حوار في الثورات

عاصي علي عفارة

الحوار المتمدن-العدد: 3520 - 2011 / 10 / 19 - 11:49
المحور: اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
    

(حوار في الثورات) عاصي علي عفارة / خاص الحوار المتمدن /

الإهداء : إلى حبيب جده (جدي) الذي إذا دخل الجنة فسيدخلها من أحلى أبوابها إلى الخلق نزار حيدر أهدي هذه الأسطر .
حوار في الثورات

عندما ولى بن علي الأدبار هاربا . حط أخيرا في مضارب جدته جدة بعد فترة من التحليق لم يصدق فيها أنه سيحط على الأرض مرة أخرى .تبعه رفيقه مبارك،الذي أمضى حياته في خدمة أعداء الشعب المصري ،إلى شرم شيخه .
حينها ضحك كارل ماركس في تربته حتى دمعت عيناه وارتج جسده وكادت خاصرتاه تنفجر من قهقهة طويلة وصل صداها إلى ميدان التحرير في القاهرة ،صفق لها ثوار مصر طويلا ،وردوا على الضحكة بأحسن منها .
أما عندما أعلن صاحب النظرية الثالثة، أبله القادة العرب الزحف المنجس والإبادة و الاستعانة بالمرتزقة المؤمنين به كآخر العباقرة الأفارقة .ضغط ماركس على أسنانه قهرا حتى كادت تسقط متكسرة .
وأثناء عبور درع النفط العربي على جسر العمالة لسحق ثوار البحرين .زفر زفرةً تصدع على أثرها رخام قبره.
وحين رأى بعيني روحه ملايين اليمنيين يملؤون ساحات اليمن وكأنه يوم الحشر،وسمع سفيه اليمن ( الصالح ) يعدُهم بتأسيس حزب للشباب وجمعية للعجائز ويدلهم على الطرق الحضارية لتقديم مطالبهم وترك الشارع لأهله أولاد الشوارع هنا كور كارل يده وضرب على جدار رمسه حتى كاد يوقظ جيرانه الموتى .
ولم يملك من أمره شيئا عندما همس له أحد الملائكة عن الحدث السوري ،فنهض من جدثه نافضا عنه غبار الغياب القسري .صفقت هناك روحه عندما وجد رفيقه الأسطوري انجلس الناهض حديثا من رماده الذي ابتل طويلا بمياه البحر المقدسة بانتظاره .قدم له حبة من البطاطا المسلوقة قائلا خذ يا صاحب الرأسمال الأكبر في تاريخ البشرية أعرف أنك مت جائعاً كلها على عجل فأمامنا طريق طويل .
ماركس: مرحبا برفيقي فريدريك لديَ شوق كبير لك وعندي لوعة ولا أمتلك من التعبير من شدة فرحي بوجودك سوى دموع الفرح .
انجلس: أعطني يدك لنمضي فلا وقت للعواطف ولنذهب بسرعة.
ماركس: إلى أين .
انجلس : إلى أضعف حلقات السلسلة حيث فلاديمير ايلتش أوليانوف .
ماركس: مرحى لك هذا ما يجب فعله ،فما أنفع وأحلى من الرحيل إليه .
فأخذوا بأيدي بعضهم......وجدوا لينين بانتظارهم .
لينين: تفضلا بالدخول حالاً إن الجو في الخارج لا يحتمل من شدة الصقيع
ماركس و انجلس: مرحباً رفيق لينين
لينين : مرحباً رفيقاي كنت بانتظاركم ،علينا أن نحسم الأمور فالثوار مرتبكون وعلينا كشف الطريق أمامهم .
انجلس: لنحاول لنحاول فلاديمير ايلتش.
