أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جاسم عبدالله صالح - محاكم التفتيش الإسلامية















المزيد.....


محاكم التفتيش الإسلامية


جاسم عبدالله صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3529 - 2011 / 10 / 28 - 19:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


محاكم التفتيش الإسلامية التي لايعرفها الكثير من المسلمين وهي في بداية الإسلام

المقصود بمحاكم التفتيش هى محاكمة الفكر ، خصوصا الفكر الدينى ، وغالبا ما يكون ذلك لأغراض سياسية ،أى ارتبطت محاكم التفتيش للمفكرين بحقيقتين بخصوص محاكم التفتيش في اوربا
، الأولى ـ أنها محاكمات في الفكر الديني وليس في الدين نفسه ،لأن الدين إيمان وعمل صالح ، والحكم فيه لله يوم القيامة ، وليس لأحد غيره ،
الثانية ـ أنها محاكمات لتصفية حسابات سياسية ولتحقيق أهداف سياسية .
واشتهرت أوربا العصور الوسطى بمحاكم التفتيش التي حملت نفس الحسابات، أما بخصوص محاكم التفتيش المحمدية بدأت محاكم التفتيش فى تاريخ المسلمين فى القرن الأول الهجرى مع بداية مايسمونه الاستبداد والانحراف .
وأفلح الغرب حين أوقف سلطان تلك القادات الظالمة التي لاتمت للمسيحية بصلة وفضح مظالم محاكم التفتيش ، ولهذا تطوروا وتقدموا بينما لاتزال محاكم التفتيش تمارس عملها فى بلاد المسلمين ، حيث توجد مئات النصوص القانونية السامة التى تعرقل الاجتهاد وترعب المفكرين و المثقفين والمبدعين ، وكلها تعمل لصالح الاستبداد و الفساد و الكهنوت الدينى. لذلك يعيش الغرب الآن عصر ثورة المعلومات والتفكير ، بينما لا زال المسلمين يعيشون عصر عذاب القبر ورضاعة الكبير و التداوى بالبول ..

كيف بدأت محاكم التفتيش في تاريخ المسلمين ؟.
* إنها تستلزم تيارات سياسية ومذاهب دينية، والتيار الديني الحاكم هو الذي يقوم بمحاكمة خصومه وتكفيره والتخلص منه با سم الدين .. وهذه المعطيات استقرت في القرن الثاني الهجري خصوصاً في بداية العصر العباسي الذي شهد موجة من محاكم التفتيش تحت اسم حركات الزندقة. ولكن قبلها كانت هناك محطات هامة نتوقف عندها ، فى هذا الرد.

* أخطر هذه المحطات هى النهاية الغامضة للصحابي سعد بن عبادة زعيم الأنصار . المقتول في بلدة حوارين بالشام . وقد كان سعد بن عبادة مرشح الأنصار للخلافة في بيعة السقيفة . ولكن انتهت الأحداث ببيعة أبي بكر ، ورفض سعد بن عبادة مبايعته ، ورى الطبري في تاريخه أن عمر هدد سعد بن عبادة (تاريخ الطبري 3/522 ) وتولى عمر الخلافة ورفض سعد أيضاً مبايعته، وذكر المؤرخ ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/145) تهديد عمر لسعد إلى درجة أن سعد خاف على حياته في المدينة مسقط رأسه ، لذلك ترك أهله وهاجر إلى الشام ، وتكملة القصة نعرفها من المؤرخ البلاذري (أنساب الأشراف1/589) الذي يذكر مقتل سعد ابن عبادة في حوارين بالشام لأنه صمم على رفض البيعة لأي قرشي ، وأشيع أن الجن هى التي قتلت سعداً ، وقالت في اغتياله شعراً .

