أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - ابو بكر جمعي - مأزق اليسار الحكومي في المغرب















المزيد.....

مأزق اليسار الحكومي في المغرب


ابو بكر جمعي

الحوار المتمدن-العدد: 236 - 2002 / 9 / 4 - 01:09
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


 


Aboubakr JAMAI

هل يعرف المغرب انتخابات حرة وشفافة للمرة الأولى منذ الاستقلال؟ ما انفك الملك وحاشيته يشددون على اهمية اقتراع تشرين الاول/اكتوبر. ففي خطاب العرش الاخير استرسل محمد السادس في الكلام عما سيشكل منعطفا اساسيا في الحياة السياسية في البلاد. وبعد نقاشات حادة وافق المجلس الدستوري على قانون الانتخابات ولم يوفر وزير الخارجية التوافقي ادريس جتو جهدا بغية التوصل الى اتفاق بين مختلف الاطراف.

ويشكل هذا الانتخاب اهمية مزدوجة بالنسبة الى الملك وهذا ما يردده باستمرار رئيس الوزرا السيد عبد الرحمن اليوسفي. واذا كان حزبه، الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية، قد قبل التناوب التوافقي على السلطة المقترح من الملك الراحل الحسن الثاني، فلكي يتحاشى "السكتة القلبية" الني كان يمكن ان يصاب بها المغرب بحسب قول الملك اثر تقديم احد تقارير البنك الدولي الى البرلمان المغربي في تشرين الاول/اكتوبر 1995. هكذا اصبح امرا حيويا بالنسبة الى الملكية اشراك المعارضة المسمّاة وطنية ـ اشارة الى جذورها الاستقلالية ابان الاحتلال الفرنسي ـ في ادارة شؤون البلاد. لان اقصاء الملكية للفئات الاكثر صدقية في المشهد السياسي يرغمها على ان تتحمل وحدها المحصلة السلبية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

كما يصبح من الضروري استدعاء النخب الجديدة القادرة على ادارة اكثر فاعلية للبلاد. لم تقدم مشاركة احزاب المعارضة القديمة حلا سحريا لمشكلات المغرب المزمنة. فمنذ ما يقارب العامين والاقتصاد ينمو بمعدل 2 في المئة وهي نسبة لا تكفي للحد من مستوى الفقر او حتى لامتصاص الوافدين الجدد الى سوق العمل. لا بل ان الوضع الاقتصادي والاجتماعي قد تقهقر في السنوات الخمس الاخيرة من مرحلة التناوب. فترى السلطة ان عليها عدم ترك اي طرف في الخارج من القادرين على استغلال نقمة المواطنين، باستثناء الاسلاميين من حزب "العدل والاحسان" بزعامة الشيخ عبد السلام ياسين.

اما الدافع الثاني للملكية في اجراء الانتخابات فهو التحول الديموقراطي في النظام. كانت شعبية محمد السادس تقوم في الاساس على رغبته المعلنة في مد يد المساعدة الى الفئات الاكثر حرمانا في صفوف الشعب. كما اتخذ الملك قرارات رمزية ترسخت في الاذهان فجاء إنهاء الاقامة الجبرية للزعيم الاسلامي الشيخ عبد السلام ياسين وعودة المعارض ابرهيم صرفاتي من منفاه الاجباري، ليغذيا الاعتقاد بالقطيعة مع الماضي. لكن القرار الاكثر اهمية كان ابعاد وزير الداخلية الواسع النفوذ السيد ادريس البصري. وقد كان رحيل الرجل الاول لدى الحسن الثاني مفاجئا فاعتبر الرأي العام ان التغيير حاصل (١).

لكن الآمال خبت للأسف، اذ تخدشت صورة الملك الديموقراطي الناشئة بسبب القمع العنيف غير المبرر للتظاهرات السياسية والمماطلة في ملف السجناء السياسيين السابقين والمخطوفين خلال الفترة المعروفة بسنوات الرصاص، اضافة الى الاعتداءات على حرية التعبير مع ايقاف العديد من الصحف. لذا فإن الانتخابات ستكون مناسبة للبرهان ان الديموقراطية تبنى بهدؤ لكن بثبات وخصوصا ان هذه الانتخابات تركّز نار الانتقادات على حكومة السيد اليوسفي.

يهدد تدهور الاحوال المعيشية لقسم كبير من السكان بالتحول الى اضطرابات اجتماعية. فتمرد 1981 في الدار البيضاء وذاك الذي حصل في فاس عام 1994 ما زالا ماثلين في الاذهان. في خطاب العرش التقليدي يوم 30 تموز/يوليو 2002 لم يتردد الملك في انتقاد الاوضاع الاقتصادية وقد ايدته الصحافة الرسمية. فالحكومة فشلت والواقع ان هذا المأخذ تجاه الاكثرية التي يترأسها رئيس الوزراء الاشتراكي ليس مبررا.