ماركس: أعرف أنه في غيابنا جرت مياه كثيرة، وجفت ينابيع،قامت دول ودالت دول، وأخذ الأطلسيون يرسمون خطوطا وهمية ويحددون و يمحورون ،هذا الشعب عليه أن ينموا بشريا ،وذلك اقتصاديا وذاك مرضيا ،و المالتوسية على أشدها ،ثمة شعوب تعيش على الهواء ( الملوث ) ومنه تستخلص حاجاتها الغذائية والروحية أيضا ،والنازية أنجبت نوعا جديدا من جنسها لا علاقة له بالعرق أو اللون أو الدين بل بمستوى الذكاء والمعرفة ،فلا حاجة لمن لا يستطيع إكمال تعليمه أو شراء شهادته العلمية أو اقتناء كمبيوترا حقيرا ،والأرض تستطيع أن تضم بشرا كثر وتهضمهم وعليكم أيها المتحكمون بأقوات البشر استثمار أجسادهم كسماد لمزروعاتكم المعدلة وراثيا ، لقد تغول الرأسمال واندمج وتمركز وأصبحت أذرعه الأخطبوطية أقوى وأشد قسوة، أما الرأس فأصبحت أكثر عصبية وسرت الحمى في أعصابه،وإذا كنا متفقين سابقا بأن خيار البشرية يكمن في طريقين إما الاشتراكية أو البربرية ، فقد تغير الحال . فالبشرية تعيش في بربرية لم يعرفها تاريخها الشقي .
انجلس: إن التطور التكنولوجي والتقني وانتشار وسائل الاتصال عمودياً وأفقياً وتطورها المذهل جعل الأمور تسير بصورة سريعة جدا والرأسمال يقبض بقوة على حركة التطور لتدويرها لصالحه .
ماركس: همْ الرأسمال الوحيد هو أن يتضخم ولكنه في النهاية سيلتهم نفسه لأنه لن يجد ما يلتهمه .
لينين: البشرية تعيش الآن في ظل البربرية ،أخشى أن يهرس الرأسمال عظامنا بعد أن أكل لحمنا، قبل أن يقوم بالتهام نفسه ،هناك خطر حقيقي على الحضارة البشرية ، البيئة تئن تحت ضربات سمومه ،وثمة انزياح لجبال الثلج القطبية و ذوبانها ، بدأنا نشم روائح اللحم البشري المشوي جراء ارتفاع درجة حرارة الأرض المحمومة ،ثمة إشارات قوية تدلنا على أن البشرية في آخر أيامها ،و كثوري عليَّ أن أكون متفائلا وأن أحاول استرداد مفاتيح جهنم لفتحها أمام هذا الرأسمال المجرم .
انجلس: ليس هناك من مجال لاستعادة هذه المفاتيح إلا بوحدة المستغَلين الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم على مستوى الأرض ،فالمستغِلين (بكسر الغين) يكرسون وحدتهم يوما بيوم وساعة بساعة .
ماركس: ثمة قضايا مصيرية كثيرة تستحق النقاش ، و لكن لنعد إلى موضوع اجتماعنا ،ما الذي يجري في دنيا العرب هل ما يحدث ثورات حقا ،هل هناك وضع ثوري ؟ ،أرجوك فلاديمير ايلتش أجبنا فأنت قُيضَ لك أن تعيش في عصر الاستعمار،وأنت بدون مجاملة عبقري اللحظة الثورية .
لينين: حسنا و بالطبع أشكرك على تقريظك لي ،حقيقة لقد أخجلت تواضعي ،وعودة إلى سؤالك حول وجود وضع ثوري ؟ هناك دلائل ثلاث على وجود وضع ثوري وإليكم هذه الدلائل:
1. أن يستحيل على الطبقات السائدة الاحتفاظ بسيادتها دون أي تغير.أن تنشب هذه الأزمة أو تلك في( القمة ) أي تنشب أزمة في سياسة الطبقة السائدة،تسفر عن صدع يتدفق منه استياء الطبقات المضطهَدة (بفتح الهاء) وغضبها .فلكي تنفجر الثورة ،لا يكفي ( ألا تريد القاعدة بعد الآن ) أن تعيش كما السابق ،بل ينبغي أيضا ( ألا تستطيع القمة ذالك ).
2. أن يتعاظم كثيرا، للأسباب المشار إليها آنفاً ،نشاط الجماهير التي تستسلم للنهب بهدوء في زمن ( السلم ) و لكنها المدعوة ، في زمن العاصفة. سواء بدافع من مجمل أحوال الأزمة أم بدافع من ( القمة ) نفسها ،إلى القيام بنشاط تاريخي مستقل .
3. أن يتفاقم بؤس الطبقات المضطهَدة ويشتد شقاؤها أكثر من المألوف .
