|
اميركا تدفع ايران للتجول على شفير الهاوية
هاني الروسان
(Hani Alroussen)
الحوار المتمدن-العدد: 3526 - 2011 / 10 / 25 - 15:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هاني الروسان على نحو ربما يبدو في ظاهره غير متوقع التوقيت يتم الان استدراج ايران للعودة الى التجول على شفير الهاوية. بيد ان حقائق طبيعة المتغيرات التي طرأت على امكانية اعادة هيكلة توزيع القوة مجددا بين وحدات النظام الاقليمي العربي، بعد ان بدت وكأنها استقرت عقب غزو العراق واخراجة من حسابات القوة فيه، هو ما قد ينقل المحاولة الامريكية لدفع ايران الى عين العاصفة الى المسار الطبيعي في اطار الاستراتيجية الامريكية للابقاء على الشرق الاوسط منطقة نفوذ امريكية خالصة. فالولايات المتحدة التي انهت مرحلة صدام استراتيجيات القوى العظمى حول بعض مناطق العالم كالعالم العربي والشرق الأوسط بنجاح كبير وحققت انتصارا تاريخيا بهذا الشأن على الاتحاد السوفييتي منافسها الخطير، تدرك ان الابواب قد شرعت امام القوى الاقليمية الكبرى عبر العالم للدخول في مرحلة صدام الاستراتيجيات الإقليمية، وانها معنية بالدخول طرفا بهذه الاستراتيجيات كاستراتيجيات الصراع مع إسرائيل، لمرحلة ما بعد السلام، وإيران والتنازع على المصالح والأدوار مع تركيا في المشرق العربي وإثيوبيا في شرق افريقيا، والدخول في تحد لدور هندي متنام في الخليج، ووجود صيني في السودان وغيرها من مناطق النفوذ والاقاليم. وُيعتقد ان مثل هذا التصور الامريكي لدورها في منطقة الاقليم العربي مثلا يساهم بفاعلية في ترسيخ استراتيجيتها للاستمرار بالانفراد بقيادة النظام الدولي، الذي من بين ما يتطلبه هذا الانفراد تغير عدد من سمات نظام الثنائية القطبية الذي ساد حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كسمة التدخل المباشر في الشؤون الدولية وانهاء ظاهرة الحروب بالوكالة، حيث كانت تدور عبر الآخرين تجنبًا لأيّ احتكاك قد يؤدّي إلى صدام نووي مدمر وسمة الانتقال من مبدأ الشراكة مع حلفائها إلى مبدأ التبعية، الّذي نجح رغم محاولات التمرد الألماني – الفرنسي، البلجيكي – اليوناني قبيل غزو بغداد عام 2003. ويقال في هذا الصدد ان السيطرة الامريكية على موارد الطاقة العالمية، من شأنه ان يحقق لها هدفا مزدوجا اذ ينتقل بعلاقتها مع حلفائها التقليديين ابان مرحلة الحرب الباردة الى علاقة تبعية كاملة، يضعها تحت الرقابة الامريكية ويتيح لها تحقيق هدفها الثاني على المستوى الجيوساسي بالابقاء على روسيا في نطاق جغرافي يحرمها من التمدد الى مناطق تشكل تهديدا للنفوذ الامريكي على الصعيد العالمي. والسيطرة الامريكية على مناطق النظام الاقليمي العربي، مناطق نفوذ خالصة بالاضافة الى ما يوفره لها ذلك من سيطرة كاملة على مصادر الطاقة العالمية، ويجعل سوقها الاستهلاكية الضخمة حكرا على شركاتها، فانه يمنحها قوة تحكم غير محدودة في طرق المواصلات العالمية. وما قد يعزز اتجاها امريكيا استراتيجيا كهذا، هو ما يطرحه كبار منظري السياسة الخارجية الامريكية امثال وزير الخارجية الاسبق هنري كيسنجر الذي رأى أنّ النظام الدولي الذي كان قيد التشكل في تلك الاثناء هو شيء أشبه ما يكون بنظام الدول