|
الوزراء وأصحاب الرابطات الحمراء
محمد السعدنى
الحوار المتمدن-العدد: 3527 - 2011 / 10 / 26 - 14:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد نشر مقالى "الإصلاح والتغيير أواللبننة" وإذا بسيل المراسلات والمحادثات لم ينقطع. كان اهتمام الجماهير موازياً لإهتمام النخبة فى ضرورة أن تغير الحكومة سياساتها التى همشت المواطن واستبعدته. إلا أن طموحات النخبة كانت أعرض وأكبر حيث إنصب جام غضبها على النظام ككل. وهو أمرلا يعيب النخبة حيث هى طليعة الطبقة الوسطى وتطلعها للتغيير والتحديث والنهضة، وربما هى ظاهرة ارتبطت ببعد نظرها وقدرتها على استشراف المستقبل والعمل من أجل ضماناته واستحقاقاته. أما جماهيرنا فى هذه العينة من القراء ذوى الأنشطة العملية والمهنية المختلفة فإنما انحصر تفكيرها فى كيفية الوصول إلى الستر أومجتمع الكفاية الذى يخرج بهم من حد الكفاف وما دونه، ولا تلمح فى مطالبها أى طموح للوصول إلى مجتمع الرفاهة على غرار التطلعات المظهرية للأغنياء الجدد nouveau riche ، والتى تختلف ثقافياً وسلوكياً وإجتماعياً عن مثيلاتها من الطبقات الأرستقراطية التقليدية فى إهتماماتها ومساهماتها المجتمعية والإنسانية المعروفة. إنصبت معظم التعليقات على رغبة عارمة فى إحداث حركة تغييرات عاجلة تعمل على سد الذرائع فيما أسموه الفشل البادى للحكومة الحالية على الوفاء بمتطلبات الحياة الكريمة للجماهير التى لاتزال تبحث عن طريق للوصول إلى مفردات عقد إجتماعى أولى شواهده الشراكة فى الوطن والحق فى تقرير محددات ومؤشرات التنمية بما فيها التوزيع العادل للدخل القومى العام وتقليص الفجوة بين الأجور والأسعار والحد من البطالة ومعاملة المواطن بإعتباره شريكاً ذو حق أصيل فى ملكية مقدرات هذا الوطن لا واحداً من الرعايا. وكان النقد جارحاً للغياب الطوعى لبعض وزراء الحكومة عن أهم مسئولياتهم فى التعامل اليومى والعاجل مع مشكلات العمالة المصرية التى اضطرتها ضغوط الحاجة وقلة ذات اليد إلى إفتراش العراء والتحاف السماء على أرصفة مجلس الشعب. ومع تنامى ظاهرة الإضرابات والإعتصامات وتغيب الحكومة والمؤسسات النيابية والنقابية والوزراء عن التعاطى السياسى النشط مع هذه الحركات الإحتجاجية، إنما يعطى إنطباعاً عن تخلف دور الدولة وضعف هياكلها السياسية وجمود أفق الحكومة ووزرائها وافتقادهم المرونة الكافية لإحتواء غضبة الناس وحل مشكلاتهم، وفى الحقيقة فإن أغلبها من صنع الحكومة نفسها وسياساتها الفوقية وتعالى بعض الوزاراء وإعتمادهم فى دواوينهم ومكاتبهم على بعض محدودى الكفاءة معدومى القدرة على الفعل والإبتكار والمبادرة أو ما يطلق عليهم إصطلاحاً "المديوكر". إن أولئك "المديوكرات" لا يعبؤون بأداء واجباتهم تجاه الجماهير بقدر إهتمامهم بإرضاء أولى الأمر من الرؤساء والوزراء والمتنفذين، فهم أصحاب ولاء لاكفاءة. ومن هنا جاء تجاهل الحكومة لكل المطالب المشروعة والإحتياجات الضاغطة على محدودى الدخل المنكوبين بسياسات الخصخصة وبيع المصانع وتفكيك بنية التصنيع الذى كان فى طليعة معاركنا الوطنية فى الستينيات. إن استوزار عدد غير محدود من وزراء الصدفة أو وزراء المصالح والمعارف والكارتلات من غير السياسيين، أوصلنا إلى هذه السياسات الحكومية التى تعاملت مع الناس بنفس منطق تعاملها مع الأرقام والدفاتر والحسابات، وتناست الحكومة وبعض وزرائها أن الفارق