|
جعجعة بلا طحن
منى زكي
الحوار المتمدن-العدد: 1045 - 2004 / 12 / 12 - 10:36
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مَن شبّ على شيء، شاب عليه! وهذه الحكمة الصائبة تصلح خلاصة عادلة، ولكنها مضحكة مبكية، للمقال الذي نشره فيصل القاسم في العدد 1039 من "الحوار المتمدن"، والذي يتخيل فيه سيناريوهات عربية (ولكن ساخرة كوميدية) مماثلة للسيناريو الذي جرى في أوكرانيا وأسفر عن نجاح الجماهير في إلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية. ومثل استفتاءاته الزائفة في برنامجه الغوغائي "الإتجاه المعاكس"، وعلى غرار أسلوبه الديماغوجي في تسخين صراع الديكين ـ الضيفين في الأستوديو والديكة ـ المتّصلين هاتفياً (وهذه كذبة ممجوجة طبعاً، لأن "الجزيرة" هي التي تتصل تتفق معهم مسبقاً وتفتح لهم الخطّ)، وخصوصاً حين يكون الموضوع عراقياً ـ أمريكياً يلهب المخيلات المريضة والألسنة الذربة (مثل ذلك الرجل البدين الذي لا تكفّ "الجزيرة" عن عرضه وهو يتنافخ كالطبل: قال حتى لو تنحى صدام، فسندخل العراق)، وحين يقتضي تسخين الحلقة أن تبدو الأمور سوداء أو بيضاء فقط، وأن تتكشف مشاعر المشاركين "الغيورين" على الشعب العراقي عن كراهية دفينة لهذا الشعب تفوق كراهية الاحتلال الأمريكي ذاته... على هذا المنوال يتخيل القاسم في مقاله "فيفا أوكرانيا" خروج عشرات الآلاف من الجماهير العربية إلى شوارع العاصمة (أيّ عاصمة؟ لا نعرف، والقاسم لا يجرؤ على تسمية عاصمة واحدة!)، وتجمعها أمام البرلمان (أي برلمان؟)، ودعوة زعيم المعارضة (ما اسمه؟ أية معارضة؟) إلى الإضراب المفتوح، الخ... الخ... وصولاً إلى قول القاسم: "لا شك أنك بدأت تهرش رأسك أخي القارئ متسائلاً عن أي بلد عربي يتحدث الخبر العاجل أعلاه. هل أنا في علم أم في حلم؟ ولا شك أنك محق تماماً. أنك في حلم. فالأنباء التي أوردتها آنفاً بعد حذف اسم البلد تخص أوكرانيا ولا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب بأي دولة عربية". دمه خفيف، هذا المذيع اللوذعي، أليس كذلك؟ لو جاءنا المقال بتوقيع الأمريكي توماس فريدمان، لأدركنا بسهولة جملة الدوافع التي تجعل الكاتب يسخر من عالمنا، بوصفه ينتمي إلى عالم آخر تماماً. ولو جاءنا المقال بتوقيع كاتب أوكراني، لكان الأجدر بنا أن نقول: له الحقّ، والله، أن يسخر منّا! ولكن... هل ينتمي القاسم إلى مجرّة أخرى غير هذه التي نعيش عليها نحن المبتلين بهذه الأنظمة التابعة المستبدة الهزيلة العميلة؟ أليس حرياً بالقاسم أن يتحدّث عن رئيسه السوري بشار الاسد، الذي انتُخب بنسبة تزبد عن 97%، وقبله والده حافظ الاسد الذي لم يكن يُنتخب بأقلّ من 99%؟ أين كان القاسم حين حدثت أعمال تزوير الإرادة الشعبية هذه؟ ولماذا لم ينطق بكلمة واحدة ولم يكتب سطراً واحداً في الاحتجاج أو الاعتراض على هذه المباذل السياسية؟ لماذا هرول إلى بلدة القرداحة السورية وذرف الدموع في جنازة حافظ الأسد؟ ولماذا، قبلها، التمس مقابلة بشار الأسد (حين كان مجرّد إبن للرئيس، لكن خليفته المؤكد) ليتوسل إليه كي يعفيه من جرم التخلف عن خدمة العلم وعدم الوفاء بشروط البعثة الدراسية (درس القاسم المسرح في بريطانيا ببعثة حكومية سورية، ولكنه فضّل البقاء في بريطانيا وعدم العودة)؟ هل حياة القاسم أثمن من حياة عشرات المثقفين السوريين الذين جازفوا وجاهروا بمواقفهم، وأحسنوا استثمار وجودهم في المنافي، ولكن في أنظمة ديمقراطية، فكتبوا ضدّ النظام الدكتاتوري في سورية، وفضحوا جرائمه، ونظّموا عشرات الحملات في سبيل الدفاع عن معتقلي الرأي، وكشفوا النقاب عن مجازر النظام في حماه وحلب وجسر الشغور ودير الزور؟ متى وقّع القاسم على بيان واحد يتيم، لا من النوع الأقصى الذي يطالب بالتغيير الديمقراطي وقلب نظام الحكم، بل من النوع الذي يطالب فقط بحرّيات أساسية بسيطة مثل الحقّ في التظاهر مثلاً (وهو موضع سخرية القاسم!) أو التنظيم، أو التعبير؟ وكنّا سننحني احتراماً للقاسم، رغم غوغائيته وديماغوجيته وانتهازيته، لو أنه اضاف صفة "االسوري" إلى المفردات التي جاءت في مطلع مقالته الساخرة، بحيث تكون هكذا: خروج عشرات الآلاف من الجماهير السورية إلى شوارع العاصمة السورية، وتجمعها أمام البرلمان السوري، ودعوة زعيم المعارضة السورية إلى الإضراب المفتوح، وإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية السورية... الخ... الخ... وكنّا سننحني، حتى لو اضاف بعد العبارات السابقة: أنت في حلم اخي القارىء، وأنا أمزح معك ليس أكثر! وحتى يفعل القاسم هذا، أي القيام بواجب هو أضعف الإيمان في المحصلة، فإن كتاباته لن تكون أكثر من جعجعة بلا طحن، وكأنه لم يغادر استوديو برنامجه الذي يجعجع فيه مع ضيوفه، دون طحن أيضاً!
سانت لويس ـ ميسوري
#منى_زكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رفعت الأقلام وجفت الصحف
-
باقة ورود حمراء في سبعينية سعدي يوسف
-
أهذا هو ديمقراطي العراق الجديد؟
المزيد.....
-
مشتبه به بقتل فتاة يجتاز اختبار الكذب بقضية باردة.. والحمض ا
...
-
في ظل استمرار الحرب والحصار، الشتاء يضاعف معاناة نازحي غزة و
...
-
قصف إسرائيلي عنيف يزلزل الضاحية الجنوبية لبيروت
-
صدمة في رومانيا.. مؤيد لروسيا ومنتقد للناتو يتصدر الانتخابات
...
-
البيت الابيض: لا تطور يمكن الحديث عنه في اتصالات وقف النار ب
...
-
نائب رئيس البرلمان اللبناني: لا توجد عقبات جدية تحول دون بدء
...
-
استخدمت -القرود- للتعبير عن السود.. حملة توعوية تثير جدلا في
...
-
-بيروت تقابلها تل أبيب-.. مغردون يتفاعلون مع معادلة حزب الله
...
-
مشاهد للجيش الإسرائيلي تظهر ضراوة القتال مع المقاومة بجباليا
...
-
ماذا وراء المعارك الضارية في الخيام بين حزب الله وإسرائيل؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|