ماركس: إن هذه الدلائل تشير إلى وجود وضع ثوري .ولكن دعونا ننطلق من الواقع وليس من النظرية ،لقد تغير الواقع كثيرا والنظرية ما زالت تراوح في مكانها، لا أشك مطلقا في أن الثورة مستحيلة دون وضع ثوري ولكن ليس كل وضع ثوري يؤدي إلى الثورة .
انجلس: إذا كانت قد طرأت تغيرات على الظروف والشروط لأجل الحرب بين الشعوب،فلم تطرأ تغيرات أقل على الظروف والشروط لأجل الصراع الطبقي .وقد ولى زمن الهجمات المفاجئة ،و زمن الثورات التي تقوم بها أقلية واعية ضئيلة تترأس الجماهير غير الواعية وأنا أوافقك رفيق ماركس بأن ليس كل وضع ثوري يؤدي إلى الثورة ،فإذا كان العامل الموضوعي قائما فهناك العامل الذاتي .
لينين: كان في روسيا وضع ثوري في العام / 1905 / من القرن العشرين على أثر تقهقر روسيا في حربها على اليابان ،والأحوال المعيشية المزرية وظروف العمل القاسية والاستغلال والاضطهاد الذي لا يحتمل ، و قد حاولت السلطات تمييع وتفريغ شحنة غضب الجماهير بتحويل الصراع إلى صراع بين القوميات وتحميل كل المآسي إلى القوميات غير الروسية ،كان العمال منظمين في جمعية عمال المصانع وهي نقابة بوليسية يرأسها رجل دين هو الأب جابون ، جرى إضراب في / 3 يناير في 1905 / حيث عقدت لقاءات جماهيرية تأييدا للإضراب ،وفي / 7 يناير / وتحت ضغط جماهير العمال أُجبر الأب جابون على تنظيم مظاهرة تتوجه إلى القيصر بعريضة لمطالب العمال الاقتصادية ، من زيادة الأجور ، ويوم عمل من / 8 ساعات / وتحسين الخدمات ....إلخ.وسارت الجماهير في يوم الأحد/ 9 يناير /، بثياب العطلة النظيفة حاملين الشعارات الدينية والأيقونات الكنسية. إلا أن رجال القيصر ومنذ وصولهم فتحوا النيران على تلك الجماهير فقتلوا منهم / 1000 / شخص وكان يوما داميا سمي بالأحد الدامي .
انجلس: وأين كنتم أنتم فلاديمير ايلتش .
لينين: رفاقنا وأنصارنا كانوا ينصحون الجماهير ويعملون جاهدين لثنيها عن الذهاب إلى حيث القيصر وإفهامها بأن كل مشاكلها تكمن هناك.في قصر الذئاب وحتما سيردون على مطالبكم بالرصاص. وعندما لم ننجح في إقناع الجماهير ، سرنا معها. لم نكن في المقدمة لقد كنا في وسط الجماهير ، وعندما جرى الاعتداء الدموي عملنا ما بوسعنا فأقمنا المتاريس ونظمنا صفوفنا وحرصنا على تحويل المطالب الاقتصادية إلى مطالب سياسية ولكي لا أطيل عليكم فقد تعلمنا من تلك الثورة الكثير وأهم ما تعلمناه هو أهمية التنظيم الثوري و مكامن القوة والضعف لدينا ، وقد قيمنا تلك الثورة تقييما عاليا فقد كانت البروفة الأخيرة للثورة التي هزت العالم بقوة في / أكتوبر 1917 / وحقيقة كانت ثورة / 1905 / مدرسة ثورية حقيقية لنا و كانت الخطوة الأولى لأكتوبر/ 1917 /.
ماركس: لا بأس من العودة إلى التاريخ ، ليس حنينا إليه ،ولكن ليتعلم المرء من مجرياته ،يجب استنطاق الماضي من أجل الحاضر والمستقبل لكي لا نقع في الحفرة مرة أخرى .
