أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - المشكلة المذهبية في مجتمعات الخليج العربي















المزيد.....

المشكلة المذهبية في مجتمعات الخليج العربي


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 3532 - 2011 / 10 / 31 - 11:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



يعتبر الصراع الديني بشكل عام أحد أخطر أنواع الصراع على الإطلاق وربما أكثرها وحشية في بعض صورها التاريخية. فـ "الإنسان"، كقيمة في ذاته، يتحول بواسطة استخدام نص مقدس أو ما ينتج عن هذا النص من قناعات أو فتاوى أو مفاهيم إلى مجال كامل للاستباحة، معنوياً أو جسدياً، بحيث يبدو في عين المخالف له وكأنه "شيء" فاقد القيمة إما جزئياً أو كلياً. هذا واضح جداً في نصوص التوراة والعهد القديم بشكل خاص ومعه التاريخ اليهودي القديم والمعاصر، وواضح أيضاً في تاريخ وممارسات الجيوش المسيحية في الحروب الصليبية وتاريخ محاكم التفتيش التي انتشرت في أوروبا العصور الوسطى، وواضح في تاريخ الحروب والغزوات الإسلامية وتاريخ الصراع الفكري والمذهبي الداخلي، كما أنه واضح أيضاً في بعض نصوص القرآن الكريم والحديث المنسوب للنبي محمد وما نتج عنهما من فتاوى وممارسات لاحقة في التاريخ الإسلامي حتى عصرنا الحديث. وازداد الأمر تطرفاً في الثقافة الإسلامية بالذات عندما عُزلتْ النصوص المقدسة عن ظرفها التاريخي وسببها المباشر في تجليها الأول على لسان النبي في فترة الوحي باستخدام المبدأ الفقهي المُختَرع (العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب) ليتبلور "تاريخ" صفحاته السوداء تفوق بكثير تلك السطور القليلة "البيضاء" التي يحاول مسلموا اليوم التركيز عليها متناسين عمداً ما سوى هذا القليل. إذ يبدو أن الديانات التوحيدية الثلاث تشترك في تلك الخاصية "المُشكلة" فيما يتعلق بالنظرة إلى "إنسانية المخالف" الذي يعتقد أتباع كل دين بأنه كافر أو مُبتدِع. إلا أن الدين الإسلامي على الخصوص، إذا استثنينا الصراع الكاثوليكي - البروتستانتي اللاحق في الزمان التاريخي، قد تطور هذا الصراع فيه ليتحول إلى صراع مذهبي – فكري - فلسفي داخلي ضمن مذاهبه المتعددة يساوي، إنْ لم يتفوق، في درجة شراسته مع صراع الدين الإسلامي ضد الأديان المخالفة الأخرى. فكأن صراع المذاهب الإسلامية فيما بينها، للمراقب من الخارج، هو صراع بقاء، لا خيار خلاله أو فيه إلا بتصفية الآخر المخالف نهائياً بصورة أو بأخرى. رفض التعايش الإرادي هذا مع ما يصاحبه من مظاهر سلوكية متعددة هو أس الإشكالية العقائدية الإسلامية المعاصرة وهو محور صراع الآخر المخالف معه.

