|
الصحافة والإعلام
طارق محمد حجاج
الحوار المتمدن-العدد: 3524 - 2011 / 10 / 23 - 09:42
المحور:
الصحافة والاعلام
سلسة مقالات الوجه الآخر للحقيقة أو كما يقال السلطة الرابعة ولكنها تختلف كثيرا عن السلطات الثلاث "القضائية- التشريعية- التنفيذية" وإن كان يحيط بهذه السلطات الثلاث مجموعة من القوانين والقيود التي تنظم عملها، إلا أن الوضع مختلف تماما في ظل المناداة بحرية الصحافة والإعلام عند الحديث عن السلطة الرابعة. ولكن الاختلاف الأكبر بين هذه السلطة والسلطات الأخرى، يكمن في أن الأخيرة مؤسسات حكومية تعمل من أجل بناء الدولة، وتهدف لتحقيق أكبر قدر من الرفاهية والأمن والعدالة لمواطني الدولة، في حين أن السلطة الرابعة هي في مجملها مؤسسات قطاع خاص، تهدف إلى الربح عن طريق استخدام السلطة المخولة لها من قبل الدولة. لذلك فمن الصعب الجمع بين المصداقية والأمانة في العمل الإعلامي من جانب، وبين تحقيق الربحية من جانب آخر، لأن الربحية تقتضي استخدام كل الوسائل المتاحة من أجل الوصول لأفضل النتائج والعوائد المالية، فلا يعقل أن تضع هذه المؤسسة مصلحة الوطن والدول على سلم أولوياتها، لأن ذلك لم يكن من الأهداف التي تأسست المؤسسة من أجل تحقيقها. فدعونا نتأمل الفضائيات الإخبارية في العالم والوطن العربي بشكل خاص. ألم ترى مقاتلا يحمل قاذف أر بي جي ويقف في منتصف الشارع بكل أريحية ويطلق قذيفته ثم يعود بدون حذر ولا خوف، علما بأن مدى قذيفة أر بي جي 500م، فما هذا العدو الذي يقف على بعد 500م ويصوب تجاهه بهذا الشكل وهذا القدر من الطمأنينة وكأنه يرسل له باقة ورد، ولكن الوجه الآخر للحقيقة هو أن مراسل القناة طلب من هذا المقاتل أن يأخذ له لقطة وهو يقوم بإطلاق قذيفة على مكان عشوائي، هذا الطلب لن يجابه بالرفض أبدا، لحب الناس في الشهرة والظهور على التلفاز والصحف، فيقوم بهذه التصويبة لكي توضع في التقرير الإخباري المتلفز ليشير بأن الأوضاع ملتهبة والمعارك تحتدم وعلى أشدها. والأمر لا يختلف أيضا عندما يطلب من حملة السلاح إطلاق النار ليتم تصويرهم للحصول على لقطة أشبه بلقطات الأفلام السينمائية، لتُنقل على أنها الحقيقة. إن الجانب الأخطر في عمل هذه المؤسسات الإعلامية هو التسييس والتحيز الذي بالكاد يسيطر على جميع مؤسسات الإعلام، لذلك نرى آراء الشارع التي تُعرض من خلال وسائلها الإعلامية، متفقة إلى حد ما مع توجهاتها، ولو أجرت مقابلات في الشارع مع خمسة أشخاص وجاءت آراء ثلاثة منهم مغايرة لتوجهات المؤسسة، فإن آراء الاثنين الآخرين هي التي ستحظى بالنشر على أنها تطلعات وتوجهات باقي الشارع والشعب. والأمر ينطبق عند إجراء برنامج تلفزيوني، فنرى التفاوت في اللباقة في الحديث والدهاء السياسي بين الأطراف، والسبب أن القناة حبذت اختيارهم بعناية ليكون الطرف الذي يدعم مواقفها وتوجهاتها أقوى من الطرف الآخر، كي تأتي النتائج لصالح التوجه الذي تعمل المؤسسة وفقا له، عدا عن الأسئلة المحرجة التي توجه لأحد الأطراف مع عدم إعطاءه الوقت الكافي للرد، على خلاف نظيره في البرنامج. إن أبشع ما تقوم به الصحافة والإعلام هو تجاهل المصلحة الحقيقية للشعوب، فحين تغيب الإنسانية ويموت الضمير في المؤسسات الإعلامية والقائمين عليها، فإن النتائج تكون وخيمة وخطيرة وسلبية بالنسبة لشعوب العالم. فهي أشبه ما تكون بالمحرض أو من يشعل فتيل الفتنة بين الناس. فهناك العديد من التصريحات والوثائق والأحداث من الأفضل عدم نشرها إن كان في ذلك