انجلس: هناك مسألة تؤرقني وتجعلني مترددا في إعطاء وجهة نظر واضحة عن الثورات العربية ،إنها مسألة الإعلام ،هل كانت ستستمر هذه الثورات بدون الإعلام بوسائطه المتعددة و أهمها المتلفز أو المرئي ؟
لينين: كل الحق معك رفيقي الرائع إن قلقك الشفاف ينم عن حساسية إنسانية نادرة فقد غدا الإعلام السلطة الأولى في ظل التطور التكنولوجي الهائل فالمعلومة المزودة بالصورة المتحركة لا تحتاج سوى لثوان قليلة حتى تصل إلى كل أرجاء المعمورة إن من يمتلك الإعلام الأقوى يمتلك الكون، والإعلام الأقوى بيد الرأسمالية المعولمة وهناك مئات الأمثلة على الرياء والنفاق والتضليل والإجرام الذي يرتكبه هذا الإعلام لكن المراهنة الأكبر على الشعوب و وسائل إعلامها الخاصة المستفيدة من التطور الكوني لوسائل الاتصال حيث غدا الفضاء الالكتروني مفتوحاً وأصبح من المستحيل حجز المعلومة، والمواطنون أصبحوا صحافيين بدون شهادات أكاديمية أو خبرات صحافية ،ومن خلال جهد بسيط بإمكان أي شخص يحمل هاتفا محمولا أو كاميرا رقمية أن يقوم بالتقاط صورا وتحميلها على أحد مواقع الإنترنت وفي أسفلها خبر حتى تنتقل بسرعة الضوء إلى أرجاء العالم ، و يعتبر هذا الإعلام إعلاما مضادا لإعلام السلطات ،فما كان مفترضا يصبح واقعا أكيدا من خلال الشبكة العنكبوتية ولا أدل على ذالك من تواصل شباب مصر ومناداة بعضهم للاعتصام والتظاهر ،لقد أصبحت المعلومة تمر عبر هذه الشبكة في ظل التعتيم على الأحداث الذي تفرضه السلطات الاستبدادية ،ومن الملاحظ بأن وسائل إعلام الأنظمة المستبِدة تعمل جاهدة لتعبئة الجماهير الواسعة ودفعها إلى الثورة ضد مصالح أسيادها،إنها تحرض حتى الموتى للخروج من قبورهم و الانضمام للمحتجين !!! . أما ما مدى مصداقية المعلومات التي تبث من خلال هذه الشبكة وتاريخ الحدث ،فبإمكان مصور هذا الحدث أن يبحث بكاميرته عن معلم مميز في مكان الحدث وكتابة تاريخه على راحة يده مثلاً،والأمور تتطور وتراكم الخبرات سينتج ولا شك مصداقية أكبر خاصة بأن التزوير جائز جدا نظراً لإمكانية اختلاق أحداث لم تحدث ،وأضيف بالنسبة للثورات العربية بأن تناقض المصالح بين محطات التلفزة يساهم بنقل المعلومة وبثها ويجب أن لا ننسى بأن وقع الخبر على المواطن العربي هو غير وقعه على الفرنسي مثلا فنحن نتحدث عن بلاد ألف ليلة وليلة بلاد الذهن واللغة التي توصلك إلى الجنة ببيت شعر واحد و تأخذك بنزهة إلى جهنم بقصة قصيرة جدا، الإعلام أصدقائي جزء من أجزاء كثيرة في هذه الثورات والبحث في هذا المجال يحتاج لأكثر من جلسة .
ماركس: ما الرابط بين البلدان العربية التي تشهد ثورات فكأننا نشهد حريقا لم تستطع خضرة تونس إطفاءه ولا مياه النيل إيقافه ؟
انجلس: جميع أنظمة هذه البلدان أتت بانقلابات ( ثورات مجيدة !!! ) واعتمدت الاستبداد طريقة لبقائها في الحكم وبطبيعة الحال أنتج هذا الاستبداد الفساد والفقر والتخلف وأنتج جماهير واسعة مرمية في القرون القروسطية وحكاما مهرجون فاسدون يرمون بثروات بلدانهم الهائلة في فم الامبريالية بسهولة، فالفقر في تونس يفقأ عيون اقتصاد السوق وفي مصر سكان المقابر الأحياء أكثر من الأموات ،وقسها على البلدان المنتفضة الأخرى من أوضاع أكثر من سيئة من بطالة وضياع ونهب .....الخ .لابد من القول أن الشرارة التي انطلقت من تونس أعطت الأمل لشعوب المنطقة بالخلاص فكانت بقية الثورات ،كل ثورة تتعلم من التي قبلها فالشعوب تتعلم من بعضها ،وكل ثورة لها نكهة خاصة ،والمرء لا يستحم بمياه النهر مرتين كما يقول صديقنا هيرقليطس
ماركس: عزيزي فلاديمير ايلتش أنا متشوق لسماع أخبار جماعتنا ودورها في هذه الثورات .
