أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سلام ابراهيم عطوف كبة - المجتمع المدني والمؤسسة العشائرية_ كردستان العراق نموذجا_ القسم الاول















المزيد.....



المجتمع المدني والمؤسسة العشائرية_ كردستان العراق نموذجا_ القسم الاول


سلام ابراهيم عطوف كبة

الحوار المتمدن-العدد: 1048 - 2004 / 12 / 15 - 10:31
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


في سبيل بناء عراق ديمقراطي فيدرالي موحد مزدهر
نيشتماني ئازاد و كه ليكي به ختيار

(1)

يتمخض عن التوتر وعدم الاستقرار السياسيين ما نطلق عليه الانحطاط المؤسساتي المدني وانتشار المفاهيم المؤسساتية الارتدادية بسبب أزمات الشرعية والمشاركة والاختراق والأزمات السياسية والاجتمااقتصادية والتخلف والاحتراب الأهلي والضغوطات الخارجية والوصاية الدولية وعهد الدولة الكومبرادورية وخرق السيادة الوطنية والاحتلال الأجنبي .. وتسود بلادنا اليوم قيم ما قبل المجتمع المدني ومنها البنى المؤسساتية المتخلفة المتمثلة بالعشائرية والطائفية والجهوية والمحسوبية والمنسوبية..وهي قيم انتقلت الى الأحزاب ذاتها ليجري اعتمادها لدى تقييم آليات عملها في شتى الميادين. ويبقى الحوار البناء الموضوعي جوهر الحياة وسنتها وليس برنامجا قدريا يهبط من السماء ويستهدف التفاعل ومراكمة نقاط الالتقاء نحو الانسجام والتآلف والموضوعية والعقلانية نقيض حلقات دبكة و تراقص الألسن والتراشق بالكلمات(1).
لقد شاعت مقولة المجتمع المدني في الفكر البورجوازي وفي الأدب الماركسي على حد سواء. وكانت استعادته اجتهاد على قاعدة الفكر الماركسي وليس ارتدادا عنه ! في مسعى جاد لتصحيح العلاقة بين الدولة والمجتمع، والجمع بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية، والحرص على استقلالية المؤسساتية المدنية . وفي المجتمع المدني يتجلى الكل الاجتماعي في كل صغيرة وكبيرة من الحياة ، من الخطاب الإعلامي الى وحدة المشروع الوطني ..وتسخر ميزاته لترسيخ دعائم الاستقرار للمجتمع وجعل توفير الرؤية الوطنية الشاملة ممكنا.وعليه المجتمع المدني ليس بالبدعة الغربية واللعبة أو دليل الاحباط ومجرد لغو وقصور في الفهم ! بل هو ضرورة تاريخية اجتماعية لا يمكن اعتراضها الا إذا أردنا الإطاحة بالدولة في صيرورة تكوينها الى دولة رعوية بين أحضان الفساد والطفيلية.
تتموضع الديمقراطية في البؤرة التحكمية (Control Focus) للمجتمع المدني ومنهجية عمل الدولة الحديثة معا وتعمل على أساسها السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والنقابات ومجالس إدارات الشركات الكبرى والهيئات السياسية والأحزاب والمنظمات غير الحكومية N.G.O.s الخ،وهي تتطور في منظومة العمل المؤسساتي والجمعياتي الحقوقي الحديث وتعني بالاحتكام الى البشر والعقل البشري في شوؤن الحكم وتداول السلطات لأنها التفكير السياسي الذي يعني بحكم الشعب..الديمقراطية تعاكس الغربنة لأنها هدم للتقليد وبناه بينما الغربنة توفر محاولات التكيف والتعايش بين أشكال مختلفة للسلطة دون تغيير جذري .ومثلما الحرية ليست مائدة تهبط من السماء على طالبيها فان الديمقراطية ليست ترفا يمكن العيش بدونه أو هبة تمنح بل هي الحاجة الماسة بعينها لا استغناء عنها وتنتزع بالنضال المثابر الدؤوب..وحق المواطنة هو الف باء المجتمع المدني ويتمتع فيه المواطن بالشخصية المستقلة للرأي والعقيدة والموقف وهو قاعدة الاشتراكية _ مملكة العدالة والحرية ..تتجسد فيه الكيانية الوطنية ذات المحتوى السياسي حيث تتفاعل المكونات الرئيسية الثلاث : الأرض والشعب والدولة ..ويعبر عنه في مفهوم الوطن ( يتوافق مفهوم الرعية لا المواطنة مع تصورات و رؤى الدولة - الطائفة، و الدولة - القبيلة ، والدولة - المزرعة… ومفهوم النعاج التي تسهل قيادتها مع الطغيان عندما تنتهي سلطة القانون ).وتعرقل المؤسساتية المدنية المكونات الاثنية الدينية شبه المستقلة لأنها القوالب الجاهزة لتقوقع الانقسامات الطائفية والقومية ،والمؤسسات شبه الجاهزة وشبه المعبأة الحاملة للمصالح الفئوية المهددة لوحدة الشعب الوطنية ، واوراق اللعب السلطوية المتجددة دوما لتطويق حركة المجتمع وقمع عوامل التململ والرفض فيه.وينبه تعطش الشعوب الى الديمقراطية وصحوة احترام الرأي الآخر ونقد الفكرة بالفكرة الجميع الى ضرورة اعادة النظر في الكثير من الممارسات والمنطلقات الخاطئة التي ابتلت بها الحياة السياسية في العراق وكردستان.(2)

 كردستان _ بلاد الكرد

في البدء هناك الأسطورة عندما عزا المؤرخون العرب اصل الكرد الى نسل الجن القاطنة الجبال حيث اخترعوا 400 من اجمل بنات الغرب اللاتي جيء بهن الى حريم الملك سليمان فاستشاط الملك غضبا وطردهن فعدن ليضعن نسلهن العجيب في بقعة موحشة من الأرض قيل أنها مقر الجن الدائمي فكان الشعب الكردي…وحياته مزيج متلاحم من التشرد والقسوة إذ نفخوا فيه هذه الطبائع.. ويقول القلقشندي في صبح الأعشى " إن الأكراد شعب كبير و قوي ولولا اقتتالهم لفاضوا على البلاد !! " .لكن الأدب الكردي كان الصورة الصادقة للمجتمع الجبلي بتناقضاته الاجتماعية فقصص مم وزين ، سيناحاجي ، كاوة والضحاك ، دمدم ، مير محي ، سيامند ترينا تناقض المصالح الاجتماعية وصمود الكرد ودفاعهم عن شرفهم و وطنهم .
كانت بلاد الكرد جزءا من إمبراطوريات مترامية الأطراف ومتعددة الأقوام منذ عصور ما قبل الميلاد والخلافات الأموية والعباسية والسلاجقة وتواجدت الأمة الكردية في كردستان منذ زمن قارب وجود الأمة اليونانية في اليونان.. والكرد من أحفاد سلالة الملوك الشرقية الثالثة العظمى واحفاد الكردوخيين والكاشانيين والحيثيين…وحيث عاشت مختلف الأقوام والمجموعات البشرية واهمها الكوتيون واللولوبيون في زاكروس و اوراتو جوار فان .وبدأ العصر الحديدي في العهد الحيثي. قبل ذلك تعود آثار الحياة البشرية في كردستان الى العصور المتأخرة من العصر الحجري القديم، …ودلت الحفريات إن اقدم اثر لأستيطان الإنسان القديم في شمال العراق تمثل بأدوات من حجر المايكروليتيك وهي صناعة انفرد بها شمال العراق في العصر الوسيط ( الميسوليتيك) أي الى ما بعد العصر الجليدي الرابع (15000) ق.م. ولم يعثر لها في الجنوب على اثر…وسمي هذا العصر بالزرزري نسبة الى كهف زرزري قرب السليمانية .وتغلب العنصر الآري بحكم الغزوات المتعاقبة لكردستان كما تمكن المجتمع الجبلي الكردستاني من الحفاظ على استقلاليته النسبية رغم الموجات السامية المتعاقبة على وادي الرافدين . وجرى تداول تعابير كوردئين و منطقة شعب الكاردو منذ 1300 ق.م.. ويعد القرن السادس عشر الميلادي نقطة تحول في تاريخ الكرد ، ففي عام 1514 واثر معركة جالديران جرى اقتسام كردستان بين ايران والامبراطورية العثمانية ، وأضحت كردستان في العقود اللاحقة مسرحا للحروب المتواصلة بين تركية وايران ، وثبتت معاهدة ارضروم سنة 1833 الحدود الفاصلة بين البلدين.
خلق التوتر الدائم والحروب في كردستان خلال قرون عديدة العقبات الجدية أمام التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي للكرد واعاقت عملية نهوض السلطات أو تطوير نظام الدولة في كردستان واضمحلال أنماط الحياة البالية.. وقد احاق الكرد خطر داهم جديد وهو الأطماع الامبريالية .. في الوقت الذي تحددت فيه سمات هذا الشعب مع انتشاره في مناطق متجاورة خاضعة لدولتين متخاصمتين.وسعت الحكومة العثمانية الى تجنيد الكرد في ميليشيا حدودية صدامية أمامية في حربها مع ايران وأعفتهم من الضرائب في سبيل ذلك… ولم ينصاع الكرد بسبب ضعف السلطات المركزية وانتعاش النزعات اللامركزية على هيئة حركات انفصالية يقودها الإقطاع الكردي.وحصل الكرد على استقلال نسبي ضمن الدول الاستبدادية ..وظهرت امارات سوران ، بادينان ، بوتان ، بايزيد ، درسيم ، .. والامارات اليزيدية. ثم انتشر التفتت الإقطاعي ليسود الصراع الدائم ما بين الامراء والشيوخ والخانات والبيكوات من جهة والدولتين العثمانية والفارسية من جهة أخرى ومع بعضهم البعض.وكانت أعمال النهب وحوادث الاغارة والاشتباكات الصغيرة والاصطدامات العسكرية ظواهر عادية في كردستان.
امتد تاريخ الكرد الى عصور قديمة أغفلهم المؤرخون ليمزجوهم مع أقوام أخرى ..واطلقوا أحيانا عليهم اسم العجم..لكن الشعب الكردي وحد نفسه واسس الامارات والدول والحكومات منذ اقدم الازمنة في مجموعة شعوب ( زاكروس ، ميتانيا ، ميديا ).. وفي العهد الإسلامي وحده ظهرت 14 دولة و 35 امارة كردية في مناطق الجبال والجزيرة وديار بكر والشام ولبنان رغم ان تيار التعريب استمر قويا طيلة العصر العباسي في عموم العراق وبالأخص كردستان … وجرى استعراب اكثر أهالي مدينة اربيل.
أرغم الصفويون الكرد والأرمن والتركمان والآذريين الانتقال الى عمق الأراضي الإيرانية بعيدا عن ديارهم وعمدوا الى تدمير المدن والريف الكردي أثناء تراجعهم أمام القوات العثمانية ( 1534 _ 1535 ).وبموجب معاهدة زهاو بين الإيرانيين والعثمانيين اتفق الطرفان الضغط على الكرد للعمل كحراس حدود خارج كرديتان وتشتيت القبائل الكردية المثيرة للمشاكل واتباع سياسة الأرض المحروقة في كرديتان العراق. وعمد السلطان سليم الأول بترحيل القبائل الكردية الى وسط وشمال الأناضول والى جنوب أنقرة واسكان القبائل التركمانية مكانهم في الربع الأول من القرن السادس عشر . وقامت السلطات التركية بحملات تهجير واسعة للكرد أعوام 1915 ، 1925 ، 1930 ..بينما قام ستالين بتهجير كرد القوقاز أثناء الحرب العالمية الثانية واسكنهم سيببريا وكازاخستان…
دخلت روسيا هذا المسرح أواخر العقد الثالث من القرن التاسع عشر واقتربت حدود إمبراطوريتها من كردستان ليصبح قسم من الكرد في عداد رعايا روسية القيصرية نتيجة الحروب مع ايران وتركية.هذه المرة تعاون الاقطاع الكردي مع روسيا وفيها تمتعت الزعامات الكردية الإقطاعية _ القبلية بأمتيازات اقل من تلك التي منحتهم إياها تركيا لكن العلاقات القبلية البدائية تضعضعت عند كرد روسيا الى حد كبير ولم يكن لزعماء الكرد من البيكوات والاغوات أية قيمة في نظر السلطات المحلية فيما وراء القفقاس حيث لم تمنح لهم أية امتيازات أو مكافآت أو أوسمة مما شجع تركية وبمساعدة الاقطاع الكردي على استغلال الأمر لتأجيج روح العداء ضد روسيا بين العشائر الكردية. في أثناء ذلك شهدت المنطقة الانتفاضات الكردية المعروفة (3).
كما اكتسبت القضية الأرمنية في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر الأهمية المتزايدة في حياة شرق الدولة العثمانية وساعدت على تدويل القضية الكردية ( كان المصدر الرئيسي لاثراء الاقطاع الكردي هو استغلال الفلاحين الأرمن المحرومين من كل الحقوق … وازدهر هذا الاقطاع في كردستان تركيا وأرمينيا الغربية). وفي آذار - نيسان 1914 قمعت الانتفاضة الكردية في أمارة بدليس الكردية بصورة وحشية وجرى اعدام قادتها وتهجير ما يقارب 700 الف كردي الى الأناضول غرب الامبراطورية . بعد ثورة أكتوبر قرر البرلمان الأذربيجاني توحيد 6 مقاطعات كردية تمتد من قره باغ الى نهر آراس بأسم منطقة الحكم الذاتي الكردية أو كردستان الحمراء ( كردستان السوفييتية ) ..واستمرت المنطقة قائمة من عام 1923 حتى عام 1929 حيث ألغيت بقرار ستاليني وتمت ازالتها من خارطة الاتحاد السوفييتي كما حظرت المؤسساتية الثقافية الكردية والطباعة الكردية منذ سنة 1937 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
استغرق تحول النظام الاقطاعي من حيازة اقطاعية الى نظام اجتماعي وسياسي في كردستان العراق بعدا زمنيا تبلورت ملامحه مع ضعف الإمارات والاتابكيات والكيانات الكردية الصغيرة وغياب الكيانات الشمولية .وهو بالطبع من المردودات اللاحقة لتطور المؤسسة العشائرية .وقد ظهر الاقطاع الكردستاني في ظل علاقات قبلية مبكرة حيث تتمتع روابط الدم والقرابة والعلاقات الأبوية بقوة فائقة داخل العشيرة الواحدة … وكانت سلطة الأب الأساس الاجتماعي للمؤسسة القبلية وهي مؤسسة أبعد دائما عن أن تكون ديمقراطية بسبب الاحترام المطلق لزعيم القبيلة أو رئيس العشيرة والسيادة الدائمة للفرد ذو العصبية الأقوى! (4)
حافظت المؤسسة القبلية على الطابع القومي للمجتمعات الكردستانية قبل ظهور الامارات السياسية ..وهذا ينطبق على المجتمعات الكردية والكلدوآشورية والتركمانية معا.ورجع الكرد الى الأحضان العشائرية بعد هزال اماراتهم في سبيل الحماية وحفظ الانتماء وفي أجواء التوترات الدائمة بين الانظمة الاوتوقراطية المحيطة بكردستان والقبائل الكردية..في الوقت الذي خدم التشبث اللاواعي بالمؤسسة القبلية مطلع القرن العشرين التطلعات القومية الكردية المتجهة نحو الشمولية وانتصبت البورجوازية الكردية الناهضة متحالفة مع بقايا أمراء الكرد المخلوعين لقيادة هذه التطلعات (انظر: مدحت بيك بدرخان ،عبد الرحمن بيك بدرخان،أمين عالي بدرخان،الشيخ عبد القادر بن الشيخ عبيد الله..الخ).
وظلت القبائل الكردية عصية على السلطات المركزية رغم توافق مصالح زعماء القبائل معها في الحفاظ على التشتت القبلي..يذكر ان السلاسل الجبلية الوعرة التي تقطع السهول والوديان منعت الكرد والقبائل الأخرى من أن يصبحوا أصحاب حياة اقتصادية متماسكة ..ولم تساعدهم على العمران واضعفت التواصل الحضاري وكرست من انعزال الكرد والشعوب الأخرى والجهل بالخصائص السوسيولوجية والانتروبولوجية لهم !..كما نتج عن الطوبوغرافية الوعرة تكريس القبلية والتباين في اللهجات رغم صغر مساحة كردستان ! والتشتت الاجتماعي وضعف التماسك القومي .وبقت اللاأخلاقية الاستعمارية العامل الأساسي في الحفاظ على اشكاليات الواقع الكردستاني الراهن والصبغة العشائرية السائدة …(5)
ترتبط موضوعة تخلف عموم كردستان بتخلف الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية الإقطاعية منذ العهد العثماني وبالرأسمالية الكسيحة وبتحويل كردستان الى مستعمرات وشعبها الى قوة تمد السلطات الحاكمة بقوام ديمومتها ..وساهم هذا في بقاء المؤسسات الخارجة عن طبيعة العصر في البنى التحتية وهي مؤسسات قبلية - اغوية ومشيخات ما دون القرى والارياف ورعوية تجسدت في الامارات والسناجق والحكومات الكردية.

