|
أي مستقبل لليبيا بعد مقتل القذافي ؟
الطيب آيت حمودة.
الحوار المتمدن-العدد: 3523 - 2011 / 10 / 22 - 01:23
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
مقتل القذافي أسال حبرا غزيرا على صفحات الجرائد ، وأشعل نيران التعاليق السالبة والموجة في المواقع الإجتماعية وقنوات التلفاز الرقمية ، ولا شك أن متتبع ذلك سيخرج بتصور و رأي ثالث محايد نسبيا في محاولة فهم الحدث ، في ظل تخاصم شرس لا يمكن أن ينته في القريب العاجل ، وأكثر النقاط التي سأتعرض لها هي مدرجة تباعا على شكل فقررات معنونة .
*** مشاهد مرعبة عن قتل القذافي .
قبُض على الطاغية جريحا متخفيا داخل قناة للصرف الصحي بعد ضرب قافلته الفارة من قبل طائرات (الناتو )، وساقهُ ثوار مصراتة على متن سيارة رباعية الدفع تحت وقع صيحات (الله أكبر) ، أنزلوه منها وهو ينزف دما لكنه حي يرزق ، مادًا يده اليُسرى متحسسا للألم الذي في مقدمة رأسه المدمومة جراء اختراق رصاصة لها ،مستجديا الذين أحاطوا به بألا ًّ يرموه بالرصاص ، بطحوهُ أرضا وسط شتائم كان بالإمكان سترها لشدة وقعها على المشاهدين ، وبدأت عملية تجريده من لباسه بصعوبة للإ حتفاظ بها كذكرى يُستشهد بها ، أو يعتز بها فيما بعد ؟ ثم نقلوه إلى مصراتة على متن مروحية ، يُقال أنه مات متأثرا بجراحه أثناء الرحلة ،أو قتل من لدن أحد المهوسين بالقتل ، أو من قبل أحد الذين أبيدت أسرهم على يد هذا الجلاد ، فكل التوقعات قابلة للفحص والنقاش ، ثم أُظهر ممددا على سرير متحرك داخل مشفى ، محاطا بالثوار الذين مثلوا بجثته و رأسه أمام أعين الملأ ، وهو ما أفرز امتعاضا واستنكار للفعل الذي لا يقبله الإسلام ولا يستسيغه عاقل مادامت الروح التحقت بربها الذي يتولى أمرها ، وتلك المشاهد المثيرة المصحوبة ( بالله أكبر ) هي التي ستعطي صورا مشوهة عن الإسلام باعتبار أن المسلمين نواتج طبيعية لما هم مقتنعون به ، فالعالم الذي يتابع الأحداث ينظر للأفعال المقترفة وليس للنوايا المقصودة المرصدة في الكتاب والسُّنة ، فهم يحكمون على عنفنا ودمويتنا طبقا للمشاهدات التي رسختها المشاهد في أذهانهم على الدوام ، وهو ما يجعلني أقول بأن ما شهدته من تنكيل بجثة هذا (الطاغية المتجبر ) لم يرق إلى مستوى عظمة الشعب الليبي ولا إلى دينه في وجهه المتسامح . فمقتل القذافي كان على يد الليبيين أنفسهم ، وثوار مصراتة بخصوصهم ، واقتصوا منه كما أرادوا .. وأتمنى أن لا يكون ذلك القصاص بدواع قبلية ضد القذاذفة ؟ ، وهو ما يجعل نفحة الجاهلية القبلية قائمة بين سرت ومصراتة ، (فالناتوا ) إذا قد مهد الطريق بقصف رتل متحرك للقذافي ، وأكمل الثوار المهمة على الأرض ، والقوة الأرضية هي الحاسمة في مثل هذه الأحوال.
***شكوك تحوم حول ظروف مقتل القذافي .
من الصعب التحكم في جيش ثائر غير احترافي مزود بكل أنواع الأسلحة ، ومن غير الممكن كبح الروح الثأرية عند المقاومين الذين ذاقو ا الأمرين طيلة أزيد من أربعةعقود كاملة ، زادتها الثمانية أشهر الأخيرة جلدا وقسوة في التعامل مع الخصوم ، وكم تمنينا أن يعطي الشعب الليبي درسا في التسامح لشعوب العالم في الحفاظ على حياة ( الطاغيةالمجرم ) وتقديمه للعدالة للمحاكمة ، لا شك في أنها ستحاكمه بالإعدام حسب القانون ، وليس حسب مزاجية الأشخاص ، وقدر الله شاء فعل ، و تقديرا فإن مقتله دون محاكمة يخدم الغرب وحكام ليبيا الجدد ، فقد تكشف محاكمته أمورا لا تخدمهم مطلقا خاصة وأن كثيرهم كان مشاركا للقذافي في الحكم . فجثة القذافي ستقبرُ مع جثة ابنه المعتصم في مكان مجهول ، أو يرميان في البحر كما فُعل بأسامة بن لادن ، وفي ذلك استبعاد لكل تمسح أو نبش لقبره مستقبلا ، ومن يدري لعله سيبعث ُ من جديد على شكل مهدي مخلص ؟ خاصة وأن الكثير من الليبيين ما كانوا يعتقدون في وجدانهم أن يصير القذافي إلى ما صار إليه ، بعد أن رسخ في عقولهم وألبابهم أنه لا ينهزم ولا يموت ؟ ولعل في عرض مشاهد قتله وجثته الهامدة ما يلغي تلك القناعات الراسخة ، ويُحسب من تعداد البشر يحيا ويموت كبقية خلق الله ، وهو ما سُيشعر الشعب بالتحرر لأول مرة ، ولو ببقاء ابنه( سيف لإسلام )طريدا تائها فبقاؤه حيا لا شك سيشكل خطرا محدقا بالثورة آنيا ومستقبلا لكن ليس بمخاطر القذافي الأب .
