عادل الخياط
الحوار المتمدن-العدد: 3523 - 2011 / 10 / 22 - 13:17
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
المعروف لأي بليد على هذه الأرض ان إتفاق تأسيس الحكومة العراقية بعد عشرة أشهر من نتيجة الإنتخابات القرقوزية كان قد تمخض على شكل محاصصي , قومي وطائفي , إلى درجة أنه حتى أحد رجال الدين الشيعة , الذي رغم ميله لطائفته , وخزته عملية تكوين الحكومة على هذا التأسيس ليُصرح على إثر ذلك ما معناه إن العراق أصبح مخصيا , غير قادر على تكوين سياسيين جُدد , ونحن في طريقنا إلى " لبنان ثانية " .. فالسياسيين نفس السياسيين الذين تمركزوا في السلطة : الطالباني والبرزاني والمالكي وغيرهم من اللفيف . وأكرر : رجل الدين الشيعي هذا رغم كونه ينتمي لخط بعينه يفرض عليه الإنجرار لما آلت إليه توليفة الحكومة من خلال سيطرة نفس الطائفة التي ينتمي إليها , لكنه إنتقد العملية برمتها , والواضح إنه من نوع رجال الدين الذين يرفضون تسييس الدين والطائفة .. غير أن الطامة الكبرى عندما يكتب كاتب يساري محض بعد تشكيل الحكومة مُفتخرا بأن المسائل العالقة قد حُلت , وأن المُعوقات تم تجاوزها على أرض عراقية - كردستان , ثم بغداد - وأن ما ضخته وسائل الإعلام قبل تشكيل الحكومة قد تنوع بين عواصم إقليمية عدة كان ضئيلا قبالة التصميم العراقي , لينتهي به الحديث بالقول : إن الإرادة العراقية في النتيجة هي التي كونت الحكومة وعلى أرض عراقية .. عجيب عجيب !! وكأن عملية المخاض التي تكونت حينها التحالفات للقوى الطائفية الشيعية بالذات مع التكوينات الكردية والتي توافقت في عواصم إقليمية - طهران , دمشق - ليست هي التي قادت لتلك الحكومة , وكأن إنبثاق ذلك التكوين كان لا يوحي بعورة تلك الحكومة .. والكارثة إن هذا الشخص اليساري الذي تفاءل على ذلك النحو من السذاجة , قد أدرك تلك العورة بعد بضعة اسابيع من ذلك التشكيل الحكومي ! وعلى أي حال ربما أن هذا الشخص قد إنطلق من نية حسنة وليس سذاجة منه ان الواقع سوف يقود لما عليه الآن , وقد يبرهن ذلك أن الشخص ذاته قد أخذ يذم الوضع القائم في العراق اليوم من خلال العديد من المقالات التي صدرت عنه .. وبالطبع لا أحد لا يطمح بتفائل مثل تفاؤل هذا الشخص .. ما معناه أنك تحاول أن ترقعها بأية وسيلة , لكنها تظل ممخورة , فما هو الحل ؟ لنر :
بغض النظر عن الوزارات الأمنية العالقة التي يصر على تبنيها رئيس الوزراء نوري المالكي , وبصرف النظر عن كل ما يتعلق بالمسائل الخدمية والسياسة الخارجية وبغض النظر كذلك عن وزير الثقافة الذي لم ترتجف عضلاته للمحة عندما تعرض إتحاد الكتاب والأدباء العراقي للإعتداء من قبل السلطة الديمقراطية الجديدة , وزير الثقافة الذي عُين في الأخير وزيرا للدفاع , عجيب , كيف وزير ثقافة ودفاع , يبدو أن السيد رئيس الوزراء قد تناهى إلى أذنه من تجارب الأمم بأن وزير الدفاع يجب ان يكون ليس عسكريا , نعم صحيح , لكن ليس أن تعين وزيرا للثقافة وزيرا للدفاع حتى وإن كان بالوكالة , يعني أوباما يُعين رئيسا للإستخبارات وزيرا للدفاع , عملية منطقية , لكن من المضحك أن يُعَيَن وزير السياحة وزيرا للدفاع - حدث عن العبقرية الجديدة - وبعدين : لماذا بالوكالة , يعني أنت إلى متى تظل تتحكم بتلك الوزارات الأمنية , وهل صار البرلمان .. هل صار ماذا ؟ هل تريد أن تقول أن البرلمان هو الذي يحدد ويحاسب , يا لك من مسكين ؟ أليس البرلمان هو مجموع الكُتل أم أنه نزل من القمر ؟ أليست تلك الكُتل هي دولة القانون والتحالف الوطني والكردستاني وهي التي رجحت المالكي والطالباني للإعتلاء والتسيد .. وعلى الحدث الضوء سنقع على اللُب لهذا الهذيان الغير مجدي ! ..
