|
لتكن كركوك أنموذجا لعراق المستقبل والمواطنة الحقة !/ج1
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 3521 - 2011 / 10 / 20 - 01:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لنبدأ بالسؤال التالي: هل يتناقض أو يتعاكس مبدأ الدفاع عن عراقية كركوك مع مبدأ الدفاع عن حق عموم الأمة الكردية في تحقيق المصير، شأنها شأن سائر أمم الكوكب الأرضي؟ نجيب دون مواربة بلا كبيرة: لا تناقض و لا تعاكس على الإطلاق فكلا المبدأين يدافع عن الجوهر الإنساني ذاته فلا تمييز أو مفاضلة بين حقوق الأكراد في كردستان و بين حقوق العرب والتركمان والكلدان والآشوريين في كركوك! الإنسان هو ذات الجوهر الواحد، والقيمة المطلقة المتجانسة، التي ينبغي الدفاع عنها ضد أي اضطهاد أو قمع أو هيمنة قومية أو طبقية أو دينية أينما وحينما كان. واحدة من صور الهيمنة والإقصاء تتمثل في سيادة التصنيف الثنائي للنسيج المجتمعي العراقي. لقد دأب السياسيون العراقيون من العرب والأكراد على تسييد هذا التصنيف الذي ينظر إلى المجتمع العراقي على أنه مكون من العرب والأكراد فقط، وعدم الاعتراف بالوجود الكياني لقوميات ومكونات أخرى إلا ما ندر وبشكل مناسباتي عابر لكي لا نقول لذر الرماد. من نتائج ذلك مثلا، تكريس الدستور وتطبيقاته لهذه الثنائية، فلم يتم الاعتراف مثلا بالتركمان العراقيين كقومية ثالثة لها حقوقها الدستورية. ولم يتم الاعتراف إلا لفظيا بالمكونات الأخرى كالكلدان والآشوريين. وفي التطبيقات اعترف الدستور باللغتين العربية والكردية كلغتين وطنيتين تسمى بهما المؤسسات الرسمية وتكتب بهما المخاطبات والوثائق الرسمية. لكن لماذا يكتب الجواز العراقي مثلا باللغتين المذكورتين فقط وتهمل اللغات الأخرى؟ في الدولة الاتحادية السويسرية يعترف الدستور بأربعة مكونات مجتمعية ولغوية أحدها هم السويسريون "الرومانش" ولغتهم تحمل الاسم ذاته، ونسبة الناطقين بها أقل من 1% ، وهي لغة قديمة وأقرب اللغات الأوروبية إلى اللغة اللاتينية ويعتبرها بعض السويسريين "اللغة الأكثر رقيا" ومع ذلك نجد جوازات السفر والعملة النقدية تكتب باللغات الأربع الفرنسية والألمانية والإيطالية والرومانشية . أما نسبة الناطقين بالإيطالية فلا تتجاوز 4% وهي نسبة تقترب من نسبة المكون التركماني العراقي. (نحن لسنا في سويسرا بل في العراق!) سيهتف البعض، غير أن هذه ليست حجة من أي نوع كان، ثم هل قُدِرَ علينا أن نغرق في عدة حروب أهلية دموية رهيبة كالسويسريين، لنصل إلى هذه الحلول الإنسانية الناجعة؟ و ما علاقة موضوع "الولاء الوطني" الذي يكثر الكلام عنه بهذا الموضوع الحساس، ومَن بمقدوره وبأي مقاييس علمية رصينة، يمكن أن يقاس مستوى ولاء هذا المكون المجتمعي أو ذاك؟ أليس في الكلام عن هذا الموضوع نوعا من النبش في نوايا الناس وتفتيش الضمائر على طريقة محاكم التفتيش الكاثولوكية في أسبانيا العتيقة أو على طريقة ذباحي تنظيم القاعدة؟ وحتى بالمعنى الإنشائي وغير العلمي لكلمة الولاء، فقد عرف الشعب العراقي وبلسان مثقفيه ومبدعيه ونخبته الفاعلة في ميدان السياسة والاقتصاد والاجتماعيات وطوال قرون خلت أن ولاء الأقلية التركمانية أو الكلدانية على سبيل المثال كان ولاء للعراق الوطن والتاريخ المشترك، على الرغم من كافة الضغوطات وحملات الابتزاز والتوريط التي قامت بها الدول الغربية أو الدولة التركية الأطلسية في بدايات وأواسط القرن الماضي خصوصا في محاولة – من تلك الدول - لاستغلال وجود التركمان العراقيين أو الكلدان والآشوريين لتحقيق بعض الأهداف والاستحقاقات السياسية الذاتية. سنسهب قليلا ههنا في شأن المكون التركماني العراقي لأغراض السياق التحليلي: بصدد الوجود التركماني العراقي، يؤكد المؤرخون والعديد من المتخصصين، و الوثائق الأدلة التاريخية والإركولوجية وفيرة، أنه أقدم من الوجود التركي ذاته في منطقة آسيا الصغرى وأرض الروم (أرضروملي)! مضاف إلى هذا أن التركمان العراقيين لم يتورطوا في تشكيل ميليشيات مسلحة لمساندة القوات البريطانية مثلا خلال فترة الغزو الاستعماري، ولم يرفعوا شعارات انفصالية أو معادية لهوية العراق العربية الإسلامية المناوئة للهيمنة الغربية. إن هذا الولاء الحقيقي، رغم بعض الاستثناءات الفردية والتي لا يعتد بها للمراهنين على (الأم الحنون تركيا الأطلسية أو الغرب) ، هو ما جعل الأقلية السكانية التركمانية صورة مصغرة للشعب العراقي في تركيبته التكوينية المجتمعية وفي التفاعل المتحضر والانتمائي مع باقي العراقيين. ففي الوسط التركماني تجد التركماني السني والشيعي والتقدمي والرجعي، و من وسطهم خرج العديد من نجباء علماء اللغة العربية ولن يكون آخرهم العلامة المحبوب جماهيريا ومن قبل جميع العراقيين مصطفى جواد والعديد من الشعراء والكتاب والفنانين شأنهم في ذلك شأن جميع الأقليات العراقية المتآخية. هذا بخصوص التركمان كمجموعة سكانية ذات أصول قومية واحدة، أما حين نتكلم عن مدينة كركوك فهي أيضا صورة مصغرة للعراق من الناحية المجتمعية والديموغرافية إذ تنبئونا جداول الإحصائيات الرسمية وقبل عام واحد تقريبا من ثورة 14 تموز 1958 وقيام الجمهورية العراقية أن مدينة كركوك :
- كانت تضم إضافة إلى التركمان الذين شكلوا أكثر قليلا من نصف السكان أقلية كردية تصل نسبتها إلى الثلث.
- يشكل العرب والآشوريون ما تبقى من سكان المدينة، ومعنى ذلك أن الوجود العربي في المدينة ليس مفتعلا أو حديثا جاء مع مجيء النظام الشمولي البعثي الصدامي، والكلام ذاته يقال عن الوجود الآشوري أيضا.
- أما المجموع العام للسكان فكان يبلغ 120402 نسمة أغلبيتهم العظمى من المسلمين إضافة إلى أقلية مسيحية بلغت آنذاك 12691 نسمة.
المصدر:(الإحصاء الرسمي للسكان لسنة 1957، معطيات اقتبسها حنا بطاطو في كتابه "الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار ص 224 ). إن هذه الحقائق لا يريد البعض حتى مجرد الإشارة إليها لأسباب شوفينية بغيضة. صحيح أن هجرة العرب قد ازدادت إليها في العهد الجمهوري وطوال نصف قرن تقريبا وصحيح أن النظام الشمولي أرغم أعدادا كبيرة من سكانها الأكراد والتركمان على الهجرة منها في السنوات الأخيرة غير أنّ الصحيح أيضا هو أنْ يكون الهدف والحل في إعادة المواطنين المهجرين من أكراد وتركمان وآشوريين وعدم تحميل مسؤولية ما حدث للسكان العرب والقيام بحملات تهجير انتقامية ضدهم بعد رحيل النظام كما حدث فعلا على الأرض لأن ذلك لن يكون من مصلحة أية أقلية قومية في العراق بل إن الحل كما نعتقد - وهذا مجرد اجتهاد - يكمن في الحكم الذاتي واسع الصلاحيات لمجتمع كركوك كمدينة متعددة القوميات، يمكن أن تشكل إقليما قائما بذاته كسائر الأقاليم العراقية الأخرى ويمكن أن تكون لإقليم كركوك العتيد علاقات خاصة مع المركز الاتحادي بغداد وأيضا مع إقليم كردستان سواء بسواء .
على هذا، فلستُ ممن ينكرون الحقائق والخصوصيات ولكنني انطلقت من بديهيات الانتماء العراقي التي يريد البعض، وباسم الخصوصيات القومية توظيفها بشكل لا يصب في مصلحة الهوية العراقية والانتماء الوطني. ومن ناحية أخرى فلم أناقش هنا قضية كركوك بشكل مسهب وحصري بل لقد تعرضت لها عرضا وبشكل عابر على اعتبار أن حقيقة وجود التركمان وخصوصية هذه المحافظة التعددية المتنوعة تستوعب الوجود التركماني الكبير فيها. الفرق إذن بين منطلقي في النظر إلى الموضوع وبين منطلقات أخرى تدافع عن طرف أو مكون مجتمعي واحد وعلى حساب الأطراف الأخرى هو السعي لتجنيب المدينة والعراق هزات عنيفة مستقبلا سيدفع إليها "ديكة الشوفينية" ودعاة التعصب العربي أو الكردي أو التركماني من الباحثين عن دور والصاعدين على جماجم الضحايا فنظرت إلى خصوصية مدينة كركوك في إطار عراق ديموقراطي حقيقي يقوم على أساس المساواة ومبادئ المواطنة الحديثة. وأَحْسَبُ أن هذا الفرق بين النظر إلى خصوصية كركوك المتنوعة ضمن العراق الديموقراطي وبين فرض هوية قومية معينة كردية أو تركمانية أو عربية على المحافظة هو ما سوف يعمق النقاش ويعطيه محتوى علميا تاريخيا مشدودا إلى المستقبل وآماله وليس موثوقا إلى الماضي وآلامه وأحقاده، معتمدا على عقلية الانفتاح والشفافية وليس على عقلية الاستقواء بالأجنبي وتقديم الرشى والهدايا لهذا الطرف المؤثر أو ذاك. إن فهم هذا الفرق في النظر إلى المشكلة والتأسيس عليه هو ما سوف ينقل النقاش من دائرة الأحكام المتعصبة المسبقة والشعارات القبلية شبه المقدسة والبديهيات العاطفية العتيقة إلى دائرة الجدل المثمر الفعلي، جدل الحياة ومعطيات العصر. تصحيح : في إحدى نسخ هذه المقالة وردت العبارة التالية في المقالة السابقة ( جاء مع مجيء النظام الشمولي القائم حاليا) والمقصود هو النظام الذي جاء في 1968 وظل قائما حتى 2003 فالفقرة عبارة عن اقتباس من كتاب حنا بطاطو ورد في نص المقالة مع تعليق قديم لي عليها كتبته قبل سقوط النظام.. مجرد توضيح للقارئ وليس خوفا من "القائم حاليا" !
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشهرستاني يدافع عن صفقة -غاز البصرة -شِل- معترفا ضمنا بعيوب
...
-
الحدث السوري بعيون عراقية
-
مجلس السياسات المستعصي
-
أسرار المشهداني لم تحرك ساسة بغداد
-
المعلم التركي والدرس الكردي -غيرالعويص-
-
هدايا كويتية -مسمومة- قد تطيح هوشيار زيباري
-
تحذير لنائب المالكي يثير الذعر: العراق سيُحْرَم من نصف مياهه
...
-
العلوي بين فلسفة التاو الصينية والمتصوف النُفّري/ج2
-
العلوي وفلسفة التاو الصينية : بين المطلق الصيني والآخر الإبر
...
-
عزّت الدوري يعزّي البرزاني فيثير غضب البعثيّين
-
هل أحبط المالكي انفصالا عشائريا في الأنبار؟
-
مجزرة «النخيب» العراقيّة: طائفيّة وعشائريّة وغياب للمركز
-
-تطوير- غاز البصرة : صفقة مشبوهة مع -شِل- وكارثة يتحمل مسؤول
...
-
أتهم جلال طالباني وآخرين باغتيال هادي المهدي!
-
خرافة -جاموس الحجاج- وحقائق التراث الرافديني
-
كيف قرأ الراحل هادي العلوي التصوف الإسلامي -القطباني- وتجربة
...
-
عقود المشاركة في إنتاج النفط العراقي: سرقات وفق القانون/ج3
-
مشروع قانون النفط -المالكي- في مواجهة المشروع - الكردوعلاوي-
...
-
نفط العراق المحتلّ: قصّة سرقة أقرب إلى الخيال
-
التضامن النقدي مع -الربيع العربي-: قراءة في مثال نظري وعملي
...
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|