هذه الإشكالية المذهبية العقائدية تبدو في ذروتها القصوى عند المجتمعات التي تأخذ حكوماتها على عاتقها المواجهة السياسية المباشرة مع إيران التي تتبنى المذهب الشيعي الإثنى عشري بالتحديد. إذ أن أحد أهم المشاكل الخطيرة في مجتمعات شعوب الخليج العربي بالذات هي كونها مستقطبة مذهبياً إلى حدود الكراهية المتطرفة التي تصدم أي إنسان سوي إذا عرفها حق معرفتها عندهم. ففي سبيل مذهبه فإن المواطن الخليجي مستعد لأن يغض النظر تماماً عن الجرائم التي تُرتكب في حق إنسان المذهب الآخر حتى وإن كان هذا "الآخر" هو مواطن دولته، بل هو نفسه مستعد لأن يذهب إلى أبعد من ذلك، فهو قد يشارك فيها ويبرر لها. هذه النزعية المَرَضية واضحة جداً حتى في المعايير الأخلاقية التي تحكم من خلالها تلك الشعوب على القضايا الإنسانية التي تواجهها. فـ "ديانة" أو "مذهبية" الإنسان الآخر هو جزء أساسي لا يتجزأ من الموقف الأخلاقي التي تتبناه هذه الشعوب في موقفها تجاهه. فلا شيء إطلاقاً يبدو متجرداً من "مذهبية" المسلم الآخر، ولا شيء يبدو محايداً خارج إطار المرجعية الإسلامية الواحدة عند هذه المجتمعات. فجميع أفراده، تقريباً، معجونون عجناً بمذهبهم وانتماءاتهم العِرقية بحيث لا أمل هناك في موقف أخلاقي محايد على الحقيقة. الدين والمذهب والعِرق في مجتمعات الخليج العربي بصفة عامة مختلطة اختلاطاً كاملاً في الموقف السياسي والأخلاقي للشعب حتى وإن أنكروا ذلك وتظاهروا بالحياد. إلا إن الإشكالية الأخطر هي أنها شعوب يتزايد استقطابها وشحنها طائفياً وعرقياً، إما من خلال سياسات متعمدة وواعية لحكوماتها (السعودية، البحرين، الإمارات) أو من خلال نشاط دَعَوي ديني - اجتماعي يتم بعلم الدولة وصمتها لأسباب متعددة (الكويت، قطر)، بحيث يتولد لدى قطاعات متعددة ضمن هذه الشعوب قناعات بأن المواطنة في دولها هي نتيجة مباشرة وحتمية لتجانس طائفي أو عرقي وليس وطني أو مصلحي عقلاني. ولا عبرة إطلاقاً بالشعارات الرسمية الوطنية المرفوعة، فالجميع يعلم، حتى منظمي هذه الحملات، بأنها شعارات فارغة وإنما الأهداف الحقيقية هي بالدرجة الأولى إما سياسية ضمن محور (إيران – السعودية) أو ذاتية مصلحية فئوية طائفية أو ربما حزبية. فـ "الشعار" يتم توجيهه مرحلياً وانتقائياً فقط لصالح هدف محدد، فإذا انتهت "المصلحة" سقط الشعار بيد من رفعه أولاً قبل غيره.