هنا لا نجد محاكمة سياسية أو فكرية ، بل نرى مصلحة سياسية تحتم التخلص من زعيم الأنصار لتوطيد الخلافة القرشية
وقبل أن نترك هذه المحطة نذكر بعض ملحقاتها التى أسالت الدماء دون قتل النفس ، أنفس المعارضين السياسيين ، وذلك ما حدث لمعارضى سياسة الخليفة عثمان بن عفان فوقع فريسة للإضطهاد بعض السابقين فى الأسلام مثل عمار بن ياسر وعبدالله بن مسعود وأبى ذر الغفارى وذلك الأضطهاد لم تصحبه محاكمات سياسية أو فكرية .
* وأول محاكمة سياسية صورية للمعارضة السياسية أجراها الوالي الأموي زياد ابن ابيه، والي معاوية على العراق ، وكان المتهم فيها حجر بن عدي وأصحابه، والسبب الحقيقي هو اعتراض حجر بن عدي وأصحابه على قيام الأمويين بسب الأمام (علي) على المنابر في المساجد ، وكان والي الكوفة المغيرة بن شعبة يتسامح مع حجر بن عدي إذا اعترض عليه في المسجد حين يبدأ في سب الإمام (علي) . فلما تولى بعده زياد ابن أبيه لم يحتمل اعتراضه على سب الإمام علي ، فاعتقله واستحضر شهودا مزورين ادعوا عليه انه قد خلع البيعة وأنه يعد للثورة على معاوية ، وبعث الوالي بحجر بن عدى ورفاقه وشهود الزور الى دمشق حيث أمر معاوية بقتلهم 41 هـ .

وكان حجر بن عدي ورفاقه أول ضحايا المحاكمات التفتيش في تاريخ المسلمين ، وكان الوالي زياد ابن أبيه هو اول من بدأ هذه الوصمة ، وجاء بعده ابنه عبيد الله بن زياد والي الكوفة فكان يقتل خصومه السياسيين دون محاكمة صورية أو حقيقة ، وكان يمارس ذلك في سادية غريبة ، إذ يروى أن عروة بن حيدر التميمي جاء إليه في حلبة رهان على الخيل فوعظه فقرأ أمامه قوله إله الإسلام " أتبنون بكل ريع آية تعبثون ، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ، وإذا بطشتم بطشتم جبارين" فاخذه عبيد الله بن زياد فقطع يديه ورجليه ، ثم قال له كيف ترى ؟ فقال له عروة : أرى أنك أفسدت دنياي وأفسدت آخرتك !! فقتله ثم أرسل إلى ابنته فقتلها أيضاً .
وعبيد الله بن زياد هذا هو الذي أرسل جيشاً لقتل الحسين بن علي وآله في كربلاء .. تلك المذبحة التي تشكل أحد الكوارث الثلاث في خلافة يزيد بن معاوية.

* واستخلاف يزيد بعهد من أبيه كانت اعلاناً صريحاً بتحول الخلافة الشورية إلى سلطان مستبد بالوراثة وحكم القوة ، وذلك التحول أدى إلى ثورة الحسين ومصرعه في كربلاء ، ومصرع الحسين أدى بدوره إلى ثورة المدينة وخلعها طاعة يزيد ، وبالتالي قيام معركة الحرة بين أهل المدينة وجيش الأمويين ، وانتهاك حرمة المدينة المنورة بعد هزيمة أهلها ، وما حدث للمدينة أدى إلى الكارثة الثالثة وهى انتهاك حرمة الكعبة وقتال أهل مكة وزعيمها عبدالله بن الزبير الذي أعلن الخلافة ، وهذه الكوارث الثلاث حدثت بالترتيب خلال السنوات التي حكم فيها يزيد (60 :64 هـ) وقد أدت هذه الكوارث إلى خروج الحكم من الفرع السفياني الأموي وإعادة تأسيس الدولة الأموية على يد مروان بن الحكم وابنه عبدالملك بن مروان ، كما وصلت فيه القسوة الأموية إلى مداها في التعامل مع المخالين في الرأى ، وبلغ الضحايا مئات الألوف ، وهذا المسرح الدامي جعل الدولة تواجه دعاية ضخمة من خصومها وضحاياها ، فاحتاجت إلى تبرير ديني يسوغ لها ما ترتكبه من مذابح ، وهنا بدأ التمهيد لاستغلال الفكر الديني
* لقد استأثرت مأساة الحسبن وآله في كربلاء باهتمام المؤرخين خصوصاً الشيعة ، حتى لقد غطت هذه المأساة على مأساة المدينة المنورة حبن اقتحمها جيش الأمويين بقيادة مسلم بن عقبة في 26 ذي الحجة سنة 63 هـ ، ويروي الزهري أن الجيش الأموي استباح المدينة المنورة ثلاث أيام بلياليها ، فقتل سبعة آلاف من الأشراف والصحابة وعشرة آلاف من بقية أهلها ، هذا بالإضافة إلى اغتصاب الحرائر من نسائها ، وذلك ما رددته كتب التاريخ كالطبري (4/372) وابن الأثير (3/10) ويقول المؤرخ ابن كثير أنه " حبلت ألف إمرأة في تلك الأيام من غير زواج" تاريخ ابن كثير (8/372 ، 219) .
وبعد مذبحة أهل المدينة توجه الجيش الأموي إلى مكة حيث حاصر الحرم بالمجانيق التي تقذف بالنار فأحرقت الكعبة ، ولم ينقذ أهل مكة مؤقتاً إلا وصول الخبر بموت الخليفة يزيد بن معاوية واختلاف الأمويين على أنفسهم ، وبعد أن اتفقوا في مؤتمر الجابية على تولية مروان بن الحكم للخلافة أرسل الأمويين جيشاً آخر حاصر ابن الزبير وقتله سنة 73 هـ وكان قائد الأمويين هو الحجاج بن يوسف.