 العشيرة والقبيلة الكردستانية *

لا يمكن رؤية الكرد وكأنهم مجموعة عشائر وقبائل ومنازعات قبلية فقط فذلك تسخيف متعمد وافراغ للقضية القومية الكردية من محتواها الوطني التحرري والسياسي العادل . فالعشائرية اليوم مؤسسة ارتدادية ورجعية مرادفة للجهل والامية والاقتتال الدائم ، والدفاع عن العشائرية هو طبل فارغ يتعامل مع جسد ميت فالموضوع ليس في التمنيات والأحلام لأن التحليل السياسي الصادق عقلاني الطابع وموضوعي وعلمي المضمون. لقد جهدت الحكومات المتعاقبة في الاستانة وبغداد للتمسك بالعشائر واحياء العشائرية ( العشرنة أو العشائرياتية)ولتحويل الكرد والاثنيات الأخرى الى الحاجلة التي تسحق استياء ورفض عامة الشعب …والاخطار عن كل التحركات خارج الاطر السلطوية، ولتوزيع ألقاب الشيخ والاغا والبيك على مرتزقتها من المنبوذين لتوسيع القواعد الاجتماعية للسلطات وضعضعة حركة التحرر الوطني الكردستانية.وللتاريخ عاش الكرد في تنظيمات قبلية اعتمدت روابط الدم والقرابة والولاء الفردي المطلق للكيان الجمعي العشائري وأسلوب الحياة المشتركة القائمة على الرعي والزراعة..وتجعل القبلية من الصعب على الكرد قبول سلطة مركزية لقبيلة واحدة على بقية القبائل.وحتى الأمس القريب كانت الشرائع العشائرية غير المكتوبة سارية المفعول في جبال كردستان وقد كانت جاهلية الجوهر وحشية اختلط فيها الكرم الأصيل والتقاليد البالية القاسية والعنيفة، وحولت رجال العشائر الى أشبه بالأطفال في سذاجتهم البربرية.ولا يعيش الكردي إلا لعشيرته أو قبيلته وبعشيرته وقبيلته كالنحلة التي تقاوم من يهاجم قفيرها..وقد نشطت القبلية بعد اجتياح الاكديين لبلاد وادي الرافدين في الفترة (4500 - 2211 ) ق.م. وكذلك في فترة ( 1296 - 613 ) ق.م. حيث رافقت الحثيين والكيشيين والاجتياح الآرامي والحكم الآشوري . وفي فترة ( 331 - 226 ) أي عهد السليوسيين والبارثيين ..وفترة 1251 - 1869 من أيام المغول وحتى عهد مدحت باشا.. ورغم دخول الزعماء الكرد معترك المفاهيم السياسية الجديدة إلا انه لم يحل في خاطرهم طراز من الحكم غير حكم النظام القبلي الذي يسوده العرف العشائري.
تميز أفراد القبائل الكردية بمستوى الخلق الشخصي العالي وتجري تسوية النزاعات الداخلية والعلاقات الخارجية بواسطة الاغا حيث لا مرد لحكمه.وهناك كره مقنع بأحكام أحيانا لزعماء العشائر بين اتباعهم وذلك جزء من الخلق القبلي…هذا لا يهم ما دام الاحترام والهيبة والخوف هي العناصر الغالبة على العلائق،وكل فرد في العشيرة يعرف مركزه الحقيقي ومتشبث بمبدأ الخضوع المطلق.. وسيطر الاغوات على خزين الذخيرة والأسلحة وبحوزتهم الأموال واستحوذوا على المكانة التي تغدو بغمضة عين أنقاض وركام في الاحتراب العشائري وبالقنابل الساقطة، ومارسوا عرضيا سلطات حق تقرير الحياة والموت بالنسبة للمساكين الفلاحين .وكان يبدو على هؤلاء الفلاحين وكأنهم من عرق متميز تماما بسبب الاختلاف في التغذية وطرق الحياة والملامح والسمات الأخرى بينما امتاز أبناء القبائل الرحل بطول القامة والعود الصلب لأنهم كانوا يأكلون بشكل افضل ويعيشون الحياة الصحية الأنسب وهم يشبهون البدو واهل الإبل في العراق العربي.أما دور الفلاحين البسطاء فمبنية من الطين والحجر والعوارض الخشبية. والقبائل الكردية سريعة التأثر بحضارة المدن بينما تبقى السلاسل الجبلية ابعد من أن تطالها الأحداث الساخنة والمتغيرات الاجتمااقتصادية.
عرف الكرد بشدة احترامهم وطاعتهم لرؤساء عشائرهم،وعند الحديث عن الكرد يجري ذكر أسماء القبائل الكردية.وتعتبر العشيرة الكردية الوحدة الاجتماعية - السياسية في تركيبة المجتمع الكردي وغالبا ما تكون مرتبطة بأقليم أو منطقة جغرافية وتشكل وحدة اقتصادية ، وتتكون العشيرة من البطون القبلية المتعددة لكن الأرستقراطية التجارية الكردية في العشيرة تنتسب الى عشرات البطون القبلية . ولا تستمد سلطة زعيم القبيلة وجودها وقوتها من التقاليد القبلية وحدها بل تستمدها مما يكون له من وضع اقتصادي يستطيع به الغلبة على منافسيه والسيطرة على أفراد القبيلة عبر تقديم المنافع المادية والخدمات المعيشية ،وينهمك هؤلاء بتكديس الثروات وتنمية ملكياتهم الخاصة لوسائل الإنتاج وتوسيع مبادلاتهم التجارية وجباية الضرائب والاتاوات على التجار والقوافل…. ومعروف ان العشيرة في نظر الإسلام ضرورة اجتماعية ومصدر قوة للفرد والمجتمع في كل مكان وزمان لدورها الحيوي في حل المشاكل المستعصية التي يعجز القانون على معالجتها ولتحقيق التكافل الاجتماعي وصيانة النظام الأسري من التفكك والانهيار عبر تطبيق الأعراف والتقاليد القبلية كقواعد قضائية ثابتة تتعاقب الأجيال في تطبيقها بصرامة رغم ان النظام العشائري يتضمن سلوكيات لا تنسجم مع الاسلام كتحول المجلس القبلي الى مسرح لآراء منافية للحق وتفسير الاسلام تفسيرات مغلوطة ..وشيوع مظاهر الثأر والانتقام، والدية بالنساء ،واعتماد أسلوب الوراثة في تعيين زعيم العشيرة .وشجع التصوف الاسلامي المزدهر عند الكرد على تمسكهم البالغ بالنظام القبلي ( المعروف ان التصوف الاسلامي يندرج في خط الهروب لا في خط المواجهة مع السلطات الثلاث: المال والدولة والدين).
تطلعت العشائر الكردية نحو تكوين الامارات والحكم في مناطقهم بعدما لمست ضعف السلطات المركزية والخلافة وأسست الامارات القبلية.ومارس الاغوات والبيكوات سلطانهم في نطاق التقاليد القبلية قبل أن يؤسسوا اماراتهم … كالهذبانية والبرزيكانية والشاذنجانية. وهذا عكس المألوف أي السلطة التفويضية المعترف بها كسلطة الوالي أو الامير الذي يعينه الخليفة لأدارة الاقليم أو البلاد ثم يطور سلطته تدريجيا ويستقل بادارتها .. (6) … وكذلك الدولة الأيوبية في مصر وشمال أفريقيا والشام واليمن (567 - 827 ) هجرية .وساعدت القبائل الكردية بعضها البعض في الحروب الخارجية بدافع المصلحة المشتركة والقرابية.
اتسم المجتمع الكردي بتركيبه الأبوي - الإقطاعي منذ القدم وشمل الكرد الرحالة والمستقرة . وانتمى الكرد الرحالة الى الاتحادات القبلية الكونفدرالية مثل ( حيدرآنلي ) وهو حلف عشائري ، وحلف (حكاري) المؤلف من ( هيركي و بارزان و بادينان و بوتان و جلالي)، وحلف (الجاف)، وحلف (بابان)، وحلف(هماوند)، واتحادات (كلهور) و(سنجابي)…الخ . وقد اعتمد اقتصاد الإقطاعية الرحالة على تربية المواشي والتنقل بين المراعي الصيفية والشتوية ..بينما كان ظهور الفئات المالكة في العشيرة الكردية دليل انحلال العلاقات الأبوية - القبلية . أما الأوبة فهي الرابطة الجماعية الكردية أثناء التوجه الى المراعي الصيفية ، وزعيمها من الأغنياء عادة ، والذين اغتصبوا أجود المراعي الصيفية .ولم تتحول الأوباشي الى مؤسسة اجتماعية - اقتصادية ذات تأثير فاعل في المجتمع الكردي لأن الأوبا لم تتعدى سلطتها حدود العشيرة الصغيرة التي تنتمي اليها..لكنها وسمت العلاقات الإنتاجية بالفعل بالسمة الإقطاعية أو الإقطاع المتنقل.
توزعت الزعامات القبلية الكردية بين البيه والاغا والخان والبيك والباشا والشيوخ والدراويش ..(7). والجميع شكلوا الطبقة الإقطاعية الكردية وتمثلت في معظم الأحيان فيهم السلطتان الدينية والمدنية..إلا ان شيوخ الطريقة النقشبندية وكانوا يحتلون مواقع اجتماعية متواضعة تمتعوا بالنفوذ السياسي الكبير بفضل هالة القدسية التي كانت تحيط بهم..من جهة أخرى تسترت على التباينات الطبقية عند الكرد الأنماط المتخلفة للبنيان البطرياركي - الأبوي ! وبقايا الديمقراطية الحربية رغم نهوض الاقطاع الكردي الكبير.." انظر: إبراهيم باشا زعيم عشيرة ميلي عندما بسط نفوذه على اكثر من 400 قرية وكان يتلقى الرشاوي من العشائر لقاء حمايتها من بطش واعتداءات العشائر الأخرى، كور حسين باشا زعيم حيدرآنلي، جبران موسى بيك في بتليس.." .وفي القاموس القبلي الكردي نميز عادة بين العشيرة - دلالة سياسية ، والطائفة – دلالة قرابية وهي اكبر من التيرة، والتيرة - الفرع ، والهوز - الاسرة الواسعة ، والآغا ، والكويخا - الذي يدير أعمال الاغا في القرى والارياف، والنوكر - الجماعة المسلحة التي تحيط بالاغا ، والكرمانج - الفقراء العاملون في أراضي الاغا.
إن الوحدة الفعلية في الريف العشائري الكردي الديرة - القرية ( الكوند ) وكانت تتجمع وتقام عادة حول العيون المائية ( الكاني ) ومصادرها. وتمتلك القبيلة الحق في الأراضي القابلة للزراعة والرعي وهو أمر مكتسب بالتقادم. والشيخ - الاغا - البيكزادة هو السلطة الأولى فيها ومسؤول عن تطبيق القانون على أفراد عشيرته وحسم النزاعات الداخلية وجباية الدخل الحكومي ، ويملك الأكثر ثراء من الاغوات عدة قرى .. ومناصبهم لا تنتقل دوما الى الابن الأول أو البكر بالرغم من إنها كانت وراثية ..فالعائلة الحاكمة تختار من بين أعضاءها الرجل الأكثر أهلية للقيادة.أما منصب الاغا فمحدد بالتقليد القبلي ..وعادة تضعف التقاليد العشائرية وتتراجع أمام إرادة الشيخ - الاغا مع تحول الروابط القائمة من أبوية الى اقتصادية .. وهو يمتلك الحوشية أي حرسه الخاص المسلح ويتوزعون الى مراتب حسب القرب من الاغا ويمتلكون قطع الأراضي أيضا لكنهم متباينين فيما بينهم باختلاف المهام المكلفين بها ..ومنهم يظهر حراس المحاصيل .ويمتلك الاغوات الكرد الديوانخانة والقهوجية والاتباع ( البيشتمالا ). والفريضة العارفة هو ثاني أهم شخصية في القبيلة ،وهو الرجل الروحي الذي يحل النزاعات سلميا ( الملا أو شيخ الجامع والى جانبهما يتواجد الدراويش أو الباطنيون). أما الخدم فكانوا نوعين : خلام يعمل في بيت الاغا وظلام يخدمون الاغا عند الخروج راكبا .وتخصص الملا والدرويش بالمهمات الدينية والباطنية .وتبقى (الكوخا - الكتخدا) - رؤساء الفروع القبلية وهم المسؤولون المباشرون عن الزراعة "الكوخا منصب يوازي السركال". وكدس الاغا على الفلاح الكردي متوجبات ضريبية منها : الشحنية (الكعادة) للحوشية ، والقهوجية ، والديوان خانة ، والاسملة ، والوزنة ، والمأمورية ، والسركلة ، والاغاتية (الزكاة أو العشر) ، جه ريمه (الاتاوات النقدية) أو الدراو ، السورانة (الزواج) ، الكود (ضريبة الماشية) ، المرهنة أو المرانة ( رأس غنم من كل 50 راس)،الفروجانه ( ضريبة الطيور)، الهيلكانة ، تيالانه ، جيزنانه أو العيدية ، السرخوشانه ( نفقات دفن وعزاء الموتى) ، الكوريسانة (أجرة الخيط) ، البوشانة ، المسيور ، التبك والبيتاك ( الاكتتاب لسواد الناس ). ومع دخل الكفاف يعمل الفلاح في حيازته مع أدواته وحيوانات جره ..وعليه واجب البيكارانة و الهيريويز ( العونة ) أي عمل السخرة في الأرض المخصصة للاغا كما يستدعى لأصلاح السدود وتنظيف العيون والاقنية وحفر الآبار دون اجر… وكان الاغوات يفرضون على التجار رسوم الجعالة من الاتاوات والفرائض على القوافل التي تمر في ديرتهم كالخوة والتسيارات ( اتاوات المرور ) والضرائب الكمركية، والخراج، والخفارة - الراهداري ، والتمغا ، والقبجور - المراعي ، والجزية . والمرأة تخضع لنظام الفصل العشائري ( الكصة بكصة ، زواج الهبة ، زواج الوقف ، التخلص من المرأة عن طريق الفصل ).. ويسمى مهر العريس بالشيرباي ( ثمن الحليب ) أو خوين ( مال الدم ) فدية لخسارة الأسرة فرد بالقتل أو الزواج.. بينما أنتجت العشائرية كل عوامل إعاقة الزراعة رغم التوز أو (الهه ره وهز) أي التعاون في فلاحة الأرض.
ويمكن تلخيص عوامل الإعاقة الزراعية في النظام القبلي بما يلي :

 تعرية الفلاحين وتخريب الأرض بسبب ضعف الارتباط بها ! والإنتاجية المنخفضة وبدائية وهدر الطرق المستخدمة في الزراعة.
 القواعد النفسية والاجتماعية والعقلية القبلية والتخلف والانغلاق والرؤية الرجعية للتجديد.
 الهدر هو المرض العشائري المزمن الأول الى جانب القدرة المحدودة على اعادة الاستثمار في الزراعة والاهتمام بالمكاسب المباشرة وتبديد الزراعة والافقار العام للأرض.

