نوري بريمو
الحوار المتمدن-العدد: 1049 - 2004 / 12 / 16 - 11:31
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
• عودة إلى الموضوع ذاته...و ليس من قبيل الدفاع عن الذات القومية ، وإنِّما لشرح حقيقة وجود الشعب الكوردي في سوريا ، بعيداً عن الدخول في أية فتاوات أو سجالات كلامية ... , لابد من التأكيد كما في كلّ مرّة على أن الحالة الكوردية ليست إسفيناً اعتراضياً جديداً أو مجرّد نكرة ما يراد تعريفها بالإكراه , وإنّما هي قضية قومية ديمقراطية ذات طابع إنساني و جذور تاريخية و تراكمات مجتمعية و مراكمات سياسية تمتد إلى زمن بعيد إضافة إلى أنها باتت ملفاً يمتلك الكثير من الإستحقاقات و الأبعاد والآفاق ... أي أنّها بعيدة عن كونها (( مشكلة آنية مفتعلة )) من قبل بعض النخب و الأحزاب و الساسة الكورد أو غيرهم , بقصد افتعال التوتير أو خلق التفرقة و الفتن بين مكونات الطيف الوطني السوري ، وهي أيضاً بعكس ما يحلو لبعض الأوساط الشوفيية الحاقدة التي تصفها على أنّها فبركة (( خارجية )) مصطنعة ليس إلاّ...!؟.
• وتصحيحاً لبعض المفاهيم غير الصحيحة...، وبعيداً عن المهاترات ولدحض تلك الإدعاءات الباطلة التي باتت تفرز سمومها بكثافة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ سوريا و المنطقة الشرق الأوسطية برمتها , لا بدّ من وضع بعض النقاط على الحروف كي تعود المياه إلى مجاريها الطبيعية مع الحرص الشديد على عدم الانجرار وراء ما تكتبه بعض الأقلام المتجرثمة التي باتت لا تحترم لا نفسها و لا الآخرين خاصةً و أنّها أصبحت تتجرّا على عدم الالتزام بأيّة خطوط حمراء أو خضراء و لا تكترث بالمصداقية الصحفية التي من المفترض بها أن تبقى متوفرة ، فبفقدانها يفقد الإعلام ـ أيّاً كان شكله ونوعه ـ معناه الحقيقي و غايته الأساسية التي تكمن في أنه وسيلة محايدة لنقل المعلومة الموثقة الصحيحة و الدقيقة دونما أيّة انحيازية أو افترائية تذكر، والأمثلة على هؤلاء الكتاب العنصريين كثيرة مثل : د.رفعت سيد أحمد ( المصري) و محمد سيد رصاص ( السوري ) و د.عوني القلمجي (العراقي ) و...الخ .
• أمثال أولئك الكتّاب لا همّ لهم سوى الشهرة على حساب تشويه الحقائق و وتشويش الوقائع وتسميم الأجواء السورية التي نسعى جميعاً إلى تحسينها ودفعها سلمياً نحو التوافقات والدمقرطة والوفاق الأهلي ، معتمدين في ذلك ـ أي أولئك ـ على مختلف أساليب الغيبة والنميمة والشتيمة والقدح والذم و... , أمّا أسمائهم فقد باتت رائجة في هذه الأيام في ظلّ هذا الضجيج الإعلامي الهائل الذي بات يترافق مع مجمل التحولات الجارية اليوم في العالم و المنطقة ..., ولكونهم يعزفون على نفس المعزوفة التي عزف عليها من قبلهم شوفيين كثر كـ : ميشيل عفلق و محمد طلب هلال و منذر الموصلي و غيرهم من الذين وضعوا دابهم بداب الكورد و اتهموهم بمختلف التهم و المؤامرتية , و بما أنّ البعض منهم ما يزال يصرّ على الاصطياد في المياه العكرة إلى حدّ التمادي وعدم الاستحياء ، فلا بدّ من التدقيق في آرائهم و أقوالهم لردِّ كيدهم و فضح أساليبهم و تعرية مراميهم الضارة بمبادىء الوئام الإنساني و السلم الأهلي و الحوار الحضاري ما بين قوميات البلد الواحد .
• و رغم أنّني لا أفضل بل قررت منذ فترة أن لا أرد على مثل هذه الخطابات القومجية ,إحتراماً مني لمزاج الشارع العربي الذي أكنّ له كامل الإحترام والتقدير ، إلاّ أنّ المادة التي كتبها ( الأستاذ) : محمد سيد رصاص الذي ليس لي معرفة مسبقة لا بكتاباته ولا بشخصه الكريم و لا حتّى بتاريخه النضالي إن وُجد...!؟ , في جريدة السفير اللبنانية 25ـ10ـ2004 ، قد لفتت انتباهي و جعلتني أتراجع عن قراري و أواجه المذكور ببعض الحقائق التي قد يجهلها أو يتغاضى عنها قصداً ، ولكونها مقالة ذات مضمون مشبوه و تحت عنوان مشوّه : (هل هنالك شعب كوردي في سوريا ...!؟ ) .
