|
مَن سيكن بشجاعة هذا الرجل يا ترى؟
وجيهة الحويدر
الحوار المتمدن-العدد: 1048 - 2004 / 12 / 15 - 22:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثير من الناس يعرّفون الشجاعة في إطار ضيق مضلل، يتجسد في البأس الشديد، والإقدام ببسالة على خوض المخاطر، والقدرة على رد الصاع صاعين، ومحاربة العنف بعنف اشد وأقسى وأمر. وقلة من هم يدركون أن جزءا كبيرا من الشجاعة يتمثل في الوقوف أمام العيان، للاعتذار والاعتراف بصدق وأمانه عن عمل خاطئ، يتوجب تصويبه في الوقت عينه. السيد محمود عباس، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة فتح، الملقب بأبي مازن، اتخذ ذاك المنحى، وسار في طريق الشجعان، وصحح خطأ فادح اُرتكب في حق شعب اعزل، كان قد توجب تصحيحه منذ سنوات طويلة. ليس من الضروري أن نتفق مع خط محمود عباس السياسي أو أن نختلف معه، لأن ذلك لن يغير شيئا مما قام به مؤخرا في الكويت، فقد دوّن حدثا مهما في سجله ومن اجل مصلحة شعبه. الاعتذار أمر لم يعتد العرب على سماعه أبدا خاصة حين يتلفظ به مسئول عربي بمنزلة أبي مازن. نحن بعكس الأمم الأخرى، ففي الدول التي تحترم شعوبها، إذا جرى فيها خطأ ما اعتذر المسئول، وان لم يكن كافيا اعتذاره استقال من منصبه وترك الساحة لمن هو افضل منه. كم من رجال السلطة في وطننا العربي اعترفوا بأخطائهم وعثراتهم وسعوا لتعديلها، أو أفسحوا المجال لغيرهم ليقوموا بذلك؟ لا صغيرهم ولا كبيرهم يكتنز ذاك الصنف من الشجاعة. هاهم يخطئون ويتجنون على شعوبهم، وأحيانا يؤذون جيرانا لهم دون اكتراث بالعواقب الوخيمة التي تترب على أفعالهم. ساهموا في حرب الخليج الأولى بالمال والعتاد لثمان سنوات، ولم يرف لهم جفن للدماء الفتية التي سُكبت فيها من كلا الطرفين في تلك الحرب المدمرة. تدّخلوا بأموالهم ورجالهم في حياة شعوب تبعد عن أراضيهم آلاف الكيلومترات كما جرى في أفغانستان، ولم يحسّوا بما تسببوا من جرائم قتل وانتهاكات لأهلها. بعض الحكومات العربية ساعدت في إجهاض ثورات لأمم مناضلة، كانت تقاتل من اجل نيل الحرية، وأسقطت أنظمة كانت تنشد الديموقراطية، مثل ما حدث في نيكاراغوا وتشيلي في أمريكا الجنوبية، ولم تشعر بالإثم لما ارتكبته في حق تلك الشعوب. ومنهم من قاموا بتفجير طائرات لركاب مدنيين عُزل، وتغذية حروب حصدت آلاف البشر، ودعموا جماعات ارهابية متفرقة في العالم، وقاموا باختطاف ثوار، ومحاولات اغتيالات لقادة سياسيين بسبب خلافات شخصية.
ذاك كله كان ومازال بعضه يحدث على الصعيد الخارجي. كل تلك الآثام العظام لم يعتذر احد من المسئولين العرب عنها. أما ما يجري اليوم داخليا من مآس وشقاء في طول البلدان العربية وعرضها، فهي تتطلب من كل رجل عربي ذو سلطة أن يقف أمام شعبه، ويقدم اعتذار الشجعان ثم يبدأ بتحسين ما يمكن تحسينه على الفور. الشعوب العربية لابد أن تحصل على حقها أولا في الاعتذار لوضع النقاط على الحروف، كما فعل اليهود بعد الحرب العالمية الأولى مع الحكومات الأوروبية التي اضطهدتهم وهضمت حقوقهم. حيث لم يكتفوا اليهود بالاعتذار، وإنما طالبوا تلك الدول بدفع تعويضات نقدية طائلة عن كل تلك الجرائم التي اُرتكبت ضدهم.