* وهذه القسوة المفرطة في سفك الدماء أوصلت الخلفاء الأمويين إلى غطرسة القوى التي تصادر الرأى السلمي ، وكان بعض الناس يجترئ على الخلفاء محتمياً بفضيلة الأمر بالتقوى فيقول للخليفة "اتق الله" وكان الخليفة ينصاع للقول حتى لاينطبق عليه قول إله الإسلام " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد: البقرة 206" واستنكف الخليفة عبدالملك بن مروان أن يقال له " اتق الله" فأعلن في المدينة سنة 75هـ ومن فوق منبر النبي تهديداً حاسماً لمن ينصحه بالتقوى ، وأنه لايعرف إلا لغة السيف فقال، "إني لن ُأداوي أمراض هذه الأمة بغير السيف .. والله لا يأمرني أحد بعد مقامي هذا بتقوى الله إلا ضربت عنقه" .

أما ابنه الخليفة الوليد بن عبدالملك فقد خطب الجمعة وأطال في الخطبة حتى اصفرت الشمس فقام إليه رجل وقال له : إن الوقت لاينتظرك وإن الرب لا يعذرك"!! فقال له الوليد "صدقت ومن قال مثل مقالتك فلا ينبغي له أن يقوم من مقامك ." وفهم الحرس مقصد الخليفة فقتلوا الرجل.!!
وكان سعيد بن المسيب أكبر فقيه في العصر الأموي وشيخ التابعين في المدينة ، وقد أدرك مذبحة الحرة ونجا من القتل بمعجزة ، إذ ظل مختفياً في المسجد ، وكانت تجربة فظيعة أثرت في شخصيته وفي آرائه الفقهية ورواياته الحديثية ، وبرغم نسبه القرشي ومكانته العلمية فقد صاحبه الاضطهاد الأموي ، وكانت حياته معلقة على كلمة ينطق بها الخليفة إذا أراد، هذا مع اعتزاله السياسة وأهل الدولة . وقد ذكر ابن سعد في تاريخه الطبقات الكبرى (5/94ـ) كيف تعرض للضرب بالسياط ، وكيف كاد الخليفة الوليد أن يقتله لأنه استدعاه من المسجد فرفض المثول أمامه . وإذا كان هذا ما يحدث بشيخ قريش وأكبر علماء التابعين في زمنه فكيف بالآخرين.؟