• وإنّني متأكّد بأنّ من يقرأ مقالة : سيد ( رصاص) سيعذرني و سيوافقني على أنّها إمّا ناجمة عن بساطة و سذاجة في التفكير أو لها خلفية مؤامرتية معادية ليس للكورد وحدهم و إنّما للعرب أيضاً بل لكلّ مكونات الشعب السوري , حيث جاءت مادته التي أشبه ما تكون بوريقة خريفية صفراء ساقطة سلفاً , على شكل لائحة مليئة باللائمة و النقد على بعض المثقفين و النشطاء الديمقراطيين العرب الذين أصبحوا في الفترة الأخيرة يتعاملون مع الملف الكوردي السوري بشيء من العقلانية و الواقعية من خلال التجرَّؤ على إبداء بعض الآراء الإيجابية المنصفة نوعاً ما بصددها...، إذ يركز المذكور كالرصاص الخارق والحارق و المتفجر في آن واحد على مسألة النفي القاطع لأي وجود كوردي كشعب له خصوصية قومية و توجهات ديمقراطية و تطلعات مستقبلية سلمية ، ليس هذا فحسب بل يحرّض الآخرين ضدها ، ظناً منه بأنه سيرضي بذلك الرأي العام العربي علماً أنّه يلعب لعبة مؤذية جدّاً. فبدلاً من أن يكلّف السيد (رصاص) نفسه عناء البحث عن تشخيص الحالة السورية العامة و الكوردية الخاصة ، من خلال التناول الوجداني لمختلف جوانبها الديموغرافية و السياسية و التاريخية و الإنسانية...الخ , لينطلق من ذلك التقييم المبني على وصف الواقع العياني و البحث عن نوعيات الدواء اللازم و سبل المعالجة المطلوبة ... , و بدلاً من أن يبرز أوجه الاتفاق و يبحث عن التوافقات الموجودة بين شعبينا المتآلفين تاريخياً... , آثر ( رصاص ) إلاّ و أن يستهل مقالته بإطلاقه رصاصةً حيةً على الجسد الكوردي من خلال تشبيه الحالة الكوردية (( بالإسرائيلية...!!!؟)) وذلك عندما سرد مذكرات عازا ر و ايزمان ...!!!؟ بدون أية مناسبة تذكر , ورغم معرفته التامة بمدى الفوارق و المسافة الكبيرة ما بين كلتا الحالتين , حيث شتّان ما بين الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين المعادي للعرب و ما بين الاندماج الكوردي العربي منذ آلاف السنين والذي استطاع من خلاله شعبنا هنا و هناك أن يثبت بجدارة أنّه صديق وفيّ و مخلص لمختلف جيرانه و خاصةً العرب منهم .
• إذ بدلاً من هذه المقدمة السوداء لمقالته الجرداء التي يُفهم منها أنّها تهدف إلى تفكيك أوصال الحراك الديمقراطي الكوردي ـ العربي أو بالأحرى الإساءة إلى التواصل المجتمعي السوري , كان من الأجدر بالكاتب أن يستعرض حديث السيد رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد في قناة الجزيرة في أوائل أيار عام ـ2004ـ الذي أكّد فيه على أنّ : القومية الكوردية جزء أساسي من النسيج الوطني و التاريخ السوري و أنّه ليست هنالك أيّة أياد خارجية وراء أحداث القامشلي المؤسفة و أنّ قانون الإحصاء الجائر ينبغي أن يوضع له حلّ يعيد الحقوق لأصحابه...الخ .
