|
لماذا المنهج المادي الجدلي..؟
إبراهيم قندور
الحوار المتمدن-العدد: 3529 - 2011 / 10 / 28 - 08:02
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
حقق حزبنا الشيوعي السوري (الموحد) نقلة نوعية هامة بتحديد مرجعيته الفكرية، بأنه (يسترشد بصورة خلاقة بالماركسية ـ اللينينية وبمنهجها المادي الجدلي والتاريخي وبمنجزات العلم، وبكل ما هو تقدمي في الفكر العربي والإنساني). تلبي هذه المرجعية حاجة موضوعية لتعيين ما فات أوانه وتجديد رؤيتنا الفكرية للمعضلات النظرية لعصرنا التي نجمت عن التحولات الانعطافية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والمعرفية. والانطلاق في ذلك من وصل ما انقطع، في سياق سيرورة التطور العالمي والمهام الجديدة التي يطرحها هذا التطور، وموقع نظرية ماركس ـ إنجلز ـ لينين من كل ذلك، دون عصرنة مزيفة أو انكفاء نكوصي عقائدي لاصلة معرفية لهما بواقع يتكون وعوالم لم تعد موجودة. يعد تأكيد مؤتمرنا الحادي عشر على هذه المرجعية في مقدمة نظامه الداخلي تأكيداً لعزمه على مواصلة جهوده التجديدية، بعيداً عن العدمية والتلفيقية والانتقائية، وكل ما هو مبتذل في النظرية والممارسة، وفي الاستراتيجية والتكتيك. يكتسب بند الجدل المادي أهمية خاصة بين البنود الأخرى لمرجعيتنا الفكرية. ويعود ذلك لما يميزه في فهمه الماركسي عن غيره من مناهج الجدل الأخرى التي استخدم بها المنهج الجدلي منذ هيروقليطس حتى يومنا هذا. وتجلت أهمية ذلك في عودة ماركس وإنجلز في مراسلاتهما لتوضيح أسس منهجهما ودوره ووظيفته في دراساتهما النظرية والتطبيقية، وفي عرض ونقد مناهج الدراسات الأخرى، وتصحيحهما الأخطاء وعثرات فَهْم منهجِهما واستخدامه في الدراسات العلمية التطبيقية، وفي عرض الوقائع المشخصة وتحليلها والاستنتاجات الممكنة منها. إن هذه الأهمية الخاصة لبند المنهج المادي الجدلي بين البنود الأخرى لمرجعيتنا الفكرية هو الذي يجعل موضوعه راهناً وملحاً وضرورياً للشيوعيين في كل الظروف. يستخدم تعبير الديالكتيك (الجدل) في الفلسفة الماركسية بمعنى نظرية ومنهج معرفة ظواهر الواقع الفعلي عن طريق إدراك الحركة الذاتية للموضوع على أساس التناقضات الداخلية. ويكون الجدل مادياً عندما ينطلق من أن العالم المادي يوجد موضوعياً بصورة خارجة عن الوعي وبشكل مستقل عنه وسابق عليه. كان على ماركس، الهيغلي الشاب، وهو يتهيأ لتأسيس منهجه الخاص، أن ينكبَّ على مراجعة جدل هيغل مراجعة نقدية جذرية تفتح أفقاً جديداً في نظرية ومنهج الديالكتيك (الجدل). وتوصل بنتيجة هذه المراجعة إلى تحديد الجوهر العقلاني فيه ونقاط ضعفه التي تحتاج إلى إعادة تأسيس. إذ يقول في رسالته لإنجلز بتاريخ 14 كانون الثاني 1858 (.. لا بد لي، من أن أشرح.. لذوي الحس السليم من الناس، الجوهر العقلاني للمنهج الذي اكتشفه هيغل، وصَبَغَه في الوقت نفسه بصبغة أسطورية..). لم يكتف ماركس بتحديد نقطة ضعف منهج الجدل عند هيغل، بل عمل على أن يؤسس لما يميز منهجه الجدلي عن منهج هيغل. وتحديد الطريق لتخليصه من نقطة ضعفه، إذ يقول في رسالة إلى ل. كوجلمان بتاريخ 6 آذار 1868 (.. إن منهجي في العرض ليس هو منهج هيغل، ما دمت مادياً وهو مثالي. إن جدل هيغل هو الشكل الجوهري لكل جدل، لكن هذا فقط بعد تخليصه من شكله الصوفي، وهذا بالضبط ما يميز منهجي). ولم يكن منهج ماركس الجدلي مجرد تطوير لمنهج هيغل المثالي، بتخليصه من صبغته الأسطورية وشكله الصوفي، ووضعه على أساس مادي فقط، فهذا ما ميَّز منهج ماركس عن منهج هيغل، بل عمل أيضاً على تمييز منهجه المادي الجدلي عن تطبيق نظام منطقي مجرد جاهز، على مفاهيم مبهمة من هذا النظام نفسه، إذ يقول في رسالته لإنجلز بتاريخ 10 شباط 1858 في معرض نقده لمنهج لاسال (سيؤلمه أن يلاحظ أن إرجاع علم من العلوم عن طريق النقد إلى مستوى يمكن فيه عرضه جدلياً لهو شيء، وشيء آخر تماماً تطبيق نظام منطقي مجرد وجاهز، على مفاهيم مبهمة من هذا النظام نفسه). ويردُّ ماركس في نقده للأساس الذي يقوم عليه طابع تشخيصات الاقتصاديين