تألف القبيل الكردي من العائلة أو الأسرة الصغيرة ومجموعة اسر تؤلف ال ( به ر ) أي الجبهة الأسرية أو القبيلة التي تمتلك مجلسها الدواويني المنتخب من الأغنياء ( الروسبيا أو مجلس الكبار).. وهو برئاسة الكيخدا - كبير القرية - عبر الانتخاب أو التعيين من قبل رئيس القبيلة أو الاغا الذي ينتخب أو يأتي بالوراثة لكنه يتميز بثروته.
ويمتلك الجميع ( العشيرة أو القبيلة ) الميرخاس أي البطل المتنفذ اقتصاديا ويمتلك علاقات القربى الواسعة . وتمتلك القبيلة الكردية ارض القرية - الكوند وما يحيطها من حقول و مروج صغيرة وهي جميعا مشاعية .والزوزان - الكويستان - اليايلاق هي المراعي الصيفية في المنحدرات الجبلية العالية وتنصب على أرضها الرشمالات - خيم الشعر الأسود - أما القشلة أو القشلغ وحتى القشلاق فهي المراعي الدافئة أو الشتوية وغالبا ما تكون عديمة الماء .. واخيرا الدولكة أي المراتع الممتدة في اعماق الوديان وتستخدم في اوائل الربيع أثناء تناسل الأغنام والماعز. ويمتلك الكردي ارض الكوند وما يحيطها من أشجار لكن بقية الأراضي ومصادر المياه فهي تحت سيطرة الاغوات ولديهم العه مه له - عمله أي الحراس وحاملي البنادق وجامعي الضرائب ويشكلون القوة العسكرية للإقطاعي اللازمة لأخضاع القبائل والعشائر الأخرى.
مر الكرد في فترة كانت الحروب والغارات شرطا من شروط وجود العشائر الكردية التي لم يكن اقتصادها الطبيعي كافي لضمان متطلبات حياتها دون الاعتماد على مصادر الدخل الأخرى ! وتغلغلت العلاقات التجارية المالية الى كرديتان فأصبح الكرد اكثر مرونة من قبل .. وباتت موضوعة الشقاوة الكردية مقولة بالية على الصعيدين الاجتماعي والسياسي لأنها خدمت الرجعية والقبلية الكردستانية (8). وكانت الإمارات الكردية ذات النظام الإقطاعي شبه العسكري تسود أرياف المنطقة ولم تتمكن الحكومة العثمانية من السيطرة عليها وإخضاعها إلا لاحقا رغم بقاء حق التصرف في يد الأمراء الإقطاعيين .واعتبرت العوائل الحاكمة في هذه الإمارات نفسها دائما تابعة للدولة العثمانية وتقدم الخدمات العسكرية لمساعدة السلطان وولاته لإخضاع القبائل العربية المتمردة أو في الحرب ضد إيران ، وتصرف شؤونها باستقلالية ،ولم تلجأ الدولة الى فرض نظامها الإقطاعي عليهم وكانت تعفيهم أحيانا من دفع الرسوم المالية ..ونشأت فوارق عديدة بين النظامين الكردي والتركي..ففي الكردي لم تتواجد التيمارات والزعامات المستقلة ( اقطاع عسكري) التي يشرف عليها الباشا مباشرة، والأرض تعود للعوائل الحاكمة وتدار عبر الوكلاء وهم الاغوات ،وكان النظام عند الكرد اكثر أبوية وقبلية من النظام الإقطاعي .. لكن العوائل الحاكمة احتفظت بحقوق موروثة كجباة للعشر واقطاعاتها اقرب الى صنف االمالكاني ( نظام الالتزام مدى الحياة ) من الزعامت والتيمار ( سمي الشكل الآسيوي للاستغلال عموما بالاستغلال القبالي وهو وحدة متمايزة لعناصر من العبودية والإقطاع والعمل الأجير …والقبالة - الالتزام الطويل الأجل الذي يجعل المقترض في تبعية شخصية للدائن ). لقد بسط الولاة العثمانيون حكمهم عهد داود باشا وهيمنت السلطات المركزية على المناطق الديمية في شمال العراق رغم مقاومة اغوات الأكراد في الفترة 1835 - 1850 . الا ان محاولات اخضاع القبائل في الوسط والجنوب باءت بالفشل ! … وعلة هذا الفشل ايمان الدولة العثمانية بجبروت القوة العسكرية إذ انها لم تدرك ان العوامل الاقتصادية هي التي تحرك القبائل وهي في الختام علة الاضطراب وتصادمها فيما بينها ومع الحكومة … بل ان ظهور المؤسسة القبلية ذاتها كقوة سياسية - اجتماعية لها وزنها وما اقترن بها من أعراف لها قوة القانون وما جرت اليه من علاقات وتحالفات وغيرها إنما جاءت كلها بفعل هذا العامل في الأساس ! وبادر مدحت باشا الى إلغاء الضرائب غير القانونية التي كان يفرضها شيوخ العشائر على الآخرين واتخذ سياسة ضريبية تساعد على تطوير الإنتاج الزراعي و تربية الحيوانات وشرع بتطبيق قانون الأراضي لعام 1858 وتمليك أراضي الدولة بأثمان بخسة نسبيا للاغوات والبيكوات والامراء وشيوخ القبائل وتجار المدن بعد أن ألغى سندات التمليك القوالة ( السندات الخاصة التي منحها الأمراء والحكام الى رؤساء العشائر والفلاحين الحضريين ليزرعوها ويدفعوا عشر حاصلاتها الى خزينة الإمارة) ، إلا إن هذه الإصلاحات عززت السيطرة التركية على العراق.
في هذه الأثناء سيطر اغوات الجاف و بازيان والسادة على مناطق كفري ، والبرزنجة على السليمانية لتصبح في حوزتهم 60 قرية ، والمير على سنجار ، والسندي والسليفاني على زاخو ، والمزوري والدوسكي على دهوك ،والسورجية في عقرة ، و مزوري بالا في العمادية ، والزيبار و ده زيي في اربيل… وظهرت البورجوازية الكردية مع انتهاء الحرب العالمية الاولى مثل آل بابان في السليمانية ، وآل النفطجي في كركوك.
اختل الميزان الفلاحي الكردي بالاستغلال الطبقي الإقطاعي والطقوس القبلية والكوارث الطبيعية ( انظر : السندات الخاقانية التي منحتها الدولة العثمانية الى الاغوات الأكراد ..اضافة الى قانون التصرف بالأموال غير المنقولة لعام 1913 وقانون التحديد والتحرير العثماني لعام 1913 ).. وأدى ذلك الى جانب تطور التبادل السلعي النقدي الى الانتفاضات الفلاحية الكردية الأولى منها معركة التالوريين ( شه ري تالوريكا) في القرن التاسع عشر .وقد وجد الفلاحون الكرد في الحرفيين المدينيين حليفا أساسيا في حينها بسبب اجبارهم على العمل من اجل التجار..بذلك توسعت دائرة الكدح الكردي.
عند الكرد تواجد الإقطاع المتنقل كما أسلفنا وعبر عن نفسه في نظامي الاوبه والجول. والاوباشي هو وكيل الإقطاعي .. ويمتلك كل فرد من ملاكي المراعي المؤلفين للاوبا أرضه ومكانه الخاص اليورتاه ! ويجمع هؤلاء حولهم أل ( جول ) ليستغلونهم .ويفقد الكردي المرتحل حريته الشخصية في الاوبا ولا يتمكن من التنقل بحرية بسبب انتزاع الإقطاعي لملكية الأرض والجزية - الضريبة الإقطاعية . والكيخدا هو صاحب البيكار الثري وتقع في حوزته المراعي والجول . ويتألف كل جول من 20 مزرعة فما فوق .بينما تتنوع الالتزامات الإقطاعية والمساعدات الإلزامية كجمع الحشيش لحيوانات الإقطاعي ،وبذر الحبوب ، وجز وغسل الحيوانات التابعة للإقطاعي، وبناء الحضائر الصيفية والشتوية ، وبناء الهوز – الحضائر الدافئة للخرفان والماعز والعجول، وجمع الأخشاب . والدخان أو ال (مالي دو) من ضرائب الإقطاع المتنقل والاستغلال الإقطاعي وهي فريضة العيش في منتصف الطريق بين المراعي الصيفية والشتوية. وسار الإقطاع المتنقل قدما عبر الاستيلاء على أراضي الرعي ومصادر المياه والقطعان الكبيرة من الحيوانات أي ليس على التملك الإقطاعي الخاص للأرض ولنظام الري كما حاصل في الإقطاع المستقر.
لقد عانى العراق وبشكل مفرط من الإهمال والفساد الإداري وعدم الاستقرار وتبديد الجهد والموارد في العهد العثماني… والى جانب تداعيات السلطات العثمانية بدت ملامح الخلل في مفاصل البنية الاجتماعية العراقية بسبب التباين الشديد بين الحاضرة والريف وعانت المدن العراقية من وطأة التهديدات التي شكلتها القبائل البدوية والجبلية عليها … وكانت النزاعات القبلية والعشائرية سمة فارقة طبعت الحياة الاجتماعية آنذاك واستثمرتها القوى السياسية بأقصى ما يمكن … وترسخت النظرة القدرية وحالة الاستسلام للمصير المحتوم مع انتشار الأمراض والكوارث الطبيعية .. كما نمى نفوذ العناصر التركية وسلالة "الكولة مند" وهم من المماليك المستوردة لدعم القوات العثمانية وهيمنت النخبة التركية على النشاط الاقتصادي من أراضي وتجارة وتعاملت مع عامة الشعب العراقي بازدراء وكأنه كم مهمل وتصدر الحيف الواقع الاجتماعي وبرزت علاقة من نوع جديد داخل بنية العلاقات القبلية ! مع نمو العلاقات شبه الإقطاعية وقيام الاغوات والأمراء وزعماء القبائل بجباية الحاصل الزراعي والسيطرة عليه بالعسف والإذلال المباشر للفلاحين.. ثم تحولت الإمبراطورية الى ساحة نهب لرغبات ومصالح الرأسمال الأوربي ولم يربط الولاة بالعاصمة سوى تقديم الجبايات والضرائب في مواعيدها السنوية.لكن الاتحاديين كشفوا عن نزعتهم الطورانية لينفرط حبل المودة السياسي بين العرب والأتراك ..
• في كردستان تواجد الآثوريون وهم من بقايا الآشورية القديمة التي أسست إمبراطورية كبيرة لها في تاريخ الشرق القديم وسقطت سنة 612 ق.م. بأيدي القوات الميدية (9) ، والبابلية المتحالفة ودمرت عاصمتها نينوى. واتسم الآشوريون بالعلاقات الإقطاعية الثيوقراطية الممزوجة ببقايا النظام العشائري . وقد تفرع عن التيارية العليا والسفلى ( يعتبر المؤرخون التيارين أوحش عشائر أل "جوله ميرك") في هكاري الأفخاذ..منها: جيلوي ، قصراني ، بانزي ، توخوي ، رونتكي ، بيلاني ، كيه ئي ، دالتون. كما تواجدت قبائل غير تيارية وفدت من الجزيرة - مركز امارة بوتان - واستوفي أمير بوتان الجزية منها كونها من القبائل البوتانية …( انظر : الاشتيون ، الكرموسيون ، المونيون )الى جانب قبائل جيلو ، تخوما ، باز ، ديزو ، أشيتا، مار بيشو ، طال ، الطو ، شر ، قوجانس ، سراي يعقوب ، نيروه ، كه ره موسى ، بروار.. . وكان المليك (malik) أو الامير رئيس القبيلة الآثورية ، وهو اقطاعي كبير يتوارث المنصب ويحفظ النظام في قبيلته ويتولى رد الاعتداءات الخارجية عليها .. وهو مسوؤل أمام المار شمعون الذي يتمتع بالسلطتين الدينية والدنيوية . ويعين المار شمعون قسا على كل عشيرة لمراعاة أمورها الدينية وليجمع الضرائب من المليك أو الامير دون أن تتكبد السلطات المركزية أية متاعب وكان معترفا به من قبل الدولة العثمانية.
عاش الاثوريون في عزلة شبه تامة للحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم وامتازوا بقوتهم وضخامة قاماتهم وشجاعتهم وكان المرور ببلادهم اكثر خطرا من المرور بين العشائر المسلمة.. وهم مسيحيون من اتباع نسطوروس عاشوا في حدود امارات هكاري و بوتان و بادينان. وتوترت العلاقات بين الكرد والآثورية مع الحملات التبشيرية ونشاط الدبلوماسية الأميركية والأوربية التي وجدت في الآثورية ضالتها لزرع الفتن والفوضى… ويذكر هنا التمرد الآثوري في ولاية بوتان 1841 - 1843 الذي ساعد على سقوط حكومة الامير بدرخان..