لينين: في تونس كانت صور الثوري الرائع جيفارا مرفوعة عاليا معبرة عن مشاركة اليسار القوية في هذه الثورة . في مصر حركتنا ضعيفة لأسباب ذاتية وموضوعية و لكن رموز اليسار كانت موجودة بين الشباب تقود وتخطط وتشارك .أما اليمن فقد كان سعيدا بحزبه الاشتراكي حيث رفرفت روح عبد الفتاح إسماعيل بين جموع المنتفضين أما في سوريا فقد شارك ما يسمى بالحزب الشيوعي السوري بقوة وبكل ما يمتلك من إمكانيات هزيلة في تسفيه الثورة وتكفير جماهيرها، و وضعَ قواعده على قلتها في مواجهة الجماهير الواسعة ،و لكي لا نتوسع أكثر في شرح ما يحدث في هذا (الحزب الملكي) أحيلكم إلى ما نشر في منشور ( صوت الشعب !!) ،رقم / 292 الصادر في 25 آب 2011 / حيث نقرأ في الافتتاحية الموقعة باسم هيئة التحرير !! في آخر خمس أسطر ما يلي ( يجب بذل كل الجهود من أجل لحمة الصف الوطني في سوريا بكافة مكوناته لا اللحاق بالسراب الواهم { الذي يمكن } أن يكون في نهاية المطاف قبض الريح )انظروا إلى الكلمتين اللتين بين قوسين { الذي يمكن } هل يمكن أن يكون هذا التحليل علميا ،هل يمكن أن يكون صادرا عن حزب يدعي الماركسية ، و الماركسية اللينينية أيضا،أما الشيوعيون الثوريون فقد شاركوا بكل إمكانياتهم قولاً وفعلاً وقدموا الشهداء أيضا .
ماركس: ما حجتهم، أقصد ما حجة من يدعون الانتساب لأفكارنا بعدم المشاركة ورمي هذا الحراك الشعبي أو الانتفاضة أو الاحتجاج بكل تلك القاذورات .
انجلس: أياً تكن حجتهم فستكون حجة أقبح من ذنب كما يقول العرب . إنهم يبررون بديماغوجية أن بوصلة هذه الثورات يجب أن تكون موجهة لنحر الإمبريالية .
ماركس: غريب وعجيب فعلا كأنهم لا يدركون بأن الهجوم على الامبريالية يبدأ بالانقضاض على الاستبداد خط الدفاع الأول عنها .و أياً تكن الحجة .أذكر رفيقاي بأننا قلنا عن الثورة الفرنسية ( الكومونة ) بأنها ضرب من الجنون ولكن حين ثارت الجماهير سرنا معها وتعلمنا منها في عزة النضال ولم نلقِ مواعظ بيروقراطية دنيئة للتدليل على انتهازيتنا الوقحة .
انجلس: هل ستحقق هذه الثورات مبتغاها ؟ وما مدى امكانية نجاح مشاريعها ؟
لينين: ليس من الضروري نجاح هذه الثورات نجاحا كليا، المهم التأسيس لمرحلة جديدة ضرورية هي الديمقراطية البرجوازية ،والتأسيس للدولة المدنية ( الوطنية الديمقراطية ) ،و إذا كانت هذه الثورات تتعرض حقاً للاختطاف فإن جماهيرها باقية و ستعزف السيمفونية النهائية لانتصارها و ستفرز هذه الجماهير قواها الحية الصادقة التي خرجت إلى الشوارع و الساحات مطالبةً بالعدالة الاجتماعية و بالقصاص من اللصوص و القتلة و إذا كانت الزمامير تزعق لإرعاب الجماهير بالقادم من الأيام من فوضى و اقتتال ترتب له متعمدة فإن القوى الثورية تدرك بأنه ليس هناك من ثورة لم تعقبها حرب أهلية قصرت أو طالت هذه الحرب ،ولا يمكن قطف ثمار هذه الثورات مباشرة ، ومن الصعب كما يقال أن نتظلل تحت شجرة زرعناها حديثا .حرية تلك الشعوب هي الضمانة لسعادتها وسعادتنا ، الحرية المدرَكة ،الحرية التي هي وعي الضرورة كحق العمل والعلم و الطبابة والإضراب والرأي ....... الخ. حرية تلك الشعوب التي لم يكن لها الحق حتى بحرية الحياة .