* في ذلك الوقت "خلافة عبدالملك وابنه الوليد" لقى مئات الألوف من المسلمين حتفهم على يد الحجاج بن يوسف ، الذي كان يقتل الأبرياء بمجرد التهمة والظن، وكان يستبيح قتل الأسرى المسلمين الخارجين عليه ، وأكثر ضحاياه كانوا من الأبرياء المسالمين المتهمين ظلماً ، بدليل أنه عندما مات الحجاج سنة 95هـ وجدوا في سجونه ثلاثة وثلاثين ألف متهمين بلا جريمة وكان السجين منهم يظل في السجن إلى أن يموت، وقد مات منهم في السجن خمسون ألف رجل وثلاثين ألف إمرأة ، وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد، ولم يكن السجن إلا مجرد مقبرة ، الداخل فيه لايخرج منه إلا جثة هامدة .
ولأن دخول السجن والموت فيه أو الموت خارجه يحدث بسهولة لكل من يجرؤ على النقد لذلك احتبست الآراء في الصدور وانزوى كل صاحب رأى في قعر بيته يخشى على حياته من إرهاب الحجاج .
ولنأخذ مثلا على ذلك مما ذكره المؤرخ ابن سعد في الطبقات الكبرى في ترجمة فقيه الكوفة في عهد الحجاج ، وهو ابراهيم النخعي الذي عاش حياته في رعب من الحجاج حتى مات دون الخمسين سنة 96هـ ، بعد وفاة الحجاج ببضعة أشهر .
لقد أرسل الحجاج شرطياً للقبض على ابراهيم النخعي ، وكان عنده في البيت صديقه ابراهيم التيمى، وقرع الشرطي الباب وهو يقول : أريد ابراهيم ، فأسرع ابراهيم التميمي يقول للشرطي أنا ابراهيم ، وسار مع الشرطي للسجن وهو يعلم أن المقصود هو رفيقه ابراهيم النخعي، ولكن أراد أن يفدي بنفسه صديقه ، وظل ابراهيم التيمي في سجن الحجاج بدون محاكمة يقاسي العذاب ، وكان يعاني من ثقل السلاسل والجوع ، وحين جاءته أمه لتراه لم تستطع أن تتعرف عليه حتى خاطبها ، وظل في السجن إلى أن استراح بالموت .!! .

* وأثرت تلك الحادثة على سلوك الفقيه العبقري الشاب ابراهيم النخعي فسيطر عليه الرعب من الحجاج واستخفى في بيت صديقه أبي معشر تطارده مخاوفه ووساوسه من زبانية الأمويين . وحين اعتقد أن الحجاج قد تناساه ظهر وأخذ يقرئ دروسه في مسجد الكوفة إلا أن حذره لم يفارقه ، وقد قال له بعض أصدقائه يحذره من دخول المسجد " أتذهب إلى المسجد فيجلس إليك العريف والشرطي ؟" . فقال له النخعي " بل نجلس في المسجد فيجلس إلينا العريف والشرطي أحب من أن نعتزل فيرمينا الناس بالتهمة " أى كان يخلف من الأنزواء ويخاف أيضا من اظهار آرائه. ولم يتخلص النخعي من الرعب إلا حين بشروه بموت الحجاج ، فسجد لله شكراً وبكى من الفرح .!! .