كبير بين إدارة الأوطان وإدارة الشركات والمؤسسات. الأوطان لا تدار بحسابات المكسب والخسارة. إن هناك إحساساً عاماً بضعف الحكومة وتآكل مصداقيتها ومحدودية قدرتها على المبادرة وتركيز سياساتها بشكل فوقى وإنتقائى، وتغليب الخاص على العام عند بعض وزرائها ممن لا يتردد فى إهدار الكفاءات وتدمير النجاحات حتى لا يبدو أن هناك من هو قادر غيره على الإنجاز والإبداع والنجاح. وبعضهم يتفنن فى تصعيد "المديوكرات" إلى وظائف عليا دون مبررات من كفاءة أو موهبة أو قدرات مهنية، الأمر الذى وصل بنا إلى تقزيم كثير من هيئاتنا الكبرى التى تسيرها قوى الدفع الذاتى بأقل طاقاتها بينما لو وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب لكانت نهضة شاملة وأفق يحمل بشارات مستقبل أفضل. لفت نظرى واحد من الخبثاء السياسيين إلى ظاهرة فى بعض الوزارات أسماها "أصحاب رابطات العنق الحمراء" وراح يعدد الأسماء والملابسات والحكايات، العجيب أنها فعلاً ظاهرة كنت أتشكك فيها، ومن شواهدها أن يستقدم الوزير شخصاً "مديوكر" محدود الفكر والكفاءة يعمل فترة فى مكتبه وسرعان ما يتم ندبه لأكثر من وظيفة قيادية فى الوزارة فيحيط نفسه بهالة مصطنعة من الأهمية والإنتفاخ، ولم لا وهو صاحب الحظوة لدى السيد الوزير وهو الآمر المطاع، ويتم ترقيته مديراً لمكتب الوزير ثم مشرفاً على القطاع الفلانى ومنسقاً للمشروع العلانى ثم مساعداً للوزير وأخيراً رئيس هيئة كبرى على درجة وزير دون سند من تاريخ وظيفى أوعطاء غير عادى اللهم إلا قربه من السيد الوزير. قال الرجل ذلك وأدرته فى ذاكرتى على عدد ممن تعاملت معهم ووجدت نفس السيناريو فى أكثر من وزارة ونفس المديوكر الذى يحظى بكره الجميع ويلوك سيرته الآخرون، ووجدتهم للمصادفه جميعاً من أصحاب الكرفتات الحمراء، وبدأت فى الربط بينهم وبين كرافتات حمراء معروفة عالمياً لعدد غير محدود من المحافظين الجدد "النيوكونز" فى الولايات المتحدة الأمريكية أمثال ريتشارد بيرل، جون بولتون، إليوت إبرامز، دايفيد بروكس، بل وجورج دبليو بوش نفسه وتونى بلير رئيس الوزراء البريطانى السابق و"خوسيه ماريا أثنار" رئيس الوزراء الأسبانى السابق وغيرهم من اليمين المتطرف المعادى للقضايا العربية والموالى للسياسات الأمريكية والإسرائيلية والمستهدف لمصر ودورها إقليمياً وعالمياً. هل هى إذن مصادفة؟ ربما !! نشرت هذا المقال فى الأخبار قبل الثورة بشهور عديدة، وأحسب أنه لايزال صالحا للنشر حتى اليوم، وأهديه للحكومة الغائبة والجنرالات الحائرون، وعلى وزير التعليم العالى والبحث العلمى أن ينظر حوله فى غضب.
#محمد_السعدنى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
9 مارس ومشروع النهضة
-
أحاديث منتصف الليل
-
مصر.. وعَودةٌ أخري قريبة
...
-
راكيل وولش والنانوتكنولوجى
-
الثورة ومشروع النهضة
-
عندما لاتؤدي المقدمات إلي نتائجها
-
البحث العلمى وإدارة المعرفة
-
إستراتيجيات إنتاج وإدارة المعرفة
-
الوعي الزائف والعقل البديل
-
مبدعون على الشاطئ الآخر
-
الموتى لا يروون حكاياتهم
-
المثقف المجتمع والسلطة
-
إناللا هاموهى تونبلكا فيرينا
-
العلم ساحر الغيوب
-
البرتقالة الرخيصة
-
معجزته ليست في ذاتها
-
لن تخبو نار بروميثيوس
-
أوهام التعليم العالي وخطاياه
-
مطعم القردة الحية
-
صفحات في ذاگرة التراث
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|