ضرر لجميع الأطراف السياسية في المجتمع، ولكن المؤسسات الربحية لا تضع في الحسبان النتائج السلبية التي من الممكن أن يسببها ما ينشر في وسائلها الإعلامية على مصلحة المجتمعات والدول، بل تركز على ما ستحظى به من اهتمام ومتابعة من المشاهدين، لتحقيق أكبر قدر ممكن من العائدات المالية. إن عدم التوازن وانتقاء الأحداث واللقطات من شريط الفيديو لعرضها للمشاهدين لهي الصيغة السائدة في عمل الصحافة والإعلام، لذلك تغيب المصداقية ويشوش المشاهد والقارئ، ويتوه بين المعطيات والظروف المختلفة لنفس الحدث. ليجد المشاهد نفس الحدث بحقائق مختلفة وبشواهد مختلفة، ففي كل مرة يختلف الجاني والمجني عليه وتختلف قراءة الأحداث وتحليلها، وبالتالي تضيع الحقيقة، أو يتم تجنيد المطلع لفكر وتوجه سياسي معين، فيظل حبيسا لفكر هذه المؤسسة، فيداوم على مشاهدتها، ليس لأنها الأفضل، بل لأنها تعرض الأحداث من الزاوية التي يحبذ رؤية الأحداث منها، بالرغم من معرفته بأن هذه الحقيقة منقوصة تحتاج لبعض التعديلات والإضافات. للأسف الشديد فالصحافة هي المؤسسات الربحية الوحيدة في العالم التي لا تساءل عن المصادر التي تنتقي منها المعلومات والأحداث، فربما تكون هذه المصادر وهمية ليس لها أي وجود، ناهيك عن عدم القدرة على التحكم بما تنشره، لحثها على أن تنشر وفق ما تقتضيه المصلحة العامة للمجتمع، بل لها الحق في أن تنشر كل ما يحلو لها طالما لا يتعارض مع الآداب العامة للمجتمع. إن المطلوب من المشرع هو أن يضع قوانين تكفل مصلحة المجتمع لكي لا تكون الصحافة وسيلة تحريض، أو جهة تتحيز مع أطراف على حساب أطراف أخرى، وأن لا تقحم نفسها في لعب دور محوري وجوهري في تغيير سياسات الدول والمجتمعات بشكل واضح وفاضح، بل عليها أن تلتزم بعملها كمؤسسات إعلامية تنقل الحقيقة والأحداث بشكل متوازن وواقعي، وتنأى بنفسها وتبتعد عن نشر كل ما يفتقد للمصلحة، وكل ما فيه ضرر للمجتمع بكل أطيافه. ونعود ونذكر بأن هذه المؤسسات هي مؤسسات ربحية في المقام الأول وليست مؤسسات حكومية، إلا أنها تحظى بسلطات أعلا من السلطات الحكومية، هذه السلطات تستخدمها بشكل سلبي لضخ الأرباح في جيوب المستثمرين القائمين عليها.
#طارق_محمد_حجاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وين ولا… وين يا هلس…وين يا واطي... لغة الترحيب بين الشباب في
...
-
لولا جهود السيد الرئيس لما تمت الصفقة
-
من مقولات الكاتب طارق محمد حجاج
-
الرد على مقال السيد ناصر اللحام (..لو حصلنا على دولة جيد جدا
...
-
الدولة الإسرائيلية من المنظور الإسرائيلي
-
رسالة معلقة بعلم الوصول للسيد نبيل العربي الأمين العام لجامع
...
-
ما هو استحقاق سبتمبر وما هي الخطوات التي ستتخذ لنيل الاعتراف
...
-
رسالة دعم للسيد الرئيس محمود عباس بشأن استحقاق أيلول
-
في محاولة لإيقاظ المشاعر الوطنية
-
هل يتحول رئيس السلطة الفلسطينية إلى بن لادن جديد ؟!!
-
المصالحة الفلسطينية بين الواقع والمأمول
-
وظيفة البعثة الدبلوماسية لمنظمة التحرير الفلسطينية
-
تبادل التمثيل الدبلوماسي بين الدول
-
الاجراءات المطلوبة لتحويل فتوى محكمة لاهاي الى قرار دولي فاع
...
-
الجزيرة والشارع العربي والأهداف الاستراتيجية الاسرائيلية من
...
-
رؤية شاملة لإنهاء حالة الإنقسام الفلسطيني
-
لا جدوى من المفاوضات ولا مفر منها
-
المشهد الفلسطيني الحالي لا يملك سوى رحمك الله يا ياسر عرفات
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|