عانى الآثوريون - الآشوريون من الطائفية والقبلية وغيرها من الأمراض الاجتماعية كبقية الشعوب في العراق في الوقت الذي تمسكوا فيه بالتسميات الطائفية على حساب الهوية القومية .. نساطرة ، كلدان ، سريان. وشهدت أعوام 1894 و 1895 مذابح مروعة ضد الأرمن والآشوريين في مناطق ساسون واسطنبول ودياربكر أي الفتك بالمسيحيين .. وفي أعوام 1914 و 1915 وحتى 1918 أزيحت بقايا القبائل النسطورية من هكاري و اروميا … وفي عام 1915 كانت انتفاضة هكاري حيث شارك الكرد والاشوريون معا فيها وقدموا التضحيات الجسام المشتركة " من القبائل الكردية التي دعمت الآثوريين : الأرتوشيون ، كرافي ، بنيانشي ،... "، وفشلت انتفاضتهم سنة 1933 بسبب طابعها العشائري لكنها تمخضت عن أول تنظيم سياسي آشوري سنة 1942 وهو حركة (حب واتحاد آشور ) . وفي عام 1948 تطوع الاثوريون بحجم لواءين لأستنجاد فلسطين وتورط فيهم النظام الملكي حينما رفضوا أن يتحولوا حرسا للملك. ويبلغ تعداد الآشوريين اليوم في العراق اكثر من 1,5 مليون نسمة.
ساهم الآثوريون في وضع أسس المجتمع المدني الكردستاني والعراقي وفي تأسيس الأحزاب العراقية العريقة " الحزب الشيوعي العراقي ، الحزب الديمقراطي الكردستاني " والعديد من المنظمات الأهلية وغير الحكومية وانخرطوا في الخدمة العامة للدولة العراقية . وقد ضاع بلاءهم بين أروقة الجهاز البيروقراطي الواسع للدولة. وساهموا في مؤسسات حكومة إقليم كردستان وظهرت لهم أحزابهم القومية.
• وفي كردستان العراق تواجد التركمان أيضا ، وهم أحفاد أبناء القبائل التركمانية في هجراتها القديمة من الشرق . وأقدمها هجرة القبائل الياقوتية من شمال الصين الى بلاد ميديا حيث انتشرت على ضفتي دجلة والفرات سنة 100 ق.م. ، والقبائل المغولية في صولتها الجنكيزخانية والتيمورلنكية والفتح العثماني للعراق سنة 941 هجرية… واستوطنت هذه القبائل من تلعفر في غرب العراق ومن دلي عباس في ديالى ، وشكلت الخط الفاصل الديموغرافي بين الكرد والعرب … وتمركزت الأكثرية في كركوك و طوزخورماتو و كفري و داقوق و تازه و ليلان و قزرلباط و خانقين و الرشيدية .. وتعرضت القرى التركمانية للتهجير القسري والتطهير العرقي مثل قرى بشير ، تسعين ، يابجي ، كومبتلر.
ويعتبر التركمان من اكبر الشعوب التورانية ولهم باديتهم المعروفة ببادية الترك ، وتمركزت أوطانهم الأولى في بوادي آسيا الوسطى بين بحر الخزر و بحر خوارزم و نهر جيحون . وقبل اعتناق الاسلام عرفت القبائل التركمانية بالاوغوز أو الغز وحتى الخوارزمية. واسس التركمان من الأمراء السلجوقية إمارات تركمانية في العراق منها : اتابكة الموصل ، بني قفجان في كركوك ، بني زين الدين كجك في اربيل ، الايوائية في جبل حمرين …. وجاءت بعدئذ الدولة البارانية ( الخروف الأسود ) والدولة البايندرية ( الخروف الأبيض ).وقد وصلت الفتوحات الاسلامية على أيدي التركمان على مشارف النمسا.. وبني سور الصين أصلا لصد الهجمات والغزوات التركمانية في عهد اوغوزخان.. وانتصر التركمان بقيادة ابن أصلاف نصرا حاسما على االروم في معركة ملاذكرت حيث اسر إمبراطور الروم رومانومل.. كما انتصر التركمان بقيادة ايلغازي على الصليبيين في معركة تل عفرين.
من القبائل التركمانية العراقية المعروقة : البيات ، قره لوس ، قنبر أغا ، الدامرجي ،الداوودي ، الونداوي ، بندر ، علي خان بك ، النفطجي ،آل كتانة ، ملا الياس ، آل القاضي ، النائب ، قوجاق ، اوغلو ، الخياط…الخ.أما اليوروك فهم بدو رعاة اتراك ( عشائر تركية ) من أرومة العثمانيين القبلية (اوغوز) وهم قريبون في أصولهم من التركمان . ومن القبائل التركمانية التركية أفشار التي دخلت في معركة مع العثمانيين بداية القرن التاسع عشر وانهزمت أمامهم … ومن القبائل التركمانية على ضفاف نهر جيحان : دجيلي ، تيجرلي ، السومباسلي ،بوزدوغان… واستهدفت القوانين العثمانية توطين القبائل الكردية والتركمانية وحتى الآثورية أحيانا معا عبر منحهم الحقول و ملكيتها التامة ، وتحجيم عريكة الرجال وابناء هده العشائر لتدجينها. وتركز التقاليد التركمانية على الشهامة والشجاعة في معارك القبائل والصيد ( أنظر : الشاعر داوالوغلو من طوروس 1785- 1865). كما وصف الجنرال جاكو الشعب التركماني كالتالي: " التركماني قوي البنية - صبور قنوع - له مشيته الخاصة التي تنم عن خيلاء وغرور لأن التركمان على الفطرة مغمورون وعلى البلاء والحكام صابرون وعلى النظام حافظون". واثناء الحرب العالمية الاولى كانت مناطق القبائل التركمانية مرتعا للفارين من الجيش وقطاع الطرق والخارجين عن القانون وشرفاء الناس واللصوص والأشرار.
جهدت الحكومة التركية بقيادة أتاتورك سنة 1920 وضع حد لسلطة الأسياد الصغار التركمان غير المحدودة وبقايا الإقطاع دون جدوى لأن الأغنياء الجدد حلوا محلهم !بتسخير القانون والقوة والافساد ..وتقابلت العصابات في الجبال وتسببت في موت الناس الفقراء بينما كانت أراضي الاغوات تزداد اتساعا.الى ذلك آثر التركمان البقاء في صفوف الشعب العراقي مع تأسيس الدولة العراقية بعد أن أمهلتهم عصبة الأمم أما الانضمام الى قطاعات هذا الشعب أو اللحاق بتركية.. وانقضت فترة العامين مفضلين وحدة الشعب العراقي.
وعموما اتسم التركمان بالتبعثر وعدم التواجد فوق بقعة موحدة من الأراضي وبضعف المشاعر القومية والسياسية حتى العقدين الأخيرين،والانشداد الى تركية والماضي العثماني رغم التبدلات السياسية في أنقرة والأستانة ، والتزام غالبيتهم المذهب السني .. وهم بالتالي كانوا من اقرب الفئات الى الإدارات المركزية والحكومات المتعاقبة السنية في بغداد. الى ذلك لم ينج التركمان من غضب دكتاتورية صدام التي أعدمت اكثر من 500 شابا تركمانيا من الإسلاميين ودمرت مدينة تسعين وقرية بشير واعدمت القوميين التركمان نهاية السبعينات. وترى الأوساط التركية الحاكمة في أنقرة بالتركمان ورقة الضغط الرابحة على الحركة التحررية الكردية ليجري على الدوام خلق التناقض بين الخطاب السياسي التركماني والخطاب السياسي الكردي والديمقراطي والعلماني. لقد عانى التركمان من المواقف السلبية منها:النظرة الأقلية ، التأثير التركي ، الطائفية ، النافذة الكردية، الانعكاسات الآيديولوجية،دور النفط ، قضية كركوك. ويبقى عادلا حق الشعب التركماني كثالث قومية في العراق يصل عدد نفوسها الى أكثر من ثلاثة ملايين نسمة التمتع بحقوقه القومية الثقافية والإدارية وكشف محاولات طمس الهوية القومية والإرث الثقافي والحضاري للتركمان أي ضرورة أن تفهم الحركة السياسية التركمانية خصوصية كردستان العراق وان تحافظ على التجربة الكردستانية ونهوض الفيدرالية لا بجعل الحقوق القومية منفذا للتدخلات الإقليمية والدخول في لوحة الصراعات الإقليمية. بعد انتفاضة آذار سنة 1991 توسع التعليم بالأحرف اللاتينية والعربية في المدارس التركمانية بالإقليم الجبلي وتوسع الأعلام السمعي والمرئي والمقروء لتتفتح الآفاق الرحبة في الاستنهال من ثقافات الشعوب الناطقة باللغة التركية والتي يربو تعدادها على 200 مليون نسمة في العالم التركي(10).
الى جانب التركمان والآثوريين والكرد اليزيدية استقر عدد من الناجين الأرمن من مذابح السلطان عبد الحميد الثاني أعوام 1894 – 1915 والاقطاع الكردي في مناطق كردستان الجنوبية ، وعددهم قليل جدا لا يتجوز ال 5000 ارمني في زاخو وقرية آفزروك وقضاء سميل وفي دهوك …ويتواجد حوالي ال 50000 ارمني اليوم في عموم العراق وبالأخص في بغداد .
استغل السلطان عبد الحميد الميول العسكرية لدى القبائل والعشائر الكردية فقام بخدعة إنشاء خيالة الحميدية سنة 1891 تحت قيادة الاغوات والامراء والبيكوات ومنح هذا الجيش الامتيازات فأعفاه من الجنح والاتاوات ومن الأحكام التي صدرت بحقهم جراء أعمال النهب والاغتصاب في أرمينيا الغربية … وحول الاغوات الكرد من قطاع طرق ومتشردين ( هكذا كانوا ينعتون ) الى متبخترين بالرتب والأوسمة رغم انف ضباط الجيش النظامي .. واستخدمت الحميدية لأخماد حركات التحرر الوطني .. ومع تأسيس الحميدية افتتحت المدارس الكردية في كردستان وانحصرت فيها الدراسة بأولاد الاغوات وكانت ذات طابع ديني وعسكري..( 11 ).
أسهمت إقامة الجمعيات السياسية الكردية التي مارست النشاط السياسي السري والعلني مثل جمعية ( التعالي والترقي) الكردية عام 1908 ، وجمعية (هيوا) عام 1910 ، وجمعية المعارف الكردية سنة 1908 ، وحزب (الأمة) الكردي ومنظمة (جيهاندني) سنة 1913…أسهمت في تنوير قطاعات واسعة من الشعب الكردي وغرس البدايات الأولى للتأسيس المدني العراقي. وفي سنة 1915 أنشأت أول مطبعة كردية أسسها حسين حزني موكرياني وبدأت بطباعة الكتب الكردية بالأحرف العربية في حلب.
خلف الأتراك ورائهم مع النمو المديني والشراك الرأسمالية نظم قبلية ضعيفة تتراجع سلطتها العسكرية والسياسية باضطراد ، وظهرت محل الإمارات الكردية القبائل المتنازعة فيما بينها !وكانت القوة الاقتصادية الجديدة للاغوات وهي العقارات الواسعة بفضل نظام الطابو تشكل في جوهرها التهديد المستمر لوجودهم التاريخي نفسه لأنها تبعدهم وتغربهم عن المصدر الوحيد لقوتهم وهو العشيرة - القبيلة.. وظهرت تدريجيا العلاقات شبه الإقطاعية في كردستان العراق بداية القرن العشرين وجرى الاستيلاء على الملكيات الفلاحية الصغيرة كما تحول بعض هؤلاء الى بورجوازية لاتيفوندية.. واستحوذ رئيس عشيرة الجاف على عشرات الآلاف من الهكتارات مثلما فعل إسماعيل باي أيضا .. وتحول الكوجر- الرحل وأشباه الرحل - الى رعاة مأجورين رغم محافظتهم على استقلالهم الظاهري .. وأخضع الإقطاعيون الجدد المؤسسة القبلية " انظر: قبيلة الهماوندي وقبيلة أرامار التي فرضت على قبيلة ريكاني حصص من الحاصلات الزراعية .. وكذلك إمارة شمس الدين وكان رئيسها الشيخ محمد صادق نموذجا للإقطاع المنتفع اقتصاديا "
يمكن تلمس تمازج وتداخل الأشكال الجديدة من الانتماء الاجتماعي مع أنماط الولاءات القديمة وأشكالها التنظيمية في كردستان في الفترة ذات العلاقة عبر الآتي:

