صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1048 - 2004 / 12 / 15 - 10:36
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يتقدم العراق نحو انتخابات وضعت امامها "الظروف" كل ما يمكن تخيله من الغام: احتلال, ارهاب, نقص شديد في الرقابة, نقص شديد في التجربة, شعب تنقص حياته كل الاساسيات, نقص في الثقة بين الشعب والسياسيين, توفر الدوافع والامكانيات للتزوير والشراء, تدخل مصالح دول الجوار, ودول ابعد واقوى من دول الجوار.
مؤيدوا اجراؤها في وقتها, رغم اعترافهم بعسر الظروف, يرون ان الانتخابات تمثل امنية غالية قديمة للشعب العراقي, وتحديا للارهابيين وكل من يقف ضد الديمقراطية والمراهنين انها لن توجد في العراق, وان ليس للعراق ان يحكم الا بالعنف والدكتاتورية ... تأجيل الانتخابات اعتراف رسمي بهزيمة الحكومة والامريكان ونصر للمعارضين بمختلف مشاربهم.
من ناحبة اخرى يؤكد مؤيدوا التأجيل ان الانتخابات لايجب ان تكون هدفا بذاتها, وانها ليست الديمقراطية نفسها, فالديمقراطية ليست استعراضا انتخابيا, وان ليس دليلا على الشعور بالمسؤولية, المخاطرة بأرواح المواطنين في مسرحية دموية معروفة النتائج مسبقا, من اجل ان يقال ان الحكومة والامريكان حافظوا على كلمتهم وانجزوا الانتخابات في وقتها.
ورغم ذلك فأن الانتخابات ستجري وفي موعدها! هل نصفق لبطولة القائمين عليها ام نشكك بهم؟ يبدو لي ان الموقفين مشروعين, فهي بطولة مشكوك بسلامتها وبنتائجها. لذلك نرى من المهم تحليل مخاطر هذا القرار لخفض احتمالات تلك المخاطروتقليل اضرارها ان حدثت.
يمكننا تقسيم تلك الاخطار الى قسمين: خطر فشل عملية الانتخابات نفسها, وخطر ان لاتنتج تلك الانتخابات, بسبب ضروف اجرائها, النتيجة المرجوة منها: حكومة تمثل الشعب.
اخطار فشل عملية الانتخابات
الخطر الاول ان تتحول الانتخابات الى مذبحة بشرية. ولا استطيع ان اضيف شيئا هنا, لان هذا الخطر معروف تماما, وافترض ان الجهات المعنية ليست بحاجة الى تحذيري في هذا الموضوع.
الخطر الثاني ان يتم تزوير الانتخابات بشكل واسع. فظروف الانتخابات العراقية مثالية بالنسبة للمزورين. فاولا لن تتواجد الامم المتحدة او جهات اجنبية محايدة بشكل كاف لمنع التزوير. وثانيا, ليست لدى العراقيين خبرة في مراقبة الانتخابات ومنع التزوير, وثالثا, من الممكن ان يكون الوضع الامني حجة وسببا في السماح باجراءات تزيد احتمال التزوير.
النقطة المركزيه هنا ان يتخذ القائمون على مراقبة الانتخابات موقفا اساسه الشك, وليس الثقة. ان يتذكروا دائما ان هناك من ينوي تزوير الانتخابات وله مصلحة في ذلك وان له وسائله وامكاناته الابداعية. على فريق المراقبة ان يشكل مجموعة مهمتها ان تتلبس دور مزوري الانتخابات, وان تبحث بجد وابداع كل الطرق الممكنة لانجاز التزوير او تقليل فرص انتخاب جهة وزيادة اخرى, ثم اغلاق تلك الطرق. تلك اللجنة يجب ان تعتبر نفسها في سباق ابداع مع المزورين.
الخطر الثالث ان يتجنب الناس التصويت خوفا او بسبب عدم الاهتمام والتركيز على حاجات الحياة الاساسية او عدم الثقة بالسياسيين, ويترك الامر لفئة قليلة ستقرر شكل الحكومة العراقية.