* ولم يكن الصحابة وذرية (على) وأهل مكة والمدينة فقط من ضحايا الأمويين ، بل انضم إليهم الموالي في مصر والعراق وفارس، ولم تقتصر مظالم الأمويين على سفك الدماء بل شملت اضطهاد غير العرب وأكل أموالهم . ومن الطبيعي أن تتعاظم النقمة عليهم من خصومهم الكثيرين ، خصوصاً الشيعة والخوارج ، وقد تزعموا المقاومة العلنية والسرية ، وتحصنوا بمقولات دينية ، وكان لابد للأمويين أن يردوا عليهم بثقافة دينية مضادة.
في ذلك الوقت كانت الحركة الفكرية بسيطة وساذجة وأكثرها لم يعرف التدوين المنظم ، لذلك قبعت تلك المعارك الفكرية بين سطور التاريخ وعلى هامش المعارك الحربية بين الأمويين وأعدائهم حيث حجبها عن الأنظار ضجيج الصدام الحربي .
ـ وتلك المعارك الفكرية بين الأمويين وخصومهم دارت حول قضية أساسية وبسيطة ، هى الجبر والاختيار ، والقضاء والقدر ، تلك المشكلة الفكرية التي تلازم الفكر الانساني في كل العصور ، والتي يجد فيها الظالم تبريراً مناسباً لظلمه .. وكذلك فعل الأمويون ، إذ قامت دعايتهم على أساس أن الله تعالى هو الذي شاء أن يموت الحسين وآله قتلى في كربلاء ، وأن الله تعالى هو الذي شاء أن يقتل أهل المدينة في موقعة الحرة ، وأن مشيئته تعالى اقتضت أن تنتهك حرمة البيت الحرام ، وأن الاعتراض على ذلك إنما هو اعتراض مشيئة الرحمن وخروج على إرادته ، ومعناه أنه يحدث في ملك الله تعالى ما لايشاء وقوعه ، ومن يعتقد أن هناك ما يخرج عن قدر الله ومشيئته فقد خرج عن الإسلام واستحق القتل.
ـ وبدأت هذه الدعاية الأموية مبكراً وبعد كوارث قتل الحسين وانتهاك حرمة المدينة وحرمة البيت الحرام ، وبدأت أيضاً مقاومة هذه الدعاية الأموية في حينها ، وإن كنا لا نعرف الكثير عن هذا الصراع الفكري إلا من خلال ما نتج عنه من آثار خطيرة كادت تودي بالدولة الأموية بعد موت الخليفة يزيد بن معاوية .
ذلك أن عمرو المقصوص كان معلماً لمعاوية بن يزيد بن معاوية ولى العهد ، وقد تأثر هذا الشاب (معاوية بن يزيد) بشخصية عمرو المقصوص وأفكاره عن الحرية والمسئولية ، ومسئولية الانسان على ما يفعله . وبالتالي مسئولية الأمويين عن أعمالهم ، وقد استطاع عمرو المقصوص أن يصل بتأثيره على معاوية بن يزيد بن معاوية إلى درجة أنه اعتزل الخلافة بعد شهرين من موت والده يزيد ، وقال في خطاب اعتزاله ما يؤكد مسئولية أبيه يويد وجده معاوية عن الفظائع التي حاقت بالمسلمين ، ويذكر المقدسي صاحب كتاب "البدء والتاريخ "(6/17) أن عمراً المقصوص هو الذي نصح الخليفة الشاب قائلاً :"إما أن تعتدل وإما أن تعتزل" ولما تيقن الخليفة الجديد من عجزه عن الاصلاح بادر بالاعتزال بعد أن أعلن رأيه في مسئولية أبيه وجده ، ولم يتمسح مثل أهله بالقدر الإلهي . وأدى هذا الموقف إلى أن قام الأمويون بقتل الخليفة المعتزل معاوية بن يزيد ، ثم طاردوا عمراً المقصوص حتى عثروا عليه فدفنوه حياً وقالوا له : " أنت أفسدته وعلمته" .!!

* وهذه هى النهاية المفجعة لعمرو المقصوص داعية الإرادة الحرة ضد مذهب الجبرية للدولة الأموية ، وقد أثرت على داعية آخر مشهور وهو الحسن البصري (22ـ 110 هـ) الذي كان يؤمن بالإرادة الحرة ، ولكنه كان يخشى من الجبروت الأموى خصوصاً وهو يعيش إلى جوار الحجاج ابن يوسف جبار بني أمية.

* ولكن فقيها جريئاً نهض لما تقاعس عنه الحسن البصري ، وهو معبد بن خالد الجهني الذي أعلن كلمته المأثورة "لا قدر،والأمر أنف" .
فقد أشاع الأمويون ودعاتهم في المساجد أن معاصيهم وأعمالهم " تسير بقدر الله" فأعلن معبد أنه " لاقدر" أي لا دخل لقدر الله بهذه المعاصي ، وان أمور الأمويين تجري بالظلم والاكراه برغم أنوف المسلمين ، أى " والأمر أنف" .
ـ وانتقل معبد إلى البصرة وقابل شيخها الحسن البصري وقال له : " يا أبا سعيد ، هؤلاء الملوك يسفكون دماء المؤمنين ويأخذون اموالهم ويوقولون إنما تجري أعمالنا على قدر الله." فتشجع الحسن البصري وقال مؤيداً له : كذب أعداء الله.
وكي يثبت معبد رأيه في الإرادة الحرة فقد شارك مع المثقفين أو(القرّاء ) في ثورة محمد بن الأشعث ، وفشلت ثورة ابن الأشعث ، وانهزم في موقعة دير الجماجم ، وأسرف الحجاج في قتل الأسرى ، واستبقى منهم معبد بن خالد ليتلذذ بتعذيبه والسخرية من آرائه ، إذ كان يؤتى به إليه مقيداً بعد وجبة التعذيب ، فيضحك الحجاج ويقول له: يا معبد ، كيف ترى ما قدره الله لك ؟ ما تقول فيما قسم الله لك ؟ فيقول له معبد : "يا حجاج خلِّ بيني وبين قسم الله وقدره ، فإن لم يكن لي قدر إلا هذا القيد رضيت به" أي أن إرادة الحجاج هى التي جعلته في القيود وليست إرادة الله .
ـ وفي مرة أخرى قال له : يا معبد ، أليس قيدك بقضاء الله ؟ فقال له معبد: "يا حجاج، ما رأيت أحداً قيدني غيرك فاطلق قيدي فإن أدخله قضاء الله رضيت به". ولما عجز الحجاج عن الرد عليه أمر بتعذيبه ، فظل تحت العذاب إلى أن مات سنة 83 هـ .

