|
متى نعيد النظر في ستراتيجيتنا
عبد الاخوة التميمي
الحوار المتمدن-العدد: 1047 - 2004 / 12 / 14 - 08:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(متى نعيد النظر في ستراتيجيتنا)
نحتاج جميعاً الى اعادة النظربكل ما فينا من سياسات ومبادئ وفلسفات وشمولية افكار وقناعات مرنة ومتشددة والى محاكمة منصفة لانفسنا سواء على الصعيد الشخصي او الجماعي لنحدد قربنا وبعدنا من سمة العصر ومجريات التطور ومتناقضات ما يسمى بالسياسة المنسجمة للدولة اوالدول المهيمنة التي تسمى بالمركز وما يتمخض عنها من افرازات ذات تأثير سلبي على الاطراف . اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان المركز لازال يمثل اكثر من قطب واوعى بيئة . ولو ان المرئي والظاهر بل الابرز في ذلك هو الولايات المتحدة باعتبارها الدولة الاكثر هيمنة في مجريات الاحداث كونها قادت وتقود الاعمال العسكرية واعلنت عن الوصول الى اهدافها بشكل مكشوف بعد سقوط المعسكر الاشتراكي دون اي تردد. ولكن صيرورة الاحداث وديناميكية التطور واختراق الحدود الذي تقوده الشركات متعددة الجنسيات هو الذي حدد وسيحدد اكثر مستقبل العالم بالارتباط مع التدفق الهائل لرؤوس الاموال والتطور اللامحدود للعمل المصرفي وما احدثه من تبسيط هائل لاعقد الاعمال والاستثمارات التي كانت معيقاً كبيراً للاستثمارات صغيرها وكبيرها وكذلك للخدمات بسيطها ومعقدها وجعلها سهلة التناول بيد من يحتاجها مقابل اقل الاثمان حيناً مقروناً باسهل الطرق مستفيدين من التقانة العالية وثورة المعلومات والاجيال الجديدة من اتمتة التطور المصرفي وتخليص الانسان من اعباء وقيود كانت بالامس القريب عقبات في طريق طموح الناس وقد ساهم هذا التطور في تخايص الانسان من اعباء لاتتناسب وسرعة الزمن وتوفير اكبر قدر منه كي لاتكون عجلة ما بعد المجتمع الصناعي التي تقودها العولمة عاملاً لسحق الانسان المنتج . من هنا اقتضى منا الاجابة على بعض اسئلة الحياة القائلة : من هو المستفيد الاكثر ؟ ومن سيستفيد وكيف ؟ ومن المتضرر من كل هذا ؟ وما اسباب ذلك ؟ هذه الاسئلة قد توحي بان الاجابة عليها تحتاج الى ما هو اكثر مما سأجيب وهذا صحيح جداً ولكن البحث بهذا الاقتضاب سيكون بلا ادنى شك دون مستوى الطموح ومع ذلك اقول للوهلة الاولى ان المستفيد الاكثر هو الشمال بجميع اقطابه لكونه خلق المناخ المناسب بوضعه القاعدة المادية للتطور فكراً ومؤسساتاً وعلماً وتقانة عالية وانساناً يعي ما يعمل كيف ينتج لتطوير رأس المال والانتاج معاً وانعكاس ذلك على المنافسة الحرة لخلق بيئة مناسبة في مجال خدمة الشركات وتحسين اداء الاستثمار وبلا ادنى شك ان ذلك قد تمخض عن ارضية فلسفية برغماتية امتداداً لفلسفة ( دعه يعمل دعه يمر ) وما واقع الحال الراهن الا النتيجة الحتمية لذلك كون الشمال هو المستفيد الاول بلا منازع من جني ثمار نتاجه . اما بصدد من سيستفيد وكيف ؟ فانا اعتقد ومن خلال مجموعة عوامل فلسفية واقتصادية وسياسية ان الدولة التي تعد من اكثر دول العالم نفوساً ولا تزال من بين الدول الكبرى في قياسات الامم المتحدة والمستقرة نسبياً والمهيئة تاريخياً ان تجعل من كثرة نفوسها وسيلة للضغط على دول الشمال من خلال سوقها الواسع لتصريف البضائع والسلع لشركات لا يجمعها جامع الا مقدار ما تجنيه من ارباح ونفوذ للمحافظة على ذلك اضافة الى انها اي الصين بدأت تتصرف من خلال دخولها منظمة التجارة العاملية وخوضها معترك الآيزو(I.S.O.) بنجاح جعلها واحدة من المنافسين الاقوياء لاكبر الشركات العالمية . هذا من جانب ومن جانب آخر والذي لايقل اهمية عنه بل قد يكون الاكثر اذا ما علمنا ان مغادرة الافكار الشمولية وسلوك سياسة برنامجية والاستفادة من تجربة اقتصاد السوق وكذلك التوجه نحو التنمية المستدامة مقرونة بالاستثمار الشخصي وتحفيز اصحاب رؤوس الاموال والتغير البين في فلسفة التشريع بذات القدر او بما يقترب منه ، الذي