رغم ان الوقت قصير والظرف سيء للغاية, تبقى المهمة الاساسية للاحزاب والقوى الوطنية في هذه النقطة انجاز افضل حملة انتخابات ممكنة, وحشد اكبر عدد ممكن من الناخبين الواعين لاهمية الانتخاب وتفاصيل ما يجري. ومن المؤمل ان تكون الاحزاب اليسارية, وهي الاكثر ثقافة, قد استعدت لذلك بدراسة علمية افضل من غيرها لكيفية اقامة مثل تلك الحملات.
اخطار فشل نتائج الانتخابات
واول تلك الاخطار هو فقدان الامل اللامع بالديمقراطية, وتحوله الى نكتة مفعمة بالمأسي لدى العراقيين. هذا بحد ذاته سوف يضع العراقيل في طريق اي اتجاه قد تدعوا اليه جهة ديمقراطية بصدق مستقبلا, اذ ستذكر كلمة "الديمقراطية" الناس بذكريات سيئة.
يذكرنا هذا بالاثر السلبي الهائل للتجربة الاشتراكية العالمية الاولى في الاتحاد السوفيتي وغيره. فقد ربطت هذه التجربة كلمات "الاشتراكية" و"الشيوعية" بالدكتاتورية في اذهان الناس بشكل لايمكن فصله.
كما ان الناس, بفقدانهم الامل الوحيد لانقاذ العراق, سوف يدخلون في سلبية ويأس ابلغ واكبر من اي يأس وصل اليه هذا الشعب. فرغم كل المأسي الطويلة التي عانى منها الشعب العراقي, الا ان امل الديمقراطية كان موجود دائما في رؤوس الناس, على الاقل في احلامهم اللاواعية, كطريق محتمل الى حياة سعيدة. ان اغلاق هذا الطريق بتجربة مؤلمة سيكون له اثر قاتل على روحية هذا الشعب, وهذا ما ستصفق وترقص له القوى الدكتاتورية في البلد. الديمقراطية امل ورمز نفيس للشعب, ويفترض التعامل معه بما يستحق من حذر وانتباه لاهمية دوره في ابقاء شعلة الامل حية في نفوس الناس.
ليست هناك وصفة لضمان ثقة الناس بنتائج الانتخابات, لكن هناك بالتأكيد وصفة لضمان خسارة تلك الثقة: ان تنتخب نفس الحكومة الحالية برئاسة رئيس الوزراء علاوي! فبغض النظر عن سلامة الانتخابات, فان انتخاب نفس الحكومة سيثير اكبر الشكوك بتزويرها. لن يكون هناك احتفال ب "اول تغيير لحكومة عراقية بواسطة الشعب" ان لم يكن هناك "تغيير" اصلا, ولا ب "تسلم اول حكومة تأتي عن طريق انتخاب الناس للسلطة" لان تلك الحكومة كانت قد استلمت السلطة قبلا وبضغط امريكي, دون حاجة الى تاييد الناس.
رغم ذلك اصارحكم انني لا اتوقع مثل هذه التضحية ولو المؤقتة, من رئاسة الحكومة.
حكومة مؤثرة
لكن انتخابات فاشلة, وحكومة "شرعية" لاتمثل الشعب ستكون ذات اثار خطيرة على العراق ومستقبله. فحكومة منتخبة, حكومة قوية, يصعب محاسبتها والضغط عليها. ان اجراء الانتخابات يعطي الحكومة (الناتجة عنها) قوة اضافية وصلاحيات اضافية, ولهذا السبب يجب عدم معاملة الانتخابات بلا ابالية, ويجب ان لاتوفر اية جهود تزيد من فرصة انتخابات تمثل الشعب في نتيجتها.
ومثلما يأمل الشعب ان تتمكن الحكومة المنتخبة من ان تمثل مصالحه وتقف بوجه الضغوط الاخرى, يأمل الامريكان والصداميين نفس الشيء.
