري الاطلاع، والقراءة، و"يفهمون في كل شئ". وان اغلب المبدعين محسوبين على الحزب. "انطي الثقافة للشيوعيين". "الشيوعين رب الثقافة". "كل المثقفين شيوعيين" وغيرها، وغيرها، مما يتردد من اقوال على افواه البسطاء، والواعين من ابناء شعبنا. كل مثقف في العراق كان معرضا للشبهة، والمراقبة ومحط شك رجالات الامن "لان كل مثقف شيوعي". بنظر سلطات القمع. يحظرني انه عند افتتاح دار الثقافة الجماهيرية في البصرة في 1969 جاء مدير دور الثقافة الجماهيرية مع حماية ضخمة، وسيارات مسلحة. ساله احد الشعراء الشيوعيين، وكنت على مقربة منهما: "هل يحتاج فتح دار للتقافة كل هذا السلاح؟ّ!" فاجاب البعثي، الذي تخلص منه صدام بعد فترة، بكل وقاحة: "خلي الثقافة الكم، احنه شغلتنه عرض القوة" وبابتسامة خبيثة، وحركة استفزازية رفع طرف سترته ليظهر مسدسه على طريقة رجال الامن. هذا يذكرنا بقول دوهرينغ الذراع الايمن لهتلر: "كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي".لعله ليس غريبا ان يكون اول وزير شيوعي في حكومة الاحتلال الامريكي وزيرا للثقافة. هذا اعتراف رسمي، سرعان ما ندموا عليه، بعد اكتشافهم اهمية هذا الموقع. ورغم ان ماركس، وانجلز، ولينين محسوبين على الانتلجنسيا الالمانية، والروسية، فان قيادات الحزب نظرت دائما للمثقفين نظرة حذر، واستصغار، واعتبرتهم عاجزين عن فهم الامورالسياسية، رغم وجود قيادات محسوبة على المثقفين كما اسلفنا. ليس مستغربا ابتكار عبارات من قبيل الانحياز الطبقي، او الانصهار الطبقي، اوالثقافة الاشتراكية، اوالثقافة البروليتارية، اوغيرها. لتبرير الانصياع الكامل. ما دفعني لكتابة الموضوع، هذا الابتعاد المتزايد باستمرار لجمهرة المبدعين عن نشاطات، وفعاليات الحزب حتى الثقافية منها. بعد ان ذاقوا طعم الحرية، والتخلص من الوصاية الحزبية(خيمة الحزب) في دول اللجوء. كذلك تعدد المنابر والاحزاب، وتحول الحزب الشيوعي الى حزب صغير في الداخل. يلجأ اليه المثقفون كسند، ودعامة ديمقراطية، وعلمانية مضمونة. لكن الخيارات واسعة ولم يعودوا ملزمين(مضطرين) للانتماء الى حزب العمال والفلاحين، او العمل في صحافته، اواعلامه. ولم تعد الجمهرة الواسعة تبحث عن الفكر الحر، المتميز، الاشتراكي، الثوري. الفكر الظلامي هو السائد. وهو من يملك المال والسلطة. وهمش بهمجية كل الاخرين. اضافة لاجيال لم تسمع بالحزب ونضالاته. في الخارج تعلمنا ان الحزب بحاجة الى المثقف، وليس العكس، ان الحزب يتودد للمثقف وليس العكس.لقد وجدنا "فهد" في اوربا، وهو يربت على اكتاف المبدعين، ولا يلزمهم، ان يسيروا ورائه. قد يكون في المقدمة مناضلا، مكافحا، مضحيا، لكن ليس سيدا، آمرا، موجها. ليس بالضروري ضم كل المبدعين الى صفوف الحزب، وتحويلهم الى جنود.لقد كان رهيبا، ان يستبدل المبدع ريشته، او قلمه، او آلة عزفه ببندقة قديمة، في الجبال، والا تعرض للاتهام بالجبن، والتردد. لقد اجبرت الستالينية الكثير من المثقفين للتحول الى مخبرين، بالضبط كما فعلت المكارثية. لقد انتحر فابتساروف، و(مات!) غوركي مهموما، محصورا، معزولا لان ستالين اعتبرهم جنودا في جيشه المطيع. من يشاهد صورة ستالين، وهو يرفع نعش غوركي يفهم الاشارة، التي اراد ان يبعثها الى المختلفين "حفار قبر الثورة الاشتراكية" كما وصفه تروتسكي! رغم كل الدروس، والعبر، والتجارب، والملاحظات، والتطور الفكري لا زال الحزب الشيوعي العراقي حتى في وثائق مؤتمره القادم، يصر على تسمية المبدعين ب(شغيلة) الفكر! من يقرا كتابات الاستاذ، الفنان المبدع فيصل لعيبي، او يعيد قراءة اشعار مظفرالنواب، اوسعدي يوسف سيري اي ذنب كبير، اذا لم نقل جرما، ارتكب بحق رموز ثقافتنا! وكم يعاني مبدعينا من احباط، ومرارة نتيجة ربط مسيرتهم النضالية، والابداعية بمسيرة الحزب. ان التكريم في المناسبات، والاشادة بعد الوفاة لن تعوض اي مبدع دقيقة واحدة تحكم فيها بمصيره من لايعي معنى كلمة مبدع! ملاحظات لابد منها: 1 هذا ليس تهجما، بل وجهة نظر قد تلقى الاهتمام من مندوبي المؤتمر التاسع للحزب 2 اتمنى ان تكون الردود غير متشنجة 3 كل حركة سياسية لها هذا التاريخ، وارتبط مصير الملايين بها ملزمة بسماع الملاحظات الحريصة 4 لا يملك احد الحقيقة الكاملة، وكل اجتهاد معرض للخطا، او الصواب
#رزاق_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شاعر سويدي يحصل على جائزة نوبل للاداب
-
قتلة الاطفال في دمشق وصنعاء يحظون بدعم امريكي!
-
الجماهير الليبية تستعيد جماهيريتها!
-
سوريا البعث تتوارث السلطة وتورث القمع!
-
نكتة الرئيس السوري(البايخة) الملطخة بالدم!
-
اليونان عورة الرأسمالية المكشوفة!
-
من عراق صدام الى عراق المالكي!
-
اخطاء اياد علاوي القاتلة!
-
ضخامة الرئيس طالباني حامي حمى القاعدة في العراق!
-
الوضع في اليونان اسئلة واجوبة بسيطة لازمة معقدة!
-
من الدكتور بشار الاسد الى الجلاد بشار الشبيحه
-
صدام المالكي على خطى صدام التكريتي!
-
لماذا تقصف ليبيا النفطية، وتهادن سوريا البعثفاشية؟!
-
عبدالجبار عبدالله ابن الشيخ الديني الذي صار شيخا للعلماء
-
سوريا الاسود تتحدى بشار الفأر
-
مستشارة الرئيس السوري تستنكف من ذكر الاكراد
-
حماية المدنيين الليبيين، ام الحفاظ على عرش السعوديين؟!
-
صدام اليمن، هل يواجه مصير صدام العراق؟!
-
مجلس التآمر الخليجي يحتل البحرين!
-
الهجوم على الحزب الشيوعي العراقي هجوما على الديمقراطية في ال
...
المزيد.....
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|