• و لو أنّه بدأ مقالته بحديث رئيس الجمهورية أو ما دونه من المثقفين و الساسة المتنورين ممن يهمهم حاضر ومستقبل سوريا ، لقلنا بأنّه إنسان حريص على وحدة و سلامة وأمن هذا البلد ، إلاّ أنّه أثبت بوضوح على أنّه وضع نفسه في خندق مسيئ للوطن و المواطن معاً , من خلال تركيزه على تجميع مختلف الأوراق المتناقضة مع بعضها البعض , في حين خلط الحابل بالنابل في أسطر كثيرة من مقالته ، و إن لم يكن الأمر كذلك فلماذا حشر مقولة : ثالوث ( الطالباني و البارزاني و أوجلان ...!؟) في الملف السياسي الكوردي في سوريا , خاصةً في ظلّ معرفته الدقيقة بأن الأحزاب الوطنية الكوردية بمجموعها تؤكد على أنّ القضية الكوردية هي مسألة ديمقراطية و جزء لا يتجزأ من القضية الوطنية السورية العامة و حلّها لا يتم إلاّ عبر الحل الديمقراطي السلمي في البلد . ومن ناحية أخرى ما شأننا يا ( رصاص ) نحن الكورد السوريون فيما إذا ما قام الطالباني أو البارزاني أو أية جهة عراقية أخرى ،على حد قولك بوضع بيضهم في سلة الأمريكان , فنحن لا و لم نضع بيضناً حتى اليوم في أيّة سلة خارج حدود هذا البلد الذي كنّا و سنبقى نعيش فيه , وذلك سواءٌ أ كان خيارنا الديمقراطي هذا مقبولاّ لدى أمثالك أم لا ...!؟، فخيارنا الذاتي هذا واضح و صريح وهو خيار اللاعنف و الديمقراطية و السلم الأهلي مع مختلف الجوار و خاصةً مع الأكثرية العربية , ليس هذا فحسب بل نحن نطالب تلك الأكثرية بالشراكة الحقيقية في هذا البلد الذي هو بلدنا جميعاً دون أيّ استثناء يذكر .
• أمّا فيما يتعلق بإتهام (الرصاص) لبعض المعارضين السوريين على أنّهم ( تناسوا ماضي الحركة الكوردية و أنّ مواقفهم غير متوازنة و قد انتقل الموضوع الكوردي لديهم من الرقم صفر إلى المئة دون أن يكون هؤلاء عارفين إلى أين تؤدي مقولاتهم )...، فهذه هي الفتنة بعينها ، و إلاّ لماذا يتجرّأ الكاتب ليخاطب قيادات المعارضة السورية التي وصفها بأنّها تريد أن تضيف ( دماء الأكراد) إلى ( طاحونة المعارضة) وينبهها لناحية مهمّة ، حيث يسأل هل يعرف هؤلاء المعارضين بأنّ كلمة (شعب كوردي) في سوريا التي تضم طوائف أكثر من لبنان , ستقود إلى أنّه لا يوجد شعب سوري في سوريا ...!؟ ، و يقصد هنا طبعاً شعب عربي في سوريا...!؟ ، خاصة وأن الرصاص يعتبر بأن كل من يعيش في سوريا ينبغي أن يكون عربياً حصراً .
• ثمّ يجازف بسؤال خطير آخر : ألن يقود ذلك إلى انتزاع الطابع العربي عن اسم سوريا ...؟! ثمّ ألا يعني ذلك طريقاً إلى الفيدرالية و ربما إلى (حق تقرير المصير ) وفي أهون الأحوال إلى تقاسم الحصص بين الطوائف كما هو الأمر في لبنان و (العراق الجديد) ...!؟، أما الخطورة التي أفهمها من سؤاله هذا فتكمن في أن الكاتب يتهافت الى درجة الهلوثة في البحث عن كيفية زرع مسببات النزاعات والخلافات الفئوية والطائفية وسط الأهل السوري .
• وعلى صعيد آخر يتهم (الرصاص) الكورد على أنّهم استيطانيون مثل (( تيودور هرتزل)) حيث أنّهم حسب رأيه ينسجون على منواله من خلال اعتبار كلّ أرض يطأها الكوردي ( أرضاً كوردية ) ...!؟، في حين يعرف هو وأمثاله بأن المناطق الكوردية في سوريا هي أماكن سكنى آبائهم وأجدادهم منذ آلاف السنين ، أي أننا كأكراد لم نغتصبها من أحد قط بل هي مأوانا الأول ومثوانا الأخير .
• و في ختام مقالته يعرض الرصاص فزلكة كلامية غير مفهومة حول المفاهيم الديموقراطية و المسائل الحقوقية , إذ يعطي الحق لنفسه الأمّارة بالسوء ولا يسمح للكورد السوريين المطالبة بالحقوق القومية الديموقراطية المشروعة , و يبرّر فلسفته الإقصائية هذه بمقولة : أنّ المسائل المتعلقة بالحقوق ينبغي أن تترك للقوة و التوازنات...!؟ ، وفي الصدد نفسه يهددهم على أن ذلك المسعى ليس من مصلحتهم و يطلب منهم التخلّي الفوري دون تردد عن كلّ مشروع سياسي خاص بهم و الالتزام بما تفرضه عليهم الأكثرية العربية ...الخ .
• هنا لا بد من القول بأنّ خاتمة الرصاص العرفية هذه ، لا توحي سوى إلى أنه يقيس المسائل بمعايير شريعة الغابة التي تعشعش في رأسه المفتون بالدسيسة والذي يبدو أنه يحمل أفكاراً جهنمية بعيدة كل البعد عن معايير الديموقراطية وحقوق الإنسان التي نحن بأمس الحاجة إليها اليوم وغداً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*- عضو اللجنة السياسية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا ((يكيتي )).
#نوري_بريمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