فإذا بدت حكومة السيد عبد الرحمن اليوسفي عند وفاة الحسن الثاني وكأنها تتمتع بهامش واسع للمناورة، فإن البلاط الملكي استعاد المبادرة الاقتصادية بعد بضعة اشهر. وفي العام 2002 فقدت هذه الحكومة المزيد من امتيازاتها في مجال الادارة الاقتصادية بعدما قرر الملك توسيع صلاحيات حكام المقاطعات المرتبطين بوزارة الداخلية. وجاء التجريد التدريجي للحكومة من صلاحياتها ليرتكز في شكل معلن على الحفاظ على المصلحة الاقتصادية العليا للبلاد. فكان التكنوقراط في البلاط الملكي يستجيبون لتذمر رجال الاعمال المحبطين بشدة من تردد حكومة اليوسفي بتجاوز دوائر هذه الحكومة والتوجه بمطالبهم مباشرة الى مستشاري الملك. هكذا فإن الاستثمارات الاجنبية المتركزة في صورة شبه حصرية في قطاع الاتصالات والتي درّت 33 مليار درهم (٣ مليار يورو) جاءت نتيجة قانون اقرته في اللحظة الاخيرة عام 1997 حكومة من التكنوقراط سبقت مباشرة عملية تداول السلطة. وكانت الاحزاب المشاركة في الائتلاف بقيادة اليوسفي قد صوّتت ضد المشروع مما يسهل كثيرا الامور امام الملكية.

من جهة اخرى، كان الحسن الثاني عند اقتراحه المناوبة السياسية على احزاب المعارضة ومنها الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية، قد اشترط الاحتفاظ بوصايته على الوزارات السيادية كما تسمّى، اي العدل والخارجية والداخلية والشؤون الاسلامية. وقد طلب تسمية الوزراء المسؤولين عنها، لكن المعارضة رفضت وقدمت مذكرة تطالب فيها بالتوازن بين سلطات الملك وسلطات البرلمان. لم يتنازل الملك في الرد على المطالب وعمد في 1996 الى تنظيم استفتاء حول دستور جديد يحفظ السلطة المطلقة للملكية.  وقد شاب الانتخابات التي تلت العديد من المخالفات استنكرها بيان لاحزاب المعارضة في كانون الثاني/يناير 1997 حمل توقيع السيد اليوسفي نفسه. لكن ذلك لم يمنعه من ترؤس حكومة كانت اربع من "الوزارات السيادية" فيها خارج رقابته تماما والحكومة منبثقة عن انتخابات مزورة  وتعمل بموجب دستور يحد كثيرا من سلطاته لصالح الملك.

في غياب نتائج ملموسة يمكن ان يثمّرها لصالحه لا يخرج حزب اليوسفي معافى من هذه التجربة. فقاعدته لا تتفهم جيدا التنازلات التي قدّمتها قيادته. وتحت ضغط هذه القاعدة وضغط الرأي العام والملكية، قرر رئيس الوزراء اخيرا عقد مؤتمر لحزبه في آذار/مارس 2002 بعد تأجيل دام عشر سنين. وقد قرر الجناح النقابي ومجموعة من المثقفين وحتى بعض القيادات البارزة الانسحاب من الحزب اعتراضا منهم على التلاعب الذي احاط بالتحضير لهذا المؤتمر وبمجرياته. وقد زادت هذه الانسحابات الواسعة من ضعف اليوسفي في مواجهة الملكية.

هنا ايضا تسبب رئيس الحكومة لنفسه بما لحق به من مصائب. فباختياره أن يلعب ورقة الجناح الامني في النظام تسبب في ابتعاد الديموقراطيين عنه. وقد وضع نفسه في موقف حرج عندما ترك الصحافة الحزبية تتهجم على الكابتن الشاب اديب وجريمته الوحيدة استنكار الفساد الذي يلطخ رؤساءه ممن حوكموا ودينوا، وعندما منع تكرارا صدور بعض الصحف (٢)، وعدم مواجهته اللوبيات الخدماتية وخصوصا لعجزه عن الدفاع عن تعديل الاحوال الشخصية للمرأة واقراره امام البرلمان بأن الملك وحده قادر على احراز تقدم في هذا الملف. وكان في ذلك كله يساعد المحافظين من غير قصد.

تبين ان الشراكة غير الطبيعية التي قامت عام 1997 ذات مردود سلبي، لذا يصعب في هذه الظروف التكهن بنتائج الانتخابات المقبلة. فتجمع الاحزاب اليسارية غير المشاركة في الحكومة ما زال حديث العهد وإن كان يتمتع بدينامية واعدة. من خلال تجميعه لقوى اليسار المتطرف قد يكون حزب اليسار الاشتراكي الموحد قد اعاد رسم الحدود ليسار أمين على مبادىء الديموقراطية والتقدم، ومن شأن النشوء المحتمل لحزب جديد مكوّن من مناضلين سابقين في الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية، ان يساهم في انبعاث يسار جديد.