تفتقت أحداث الربيع العربي عن مواقف متناقضة عند مجتمعات الخليج العربي فيما يخص مطالبات الإصلاح السياسي في دول متعددة حولها. العامل الوحيد الذي يبدو فاعلاً في هذا التناقض المبدئي هو مذهبية مَنْ يريد الإصلاح في وطنه. فبينما وقفت هذه المجتمعات مع الثورات في تونس ومصر وليبيا مشجعة ومبررة وداعمة على مستويات متعددة، نراها تقف موقف التخوين والعداء والتشجيع على قتل المتظاهرين أو سجنهم أو حتى نفيهم من أوطانهم في البحرين والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية هذا مع التأكيد أن المطالب السياسية والشعبية لم تختلف إطلاقاً عن مثيلاتها في تونس ومصر وليبيا. فثورات تونس ومصر وسوريا وليبيا هي ثورات "وطنية شعبية" في الذهنية الاجتماعية الخليجية، ولكن الثورة الشعبية البحرينية والمنطقة الشرقية في السعودية هي ثورة "عميلة لإيران وأفرادها خونة متواطؤون" لا لشيء إلا لاختلاف المذهب عن السياق الاجتماعي العام في تلك المجتمعات الخليجية. المطالب ضمن هذه الشعوب الثائرة واحدة تقريباً، والفساد السياسي متشابه، فالديكتاتور أخو الديكتاتور وإنما تختلف درجة السيطرة ودرجة البذل المادي، إلا أن مجتمعات الخليج العربي أصبحت متشربة إلى حدود التشبع بالمسألة الطائفية المذهبية، وبالتالي فهي تقيس مدى جدية أي طرح وطني من خلال الانتماء الطائفي أو ربما العرقي لِمن طرحه. فلا قيمة حقيقية في أذهان قطاعات متعددة من هذه المجتمعات لأي رأي أو موقف إذا أتى من مخالف في العِرق أو المذهب. فالخطوة الأولى هي دائماً المحاولة المستميتة من جانب هذه المجتمعات لتصنيف الآخر طائفياً أو عرقياً، ثم بعد ذلك، وفقط بعد تحديد المذهب أو العِرق، يتم تحديد الموقف من القضية الأخلاقية أو الوطنية المتعلقة به. السؤال الأول هو دائماً: (أهو سني أم شيعي؟ حَضَري أم بدوي؟ عجمي أم عربي؟ إيران السنة أم إيران الشيعة؟) وخلال انتظار الإجابة تذوب القضية الإنسانية في ذاتها لتهبط "إنسانية" الآخر المخالف مذهبياً عن مثيلاتها في الدول "السنية" الأخرى، وبعد الحصول على الإجابة يقع التناقض الأخلاقي المفضوح. فعندما كان الشعب البحريني يتم اضطهاده واعتقاله وتعذيبه وقتله، وهو لا يزال يتعرض لذلك، تماماً كما هو الحال في سوريا تماماً، تفتقت أذهان مجتمعات الخليج العربي عن تبرير يقارن فيه عدد القتلى بين الشعبين السوري والبحريني، ليخرج بنتيجة مفادها أنهم مع الشعب سوري وضد الشعب البحريني لأن عدد القتلى ضمن الشعب السوري أكثر (!!!)، ثم ليخيّم الصمت ضمن هذه المجتمعات عن ما يحدث في البحرين من جرائم.
وملاحظة أخرى هي الصمت المتعمد لهذه المجتمعات عن انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة في المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات وعُمان، بينما نرى صوتها يعلو ضد حكومات اليمن وليبيا وسوريا وتونس. هذا التناقض الأخلاقي يجعل هذه المجتمعات تقف ضد طوائف متعددة من مجتمعاتها تُنتهك إنسانيتها علناً، وتغض النظر، وتبرر لحكوماتها هذا الفساد الأخلاقي والإنساني والسياسي، نفس الفساد التي تدينه هي عند باقي الشعوب.

المشكلة المذهبية في مجتمعات الخليج العربي أصبحت من الخطورة بمكان بحيث أصبحت تهدد النسيج الاجتماعي ضمن هذه الدول. ومما يزيد الأمر سوءاً أن هذه الدول مَنْ يحدد سياستها العامة هم أفراد قلائل على رأس السلطة وليس مؤسسات محترفة ومختصة ذات مقدرة على جمع المعلومات وتحليلها لرسم سياسة عقلانية بعيدة النظرة. فالسياسة العامة هي قصيرة النظر بالضرورة وذات تأثير كارثي على المدى المتوسط والبعيد، إلا أن السلطة السياسية في هذه الدول لا تبدو واعية تماماً للتأثير التدميري لهذه المشكلة بل هي في بعض الأحيان تشجعها لصالح أهداف سياسية قصيرة المدى.

آن الأوان لطرح المشكلة المذهبية في دول الخليج العربي على طاولة النقاش الجاد وبصورة صريحة ومباشرة إنْ كانت هذه الدول تريد أن تقفز على النتيجة اللبنانية أو العراقية عندما أتيحت لها الفرصة.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذهنية السياسية الشعبية الكويتية المتناقضة … الموقف من معتق ...
- في مشكلة الائتلاف والاختلاف ... الحالة الكويتية كنموذج
- الآراء الاستشراقية في نقد النصوص المقدسة الإسلامية
- مقالة في أن الحرية لا بدّ لها من قانون يقننها
- أن الحرية ذات المنشأ الديني هي حرية أنانية بالضرورة
- المنهج الليبرالي وضرورات الإيمان والإلحاد
- الرأي العام في السياسية المذهبية والدينية
- في أوهام الشعار الإسلامي (صالح لكل زمان ومكان)
- المشكلة العرقية في المجتمع الكويتي
- المشكلة السياسية في الكويت
- الخطاب التمجيدي الإسلامي
- ضرورة إعادة قراءة وصياغة الفقه الإسلامي
- والشعب أيضاً كان يريد إسقاط النظام أيام عثمان بن عفان
- الحرية التي نريد


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - المشكلة المذهبية في مجتمعات الخليج العربي