فقبل بضعة أيام قرأت تحقيقا صحفيا عن ممارسات وزير التعليم العالي والبحث العلمي " علي الأديب " القيادي البارز في حزب الدعوة . التقرير يصيبك بجميع الأزمات : قلبية ودماغية ومعوية .. التقرير يقول ان الأديب هذا قرر فصل المئات المئات من العاملين في السِلك التعليمي , وعلى الأخص " الجامعي " أساتذة جامعات وموظفين عاملين في هذا السِلك .. لماذا تم أو سيتم فصل هؤلاء : التبريرات غير واضحة من خلال ناقل الخبر , أو من خلال هذا الأديب نفسه , فمرة يقول إن الوضع القانوني الوظيفي لهؤلاء قد تجاوز الفترة المحددة من التعيين , وأخرى يقول إن هؤلاء من ضمن المشمولين بقرار " الإجتثاث " ..
أولا : هل من أحد يرشدني إلى صيغة قانونية تقول : إن الأستاذ الجامعي في الجامعات العراقية خاضع لفترة زمنية مُحددة ؟ بالنسبة لي لا أعلم أن ثمة قانون في الماضي يتمحور على هكذا توليفة , هذه العينة القانونية من الممكن أن تجدها في الدول الغربية نعم , وُفق قانون عملي من نوع ما , أما في العراق هل حقا تُوجد فترة عمل محددة ؟ ننتظر الرد من العارفين بشأن تلك المسألة لكي نكون على بينة من قوانين حكومة الروزخونية !
القضية الأخرى التي لا أستطيع هضمها هي : هل قانون الإجتثاث يُمارسه أي وزير , أم أن هناك لجنة تخص هذا الجانب , يعني هل علي الأديب أو أي وزير هو الذي يجتث أم اللجنة المختصة بالإجتثاث والقضم والقص والبتر - كأننا في مستشفى بتر الأعضاء - .. قلت : أن التبريرات عن فصل العمداء والأساتذة الجامعيين والموظفين من خلال الخبر المنقول غير واضحة المعالم : هل هي من ضمن الإجتثاث , أم الفترة القانونية للتوظيف كما يدعي " الأديب " هي السبب ؟
من ضمن سياق الخبر أيضا : أن وزير التعليم العالي والمتوسط والهابط وأن الطلاب ينامون في الحدائق بسبب الإنقطاع الغير طبيعي للتيار الكهربائي ( صورة بعثها لي أحد الأصدقاء ترى فيها طلاب الجامعات مبطوحين على بطونهم في الباحات الخارجية للأقسام الداخلية , ويقول الصديق مُعلقا على الوضع : لأن ماكو كهرباء ! ) .. نقول من ضمن متعلقات الخبر : أن السيد الوزير الأديب قد قرر عدم التسامح مع الرخاوة أو ما يُسميها ثقافة الإسترخاء .. الواضح ان ما يعنيه الأديب بثقافة الإسترخاء هي أن زميلا جامعيا يتحدث مع زميلته في الحصة الدراسية أو على مقاعد الإستراحة في حدائق المؤسسات الجامعية , تلك المقاعد التي أخذ من هُمْ على شاكلة الأديب رشها بـ ( البوية , الصبغ , أو الزيت وغيرها ) لأجل ألا يجلس الطالب مع زميلته للتحدث في أي شيء حتى وإن كان عاطفيا , فمن أية ملة أنتم , من أية ملة أنتم يا عورة التاريخ , حتى الزميل الجامعي مُحرم عليه التحدث مع زميلته , طيب : من المحتمل يتحدث مع زميلته عن قضية إجتماعية , عن مسألة ثقافية , سياسية , إقتصادية ! أية سليقة من البشر أنتم ياترى ؟ لكن لا , فالذي يتناهى إلى عقول مثل الأديب أتوماتيكيا أن الطالب الجامعي عندما يتحدث إلى زميلته تلك الأحاديث لا بد أنها تخص شأنا جنسيا , وببساطة يتماهى إليهم هذا التوقع لأنهم أساسا مرضى جنسيين , ومرضى جنسيين ليس لكونهم لا يمارسون الجنس , بل العكس ترى رجل الدين من الشيعي إلى السلفي إلى .. تراهم أشد الناس تعلقا بالجنس , كل واحد تراه يمتلك ثلاث إلى أربع نساء غير زواجات المتعة والمسيار - بن لادن يمتلك أربع نساء وجميعهن من الشابات - إنما مرض " غيري , إستحواذي " المرأة بالنسبة لهم فِرج شهواني وليس كائنا شديد الإلتباس في الرؤية العاطفية والنفسية .. واحدهم تراه يموت بدمه عندما يرى شابا وسيماً يتحدث لشابة جميلة , تراه يرى هذه الشابة في منامه وهو يضاجعها متعة أو ليضرب عرض الحائط نسائه الثلاث أو الأربعة لينال إمرأة مثل تلك , لينطبق عليه قول مظفر النواب : أي قرون أنتم ؟ !!