الأوروبية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وانه يتكون من ستة مراكز أساسية على الأقل هي: الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والصين واليابان وروسيا، واحتمالاً الهند بالإضافة إلى مجموعة من الدول الصغرى، وان استمرار السيطرة الامريكية على الاوضاع الراهنة كما يذهب الى ذلك ريتشارد هاس، هي مسألة موضع شك ان لم تسارع امريكا الى ترسيخ ذلك بالتعاون مع الاخرين وباستغلال فراغ القوة العالمي. والحقيقة ان مسارات السياسة الخارجية الامريكية في منطقة النظام الاقليمي العربي، كانت تعزز رأيا تحليليا شبيه بذلك، اذ ارتضت بما اسفر عنه غزوها للعراق من اعادة هيكلة لقوة النظام الاقليمي العربي ان في مواجهة الجوار الجغرافي، او بين وحدات النظام بشكل لا يسمح باعادة هيكليتها مرة اخرى بسرعة ويسر يؤثر على خياراتها الاستراتيجية في المنطقة، اذ اعتبرت نتائج ذلك الغزو تعزيزا لاسترلتيجيتها القديمة الفائمة على توازن قوى الإقليم، بما يكفي لمنع هيمنة وحدة من وحدات النظام على بقية وحداته الاخرى او اي دولة خارجية من التأثير في سياسات النظام وتجنب هيمنة مثل هذه الدول على النظام الإقليمي والاستمرار في تبني سياسة الردع للمحافظة على الوضع الراهن، ومنع إجراء تعديلات عليه . وهو ما انطبق على حالة العراق في غزوه للكويت حيث اعتبر ذلك محاولة عراقية لتعديل الوضع القائم سياسياً وجغرافياً واقتصاديا،ً كما قد ينطبق أيضاً على أية محاولة من إيران اوغيرها من الدول الرئيسية في الإقليم لتغيير توزيع القوة وتراتبيتها داخل النظام . ولذا فانه وعلى الرغم من الدور التشويشي لايران خلال السنوات الماضية على السياسة الامريكية في مناطق النظام العربي، الا ان ذلك لم يخرج عن نطاق الفهم الامريكي له بكونه دورا توازنيا داخل الاقليم يحول مثلا دون انفراد اسرائيل بالتأثير في تفاعلاته بما قد يؤدي الى زيادة احراج الولايات المتحدة امام حلفائها التقليديين من العرب، كما انه يضع الطموح الاقليمي التركي تحت الرقابة، بالاضافة الى انه دور امني استنزافي يستنزف قدرات دول الخليج العربي المكشوفة امنيا امام ايران من ناحية، ويؤدي الى تغيير نوعي في مفهوم الامن الخليجي، بما يفصله عن مفهوم الامن القومي العربي، ويغير بالتالي طبيعته ومصادر تهديداته وعقائده، بما يعزز القدرة الامريكية على حفظ التوازن داخل الاقليم. بيد ان المتغيرات التي شهدها النظام في الاونة الاخيرة، والتي تدخل في صلب خانة المستجدات التي ستطال اعادة هيكلة القوة داخل النظام بما قد يؤدي الى اعادة توزيعها وتمركزها بيد الدول التي تحيط بدول الخليج، ستدفع الولايات المتحدة الامريكية لاعادة النظر في الدور الاقليمي لايراني، لجهة تضييق هوامشه، وربما تغيير وظيفته باكملها، خاصة بعد استشعار امريكا للدور الخطير الدي تقوم به ايران نحو الانتفاضة الشعبية في سوريا عبر العراق، الى درجة ان هناك حديث يدور حول ما يسمى بانتقال الخطوط الارشادية للسياسة العراقية من اليد الامريكية الى ايران. ولذا فان ما بات يعرف اليوم بمؤامرة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، قد تشكل احتكاكا امريكيا ايرانيا نوعيا غبر مسبوق، خاصة وان