*** لولا حلف (الناتو ) لما كان نصر للثورة .
لولا (طائرات الناتو) التي قامت بآلاف الطلعات ، وأفرغت أطنانا من القنابل على أرتال عصابات القذافي ومرتزقته لما انهزم القذافي الذي كاد أن يدك بنغازي منذ البداية ، لولا تدخل طائرات الحلف في الساعات الأخيرة ... ، فالإنتصار في حقيقته ينسب (للناتو ) والثوار معا ، الثوار الذين استفادوا في الخبرة اللوجيستية للجيش الإماراتي والقطري على الأرض ، والحلف الأطلسي لم يقدم الدعم للثوار لحبهم أو لسواد عيونهم ، فهو يحسب كل قطرة عرق أسيلت ، وكل قنبلة أسقطت ، وكل لتر كيروزين احترق ، ففرنسا وحدها قدرت خسائرها المادية ( ب300 مليار) أورو ناهيك عن بريطانيا وأخريات ،فمداخيل البترول الليبي بضخامتها ستوزع لسنوات على هؤلاء المتعاونين ، زيادة عن أسبقيتهم في إعمار ليبيا وهو ما يعني استفادة مضاعفة بلا خسائر بشرية تذكر .
***أنظمة ا(لمغرب الكبير ) كأن الأمر لا يعنيها .
يُفترض أن تكون الدول المغاربية سباقة لإبداء موقفها تجاه ما جرى في ليبيا ، خاصة الجزائر والمغرب ، غير أن حسابتهما الضيقة فسحت المجال لدول المشرق تبني القضية على مستوى الجامعة العربية ومجلس الأمن ، وقد لعبت قطر والإمارات والسعودية ما كان واجبا على جيران ليبيا الأقربين ا لقيام به ، وهو ما أهدر امكانية التكافل بين الشعوب المغاربية لصالحها ، وأجهض إمكانية إحياء حلم الإتحاد المغاربي الكبير ، ولا تفسير لذلك سوى خوف أنظمة الجوار من انتقال الثورة إلى شعوبها ، فكان سكوتها ومحاولة مساعدة نظام القذافي سريا قد انكشف رغم التستر الإعلامي الذي رافقه ، ولا أدري كيف ستتعامل الجزائر مع ( النظام الليبي الجديد ) الذي بدأ يطالب بإعادة أسرة القذافي الملتجأة إليه . *** في ليبيا الحرة ........ فترة انتقالية حرجة .
رغم صدق النوايا المعلنة في إقامة دولة مدنية على مدار ثمانية أشهر من إعلان تحرير البلاد الذي سيكون غدا السبت ، إلا أن بوادر خلافات مؤدلجة بدأت تطفو بين الإسلاميين والعلمانيين ، وبين الراغبين في الإنتقام من أزلام العهد البائد المعروفين ، خاصة وأن الأسلحة متوفرة عند كل الناس ، فكل ٌّ سيد نفسه ، والبلاد عرضة لانقسامات قبلية ، وهي حاليا بلا مؤسسات ولا هييئات نظامية تحكمه ،فالخطب جلل ما لم تقدم دول الجوار بمد مساعدات لوجيستية تقي البلاد سوء العاقبة ،وأول الخطوات التي يجب القيام بها جمع الأسلحة من أيدي الناس ، والإسراع في تشكيل حكومة مؤقتة لتسيير البلاد ريثما تسترجع أنفاسها و تقدر الوقوف على قدميها ،وتضميد جراحاتها بإجراء مصالحة وطنية شاملة لمحو الضغائن التي لا يندمل جرحها إلا بمرور الزمن .
صفوة القول هو أن نجاح الإختبار الإنتخابي التونسي خلال هذا الأسبوع ، سيعيد الأمل لشعوب المنطقة بكاملها ، ولعل في تجربة تونس هذه في حالة نجاحها ما سيكون خيرا على جيرانها الليبيين والعالم العربي قاطبة ، لما ستعطيه من زخم لكل الثائرين التواقين للحرية والإنعتاق لتحقيق حلمهم الكبير في إقامة دول عادلة لا تقصي أحدا بسبب اللون والفكر و الأصل وفق منظور ديمقراطي مدني سنده تعامل وفق قانون سيد .
#الطيب_آيت_حمودة. (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبرة ُ نهاية القذافي
-
ردود على تعليقات .
-
هوية الجزائر/ بين لأصيل والوافد .
المزيد.....
-
5 قتلى و200 جريح.. أحدث حصيلة لضحايا هجوم الدهس بألمانيا
-
من هو السعودي المشتبه به في هجوم الدهس بألمانيا؟ إليكم التفا
...
-
مراسل CNN في مكان سقوط الصاروخ الحوثي في تل أبيب.. ويُظهر ما
...
-
المغنية إليانا: عن هويتها الفلسطينية، تعاونها مع كولدبلاي، و
...
-
هجوم بطائرات مسيّرة يستهدف مدينة قازان الروسية ويتسبب بأضرار
...
-
ناقد للإسلام ومتعاطف مع -البديل-.. منفذ هجوم ماغديبورغ بألما
...
-
القيادة العامة في سوريا تكلف أسعد حسن الشيباني بحقيبة الخارج
...
-
الجيش اللبناني يتسلم مواقع فصائل فلسطينية في البقاع الغربي
-
صحة غزة: حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي بلغت 45.227 شخصا منذ بد
...
-
إدانات عربية ودولية لحادثة الدهس بألمانيا
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|