* وكالعادة أدى عنف الدولة إلى انتشار مذهب معبد الجهني بعد مقتله ، فتكاثر أصحاب مذهب "القدرية" نسبة لقول معبد "لاقدر والأمرأنف " وظهر زعيم آخر لهم داخل دمشق نفسها هو غيلان الدمشقى" الذي استفاد من الحكم العادل للخليفة عمر بن عبدالعزيز ، وكانت لهما مناقشات في موضوع حرية الإرادة والقضاء والقدر، وساند غيلان الخليفة عمر بن عبدالعزيز في رد المظالم ، وكان يقف في سوق دمشق يبيع ما يصادره عمر بن عبدالعزيز من أموال وخزائن وأثاث نهبها الأمويون ، كان يبيعها لصالح بيت المال ، وهو ينادي في الناس "تعالوا إلى متاع الخونة ،تعالوا إلى متاع الظلمة ، تعالوا إلى متاع ما خلف الرسول في أمته بغير سنته وسيرته" وقد مر هشام بن عبدالملك به وهو ينادي هذا النداء وسمع ما يسوؤه فنذر إن تولى الخلافة ليقطعن يدي غيلان ورجليه .
وعندما تولى هشام الخلافة هرب غيلان وصاحبه صالح إلى أرمينيا ، ودعا إلى الثورة على هشام وظلمه ، فاعتقله أعوان الأمويين ، وجئ به إلى هشام بدمشق ، فقال له هشام : "زعمت أن ما في الدنيا ليس هو عطاء من الله لنا " فقال غيلان:"أعوذ بجلال اله أن يأتمن الخونة أو أن يستخلف الفجار خلفاء" أن هشام يعتقد أن استيلائه على الملك والأموال إنما هو بقدر الله وعطائه ، أما غيلان فيرى أنه حاش لله أن يجعل الخونة أمناء له أو يجعل الفجار خلفاءه ، وإنما هى السطوة والقهر وإرادة البشر بالرضى بالظلم والخنوع له أو بالتخلص منه .
وأراد هشام أن يفعل بغيلان مثلما كان يفعل الحجاج بمعبد الجهني ، إذ أمر بحبسه ليتسلى بحبسه ، ثم يقتله في النهاية بعد أن يسلط عليه أحد علماء الدولة ليرد عليه بفكر ديني مضاد . وكان الأمام الأوزاعي هو ذلك الفقيه الذي يتكلم باسم الأمويين ، وقد تناقش مع غيلان في السجن ، ولم يستمر النقاش طويلاً ، إذ سرعان ما أفتى الأوزاعي للخليفة بتعذيب غيلان وقتله هو وصاحبه صالح. فأمر هشام باخراجهما من السجن وقطع أيديهما وأرجلهما وجئ بهما إليه ليشفي غليله ، فقال لغيلان :"كيف ترى ما صنع بك ربك؟!!" يعني أن قضاء الله هو المسئول عما حلَ به ، فقال له غيلان :"لعن الله من فعل هذا بي !!" يعني لعن الخليفة لأنه المسئول عما حدث وليس الله تعالى!!.
ـ وأراد هشام أن يستبقيه في السجن حياً ليكون عبرة للناس ، بينما يجلس الأوزاعي في المسجد الأموي يقص الأحاديث التي تلعن القدرية وتحكم بقتلهم ، وكان النتيجة أن أصبح الناس يتوافدون على غيلان الدمشقي في السجن يستمعون إليه ، وكان فصيحاً مفوهاً صاحب تأثير هائل في الناس ، فأخذ يعظ الناس ويهاجم الأمويين ، فانقلبت الآية على هشام ، فقيل له :"قطعت يدي غيلان ورجليه وأطلقت لسانه فأبكى الناس ونبههم إلى ما كانوا عنه غافلين." فأسرع هشام فأرسل إليه من يقطع لسانه ، فقيل له :"أخرج لسانك." فقال :" كلا ، لاأعينكم على نفسي" فكسروا فكيه واستخرجوا لسانه فقطعوه .. فمات .. رحمه الله تعالى!! ( التفاصيل في كتاب القاضي عبدالجبار:طبقات المعتزلة 330: 334 .)
* ومن عجائب التاريخ أن الوالي العباسي عبدالله بن علي الذي هزم الأمويين في موقعة االزاب والذي أبادهم في الشام استخرج جثة الخليفة الأموي هشام وضربها بالسياط ثم أحرقها ونثرها في الهواء ، ومع ذلك فإن ذلك الوالي العباسى نفسه هو الذي احتفى يالإمام الأوزاعي حين سارع الأوزاعي بتقديم خدماته للدولة الجديدة وتنكر لسادته الأمويين،فأفتى للعباسيين بشرعية قتل الأمويين ونهب أموالهم ..
ومن العجائب أيضاً أن الأوزاعي ظل متمتعاً بالجاه في الدولة الجديدة ، يروي لها الأحاديث ويصنع لها الفتاوي التي تلعن "القدرية" أي مذهب الحرية الفردية ومسئولية الحاكم على ظلمه .. ولهذا انتشرت الأحاديث التي تلعن غيلان الدمشقي ، ومنها حديث : " يكون في أمتي رجلان أحدهما وهب الله له الحكمة، والآخر "غيلان" فتنة على هذه الأمة أشد من فتنة الشيطان" وقد أورد الملطي هذا الحديث في كتابه "التنبيه والرد" .
وهو حديث عجيب ، إذ يمدح اليهودي وهب بن منبه أكبر مصدر للإسرائيليات في تراث المسلمين على حد زعمهم ويذم غيلان الدمشقي أكبر داعية للحرية العقلية والسياسية في تراث المسلمين .
والسبب واضح ، إن تركيع الناس للاستبداد الديني والسياسي يبدأ بتعليب العقل وتحييده عن طريق الفكر الصحيح
وهكذا فعل الأمويون والعباسيون مع دعاة التفكير العقلي ..