بيد ان من غير المتوقع ان يسمح النظام بهذا التطور من دون مقاومة كون الخصوصية البارزة لهذا اليسار الجديد هي اطلاق النقاش في امتيازات الملك وتمركز السلطات الذي لا يمكن الا ان يفضي الى نظام الزبانية وتالياً الى انعدام الفاعلية الاقتصادية. والملكية لا تبدو مستعدة لاطلاق ادنى حوار حول هذه المسألة، لذا يطلب صراحة من المشاركين في الندوات السياسية المتلفزة اغفال الحديث عن التعديل الدستوري.

من جهة اخرى ما زالت حركة “العدل والاحسان” تعاني النبذ وخصوصا ان حزب الشيخ ياسين يرفض اعتبار الملك "اميرا للمؤمنين" كما يطالب بإعادة النظر في الدستور. والنظام لم يهادن ابدا الحركة الاكثر شعبية في الاوساط الاسلامية حيث اعقب اطلاق سراح زعيمها الروحي عمليات كوماندوس حقيقية ضد مطابع الحركة على أيدي قوات الامن على الارجح. فبات حزب “العدل والاحسان” بدون صحافة خاصة به، اضافة الى ما يتعرض له من مقاطعة وسائل الاعلام الرسمية وهي مقاطعة لم تلن بعد وفاة الحسن الثاني. وقد اعتمد مسؤولو "العدل والاحسان" خطة الانتظار خلافا للاسلاميين الرسميين في حزب "العدالة والتنمية" الممثلين في البرلمان منذ انتخابات العام 1997 ، لكن انشاء الحلقات السياسية مؤخرا داخل التنظيم يدل على تغيير في الاستراتيجيا وتبدو محتملة اكثر من الماضي مشاركة الاسلاميين الذين تناصبهم الملكية العداء في الانتخابات. 

وتمثل الانتخابات الحرة مرحلة ضرورية لكن غير كافية على طريق اي بناء ديموقراطي حقيقي. ضرورية لانها تتيح بروز طبقة من ممثلي الشعب الشرعيين الذين يدركون شرعيتهم ويكونون تالياً اكثر اصرارا على مطالبهم. لكن الانتخابات ليست كافية كون الدستور الذي تم التصويت عليه في استفتاءات زوّرت ارادة المواطنين، يعطي البرلمان والحكومة المنبثقة عنه دورا ثانويا.

واذا كانت المناوبة السياسية تعتبر بحسب ادعاء رئيس الوزراء مرحلة انتقالية على طريق الديموقراطية، فإن الهدف يبقى ايجاد دستور جديد يؤمّن توازن السلطات. لكن وللاسف فإن هذا المطلب الذي كان طاغيا في ما مضى على خطاب حزب اليوسفي بات اليوم في عداد النسيان. فاليسار الحكومي الذي دخل دوامة التسويات المؤدية الى التواطؤ في الغالب قد انقطع عن قاعدته واضطر للقبول بالايقاع الذي يفرضه الملك على الاصلاحات التي لا يمكن أحداً التأكيد انها قد تفضي الى نظام ديموقراطي في نهاية المطاف. ويمكن هذه المعطيات ان تتغير مع بروز قوى سياسية جديدة في اليسار او في الاتجاه الاسلامي.

 *مدير الاسبوعيات
1. اقرأ:
Ignace Dalle,  Le Maroc attend le grand changement  et Francis Ghiles,  Le pays entre dans la mondialisation par effraction , Le Monde diplomatique, juin 2001. 

 2. اقرأ:
Dérives autoritaires du gouvernement marocain , Le Monde diplomatique, janvier 2001.

 

 جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم
 



#ابو_بكر_جمعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -أخبرتني والدتي أنها عاشت ما يكفي، والآن جاء دوري لأعيش-
- لماذا اعتقلت السلطات الجزائرية بوعلام صنصال، وتلاحق كمال داو ...
- كيم جونغ أون يعرض أقوى أسلحته ويهاجم واشنطن: -لا تزال مصرة ع ...
- -دي جي سنيك- يرفض طلب ماكرون بحذف تغريدته عن غزة ويرد: -قضية ...
- قضية توريد الأسلحة لإسرائيل أمام القضاء الهولندي: تطور قانون ...
- حادث مروع في بولندا: تصادم 7 مركبات مع أول تساقط للثلوج
- بعد ضربة -أوريشنيك-.. ردع صاروخي روسي يثير ذعر الغرب
- ولي العهد المغربي يستقبل الرئيس الصيني لدى وصوله إلى الدار ا ...
- مدفيديف: ترامب قادر على إنهاء الصراع الأوكراني
- أوكرانيا: أي رد فعل غربي على رسائل بوتين؟


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - ابو بكر جمعي - مأزق اليسار الحكومي في المغرب