مصطفى عنترة
الحوار المتمدن-العدد: 1045 - 2004 / 12 / 12 - 10:38
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
لماذا لم تصدر قيادة الاتحاد الاشتراكي بيانا واضحا ترد فيه على اتهامات البصري؟ وهل اليازغي لم يطرح الموضوع على رفاقه في المكتب السياسي؟ وهل مبرر ذلك هو الرغبة في انتظار ما سيفرزه اجتماع اللجنة الإدارية المقبل في حالة طرح هذا الموضوع ضمن جدول أعمالها؟ وإلى أي حد ستترك اتهامات البصري لليازغي آثارها السلبية على موقع الكاتب الأول للحزب خاصة في هذه المرحلة الانتقالية التي يعرفها الاتحاد؟ وهل سيتمكن معارضو سياسة اليازغي من استغلال المعطيات الجديدة الواردة ضده في استجواب البصري لإضعافه، وإحياء بعض الملفات العالقة؟ هذه الأسئلة وغيرها تشكل محاور هذه الورقة.
حظي محمد اليازغي، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، بنصيب وافر من الانتقادات التي وجهها إدريس البصري، وزير الدولة في الداخلية الأسبق، إلى بعض الفاعلين السياسيين ضمن مسلسل خرجاته الإعلامية التي تستأثر، هذه الأيام، باهتمام كبير من لدن قطاع واسع داخل الرأي العام المحلي والدولي من خلال التهافت الواضح لوسائل الإعلام الدولية المختلفة على معرفة ما تخبئه "علبة الأسرار" التي يتوفر عليها الرجل القوي على عهد الملك الحسن الثاني.
ـ النقطة التي أفاضت الكأس:
إذا كان المتتبعون والمراقبون للشأن السياسي يعرفون جيدا طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين الرجلين، وهي العلاقة التي كان يشوبها التوتر في محطات والانفراج في محطات أخرى، فإن الحدة التي ميزت تصريحات البصري بشأن اليازغي من جهة وردة الفعل القوية للسان حال الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من جهة أخرى تؤكدان درجة الحقد الدفين والصراع المضمر الذي كان بين الاثنين . ولعل النقطة التي أفاضت كأس هذا الصراع هي المقال المنشور في صدر الصفحة الأولى لجريدة الحزب والموقع باسم "رفيق عمر" ردا على مقال البصري الوارد بيومية " لوموند الفرنسية" في صفحتها الأولى حول موقفه من قضية الصحراء، ليعقب ذلك صدور سلسلة مقالات بجريدة الاتحاد الاشتراكي ردا على ما جاء في الحوار الذي خص به البصري كلا من "لاراثون الاسبانية" والأيام والذي أمطر فيه اليازغي بوابل من التقريع ولاذع من الانتقاد على خلفية أن هذا الأخير كان وراء المضامين الواردة في المقال الموقع تحت اسم "رفيق عمر". وهي الردود التي خلفت استياء واضحا داخل صفوف تنظيمات الاتحاد الاشتراكي باستثناء شبيبة الحزب التي خرجت ببيان شديد اللهجة اتجاه وزير الدولة في الداخلية الأسبق.
لماذا اختار اليازغي الرد على مقال "لوموند الفرنسية"؟ ولماذا لم تصدر قيادة الاتحاد بيانا واضحا في الموضوع؟ وهل اليازغي لم يطرحه على رفاقه في المكتب السياسي؟ وهل مرد ذلك إلى رغبة في انتظار ما سيفرزه اجتماع اللجنة الإدارية المقبل في حالة طرح هذا الموضوع ضمن جدول أعمالها؟ هذه الأسئلة-وأخرى من نفس جنسها- هي التي ثارت في أذهاننا ونحن نتابع هذه الردود والردود المضادة في حرب تفصح عن نفسها لأول مرة على صفحات الجرائد الوطنية والأجنبية.
ـ شخصنة الصراع:
من المؤكد أن اليازغي الذي شخصن تاريخيا صراعه مع البصري، يسعى اليوم جاهدا إلى نقل هذا الصراع إلى أجهزة الحزب من أجل التأكيد على أن حزب القوات الشعبية هو المستهدف بالدرجة الأولى وبأن كاتبه الأول هو المدافع عن القيم والثوابت الاتحادية، وهذا ما ظهر بداية من خلال بيان شبيبة الحزب الذي هاجم البصري وطالب بمحاكمته والكشف عن ثرواته وثروات أبنائه.. إلخ، فهل سيحاكي الكبار موقف الشباب؟!