هناك قائمة طويلة تتوجب الاعتذار من رجال السلطة العرب ولابد من تصويبها حالا.. الزنزانات النتنة التي قرضت الأرواح النقية ومازالت تكتظ بسجناء أبرياء معذبين، جنحتهم الكبرى أنهم يبغضون الحكم الجائر، ويمقتون نهج القهر الذي تتبعه دولهم. يعيشون لسنين بين أربعة حيطان، حيث لا يُفرج عنهم إلا بمكرمة من "الآمر بإسمه"، أو إذا نكح زوجته وأنجب منها وليا لعهده الميمون. المنازل الكئيبة المليئة بالنساء الحبيسات اللاتي لا يملكن حتى أنفاسهن في هذه الدنيا ، ذنبهن أنهن يقطن تحت ظل دول لا تعترف بوجودهن ولا تحسبهن من عداد البشر. المحاكم والقوانين التي هي أساسا سيوف مسلّطة على رقاب الناس البسطاء، لا تنصف سوى الأثرياء أو من له خازوق وباع طويل في الحكومة. الدستور الذي هو عبارة عن صورة شكلية مُعد كي يستهلك في الإعلام الخارجي، حيث تُبدل بنوده في غضون دقائق معدودة، على حسب ما يتماشى مع مصلحة مدبر شؤون الدولة اما لتمديد مكوثه على عرش السلطة، أو من اجل تنصيبه برغم صغر سنه. الديموقراطية المتلعثمة المتمثلة في صناديق اقتراع وهمية، والتي هي في حقيقة الأمر ظاهرة صوتية، صداها أرقام زائفة، كلما ارتفعت وناطحت المائة فضحت مدى عمق مستنقع الفساد الذي تغرق فيه الدولة. التلوث القاتل الذي نتج عن حروب الجنون التي عصفت بالمنطقة. ذاك التلوث المنتشر في كل زاوية جعلنا نتصدر قوائم الأمراض الخطرة ونموت على إثرها. الميزانيات المرتبكة والديون المكدّسة التي ترزح على كاهلي كل دولة حتى الدول النفطية منها. اللوائح الجائرة التي هجّرت النخب والعقول المستنيرة. البطالة والأمية، ثنائيان متلازمان لدهور بين الناس حيث جعلت منا الاوائل في ذاك المضمار. ففي البلدان العربية اكثر من 65 مليون فردا عاجزا عن القراءة، ثلثيهم نساء ،وتقريبا 25 في المائة عاطلين عن العمل، لا يحسنون أن يستدلوا على كسرة خبز تسد رمقهم. خلاصة القول القائمة طويلة والاعتذار واجب بالقول والفعل . فاسطوانة الإصلاح المشروخة التي أقلقوا الناس بها منذ قدوم الموجة، آن الأوان ان يكفوا عنها. التغيير لا يأتي بمؤتمرات ومنتديات وحوارات وطنية،بل حين تتخذ الحكومات العربية درب الشجعان نهجا، وتبدأ بتصويب أجندتها ومراقبة سلوكيات رجالها ومعاقبة الفاسدين منهم. فمن يا ترى سيسلك طريق الصواب ويبدأ بتعديل حقيقي لإعوجاج هذه الأمة المنكوبة؟
وجيهة الحــويدر
#وجيهة_الحويدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدننا -الآمنة-
-
انا سوسنك يا والدي
-
مناجاة بين طهران والظهران
-
سُخف واستخفاف حتى الثمالة
-
من اجل ذاك القنديل
-
العالم يقطر انسانية
-
رغد وعائشة ورانيا..حالات عَرَضية أم عاهات مستديمة؟
-
إن كيدهم أعظم
-
الى متى سيظل تاريخ الحضارة الإنسانية يُلقن مبتورا؟
-
هل توجد هناك علاقة بين تناسق الجوارب وإزهاق الروح؟
-
قذارة امرأة وازدواجية عالم ذكوري
-
لاستاذ حيّان نيّوف.. الاحتضار هو حين تسكن روحك جسد انثى عربي
...
-
خرافة سندريلا المسكينة تمتهن الأنثى ومادونا تعيد إليها الروح
-
وجيهة الحويدر تتلقى تهديداً بالإعتداء - إن يدنا تطول امثالك
...
-
العنوسة خير ألف مرة من الزواج من رجل في هذا الشرق البائس
-
لا يكفي أن يسترد النساء العربيات حقوقهن! أيها الفحول: دماء ا
...
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|