|
هل يميّز القرآن بين الله والشيطان؟
مدحت محمد بسلاما
الحوار المتمدن-العدد: 3519 - 2011 / 10 / 17 - 23:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعود بداية تشكيكي في القرآن وتعاليمه إلى مرحلة الدراسة الثانوية حين اكتشفت اللغط البارز فيه حول مفهوم الله ومفهوم الشيطان، إذ يستطيع كل منهما تضليل وإهداء من يشاء. فبعد تبحر طويل في ما ورد في هذا الكتاب تبين لي أنهما يتمتعان بمزايا مشتركة. وهنا بدأ الصراع المرير يؤرق عقلي وفكري ووجداني ويدفعني إلى الثورة على نفسي التي شوهها الإسلام دون أن أدري، وعلى ثقافتي التي تأكدت أنها بنيت على الباطل وعلى إيماني الذي انكشف لي أنه قام طويلا على الكذب والنفاق والتدجيل والهراء.
منذ تلك الفترة الدراسية بدأت مسيرتي في البحث والتدقيق عن هذه المفاهيم. كنت اعتقد أنني من القلائل الذين اكتشفوا هذا اللبس، غير أنني ولحسن الحظ اكتشفت مفكرين كثر ولدوا وترعرعوا مثلي في الإسلام وكانت لهم الجرأة فانتفضوا على تعاليم هذا الدين. وقد وقعت في فترة ليست بوجيزة، في موقع إلكتروني، على كتاب أحد هؤلاء المفكرين العظام، كتاب صدر بالعربية منذ أكثر من سبع سنوات، بعنوان "محنتي مع القرآن ومع الله في القرآن" للإمام الأزهري عباس عبد النور، فوجدت فيه فصلا عنوانه "الله وإبليس وجهان لعملة واحدة"، فغرفت منه ما يشفي غليلي ويؤكد اقتناعي ويثبت خطواتي في الكفر بالإسلام وبنبيّه وبكتابه وبكل أكاذيبهم المضللة. كنت آليت على نفسي أن لا أتحدث إطلاقا عن كل ما يراودني من انطباعات مريبة واقتناعات مؤلمة عن الإسلام، وعن خروجي منذ فترة طويلة من هذا الدين. ولكن تكاثرت عليّ التساؤلات من جانب أسرتي وأولادي وأقربائي ومعارفي عن سبب ابتعادي وتبرئي وحتى كفري بالإسلام وخاصة عند قراءتهم التعليقات على بعض المقالات والآراء والتي أنشرها في بعض المواقع الإلكترنية بعيدا عن الرقيب وعن مافيا "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". لذلك أورد هنا ما جاء على لسان عيد النور في هذا المجال، لعلّهم يعقلون ويتفكرون ويدركون حقيقة موقفي وسبب كفري بإله يختبئ تحت عباءة إبليس، فيتماثلان في التخطيط والتوعيد والتهديد والترهيب.
إليكم ما جاء في هذا الكتاب ص. 255:
"هناك في القرآن صفات تنسب إلى الله، وأحرى بها في الحقيقة أن تنسب إلى إبليس، بحيث يرى المرء تداخلا بين الله وإبليس. هل تصدّقون أن الإضلال الذي هو صفة رئيسية ثابتة من صفات إبليس ، ينسب في القرآن - نعم في القرآن – إلى الله بمقدار ما ينسب إلى إبليس؟ وللدلالة على ذلك نثبت في ما يلي سبعا من المثاني لنر مدى الاشتراك بين الله وإبليس في بعض الصفات.