ولنأخذ الموضوع من بُعد آخر : ثقافة الإسترخاء التي يعنيها علي الأديب " وزير التعليم العالي والبحث العلمي هي بلا شك التي وردت في السطور الآنفة , وأن العملية برمتها ليست إلا نفاق ومرض مستفحل , لكن أليست تلك الثقافة التي تعتقدون انها مسترخية وليست رجولية , أليست هي التي رفعت برافعات الجيش الأميركي , رفعت مؤخراتكم إلى سدة الحكم في العراق اليوم , من كان يعرفكم لولا تلك الرافعات , رافعات المارينز , والمارينز هؤلاء تربوا على ذات الإعتقادات التي تناهضوها اليوم : المارينز وكوندليزا رايس وجورج بوش والمجندات الأميركيات وجميع فسيفساء الجيش الأميركي وشركاته الأمنية .. جميع هؤلاء تربوا على كل المفاهيم الإنسانية ومن ضمنها العلاقات بين المرأة والرجل التي تعدونها اليوم مسترخية بعد أن صفا لكم الجو ورحلة الصيف والشتاء .. فهل كانت يا ترى رجولتكم الغير مسترخية هي التي كانت ستقضي على نظام شرس مثل نظام صدام حسين , أم أن المجندات الأميركيات اللائي يمارسن الرخاوة في أشد إسترخاءها في وقت الإسترخاء , ويمارسن الشدة بكل مفهومها في وقت الجد , هن اللائي أتين بكم إلى سدة الحكم لتعيثو في البلاد ما شاء لكم الفِعل , هل تستحون .. قليلا من العيب !؟
فهل من الممكن مراسلة نوري المالكي ودعوته لأجل أن يضع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ضمن الوزارات السيادية ويستبدلها بالداخلية والدفاع مثلا .. الأكيد سيقول لك المقابل : إذن , أنت لم تفعل شيئا , فتوقع إن شرطة وزارة الداخلية والدفاع اللتين ستصبحان غير سياديتين - على قاعدة إستبدالهما بوزارة التعليم العالي - ومحكومتان بمنهج أيديولوجي والذي بالضرورة سوف يكون كهنوتيا لأحد من أفراد حزب الدعوة , أو رُبما " علي الأديب " أيضا سيتولى أحد المنصبين ومن هنا ستهجم عليك ذات يوم شرطة ومدرعات " علي الأديب " وتقول لك : إنك خالفت قوانين التدريس والبحث العلمي , وثمة أوكار بعثية يتوجب إجتثاثها , فما العمل إذن ؟ العمل هو مثلما قال السيد أياد جمال الدين ذات مرة : أنتم الآن تتحكمون في كل شيء , ولا يحق لأي أحد العمل في أي شيء إلا بموافقتكم , اليوم أنا أريد أن أعمل ... وأفتح " كلجية " فهل تسمحون لي , أم ستقولون : لا لا لا , هذه أيضا من إختصاصنا !
بالمناسبة لم نذكر ان الخبر كان يتضمن بعض الأشياء التي هي طبيعية ومنها أن الأديب يستنسخ نظام ولاية الفقيه الإيراني في السِلك التعليمي , وكأنه - الخبر - يكتشف لنا لغزا عظيما حول هكذا اٌستنساخ , وكأنه ليس بمقدور أي معتوه أن يدرك إن ما يحدث في العراق اليوم هو إستنساخ لولاية الفقيه , لكنه يتدرج حبة حبة كما يُقال , وإذا لا يُوضع له حد , فسلم على العراق وأهل العراق .. إلى ذلك نحن نود أن نُذكر علي الأديب أن تكون عملية الإجتثاث تسري على النائب علي الشلاه البعثي المخضرم والذي تحول بقدرة قادر للفيف المالكي والأديب نبراسا في النزاهة والوطنية, وعلى الأثر أُعفيَ من المساءلة والإجتثاث .. فهل تستحون يا سلاحف العراق الجديد ؟
[email protected]
#عادل_الخياط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