العاميين واعتراضاتهم وما ينعكس بالضبط في عقلهم دائماً، الذي هو الشكل المباشر لظهور العلاقات الاقتصادية، وليس الارتباط الداخلي بينها، إذ يقول في رسالته لإنجلز في 27 حزيران 1867 (ينعكس دائماً في عقلهم الشكل المباشر لظهور العلاقات وليس الارتباط الداخلي بينها. ولو رغبتُ في التنبؤ بكل أنواع هذه الاعتراضات لكنت أفسدتُ كل المنهج الجدلي للدراسة). ويحذر إنجلز من استخدام المنهج المادي كنموذج جاهز تُقَصُّ به الوقائع التاريخية ويعاد قصُّها، إذ يتحول بذلك إلى نقيضه. ويؤكد أن الاستخدام الصحيح للمنهج المادي يكون باستخدامه كسلك ناقل للتنقيب التاريخي، إذ يقول في رسالته إلى ب. لافروف بتاريخ 12 (17) تشرين الثاني 1890 (يتحول المنهج المادي إلى نقيضه في كل مرة يجري فيها استخدامه لا كسلك ناقل للتنقيب التاريخي، بل كنموذج جاهز تُقصُّ به الوقائع التاريخية ويعاد قَصُّها). وينفي إنجلز أن تكون وجهة نظر ماركس مذهباً، ويؤكد أنها منهج، فهو لا يعطي عقائد جامدة، بل بنوداً توجيهية للدراسة اللاحقة ومنهجاً لهذه الدراسة، إذ يقول في رسالته إلى فيرنر زومبرت بتاريخ 11 آذار 1895 (إن وجهة نظر ماركس ليست مذهباً بل هي منهج. إنها لا تعطي عقائد جامدة، بل تعطي بنوداً توجيهية للدراسة اللاحقة، ومنهجاً لهذه الدراسة). ويوضح إنجلز المضمون الأساس لنظريتنا (ماركس وهو) ويردد أنها نظرية تطور، وأنها ليست معتقداً يحفظ عن ظهر قلب ويردّد ميكانيكياً. إذ يقول في رسالته إلى ف. كيلي ـ وشينوتسكي في 27 كانون الثاني 1887 (.. نظريتنا نظرية تطور، وليست معتقداً يحفظ عن ظهر قلب ويُردَّد ميكانيكياً). ويؤكد إنجلز قبوله بنظرية التطور في المذهب الدارويني، ورفضه لمنهج داروين في البرهان، إذ يقول في رسالته إلى ب. لافروف بتاريخ 12 (17) تشرين الثاني 1875 (إنني أقبل من المذهب الدارويني بنظرية التطور، ولكني لا أعدّ منهج داروين في البرهان (الصراع من أجل البقاء، الانتخاب الطبيعي)، سوى تعبير أولي، تعبير مؤقت، ناقص، عن واقعة تم اكتشافها). لا يمكن اعتبار أن ما عرضناه يغطي كل التفصيلات والتوضيحات التي قدمها ماركس وإنجلز حول أسس الجدل المادي ودوره ووظيفته، ولكنه يغطي مفاصل هامة حول ذلك. وهو يكفي، مبدئياً، لإضاءة كيفية التعامل مع البنود الأخرى لمرجعيتنا الفكرية. فاسترشادنا بصورة خلاقة بالماركسية اللينينية، لا يكون حسب المنهج المادي الجدلي بإيراد نصوص لماركس وإنجلز ولينين على صحة هذا الموقف أو ذاك، من قضايا راهنة، أو التأسيس لها. بل من المهم أن نتذكر دائماً قول لينين (قبل أن نتفق يجب أن نعين الحدود بيننا، ومن لا يعرف أن الحدود تتغير، فعليه أن يتعلم). فالاسترشاد بصورة خلاقة بالماركسية اللينينية يكون بتعلم منهج ماركس وإنجلز ولينين في دراسة الموضوع الراهن واتخاذ الموقف منه، وليس بالتبني الميكانيكي لموقف صحيح في ظروف أخرى زماناً ومكاناً. أما ما يتعلق بالاسترشاد بالمنهج المادي التاريخي (الفهم المادي للتاريخ) فعلينا أن نعمل على اكتشاف ما هو جوهري في طريقة استخدام القوانين الأكثر عمومية للجدل المادي (قانون وحدة وصراع المتناقضات، التراكم الكمي والتغير الكيفي، نفي النفي)، على الظواهر التاريخية، والحذر من الوقوع في منهج التاريخانية (عرض الوقائع بتسلسل زمني والتعليق عليها من منطلقات أيديولوجية يجري على أساسها إيراد وقائع معينة، والقفز فوق وقائع أخرى، بما يخدم تكريس وعي محدد سلفاً بالتراث وإسقاطات محددة على الزمن المعاصر). أما فيما يتعلق بالاسترشاد بمنجزات العلم فيكتسب أهميته من أن كل اكتشاف علمي جديد يطرح أسئلة جديدة على النظرية، ويحدد أساليب واتجاهات تطورها وتجديدها. أما ما يتعلق بالاسترشاد بكل ما هو تقدمي في الفكر العربي والإنساني فهو يتطلب استخداماً مبدعاً لمنهج الجدل المادي لإعادة تأسيسه في العرض وفي الدراسة العلمية، وفي تحديد الإضافات الممكنة التي يقدمها لمرجعيتنا بما لا يتعارض مع البنود الأخرى منها.
#إبراهيم_قندور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|