الله إبليس "وَيًضلَّ الله الظالمين وبفعل الله ما يشاء" (14/27) "ولا تتبع الهوى فيضلّك (الشيطان) عن سبيل الله" (38/26) "فإن الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء" (35/8) " كَتب عليه أنّه من تولاّه (إبليس) فأنّه يَضلّه" (22/4) "ومن يَضلِلِ الله فما له من هادٍ" (13/33) "ويريد الشيطان أن يَضلّهم ضلالا بعيدا" (4/60) "أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللهُ" (4/88) " وقد أضلّ (الشيطان) منكم جِبِلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون" (36/62)
ولنر أيضا مدى الإشتراك بين الله وإبليس في تزيين أعمال السوء:
"إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زيّنا لهم أعمالهم" (27/4) "وزيّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون" (6/43) "كذلك زيّنا لكل أمة عملهم" (6/108) "وزيّن لهم الشيطان اعمالهم" (17/24) "ولكنّ الله حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم" (49/7) "قال (إبليس): ربِّ بما أغويتني؟ لأزيننّ لهم في الأرض ولأغوينّهم أجمعين" (15/39) وهنا يتساءل عبد النور: "والآن مَن المُضلّ ومَن المزيِّن: الله أم إبليس؟ وما الفرق بينهما؟ أنا حائر. فهل يشاركني الآخرون في حيرتي؟ وهناك صفات شريرة أخرى يشترك فيها الله مع إبليس مثل الإغواء: "ربِّ بما أغويتني؟"... "ولأغوينّهم أجمعين" (15/39). والفتنة: "ولقد فتنّا الذين من قبلهم" (29/3). "يا بني آدم لا يفتنّنكم الشيطان" (7/27)
ويستخلص عبد النور بقوله: "فإذا كان الإضلال والتزيين والإغواء صفات شريرة مشتركة بين الله و‘إبليس بنصِّ القرآن، فما الفرق إذا بين الله وإبليس؟ أفلا يدلّ ذلك على أن الله وإبليس كائن واحد؟ وعلى أن الله هو الجانب الخيّر من هذا الكائن. وأما إبليس فهو الجانب الشرير منه، أي على أنّهما وجهان لعملة واحدة؟"
وهنا يتوجه عبد النور إلى القراء المسلمين ويقول لهم: "وإن كنتم من شكّ من ذلكم فدونكم هذه الآية الطويلة لتروا ما إذا كان في الإمكان التفرقة فيها بين الله وإبليس، وبين الملائكة والشياطين قي القرآن:
وَاتَّبعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (2/102)
عن مضمون هذه الآية يسأل عبد النور نفسه ويسالنا بصدق مستحلفا: "قولوا لي بربكم: هل يفعل الشيطان أكثر مما يفعله هذان الملكان؟ هل يفعل إبليس أكثر مما يفعل الله الذي أنزل من السماء – نعم من السماء، صدّقوا أو لا تصدّقوا – هذين الملكين بمهمة مستعجلة خاصة ذات أهداف محددة محصورة في تعليم الناس السحر. لماذا؟ للتفرقة بين المرء وزوجه وتعليم الناس ما يضرّهم ولا ينفعهم. وبعد أن ينفثا فيهم روح الفساد ويقدّما لهم جميع الإغراءات والمحسنات لتزيينهم في نفوسهم، وبعد أن يتمكن منهم هذا الفساد، يخنسان كالثعلب ثمّ يحذرانهم من الإتيان بهذا الفن الشيطاني."
وهنا يتجاسر عبد النور ويسأل من يدّعي أنه الله؟ "من هو المجرم؟ اللصّ أم أنت الذي أغريتَه بالسرقة وهيأت له جميع اسبابها، ففتحت له الأبواب، وكشفتَ له الخزائن؟ ثم قلتَ له: إيّاك إيّاك أن تسرق شيئا. فسرق ما لذّ له وطاب من غير أن تأخذ على يده وتحول بينه وبين ما يريد؟ أليس هذا "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفُر. فلما كفر قال: إني بريء منك، إني أخاف ربّ العالمين" (59/16) ما حكم الفساد والإفساد والمفسدين في القرآن؟ "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" 7/56).
ويخلص عبد النور معلّقا: "في الكثير من آيات القرآن يجد المرء صعوبة بالغة في التفرقة والتمييز بين الله وإبليس. وعليه أن يكون مفتوح العينين، لا تعلوهما غشاوة إيديولوجية أو عمى ديني أو تشنّج مذهبي ليقرّ بالحقيقة الواقعة. أنا حائر حقا أمام هذه الآيات المضللة والمتناقضة والمكفرة. إذا كان المفسّرون الثرثارون يستطيعون بترقيعاتهم ومغالطاتهم المعهودة إنقاذها بسهولة وإيجاد ما لا حصر له من المخارج لها."
أنا مدين كثيرا لهذا المفكر العملاق الذي ثبّت بدراساته وتحاليله وعلمه القرار الذي اتخذته منذ أكثر من عشرين سنة بتطليق الإسلام. ولكن أفكاره المنوّرة دفعتني إلى الطلاق بالثلاثة. لقد شقّ الطريق أمام كثيرين من المسلمين القلقين والباحثين عن الحق والقادرين على رؤية النور والمتطلعين إلى غد أفضل لهم ولعيالهم ولمجتمعهم. نعم، أدركت كفاية أن لا فرق بين مفهوم الله ومفهوم الشيطان في القرآن، فهما وجهان لعملة واحدة.
ملاحظة:يستطيع القراء الإطلاع على كتاب عباس عبد النور على اللينك التالي وتنزيله، كما أرجو من موقع "الحوار المتمدن" أن يضيفه إلى لائحة الكتب المنورة التي ينشرها. http://annaqed.com/ar/content/show.aspx?aid=16001
#مدحت_محمد_بسلاما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|