والكثير من محاكم التفتيش المحمدية والقتل لبعضهم بين الخلفاء والطوائف وقتل الغير مسلم وووالخ .

أن محاكم التفتيش المحمدي لازالت تُمارس حتى يومنا هذا !!

فكل دولة إسلامية لاتسمح لغير الإسلام وبالتحديد من نفس الطائفة بمارسة حقهم
بل تحاربهم وتقتلهم في حال المخالفة !
وهاهي أيران لاتسمح للسنة في أداء شعائرهم بحجة أنهم مُخالفين لهم " محاكم التفتيش الشيعية "
وهاهي السعودية تحرم على الشيعة وغير المسلمين أداء شعائرهم بحجة أنهم مُخالفين لهم " محاكم التفتيش السنية "
وهاهم السنة والشيعة يقتلون بعضهم في العراق فكل واحد منهم يرمي الأخر بأنه حرف دين محمد " محاكم التفتيش المحمدية الداخلية "
وهذه الحال في جميع الدول الإسلامية كل محاكم تفتيش وليس مُخالف لإلهمم كما هو مُخالف لإله المسيحيين بل هو تطبيق لإله محمد الذي حرم غير الإسلام وطائفة واحدة منهم !



#جاسم_عبدالله_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماعلاقة أدولف هتلر و نابليون في الإسلام ؟ وهل أعتنقا الإسلام ...
- حزب البعث سيرحل بعد فرض بدونته علينا !
- سوريستان تُرحب بكل الأشقاء في مصرستان وتوابعها
- النفاق الديني !
- من يحكمنا في سوريا ؟


المزيد.....




- كلمة مرتقبة لقائد الثورة الاسلامية بذكرى تأسيس منظمة تعبئة ا ...
- كلمة مرتقبة لقائد الثورة الاسلامية آية الله السيد خامنئي بمن ...
- إيران تنفي التورط بمقتل حاخام يهودي في الإمارات
- قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين ...
- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جاسم عبدالله صالح - محاكم التفتيش الإسلامية