الرئيس اوباما نفسه قد انخرط به مبكرا ووضع رصيده في الميزان اذ من المفروض ان لا يتورط الرئيس مباشرة باحتمال كهذا -خاصة وان العالم لم ينس بعد فضيحة بوش في العراق- الا اذا كان لدى الولايات المتحدة ما يكفي من الادلة، وهو تاليا نذير استثنائي بما ستذهب اليه تداعيات حادث من هذا النوع. هذه الاستثنائية ربما عبرت عنها احدى الصحف السعودية التي عنونت صفحتها الاولى غداة اذاعة الخبر واصفة الحادثة بانها لوكربي الإيرانية ، وقال كاتب سعودي هناك حرب مستورة بين السعودية وبين إيران انتقلنا من حال إلى حال ومعه يجب تغيير السياسة واللغة والمواقف هذا أمر حتمي لا خيار للجميع فيه. ما يشير اليه قول من هذا القبيل، بالاضافة الى ما يشير اليه ما ورد على لسان اكثر من مسؤول امريكي واوروبي هو ان كل الاطراف تستعد فعلا للانقلاب على قواعد اللعبة التي تعايشت في ظلالها القوى الاقليمية الفاعلة اكثر من عشرين عاما، ربما باستثناء ايران التي ستجد نفسها في غمرة رد الفعل ليس الا، مجبرة على التجول على حافة الهاوية، ولكن دون ان يتمكن احد من التكهن بدرجة الانقلاب التي ستطال تلك القواعد، وما اذا كان هناك انزلاق الى الهاوية نفسها. ففي يوم ما قال باتريك سيل انه على مدى ثلاثة عقود ونيف – واليوم اصبحت العقود اربعة -، أي منذ ما يسميها النظام البعثي بالحركة التصحيحية التي قادها الرئيس حافظ الأسد وحتى اللحظة المعاصرة، لم يهدأ الصراع على سوريا. وفي قراءة اكثر دقة فان الزمن الذي اشار اليه سيل يعود الى محاولة كلا المحورين العربيين (الهاشميين من جهة بالعراق والأردن، والمحور المصري - السعودي) اجتذاب سوريا إلى جانبه، بالاتحاد أو بالتحالف، منذ ذلك التاريخ والصراع عليها لم يهدأ كما الصراع فيها، وفي معظم الحالات تسبب في اشتعال المنطقة. واليوم حيث لم تقرأ القيادة الايرانية تاريخ سوريا جيدا او انها لم تتفحصة بدقة وعناية تجد نفسها طرفا في الصراع عليها، ومن اليوم والى ان يشتعل اوار هذا الصراع ستبقى ايران تسير على حافة هاوية ربما يكون ثمن الانزلاق الى بطنها افول نجم اول جمهورية اسلامية بعد سقوط نظام الخلافة، ان لم تسارع لاعادة ترتيب اوراقها وتخرج من عبائتها الطائفية.
#هاني_الروسان (هاشتاغ)
Hani_Alroussen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورات العربية في السياسة الامريكية: استراتيجية التشكيك من
...
-
المعارضة السورية تهيئ مسرح العمليات لبدء نهاية نظام الأسد ور
...
-
الطبيعة المركبة للصراع على السلطة في ليبيا
-
المنحى الاستراتيجي للانغماس التركي في تفاعلات النظام العربي
-
أ يسقط الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية حق العودة ؟؟
-
الاسد عقب القذافي
-
الناتو يعيد انتاج النموذج العراقي في ليبيا
-
الدلالات الاستراتيجية لتوسيع نطاق عضوية مجلس التعاون الخليجي
-
أي ثورات عربية تريدها امريكا ؟؟؟.
-
العقيدة النووية الامريكية الجديدة استراتيجية لتجديد قوة الدو
...
-
الشبهة في الموقف الامريكي
-
مخاطر مفاوضات الفرصة الاخيرة
-
قرار لجنة المتابعة العربية من يغطي من؟
-
اعتراف كوشنير بدولة تسبق المفاوضات
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|