الصداميين سيضعون ثقلهم الاول على افشال الانتخابات اساسا, لكن لديهم خط دفاع ثان يتمثل في التسلل الى الحكومة المنتخبة القادمة. يجب الاعتراف ان هذا "التسلل" عمل شرعي, فالديمقراطية لاتنتقي الخيرين من الناس دون غيرهم, الا انها تأمل ان "الاخيار" اكثر عددا وبالتالي اوفر حظا.
لكن الخطر يكمن في ان يتمكن هؤلاء من اخذ وزن اكبر مما يمثله عددهم, وذلك بمشاركة نسبة اكبر في التصويت, وبارهاب الاخرين وابعادهم عن صناديق الاقتراع, كذلك سيحاولون توجيه الحكومة القادمة من خلال قوة تنظيمهم واستخدام معلوماتهم الامنية لابتزاز السياسيين, خاصة ذوي الثغرات الفضائحية, وهم متوفرون.
اما بالنسبة للامريكان فالسيناريو الامثل هو انتخابات ذات اجمل شكل ممكن, وافرغ محتوى ممكن. فالشكل مهم لموقف الحكومة الامريكية في اميركا وامام العالم, والعراق. اما المحتوى فخطير في بلاد يسودها العداء لهم.
بشكل عام تتمثل اهم مصالح الامريكان في النقاط التالية:
اولا حكومة ترغب, وتستطيع ان تتحمل مسؤولية قررات ابقاء القوات الامريكية الى اجل يحدده الامريكان انفسهم, وحسب خططهم العسكرية التي لانعرفها, للمنطقة والعالم. هذا ليس بالصعوبة المتصورة, فيكفي ان يستمر "الزرقاوي" بعملياته لكي يكون ذلك القرار مقبولا.
وثانيا حكومة تستطيع تسهيل دخول اسرائيل الى العراق بمساعدة حملة اعلامية واسعة. وهذه ربما تبدو صعبة, لكن المتابع لكيفية دخول اسرائيل الى الاردن ومصر واستيلائها على عصب القرار والاقتصاد رغم كراهية شعبي البلدين الشديدة لها, لن يجد دخول اسرائيل العراق مستحيلا, رغم الفارق بين ظروف البلدان المذكورة.
ثم يأمل الامريكان بحكومة تكتب دستورا تثبت فيه صفة رأسمالية حادة للبلد بشكل "شرعي" وطويل الامد. مؤشرات السنة الاولى للاحتلال تؤكد ان طموحات الشركات الامريكية في هذا الامر تذهب الى جعل العراق البلد الاكثر رأسمالية في العالم, من خلال نظامه الضريبي (على حساب فقرائه) وانفتاحه على السوق العالمي (على حساب صناعته) بشكل متهور وغير مسبوق.
يأمل الامريكان بتحقيق مصالحهم بطريقتين: الاولى النجاح في وصول حكومة مؤيده لهم الى الحكم بشكل شرعي, وعندها سيكونون بمأمن من الضغط الداخلي (الشعبي) والخارجي (الدولي) لاصدار قرارات تؤمن مصالحهم في العراق. قد يبدو لنا ان تحقيق ذلك امر مستحيل, لكننا يجب ان نتذكر انهم استطاعوا ان يكسبوا الانتخابات الروسية ليلتسين الذي لم يكن الا سكيرا مريضا وشبه مقعد, ولم تكن له من شعبية الا 4% حسب الاستفتاءات السابقة للانتخابات, والتي تمكنوا من معالجتها بفريق اعلامي متطور ووسائل اخرى.
والطريقة الثانية هي الضغط على الحكومة المنتخبة ان لم تكن متعاونة تماما معهم بالوسائل الاقتصادية والعسكرية والشخصية. واقصد بالشخصية, المعلومات التي تمكن الامريكان لحد الان من جمعها عن السياسيين العراقيين والتي تصلح لابتزازهم فيما بعد. ومن المتوقع ان تعمل كلتا الطريقتين معا: تسليط اقصى ضغط ممكن على حكومة تقاوم اقل ما يمكن من الضغط.
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