يشهد المراقبون للشأن الاتحادي أن مؤسسة الكاتب الأول للحزب في عهد اليازغي لم تعد بالقوة التي كانت عليها في عهدي المرحوم عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي، قبل أن يتموقع الأول داخل رقعة الصراع في بداية سنوات الثمانينات في مواجهة رفاق أحمد بنجلون وعبد الرحمان بنعمرو والطيب الساسي.. ويتموقع الثاني في أواخر التسعينات وبداية القرن الجديد في مواجهة رفاق نوبير الأموي وعبد المجيد بوزوبع ومحمد الساسي.. وقبل هؤلاء في مواجهة مريرة مع الفقيه البصري انطلقت منذ منعت قراءة رسالة هذا الأخير الصوتية الشهيرة الموجهة إلى أعضاء المؤتمر الاستثنائي عام1975 إلى غاية محاولة إعاقة دخوله إلى أرض الوطن، مع التأكيد في هذا الباب على أن اليازغي كان دائما طرفا رابحا في الصراع داخل البيت الاتحادي، مما أفرز تنظيمات سياسية متعددة على يسار الاتحاد( الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، المؤتمر الوطني الاتحادي والوفاء للديمقراطية)!؟.
ذلك أن اليازغي وصل إلى الكتابة الأولى للحزب بعد توافقات سياسية داخلية لم تكن يد المخزن الطولى بمنأى عنها، وهو الشيء الذي ذهب في مسار مضاد لمصلحته في ترجمة مشروع الأرضية الاتحادية على أرض الواقع وتوحيد قوى اليسار المشتت وإرجاع الثقة والمصداقية إلى الحزب الذي أنهكته مشاركته الباهتة في حكومة التناوب التوافقي، وهذا الوضع جعل اليازغي في موقع هش حال دون إمساكه بزمام الأمور والسير بالحزب في الاتجاه الذي يطمح إليه الاتحاديون.
ومن جملة المسائل التي غذت هشاشة الكتابة الأولى أن "سلطة المعلومة" لم تعد محتكرة من طرف الكاتب الأول للحزب كما كان عليه الأمر إبان فترة بوعبيد واليوسفي اللذين كان القصر يطلعهما بشكل منتظم على القضايا الحساسة، وكانا بذلك يمثلان القناة الرسمية والوحيدة للتواصل مع الحزب، بل أصبحت اليوم مقتسمة بين قياديين داخل المكتب السياسي خصوصا منهم المقربين من دوائر القرار السياسي، وهذا مرده طبعا إلى استيطان واقع المصالح المتضاربة داخل القيادة الاتحادية، وإلى الصمت الذي لزمته بالمقابل مجموعة من الوجوه الاتحادية البارزة تاركة اليازغي وحيدا في معركته مع البصري وكأن الصراع فعلا شخصي لا يعني الحزب.. والأمر سيان حتى بالنسبة إلى الأسماء الاتحادية خارج الهياكل الحزبية كأحمد لحليمي، المندوب السامي للتخطيط، الذي يحظى برضى بعض الأطراف النافذة داخل دوائر الحكم، والذي كانت خرجاته الإعلامية محسوبة ومختارة بعناية في مواضيع حساسة كقضية الأمير مولاي هشام وتحرشات الجارة الجزائر والتصريحات المثيرة التي وردت على لسان إدريس البصري حول قضية الصحراء المغربية.. فالخرجة الإعلامية للحليمي على سبيل المثال كانت بإيعاز من الجهات التي يدين لها بالولاء وليس بدافع التضامن ومساندة رفيقه اليازغي.
معلوم أن العلاقة بين البصري واليازغي كانت دوما مشوبة بالتوتر في محطات معينة، وقد برزت على الواجهة الإعلامية في سنوات التسعينات من القرن الماضي، خاصة بعد فشل المفاوضات بين القصر الملكي والكتلة الديمقراطية حول إقامة حكومة التناوب الأولى بسبب خلاف تمثل ، ظاهريا، في رفض اليازغي الاشتغال إلى جانب شخص إدريس البصري؛ وفي محطة ثانية داخل حكومة التناوب التوافقي لكون البصري كان يرمز في نظر اليازغي إلى جيوب مقاومة التغيير من داخل الجهاز التنفيذي، وهي المحطة التي ابتدأت منذ حفل تسليم السلط بين الاثنين وتنظيم مناظرة الجماعات المحلية بالعاصمة الاقتصادية للمملكة الدارالبيضاء..، ثم في محطة ثالثة يمكن تحديدها زمنيا في ما بعد إقالة إدريس البصري، حيث ظهر التوتر مرة أخرى من خلال عدم مشاركة اليازغي في التكريم الذي أقامه الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي في منزله لتوديع الوزير المقال، حيث حضرت حفل الشاي مجموعة من الوزراء وشخصيات سياسية أخرى، وأخيرا- بعد هذه المحطات جميعها- من خلال تصريحات الرجل الأول داخل الاتحاد الاشتراكي التي أشار فيها إلى كون المخزن قد مات على خلفية إقالة وزير الدولة في الداخلية الأسبق.