 تحول رحل الجبال الى قبائل زراعية مستقرة ونشوء التوازن الجديد بين المدينة والريف حيث تكف القبائل عن غزو الحواضر بسبب تفوق المدن بنشوء الجيش الدائم وتضاعف قوته.
 رضوخ القبائل لاحتكار السلطات لوسائل العنف والانخراط فيه أي قبول التجنيد الإجباري.
 اخلاء الحروب والعلاقات ما بين القبائل على الماء والكلأ والأرض مكانها لاستقرار دائم في الأراضي المحددة.
 تحطم العلاقات الأبوية القبلية ونشوء علاقات السيد - القن بمجرد تحويل الاغوات الى مالكين ذوي حقوق إقطاعية.

لقد أضعفت المؤسسة العشائرية الكردستانية انتشار الرأسمالية الفتية والملكيات الصغيرة في الريف والمدينة وانتشار الأفكار الديمقراطية والاشتراكية ، وهي أفكار لا تتفق مع الأعراف والقوانين القبلية ومصالح الإقطاعية .. ومثلما لم يجر انتشال الكرد من القبلية لا يمكن وصفهم اليوم كما أسلفنا بالعشائرية والعصبية القبلية …لأن في ذلك تجني كبير على الواقع.. فالشمولية والجمهرة تتعارضان مع الاقطاع والقبلية . والمجتمع المدني يستلزم تضييق مجالات الانتعاش والولاء القبليين ، فالولاء يتحول من القبيلة وزعيمها الى الديمقراطية وقواعد المدنية والحضارة .. وهذا تطلب تفكيك الضغط المسلط على الكرد من قبل أعداءهم التقليديين ، أعداء حركة التحرر الوطني الكردستانية.