استفادت منه الرأسمالية كافكار الماركسية والتخطيط ليس على اساس الاشترلكية بل للاستفادة منه وتوظيفه لتقوية المعاهد المتخصصة وتمكينها استشارياً وتوجيهها بالاتجاه الاستثماري الرأسمالي كان من بين الاسس الصحيحة في انجاح النظام الرأسمالي واستمراريته . اما المتضرر : فان معرفته هي الاخرى لا تحتاج الى مزيد من التفكير . فلو رجعنا الى الوراء قليلاً وبالتحديد الى فترة نمو دخل دول البترو دولار وما تمخض عنه من زيادة هائلة مع وجود قلة في عدد النفوس ( السكان ) بالارتباط مع قلة المتطلبات الحاجات الاساسية للمجتمع وبساطة الحياة مع وجود الرغبات المتدنية في بعض الاذواق مقابل ذلك الاسراف في البذخ على الملذات وعدم التفكير ببناء ابسط حالات التنمية وادناها والاغداق في تبذير الكثير الكثير من الاموال على بناء دور العبادة التي تحول الكثير منها فبما بعد الى مؤسسات وبؤر للارهاب والابداع والاجتهاد في كيفية محاربة افكار وعقائد علمية وفكرية ودينية وتسويغ الخرافة وتسطيح اكبر قدر من المجتمعات . ولم يكن مبتغى الحكومات من تبذير الاموال في هذا الاتجاه في تشييد مثل هذه المؤسسات التقرب الى الله او مساعدة المحتاجين واسعاد المجتمع بقدر ما كان الغرض منه التستر على ملذاتهم واطماعهم الرخيصة وتجهيل اكبر عدد من الشعوب والانكى من ذلك ان اموالاً كثيرة ارسلت الى من يستفيد منها استثمارياً في مصارف احتكارية اصبحت الان من السعة الاخطبوطية وشرنقة هيمنتها وقوة قبضتها العالمية التي تحولت الى ان تكون شمولية ولكن ليست بشكل افكار بل على وفق آلية برنامجية علمية شخصية وجماعية . هذا اولاً اما السبب الثاني في تخلف الجنوب .فانه يكمن في مغالات بعض حكامه بالقضايا القومية والشوفينية واضعين العصا في عجلة كل ما له صلة بالتحديد باسم الحفاظ على تراث الامة ووحدة كلمتها وكيانها والالتزام بخير التراث وشره متناسين ان القديم الصحيح الذي يفتخرون به قد حورب بنفس القوة من سلطان عصره عندما وجد فيه ما يهدد سلطانه وما كوارث الانتقام من الجديد باسم الحفاظ على التراث الا الوباء المزمن لجميع الحكام وهذه واحدة من ابرز المغالطات التاريخية لحقب امتدت طويلاً في عمر الجنوب وتعمقت بتقييد معاصم شعوبه واذلت امم لحقب متعاقبة شرسة على مر العصور واخيراً انتهت هذه المغالطات بصرخة فاشية لم تنتهي الابتضامن العالم المتمدن ضدها بعد ان تحولت الى ظاهرة سادية عالمية تخندق في وادها من ساهم في انشائها . ولا يفوتنا ان نذكر في السبب الثالث عن تخلف الجنوب الموقف المتردد تارة والمتطرف تارة اخرى لقوى اليسار والذي يتراوح بين اليمين المهادن واليسار المغامر هذا الكيان الذي يجب ان ننصفه بكون القوى الديمقراطية قد خرجت من معطفه بسبب توجهاته الايديولوجية لكنه ومن خلال دراستنا لتقيماته التي اصدرها عن سيرة حياته لعرفنا كم هو حجم الضرر الذي نجم عن قيادة الجماهير بشعارات ثورية لم تطبق على ارض الواقع بدوافع عديدة نحتاج الى مجلدات في تحليل اسبابها وتقييمها ولا نريد ان نبكي على الاطلال وخسارة الزمن المضاع او مآسي اولئك الذين انخرطوا واستشهدوا في الكثير من المعارك الوطنية او اطبقت عليهم غياهب السجون وقضوا زهرة شبابهم في قبور الاحياء وباءت مؤتمرات التضامن الاممي بأسوأ حالات الفشل ناهيك عن ضياع مستقبل الشعوب الذي ستنير مصابيحه وعود الاستحواذ والاستهجان المخيفة ونكوص تنمية مستدامة وفوضى اقتصادية وتخلف اجتماعي وبؤس حضاري ولا يمنعني ذلك من امل الايمان بالغد المشرق للشعوب والشفافية التي ستحكم الاداء السياسي والاقتصادي للحكومات والشعوب وقول الجواهري ( ومن لم يتعض لغد بامس وان كان الذكي هو البليد )
د.عبد الاخوة التميمي المستشار الاقتصادي لمجلس الوزراء العراقي
#عبد_الاخوة_التميمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستراتيجية الاقتصادية لعراق الغد
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|