انجلس: هناك من هو مقتنع أن أصابع الإمبريالية تحرك خيوط ما يحدث.
لينين: إن أصابعها القذرة موجودة، ومن لا يعتقد بهذا واهم، طالت أم قصرت هذه الأصابع في هذا البلد أو ذاك ففي مصر وتونس تفاجأت " الامبريالية " تماما حيث أن الغزلان قفزت بسرعة، واتحدت في ساحات البلدين محاصرة النظامين العميلين .الضباع حاولت في البدء اختراقها ولكن هيهات، فالقرون التي شحذها الفقر والذل والمهانة كانت حادة وجريئة ومؤلمة والضباع المتخمة لم تكن مستعدة إلا للقيلولة، وعندما لم تستطع قوى النهب والطغيان إيقاف الطوفان أنزلت قواربها لعكس التيار ،فربما وصل إلى القصور حينها ستكون هنالك مجالس ثورية ولن تستطع السيطرة آنذاك على الأمور، فأوعزت إلى عملائها بالتنحي ،فلا بأس من التضحية بالرؤوس والرؤوس فقط ،وهي تحاول حاليا تركيب رؤوس أخرى لأجساد العمالة . في ليبيا استدعى الأخ القذافي الذباب فإذا لم يكن هو فهم ،خير خلف لخير سلف في البحرين تم حصار الثوار بدرع جزيرة العربان ، فخبت شعلتها ، و لكنها لم ولن تنطفئ فأحرار البحرين سيعيدون لها توهجها لتضيء سماء المنطقة بأكملها .أما في اليمن التي أذهل ثوارها العالم .شعب مسلح حتى أسنانه ويخرج عاريا إلا من صوته وينتشر في الساحات والطرقات كأنه مروج من الزهور في الربيع ،وفخامة الأخ ( الصالح ) يستنجد بدرع جزيرة آخر يخلصه من شعب غير حضاري لا يفهم بأن اليمن مزرعة له ولأولاده في عقبه هناك تقوم الدولة الجارة بالوكالة عن قوى الرأسمال المهزومة بالحفاظ على ( صالحها )لحين إيجاد صالح آخر . وهناك في سوريا يحاولون محاصرة الشعب واستثمار المحتجين كل لمصلحته من ذئاب الغرب إلى ثعالب الشرق ،إن بلاد الأبجدية تكتب أبجدية جديدة حروفها من نار ودم ،مفوتةً الفرصة على كل من يحاول حرف الثورة عن مبتغاها في إقامة دولة وطنية ديمقراطية .
فالحكومات الامبريالية تريد،والأنظمة الاستبدادية تريد،والشعب يفعل و له ما يريد
ماركس: يجب إعمال العقل والتخلي عن النقل ،يجب ألا تغيب عنه الرؤى النقدية علينا أن نشك في كل شيء،ليس من أجل الشك بل من أجل الجدل الذي هو الطريق إلى الحقيقة ،فأنا أشك حتى بنفسي ،فأنا لست ماركسيا .
انجلس: أما أنا فماركسي ،وبالضبط لأنك لست ماركسيا ،الثابت بأن جوهر الرأسمالية لم يتغير فالاستغلال والنهب وما ينتجه من حروب وإبادة من سماتها التي ستأخذها معها إلى قبرها وما يشهده العالم العربي له علاقة وثيقة بأزمة الرأسمالية البنيوية والخلل الحالي بكيس النقود ،لقد درست كتابك الشهير رأس المال جيداً قبل أن أكمله وأضع اللمسات الأخيرة قبل إصداره ،وكم كنت أتمنى لو أنك كلفتني بإكماله قبل رحيلك حتى يتثنى لنا الاستفادة من ملاحظاتك .