لقد ظهر اليازغي سابقا في صور متعددة نذكر منها على وجه الخصوص صورة
الوزير الشعبي من خلال مهاجمته لرموز المخزن وحديثه عن ثروة القصر من القاهرة، وصورة الوزير الاتحادي القوي من خلال تدخله الشهير في المجلس الوزاري في قضية جزيرة ليلى، وصورة المناضل القاعدي من خلال ارتباطه بالتنظيمات الاتحادية، إذ كان يحرص- على هامش تحركاته الحكومية في العديد من الأقاليم- على تفقد أحوال الحزب والمساهمة في حل مشاكله على اعتبار أنه تميز بقوة إمساكه بتنظيمات الاتحاد. وهي الصورة التي حاول الحفاظ عليها حتى وهو على رأس الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي.
إن من شأن هذه الاتهامات والاتهامات المضادة أن تساهم في إضاءة العديد من الزوايا المعتمة في تاريخنا السياسي المعاصر اعتبارا لطبيعة النظام السياسي الذي يتسم بانغلاقه، فضلا عن كون قياداتنا السياسية والنقابية لا تجرؤ على تدوين وقائع وأحداث محطات تاريخية عاشتها عن كثب وكانت طرفا فاعلا في مجرياتها كما هو الحال بالنسبة إلى مولاي عبد الله إبراهيم، عبد الرحيم بوعبيد، المحجوب بن الصديق.. ولن نذهب بعيدا في هذا الإطار فملابسات المفاوضات التي جرت بين القصر الملكي وقادة أحزاب الكتلة الديمقراطية في بداية التسعينات من القرن الماضي لازال يشوبها نوع من الغموض من قبيل عدم وضوح ما يميز الشخصيات التي قادت عملية التفاوض، وخلفية اختيار بعض الأسماء بعينها ضمن مشروع حكومة التناوب التي كان التهييء لها بقيادة امحمد بوستة، ودور بعض الوجوه في هذه المحطة كرضا كديرة، السلاوي.. وهذا كله بهدف إنصاف الحقيقة التاريخية. إذن فتطاحنات الشيوخ من شأنها أن تنير سياسيا طريق الشباب، وهذا هو الأهم.
ـ الآثــار:
إلى أي حد ستترك اتهامات البصري لليازغي آثارها السلبية على موقع الكاتب الأول للحزب خاصة في هذه المرحلة الانتقالية التي يعرفها الحزب؟ وهل سيتمكن معارضو سياسة اليازغي من استغلال المعطيات الجديدة الواردة في استجواب البصري لإضعافه وإحياء بعض الملفات العالقة كملف دار النشر المغربية..؟
أثارت ردود الفعل على تصريحات البصري العديد من الاستفهامات لاعتبارات متعددة في طليعتها ضبابية هذه الردود، إذ لم تحمل أجوبة مقنعة وشافية عما قيل من كون اليازغي قدم شيكا على بياض لإبقاء اليوسفي في مدينة كان الفرنسية مقابل حصوله على حقيبة وزارة الخارجية وعلى منصب نائب للوزير الأول في حكومة التناوب عام 1994 التي ظلت مشروعا لم ير النور والتي كان مرشحا لرئاستها آنذاك الاستقلالي امحمد بوستة، ثم إن الموقف السياسي للحزب اتجاه هذه الحقائق ظل غير واضح لاسيما وأن الرجل كان يمثل حينها القصر الملكي في المفاوضات مع مسؤولي أحزاب الكتلة الديمقراطية، ويعرف أدق تفاصيل المرحلة السياسية.
لكن هناك من يرى أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يمنح الموضوع أهمية تذكر على اعتبار أن البصري قد انتهى سياسيا إضافة إلى أن الحزب في عهد اليوسفي دأب على عدم الرد عن مثل هذه الانتقادات، فيما يرى البعض الآخر أن مهمة الرد تكفلت بها جهات أخرى وبوسائل متعددة وأن سلسلة المقالات التي نشرت على صفحات جريدة الاتحاد كافية. وهنا تبرز هشاشة هذه التبريرات حسب المتتبعين الذين يرون أن سطرين حول عيسى الورديغي استدعيا من حزب صغير من حجم الحزب الاشتراكي الديمقراطي المشهور بمجموعة فندق حسان بعد انشقاقه عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي إصدار بيان يبرر مفهوم الحبة كما جاء على لسان البصري وإدلاء الأمين العام بتصريح صحفي في الموضوع، وكان أحرى بحزب كبير وصفه البصري بحزب الأمل والجماهير وصرح قبيل الانتخابات التشريعية الأخيرة بأنه سيصوت لصالحه، يكتفي بردود بدون هوية.
ولاشك أن حكماء الحزب الاتحادي فضلوا تجنب الدخول في هذه المعركة غير محسوبة النتائج، فرجل الشاوية لم يعد له ما يخسره وإذا كان قد صرح بأنه ليس أحمقا لإفشاء أسرار الدولة فقد يتحول إلى مجنون سيعري عورات بعض الفاعلين السياسيين خاصة وأنه قد أعطى إشارات في هذا الاتجاه تمثلت في "رداءة" اليازغي، و"حبة" الورديغي، و"كويميلة" الفاسي والبقية تأتي.
#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