(2)

 الطرق الصوفية والمدارس الدينية في كردستان

ازدهر التصوف في كردستان بسرعة مع انتشار الدين الاسلامي وصعوبة الارتباط بالمدارس العلمية والدينية لأن لغتها كانت العربية ..وبسبب توالي الكوارث الطبيعية والبشرية ووعورة المنطقة ..وساعد على إيجاد التنظيمات الشعبية في عصر اتسم بانهيار المؤسسات الرسمية أو ضعفها ..وظهر التصوف في كردستان في القرن الرابع الهجري على يد محمد نور بخش وعرفت طريقته ب (النوربه خشية) أي مانحة النور !.. وتأسست النقشبندية للمرة الأولى في كردستان العراق مطلع القرن التاسع عشر عبر جهود مولانا خالد المتوفى عام 1826 ( وهو من عشيرة الجاف) في نفس الوقت الذي وصلت فيه تقريبا القادرية الى ذروة قوتها .وتتبع النقشبندية تعاليم محمد بهاء الدين البخاري (1317 - 1389) بينما تتبع القادرية الشيخ عبد القادر الكيلاني (1077 - 1166).. ثم عرفت طريقة العلويين ( الخلوتية) على يد محمد بابه رسول .. وانتشرت الطريقتان القادرية والنقشبندية على حساب الجشتية والسهروردية والكوبراوية والخالدية وسادة النهري والارفاس والطرق الصوفية الأخرى .. وتعتبر الطالبانية ( ترجع الى العالم الديني ملا محمود زنكنة المتأثر بالشيخ احمد الهندي اللاهوري ) والبرزنجية فروع من القادرية ..والخالصية ( نسبة الى الشيخ عبد الرحمن خالص ) فرع من الطالبانية.. ومن رموز الشيوخ النقشبندية المشاهير الشيخ (احمد سردار سه ركه لويي)،أما الطريقة القادرية الوليانية فشيخها سعيد البرزنجي المتوفي سنة 2000 ومرشدها الشيخ معتصم البرزنجي ، والشيخ محمد الحسيني هو رئيس الطريقة العلية القادرية الكسنازية، … والتكايا والخانقاهات من أهم دور العبادة الصوفية بينما يقوم على رأس الطريقة الشيخ أو البير وهو الدليل أو المرشد والزعيم الروحي للمريدين والتلامذة - انظر : تكية بر يفكان القادرية ..تكية بامرني النقشبندية..تكية بارزان النقشبندية…(12) …} اتباع القادرية - دراويش ، اتباع النقشبندية - صوفية { والتصوف الإسلامي عموما تعاليم باطنية دينية في الاسلام انتشرت في أراضي الخلافة العربية الإسلامية هدفها الأسمى الاندماج مع الله من خلال تعذيب النفس.. وهو نظرة دينية مثالية الى العالم وربوبية من طراز خاص تدين بأصولها الى الطقوس السرية وتعيد انتاج التصورات الرائجة عن الدين ،وسمتها الأساسية الصلة بين الإنسان والآلهة والاعتقاد بالخوارق ! وهو ممارسات طقوسية - اعتقادية هيمنت على الوعي الديني للبدو والعشائر والقبائل البعيدة والمنعزلة الى جوار العبادات الخرافية الطوطمية الاولى..ومن اشهر المتصوفة السهروردي والغزالي وابن العربي والحسن البصري وابي يزيد البسطامي ورابعة العدوية والحلاج والحاج ولي بكتاش وعفيف الدين التلمساني ومعروف الكرخي وصدر الدين الشيرازي... (13) .لقد تجلى النزوع الى الاستقلال عن المركز العثماني أو المواجهة مع الكولونيالية الغربية الزاحفة في ظهور الفرق الدينية العديدة : القادرية ، المهدية ، الرحمانية ، النقشبندية ، السنوسية..(14) والتصوف نزعة تميزت بها الفلسفات المثالية وبخاصة الوجودية. لكن أصول نشأة التصوف الإسلامي لا ترد الى الأفلاطونية والمذاهب الهندية بل الى الأصول الإسلامية الخالصة المستمدة من الشريعة .(15)
لقد تعددت الطرق الصوفية في كردستان العراق واستخدم أصحابها مريديهم أو دراويشهم لأغراض سياسية ، ولاقت الصوفية الرواج بين الكرد لتحمسهم الشديد للدين وسرعة انقيادهم لما يلقى عليهم من دعايات لها صبغة دينية . وقد بدا العالم الكردي مهما بلغ من المعرفة والعلم والقوة في الإقناع لا يستطيع ان يستولي على المشاعر الشخصية بقدر ما يستولي عليها صاحب الطريقة الصوفية بالاشارات الخفية... يذكر ان المدارس الدينية لعبت دورا هاما في نشر العلوم والثقافة في كردستان وتخرج منها العلماء وكانت الكثير منها مساجد في آن واحد .وانتشرت المساجد الاسلامية في كرديتان العراق وكان يؤمها المسلمون كردا وتركمانا وعربا. الى ذلك لم تلق المذاهب الشيعية الصدر الرحب عند الكرد وقبائل إقليم الجبال الذي تميزت ولاياته بالاستقلال الذاتي والسيطرة العثمانية الضعيفة عليه ،عكس الجنوب العشائري العراقي والعشائر التركمانية المتوطنة والكرد الفيلية والكاكائية.أما السيد فهو من نسل علي أو فاطمة .. والشيوخ الذين لم يكونوا سادة فيعرفون بشيوخ السجادة ( شيخي به رمال)..(16)
لقد تغلغل المذهب الشيعي داخل العشائر مع زيادة الإنتاج الزراعي والتوسع التجاري والاحتكاك مع التجار الشيعة ،ومع توطن واستقرار العشائر العراقية الرحل التي امتهنت ممارسة الزراعة في القرن التاسع عشر ،وتفتت الاتحادات القبلية القديمة وتغير التوازن بين الجماعات الرحل والمتوطنة. ورسخ التشيع ( السائد عند التجار العرب ) من تراتبية ونفوذ وسلطات المؤسسة الهرمية الحاكمة ضمن العشائر ،وظهرت الشخصيات الاجتماعية الاقتصادية الدينية بين العشائر. وسيطرت النخب المتشيعة على الموارد بالرغم من أن تشيع العشائر المتوطنة جرى بالطرق السلمية وتحقق التوسع التنظيمي السياسي الشيعي سلميا.. وعلى النقيض من التفاعل الوثيق بين تجار البازار والعلماء الشيعة في إيران فان التجار الشيعة في العراق لم يكونوا على استعداد لضخ الموارد المالية لدعم المؤسسة والمرجعية الدينية(17) . ولم يحصل التمايز الواضح بين الرحل والمتوطنة من القبائل الكردية ولم يدفع امتهانها التجارة أحيانا للاحتكاك المباشر مع التجار الشيعة ..وكان الإقليم الجبلي بعيدا عن المرجعيات الشيعية العراقية والإيرانية وامتاز بوعورة تضاريسه وبقاءه الفترات الأطول نسبيا قبل تأثره بالمعتقدات السائدة آنذاك ..الا ان الطرق الصوفية والباطنية الإسلامية امتلكت جذورها عند الكرد الجبليين.
شهدت كردستان ولاء رجال الدين الكرد لحركة التحرر الوطني الكردستانية والانخراط فيها وفي صفوف الحركة الديمقراطية العراقية والمساهمة في الكفاح الوطني للشعب العراقي أعوام 1920 و 1941 و1958 مثلما شهدت استخدام الدين للدفاع عن مصالح الحاكمين والاقطاع .. وتسخير الدراويش وبعض الفرق الدينية للتجوال في الريف لأخماد المد الثوري بين الفلاحين ( انتفاضة فلاحي ده زه ئي سنة 1952 ) والفتوى ضد قانون رقم 30 لسنة 1958 للاصلاح الزراعي .
وعرقل انتشار المسيحية أسلوب الحياة القبلية وساعد على الانتقال صوب الإقطاعية. رافق ذلك انبثاق الإسلام واقامة الدولة الاستغلالية في الشرق في خضم صراع ضار ضد بقايا النظام القبلي والعبادات الدينية المنسجمة معه … بينما ساعد انتشار الأشكال البورجوازية للمسيحية والإسلام معا على دعم البورجوازية واقامة الأنظمة الاجتماعية على قواعد المجتمعات البورجوازية وقوانينها وتميل الرأسمالية الى الكنيسة الوطنية الغير سياسية وصياغة المؤسسة الدينية بشكل يلائم الاخلاق والنظرة الاجتماعية مع حاجاتها المجتمعية رغم فشل محاولات التوفيق مع الكاثوليكية القديمة والمعاصرة لكن يبدو ان البروتستانتية والشيع المسيحية المتجددة تتكيف مع الحاجات المجتمعية الرأسمالية . لقد لعب الدين الإسلامي باعتباره دين الأكثرية ودين الدولة دور عامل الضبط داخل المجتمع بشكل لم يخل من استغلال النخب والطغم الحاكمة للأيديولوجية الدينية لتبرير وتشريع نظام مجتمعي وسياسي معينين لا يقلان سلبية وضررا عنما حاولت الرأسمالية فعله من خلال إشاعة تعاليم المسيحية . واستغلت الحملات التبشيرية الغربية المسيحية لاستعمار العالم الثالث وكسر القوة الروحية عند الشعوب المقاومة له وتكريس تخلفها عبر التدخل القسري في شؤون المسيحيين العرب والكرد والآثوريين في سبيل تقويض الأسس المدنية للدولة العثمانية وتشجيع النزعات القبلية والطائفية والاثنية ، ودعم حراك التغريب الثقافي والروحي للمواطن وسلخه عن هويته وتأريخه .. في هذا الاطار تفهم الأصولية المسيحية التي تدافع عنما تسميه "حقيقة المسيحية"ولا تعترف بالتراث النقدي التنويري للدين والتي تنسق مع باقي الاصوليات الدينية لتحقيق الاصطفائية للنخب الأرستقراطية وتلتقي خاصة مع الأصولية الاسلامية في نقض مظاهر الحداثة الغربية ..انه الرباط المقدس بين النزعات القبلية والطائفية ..(18)
لم تنبعث الاصوليات الدينية الكردستانية كمنظمات طارئة الا في العقد الأخير من القرن المنصرم بتأثير خارجي مع انتشار الموضة الأصولية والإرهاب في المنطقة (19). كمالم تكن الجبال الوعرة والبوادي مشمولة بالأرثوذكسية لأنها اقتصرت على المدن الكبرى والطبقات العليا والوسطى .وتزيد الضغوط الخارجية من قوة الأرثوذكسية لتبقى هي الملاذ والملجأ في أوقات الشدة والضيق … وتعني الأرثوذكسية هنا الخط المستقيم وبالمعنى الاصطلاحي الجمود والانغلاق وفرض الخط الواحد بالقوة والقسر بدعم من السلطات السياسية ..الخط الواحد من خطوط التأويل.
لقد تمتعت فئات قليلة من الطغمة الحاكمة والجماعات المؤيدة للنظام المقبور بالترف ونعمة الدكتاتور التي قامت على سرقة قوت الشعب وخزينة الدولة، إضافة إلى مجموعة من شيوخ العشائر التي ساندت وجوده وكذلك مجموعة من رجال الدين التي سبحت بحمد الدكتاتور وباركت سياساته… وتكرست المشاعر الطائفية والولاءات العشائرية في المجال السياسي العراقي بقوة في ربع القرن الأخير، وأدت في نهاية المطاف إلى هيمنة زمرة تستند إلى عوائل معينة من المدن «الريفية» للشمال الغربي العراقي على حزب البعث والحكومة العراقية.. هيمنة أساسها السياسة التآمرية والعصبية لتصفية المنافسين، وبدل أن تتطور الدولة لتتوسع في دائرة المحاصصة لجماعات وقطاعات أوسع، تحولت من تحالف جماعات إلى جماعة واحدة.وعلى كل حال فقد استغلت الحكومات المركزية المتعاقبة في العقود الأخيرة وكذلك الإنكليز المشاعر الفلاحية الكردية البسيطة بتقديس الاولياء وفي التصوف وعملوا على تقديم العون لكبار الإقطاعيين من الاغوات والامراء والبيكوات والشيوخ لتذليل إقامة الشعائر الدينية وتحمل نفقاتها ، وحرف النضالات الفلاحية عن مساراتها الوطنية التحررية ، وتحقيق أزمة الفكر الاسلامي المعاصر باللغة الدينية الشمولية المطلقة والمتعالية المتطرفة في عصر العولمة الذي يرفض اعتبار هذه اللغة الدينية المرجعية السائدة والوحيدة والتي تذكر فتاويها في القتل بكهنة العصور الوسطى وإجراءات محاكم التفتيش وفتاوي السلاطين والحكام المستبدين..، وتحقيق الأزمة العامة للسلفية التي تناقض بين محاولات الحفاظ على القوة النصية في التفسير وتكوين الوعي وبين الواقع المتغير سريعا الى الأمام والذي يصعب اللحاق به واخضاعه (20) .
وليس خفيا اليوم التمايز بين المؤسسات الدينية التي تنظم إنتاج واعادة إنتاج الفكر اللاهوتي وبين الجماهير الشعبية المؤمنة ! فالمؤسسة الدينية - مؤسسة إنتاج فكري تخضع للطبقة المهيمنة على الإنتاج المادي ولها المصالح المادية المغايرة لمصالح الشعب وهي تنخرط في علاقات الملكية القائمة كإقطاعية تارة ( أوقاف وحبوس ) أو في العلاقات الرأسمالية ( كبار التجار ومالكو الأرض) وغدت الركيزة الآيديولوجية للرأسمال التجاري.. وتحدد سبل حصول هذه المؤسسة على أسباب العيش الدور المهم في تأطير سلوكها السياسي والاجتماعي ، بينما يساعد بقاء العلاقات القبلية والإقطاعية على استمرار النزوع الغيبي والوعي الديني بشكله السلفي ،وخضوع الإنتاج المادي في الريف لتقلبات الطبيعة ، وقوانين السوق الرأسمالي ، وتعنت البورجوازية الكومبرادورية والطفيلية في عدم القيام بأي مسعى للعلمنة .. والوعي الفلاحي غيبي محدود الأفق يضرب جذوره عميقا في المجاهيل ويطغي بحدة في فترات الفراغ السياسي بينما ينقض التمدين بسرعة على دعة الحياة الريفية البليدة الراكدة ليقذف بها في لجة التغيرات العاصفة مولدة براكين السخط ، وهو رغم ذلك يصطدم بالرجعية النشيطة علة بقاء واستمرار تأثيرات الفكر الغيبي . وتعني المؤسسة الدينية هنا - المرجعيات ، الحوزات ، التأسيس الاقتصادي " أملاك الوقف ، الثروات الشخصية ،…"،التأسيس الفكري "الاجتهاد الفقهي ، الآراء السياسية والاقتصادية التي تدرس في الحوزات "،المؤسسة الجماهيرية " المقلدون والاتباع وبقية الناس"(21). وعليه ذللت العقلية القبلية الكردية ازدهار التصوف الإسلامي بوظائفه المتعددة وتراتبه الخاص من القطب الى المريد ،وديمومة تقسيم العمل القديم المغلق في أصناف الى جانب العمل المفتوح … ويرتبط الفرد بنظام المراجع في عشيرته وهو لا يقرر الا تبعا لها..
ليس التصوف لبس الصوف والخرق
ان التصوف حسن الدين والخلق

يعتبر الهلال الجبلي الكردي المنطقة الدينية الثالثة في العراق بعد الجنوب الشيعي وشمال بغداد السني .. وهو منطقة سنية مخترقة كانت ولا زالت بقوة المذاهب الباطنية والصوفية النشيطة ونفوذها الكبير، وبتواجد اليزيدية بديانتهم المركبة والشبك الذين يجمعون بين اليزيدية والشيعية ويتكلمون اللهجة الباجلانية، وتواجد التركمان والآشوريين ( سبق وتحدثنا عنهم). والتصوف الكردي رد فعل للاضطهاد الشوفيني للحكومات المركزية في بغداد لأنه يحمل السمات التمردية السلمية . وتسيطر الطرق الصوفية الباطنية على الحياة الدينية الكردية وتتناسب نفوذا وتأثيرا مع قوة ودور الدين وعلماء الدين في كردستان.

 السياسة الإنكليزية وركوب العربة العشائرية

احتفظت القبائل الكردستانية بعاداتها وتقاليدها ونظمها البدوية رغم تحولها من رحل الجبال وامتهان الصيد والرعي والغزو الى حياة الاستقرار وامتهان الزراعة مصدرا أساسيا للعيش ، وقد تذوقت نزعة التغالب الازدواجية في الرغبة بالغزو والاعتداء والرغبة في التكرم والحماية لكل من يطلب الاحتماء وطلب الحاجة.واسهمت الطبيعة الكردستانية الوعرة وشوفينية حكام المركز الى جانب الاقتتال الداخلي في التصاق الفلاحين بالأعراف القبلية الموروثة ورسوخها …الا ان الفلاح ابن القرية امتلك الصفات الحميدة والبساطة والصراحة والوضوح . ولا يمارس الكرد الرحالة الزراعة الا نادرا وهم من مربي الحيوانات ويمارسون الصيد رغم ان عددهم قد قل الى حد كبير…ويمكن القول ان كردستان العراق قد زخرت بالبداوة الكاملة وشبه البداوة والانتقال الفصلي.وجاءت سيطرة الاغوات والبيكوات على الفلاحين طبقيا نتيجة منطقية للعوامل التالية:

 ازدراءهم واحتقارهم للفلاحين غير العشائريين واحتقار التزاوج معهم.
 خدمتهم الجليلة للعثمانيين والإنكليز والسلطات المركزية بتحولهم من زعماء وآباء يأخذون الضرائب أو وكلاء للزعماء الى جباة ضرائب للدولة .
 تحولهم الى ملاك أراضي بعد الطابو واللزمة لما يتضمناه من نظام ملكية شبه خاصة وبالتالي اغتصاب الأراضي العشائرية المشاعية.

تراجعت السلطات السياسية والعسكرية للاغوات والبيكوات بعد دمار الأحلاف العسكرية وظهر محلها التذرر القبلي . وقد شكلت قوة الأرض الاقتصادية للاغوات التهديد المبطن لوجودهم التاريخي فأبعدتهم وغربتهم عن المصدر الوحيد لقوتهم وهي العشيرة.واستبدلت الأرض التجديد الحياتي للعلاقات الأبوية و روابط الدم بعلاقات الإنتاج الجديدة …الاستغلال الطبقي وتحلل الاغوات ورسوخ ملاك الاراضي! .. يقينا إن القبيلة تنتعش ويزدهر الاغا وترتقي اشتراطات العرف العشائري مع خراب المدينة وبناها التحتية وتدني تجارتها وانحسار الطبقة المتوسطة..
كان اعتماد سلطات الاحتلال البريطاني على شيوخ العشائر قد ساهم عملياً في إعاقة تطور المجتمع المدني وتطور العلاقات الرأسمالية والاتجاهات الديمقراطية في المجتمع. وأصرت السلطات البريطانية، ومعها المجموعة الحاكمة من الضباط الشريفيين التي اصطف أغلب أفرادها مع سلطات الاحتلال البريطاني، على تنفيذ المخطط الذي جاءت به ورسمته لها وزارة المستعمرات البريطانية في الهند وتلك التي في مصر على سلب المزيد من أراضي الفلاحين وتسجيلها باسم كبار الملاكين وشيوخ العشائر، إضافة إلى منح الأراضي الزراعية التابعة للدولة إلى ذات الفئات الاجتماعية لتوطيد دورها ومكانتها الاقتصادية وبالتالي السياسية والاجتماعية في الريف والمجتمع عموماً، خاصة وأن الفئة الحاكمة في العهد الملكي أصبحت ممثلة أساسية لسلطات الاحتلال البريطاني ومن ثم للمصالح البريطانية في العراق من جهة، ومصالح فئة كبار الملاكين والإقطاعيين وفئة الكومبرادور التجاري اللتين استحوذتا على نسبة عالية جداً من الأراضي الزراعية ومن الدخل القومي.
اكتسب ملاكو الأرض في العراق وكردستان سماتهم الطبقية المشتركة بعد أن رفدوا من مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية لتمتزج روابط العراق الجديدة نسبيا مع السوق العالمية بالصيغ الاجتماعية التقليدية التي تربط قيمة الإنسان بعراقة النسب وبالدين وبالورع والبسالة القتالية في الغزوات القبلية وسيطرة الحرف اليدوية الصغيرة وانتاج زراعة الكفاف وحتى خارج المدن بالملكية العشائرية المشاعة.
فعلت مبادئ التراتب الاجتماعي التقليدي فعلها عشائريا الى جانب الهرميات الدينية والاثنية والطائفية وهرميات الثروة والمنزلة والانتماء التي كانت تتطابق الى درجة كبيرة .. فمن يقف في قمة السلطات العشائرية يميل الى أن يقف في القمة فيما يتعلق بالثروة والنواحي الدينية والطائفية والانتماء والمنزلة الاجتماعية .. وارتبط التحول الى الملكية كقاعدة للتراتب الاجتماعي وفي سلم السلطة وهبوط عوامل القربى والنسب والموقع الديني واعتبارات المولد بالدور الأكبر للمال واغتصاب الاغوات للأراضي المشاعية العشائرية وبروز المضاربة بالعقارات والدعم القانوني للملكية لاسيما قوانين الأراضي العثمانية والقوانين التي اخذت بها سلطات الانتداب البريطاني . وكان التحول من مجموعة عشائرية ذات منزلة اجتماعية الى طبقة ملاك الأراضي بطيئا وهادئا … واصبحت الملكية عامل تحديد للموقع الاجتماعي أهم بكثير من المنزلة الاجتماعية التقليدية مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين ! هكذا تحول ملاك الأراضي من طبقة بذاتها الى طبقة لذاتها بعد أن رص الجميع مصالحهم المشتركة .
لقد سعى الإنكليز الى تمكين الإقطاع عبر استحداث كيان خاص للعشائر يحميه نظام مستمد من العرف العشائري ، وتطوير الزراعة في العراق من خلال نظام شبه إقطاعي ، وتعزيز نفوذ طبقة ملاك الأراضي عبر الإدارة بواسطة زعماء القبائل واصحاب الأراضي المتنفذين . ودعمت الحكومة العراقية مركز الشيوخ والاغوات ومنحتهم الملكية القانونية الخاصة على أراضي عشائرهم وجعلت البرلمان العراقي ندوة لممثليهم دون أن يلتزموا بأي التزام.وكان دورهم قد اقتصر على مجرد الاحتفاظ بمراكزهم في المجالس النيابية وعلى مقاومة التغيير. وسنت لهذا الغرض التشريعات المتلاحقة : نظام دعاوي العشائر سنة 1916 ، قانون تسوية الأراضي رقم 50 لسنة 1932 ، قانون حقوق وواجبات الزراع رقم 38 لسنة 1933 .. في أجواء خانقة سادتها القيم القبلية البالية.وقد أجاز نظام دعاوي العشائر تشكيل المجالس (المحاكم القبلية) واحالة المتخاصمين من أبناء العشائر بأمر الحاكم السياسي اليها،والعرف العشائري قواعد تبنى عليها الأحكام وتسمى( سواني ).. والمتخصص بعادات العشيرة يدعى العارفة ، وكان هذا القانون خطر على وحدة المجتمع لأنه يقسمه الى قسمين يخضع كل منهما لأحكام قانون خاص يختلف عن الآخر . مع ذلك امتنعت سلطات الاحتلال عن منح زعماء القبائل والعشائر الحقوق القانونية الكاملة لامتلاك الأراضي الزراعية بصورة نهائية وقانونية للأسباب التالية :

 سيطرة سلطات الاحتلال على مصائر الشيوخ والاغوات مع إبقاء حق الرقبة في يدها وليبقى هؤلاء مدينين لفضل السلطات طيلة بقاءها .
 إن انتزاع أراضي الفلاحين قانونيا يؤدي الى تشديد التناقضات الطبقية في الريف وخلق المحاذير للنظام الحاكم.
 لا يتفق اعطاء حقوق تملك الاراضي بصورة مطلقة للنخب مع أهداف سلطات الانتداب في الكشف عن حقول النفط واستغلالها في البلاد.


وملأ الملك فيصل - السيد المطلق في البلاد بعد المعتمد البريطاني - البرلمان بزعماء الإقطاع وتجار السياسة في اتفاق غير معلن ترعى بموجبه الحكومة الاستغلال الإقطاعي للفلاحين ويوافق به الاقطاعيون على سياستها المستمدة من مصالح الاستعمار البريطاني ،وقد حصل 34 شيخ وزعيم اقطاعي عام 1924 من مجموع 99 نائبا على شرف عضوية الجمعية التأسيسية (22)..هكذا دخل الكرد مجلسي الأعيان والنواب واحتلوا المراكز المتقدمة في الحكومة بعد ضمان دمجهم في جسم النخبة الأرستقراطية الحاكمة وبذات الطريقة التي ادخلوا بها في الجسم العثماني.لكن علاقة هؤلاء رغم بيروقراطيتهم الكفوءة بالشعب الكردي كانت ضعيفة واحيانا معدومة !..( انظر: آل بابان ، العسكري ،الحيدري ،الشمزيني ،البرزنجي ،الزهاوي ، وآخرين.. وكذلك سعيد القزاز).وقد بلغ عدد النواب الكرد في المجلس النيابي العراقي عن بهدينان وحدها منذ عام 1925 وحتى 1958 في دوراته النيابية الخمسة عشرة 17 نائبا بينما شغل الكرد المواقع القيادية في الأحزاب الأرستقراطية "الوحدة الوطنية ،الإصلاح،الأمة الاشتراكي..."كما شغلوا رئاسة تحرير بعض الصحف والمجلات ذات العلاقة " انظر: صحيفة الوحدة _ عادل عوني ، صحيفة الحقوق _ معروف جياووك ، مجلة نداء الكرد _ جمال الدين بابان". وتميز بناء الدولة العراقية في المرحلة الملكية بقصر عمر الوزارات وتناوب النخبة الأرستقراطية على إشغالها ،والإكثار من حل المجالس النيابية ، والخضوع للأحكام العرفية فترة بلغت 73,5% من فترة العهد الملكي(23) ، جمع السلطات بيد الملك والانحرافات الدستورية بما فيها الانتخابات ، استخدام العشائر لممارسة العنف ومن ثم المؤسسة العسكرية ،الاستقطاب السياسي والاقتصادي لصالح الأقلية من نخبة البلاط،وأخيرا الانحياز للغرب في السياسة الخارجية. الا ان مجلس النواب اصبح منبرا لتدريب الفكر العراقي على الحوار وتنظيم متطلبات الحكم الدستوري ونمت القدرات البرلمانية بالرغم من ان عدد غير قليل من شاغلي الكراسي النيابية كانوا من الأميين أو أشباههم ..وكانت التناقضات داخل المجلس تدور حول المصالح الخاصة والطموحات الضيقة. (24)

في بغداد وحدها شكل الكرد بداية القرن العشرين القومية الثانية في بغداد بعد العرب وعددهم قارب 10000 نسمة ،ومنهم الشخصيات الفاعلة التي تنتمي الى الأسر الكردية العريقة والمؤثرة مثل : البابانيون ، الحيدريون ، الزهاويون ..ومن بينهم ظهرت الأرستقراطية الكردية وملاكو الأرض وكبار التجار والضباط .." انظر : بهاء الدين نوري الشيرواني ". كما أن الكرد كانوا جزء من الفئات المسحوقة في مجتمع بغداد وجلهم من الباحثين ..وكان هذا حالهم أيضا في باقي مناطق كردستان حيث تأسست الجمعيات القومية الكردية منها: نادي الارتقاء عام 1930 ، جمعية ذكريات الشباب ( لم يجر اجازتها ) عام 1933 ، ونادي سمكو الشكاك ( لم يجر اجازته ) عام 1935 ،جمعية أو حزب خويبون في سوريا وتركية ،نادي كردستان(هنانو) في دمشق الخ .
أول تصدع في بنية الوحدة العشائرية جاء اثر ثورة العشرين وانتفاضة 1919 في السليمانية التي قادها الشيخ محمود الحفيد (البرزنجي) ومع تفكك الاقتصاد الطبيعي المغلق واسهام الإنكليز في ترسيخ العلاقات شبه الاقطاعية في الريف وتنكرهم لوعودهم في منح الاستقلال .. وسعي زعماء العشائر المتضررين لأستعادة امتيازاتهم المسلوبة بعد معاضدتهم العثمانيين وبتأثير الفقهاء وفتاويهم لتسهيل تسجيل الأراضي التي كانت تحت سيطرة القبائل بأسماءهم .. وليتحول اقتصاد القرية تدريجيا من طبيعي الى تبادلي وما تبع ذلك من مراسيم ركزت السلطات الاقطاعية وربطت أفراد القبائل بالأرض قسرا كأجراء وإغراقهم بالديون وغلق منافذ العمل أمامهم ليصيروا أشبه بالعبيد ... في هذه الحقبة ومع رضوخ الفلاح لأدنى صور العيش انهارت قيم خيرة ميزت شخصيته الاجتماعية الأولى كالشجاعة والصبر وليصبح البعض العشائري رقيب على البعض العشائري الآخر لمصلحة الملاكين .. وكلما اقتربنا من الحدود المدينية قل خضوع الفلاحين للنظام القبلي وقل أصحاب الأراضي من العشائر مقارنة مع نظرائهم من الافندية والبيكوات حيث يزداد نفوذ هؤلاء بدعم نفعي متبادل من رجال الدين ومن وراءهم السلطات عبر فتاوي احتقار العلم والمدرسة وتقديس الأوهام والخرافات والاعراف البالية من قيم قبلية سلبية.ولم تنحط القوة العسكرية للاغوات في المعاقل الجبلية رغم تطور القوة العسكرية العراقية في النصف الثاني من الثلاثينات لكن تراصف القوى السياسية العراقية الداخلية أعوام 46 - 1958 كان يقوم على تناقض واضح مع مثيله 21 - 1933.
لقد جرى تحول بطئ ولكنه رغم ذلك كان مهماً من المجتمع البدوي والزراعي المتخلف إلى المجتمع المدني وعلى أرضية رأسمالية جديدة ، ووجدت تعبيرها في مؤسسات المجتمع المدني الرسمية أو الحكومية على وجه الخصوص .لكن الحرب العالمية الثانية أنعشت الوعي السياسي والاجتماعي في الريف العراقي والكردستاني لينتفض الفلاحون في المناطق العشائرية بين الحين والأخرى . لقد حددت قرون من الاستغلال الإقطاعي الآسيوي المتخلف وقوة التأسيس القبلي وعي الفلاحين الذين تحركوا مع تحرك الاغا والأمير والبيك والقوا أسلحتهم متى ما القى الزعيم القبلي سلاحه ، ولم تحمل القطاعات الواسعة من الفلاحين السلاح لمجرد ان زعماءهم كانوا أصدقاء للإنكليز قبل الاحتلال أو بعده بل بسبب القبلية واعرافها .ولم تفهم الجمهرة الفلاحية في كردستان الفكرة القومية أو الوطنية لكن الهرمية التراتبية القبلية جعلتهم وقودا للمعارك القومية ضد الحكومة المركزية وحتى في الصراعات الأهلية والنزاعات القبلية - القبلية (25) . وقد اصدر الحزب الشيوعي العراقي في هذه الأثناء جريدة باللغة الكردية دعاها " ده نكي داس " وتعني صوت المنجل .. كانت بحق نوية مدنية أولى وباكورة الصحافة الفلاحية الكردستانية المساهمة في شحذ الوعي السياسي الفلاحي الكردي . وارتبط أبناء القبائل الكردية وغير الكردية التي هاجرت الى المدن لبدء حياتها مجددا بالمواثيق العصبوية لضبط السلوك وحل النزاعات بالعرف العشائري القديم المحلي.. ولازالت نفسية وطرق العرف القديم مغروسة في حياة الكرد ولن تزول بسهولة . ويرى الكرد إن الولاءات القومية ضبابية تفتقر الى الأخلاقيات المصيرية والحميمية الدافئة والدعم العاطفي القوي والثابت والملازم للولاءات القديمة.
اتخذت حملات التعريب منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1921 ثلاثة محاور رئيسية رئيسية : الجزيرة ، كركوك ، شرق بغداد ..واقترن ذلك بحملات تتريك الأكراد في تركيا ( في 5/5/1932 صدر في تركيا قانون ابعاد و تشتيت الأكراد ). وفي أربعينات القرن المنصرم تأسست مديرية العشائر العامة التابعة لوزارة الداخلية في إطار شعبة سميت ب (الإسكان الريفي)، واتخذ المجلس الاستشاري الزراعي عام 1949 قرار بأعداد الأجواء لتأسيس مستعمرات اسكان العشائر العربية الرحالة في كردستان. وكان عهد رشيد عالي الكيلاني قد شهد أوسع حملات التسفير للكرد الفيلية . وفي 22/10/1947 عقد مؤتمر العشائر العراقية في مدينة الحلة حضرته العشائر الكردية واشترك صديق ميران رئيس عشائر خوشناو وعز الدين الملا في لجنة تنظيمه حيث القى الملا كلمة نيابة عن العشائر الكردية نشرت في الصحف المحلية ..(وصفت العراق تايمز في عددها ليوم 27/10/1947 الملا بأنه الزعيم الروحي للكرد ولولب المؤتمر .)
في العهد الملكي كانت الأرض المعين المركزي لنفوذ الاغا والمفتاح المنطقي لفهم السلوكية السياسية للبلاط واصبح امتلاك الإقطاعيات الواسعة لا القيم القتالية أساس الثقافة العشائرية .. وشكل الاغوات الطبقة الأمية الجاهلة .. ولما كانت الكتابة الكردية لم توضع إلا بداية القرن العشرين فالامية تحددت هنا بجهل التاريخ والادب والثقافة الكرديين.وبقي العالم الادراكي للاغا محدودا جدا وضيق وهو لا يفهم حتى ما يدور حوله .. سوى هاجس انتزاع اكثر ما يمكن من الأرباح ،والمراهنة على دعم طموحاته الخاصة بالأرض. وقد وقف التاريخ الطويل من العنف وراء ملكية الاغوات الكرد ( الحلال ) عبر الملاحقة بلا هوادة الكرد وانتزاع المبالغ السنوية منهم واغتصاب ما يحلو لهم من الأشياء .. وكانت نزواتهم وفضائحهم ليست ذات أهمية .. والواقع أمر يرثى له..
أقام الإنكليز توازنهم للقوى السياسية الداخلية في سبيل أحكام السيطرة على العراق وتمرير المشاريع والخطط فجرى الإبقاء على الجيش العراقي دون القوة المطلوبة ومؤلفا على أساس تطوعي ..وتم توسيع عدد المرتزقة من المهاجرين الجدد والمجندين الآثوريين ( الليفي) بقيادة الضباط الإنكليز ثم ادخلوا المؤسسة العشائرية في اللعبة. واختلفت سياسة حيازة الاراضي بين الاتراك والإنكليز ، فالأتراك عمدوا الى اضعاف القبلية وأصر الانكليز على احياءها. آمن الإنكليز بالمقولة " من يسيطر على شيوخ العشائر يسيطر عليها وليحكم العراق بسهولة "، وقد تركوا الفلاحين العراقيين والكرد في ظروف معاشية قاسية .. نهبتها وامتصت قوتها السلطات البريطانية والاغوات والمشيحات والسركلة . وشددوا من قبضتهم على بلادنا اثر التصديق على معاهدة 1930 وجابهوا بالقوة الوثبات والانتفاضات العراقية والكردستانية الأمر الذي أسهم في تجذير الجوهر الديمقراطي للحركة القومية الكردية وتكريس المطالبة بالإصلاحات الديمقراطية للحكم. وفي خضم الاحتقان الشعبي الحضري والريفي اكتشفت الملكية والعشائرية مصلحتهما المشتركة فالتحم الطرفان للصمود بوجه التهديد لمواقعهما وامتيازاتهما .. حتى ثورة 14 تموز التي دمرت الملكية ودونت مصير العشائرية.



#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمل النقابي الهندسي في العراق وكردستان
- تداعيات الربط الكهربائي العراقي - التركي
- العراق : النقابات والقانون
- العراق والامم المتحدة
- نحو اكاديمية كردستانية
- ائمة جوامع بعض احياء بغداد ولا شرقية ..لا غربية
- الخصخصة ونظم الشركات والسلطة الرابعة في عراق صدام حسين _الطا ...
- النفط والطاقة الكهربائية في العراق
- السايكولوجيا والتقنيات الحديثة والوعي السائد في العراق المعا ...
- صيانة البيئة مهمة وطنية ملحة
- صناعة الهندسة الوراثية وجرائم دكتاتورية صدام ضد الانسانية
- وضاح ورفاقك / ضياء النجوم البعيدة والقريبة
- الفساد والافساد في العراق : من يدفع الثمن ؟
- السريانية والترجمة الآلية
- اللغة التركمانية والترجمة الحاسوبية
- ابراهيم كبة غني عن التعريف
- المجتمع المدني في كردستان العراق
- كردستان العراق والمجتمع المدني الحديث
- كردستان العراق والمجتمع المدني الحديث
- الشبيبة العراقية …ما لها وما عليها !


المزيد.....




- إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط ...
- إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
- حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا ...
- جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
- الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم ...
- اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا ...
- الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي ...
- مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن ...
- إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سلام ابراهيم عطوف كبة - المجتمع المدني والمؤسسة العشائرية_ كردستان العراق نموذجا_ القسم الاول