ماركس: لم أشك لحظة واحدة رفيقي الوفي بأنك لن تترك لحظة من حياتك لن تستثمرها لخير الإنسانية ، وأنت تعرف جيدا كم كنت أعاني من العوز والفاقة لدرجة أنني كنت والعائلة سنلقى في الطريق جراء عدم توفر النقود لدفع بدل إيجار المسكن وكانت السخرية مني تؤرقني حقا من البعض الذي كان يطالبني بالتخلي عن ما بدأته ، والعمل بأي مجال آخر لأنقذ عائلتي من الجوع........ و قد كتبت في أواخر حياتي في رسالة لأحد الأصدقاء أقول فيها ( إني أضحك على ما يسمون بالناس " العمليين " وعلى حكمتهم . إذا أردت أن تكون حيوانا ، ففي وسعك، بالطبع ، أن تدير ظهرك لعذابات البشر وتحرص على جلدك .ولكني سأعتبر نفسي غير عملي حقا إذا فطست قبل أن أنهي كتابي كليا وإن في المخطوطة فقط ) لقد أخذ هذا الكتاب أربعين عاما من عمري....وأذكر بأن أمي قالت لي في إحدى رسائلها بأنك ( كتبت الكثير عن رأس المال ،ليتك جمعت القليل منه ) لم تكن تدرك ابنة تلك العائلة البرجوازية بأن رأسمالي الأكبر هو سعادة الإنسانية .
انجلس: هل تلاحظ يا ابن أوليانوف بأننا نتكلم عن العرب حيث الكرم،نحن في ضيافتك يا رجل .
لينين: آسف أشد الأسف لقد أخذنا الحديث .أنا خجل حقا من نفسي ولكننا نحن الروس .كرماء أيضا ،والكرم ليس حكرا على العرب إنه مزية إنسانية .حسننا ماذا تشربون ؟ لابد أنكم تشتهون الفودكا .
انجلس: لماذا لا يكون الشاي أو القهوة أو صحن مجدرة نبيع به كل مستثمري البشر ،أم أنك تريد أن تقول بأننا سكيرين .
ماركس: بعد إذنك رفيقي ثمة مشروب سحري مصنع من أعناب الشام ما أن تضيف إليه الماء حتى يغدو كبجعة خارجة للتو من ماء البحيرة.
لينين: رائع لقد ذكرتني ، هذا المشروب يسمى عرقا فلديَّ زجاجة أهداني إياها أحد الطلاب السوريون الذي أتى إلى سان بطرسبرغ ليدرس اللاهوت ،تعرفت عليه أيام ثورة أكتوبر أهديته ( غليونا ) روسيا عربونا للصداقة ويبدو أنه رد الهدية بأجمل منها إنه وقتها حقا .
ماركس: يبدو بأننا سنقيم وليمة هذه الليلة،وما أن تذكر الوليمة أمامي حتى أسمع قرقعة برميل ديوجين .
لينين: هاكم الزجاجة المعرقة .......إليكم الكؤوس والخبز الروسي الأسود فأبو الكيمياء مندلييف سيصفق لهذه التجربة .
ماركس: ارفعوا كؤوسكم عاليا رفاقي لمجد الثورات العربية ، لنشرب نخب الشعار الذي غدا أهزوجة حتى في فم الأطفال ( الشعب يريد إسقاط النظام ) والذي لا أشك مطلقا بأنه سينتقل بخطى حثيثة إلى عقر الدول الناهبة لتضاف كلمة ستهز الأرض و ما حولها من الكواكب ( الشعب يريد إسقاط النظام الرأسمالي ) ارفعوا كأس أمة اقرأ التي عادت للقراءة من جديد و للكتابة أيضا لتقرأ جميع أمم الأرض ،كأس امتداد نار الحق و الحرية المنطلقة من الشرق العظيم لتحرق قلاع أعداء الأرض والإنسانية ،كأس العمل من أجل عالم حر و شعوب سعيدة ؛ كأس النضال من أجل العدالة الاجتماعية طريق منع الاستغلال ،وتشديد الحراسة على مغارة رب الشعوب و سد الثغور أمام اللصوص المنافقين الشياطين الذين يندسون بلباس الملائكة .
فإذا ما أخضع الإنسان بفعل العلم والعبقرية المبدعة قوى الطبيعة لنفسه.فإنها تنتقم منه بإخضاعه نفسه لمستبد حقيقي لأنه يستخدمها بمعزل عن أي تنظيم اجتماعي .
وإلى لقاء آخر في جنوب الجنوب .
عاصي علي عفارة – السلمية

#عاصي_علي_عفارة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات