|
الخميس الاسود والدلالات السياسية للاحتجاجات الشعبية في الغرب الرأسمالي حالياً
جميل محمد جميل
الحوار المتمدن-العدد: 3518 - 2011 / 10 / 16 - 13:03
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بعد ازدهار اقتصادي كبير في بلدان العالم الراسمالي مطلع القرن العشرين ، كتب الفرد مارشال بعد الحرب العالمية الاولى الى اصدقائة جملة خاطبات اوضح فيها الاثار الحسنة والجمة للنظام الراسمالي وانها (أي الراسمالية) سوف تتبلور وتتطور لعالم سعيد كما تنبأ بها استاذه الاول ادم سمث وكان الرجل معجباً بما ال اليه الاقتصاد العالمي من تراكم لراس المال وازدهار ورقي التجارة الدولية ولم يدر في خلد مارشال ان هذا الازدهار ستعصف به السنوات المقبلة نتيجة للتناقض العضوي في الية النظام الراسمالي وجوهرها الدورات التجارية المتضادة لحركة هذا النظام كما وصفها سابقاً كارل ماركس الذي اكد في تحليلاته العلمية على ان هذه الالية لا يمكن لها ان تستمر الا بين ازدهار وكساد كل عقد من الزمان قد يزيد او ينقص عن ذلك ولا غرابة في ذلك بالنسبة لمارشال الذي كان معجباً بالنظام الراسمالي ومدافعاً عنه كما هو في حين ايده جون كينز شريطة الاستمرار باصلاحة باستمرار لضمان ديمومة بقاءه ولم تكن تفاءلات مارشال في مكانها حيث ان الامر قد اختلف لاحقاً فقد استيقظ الناس في الولايات المتحدة واوربا على هزة مالية عارمة اطاحت بالنظام الاقتصادي العالمي راساً على عقب وكان ذلك صباح يوم الخميس المصادف 24 اكتوبر من عام 1929 حيث انهار الاقتصاد المالي الراسمالي برمته واغلقت اكثر من نصف البنوك ابو ابها وتوقفت المصانع والمعامل عن العمل وعن دفع اجور العاملين واشرفت الصناعة على التوقف وانهار الاقتصاد العقاري وبلغت اعداد العاطلين الجدد عن العمل لاكثر من (15) مليون عامل في الولايات المتحدة الامريكية نفسها وكان التحصيل الحاصل لانهيار البورصات المالية ان وصلت قيمة الناتج المحلي الاجمالي الامريكي من (11) بليون دولار الى اكثر بقليل من (1) بليون دولار امريكي انذاك. في هذه الاثناء كان الاقتصادي الانكليزي جون كينز قد وصل الولايات المتحدة الامريكية ووصلت افكاره الى واشنطن لتقلب السياسات المالية القديمة راساً على عقب ، فكينز لم يكترث بتراكم الديون على الموازنة الامريكية واختلال اسعار صرف العملات الاجنبية وكان مخططه لحل الازمة المالية يتركز على ضرورة الموازنة ما بين الاستثمار والتوظيف من جهة واسعار الفائدة والادخار من الجهة الاخرى وجعل من هذه المتغيرات الاساس في النهوض بالاقتصاد الراسمالي من الكساد الذي وقع فيه وكان من جملة افكاره تتعلق بفك ارتباط سك النقود بالمتوافر من الذهب واشار الى ضرورة اصدار النقود دون الاكتراث الى المتواجد الاحتياطي الذهبي في المصارف ولعل غرضه من الاصدار الواسع للنقود كان منها خلق مجالات عمل واسعة للعاطلين وعلى ان تحسب الاموال الجديدة ديناً عل الموازنة تسدد لاحقاً عند حصول الرواج وبذلك تستطيع الحكومة ان تنفق على الكثير من المشاريع العاطلة والجديدة بغية خلق الطلب الفعال الذي سينعكس بالضرورة على المصانع والمزارع لتعيدة دورة نشاطها الانتاجي الا ان اراءه هذه لاقت مواجهة حادة في البداية ولا سيما من قبل محافظي المصارف الذين كانوا من المحافظين على السياسات المالية القديمة ولم يستوعبوا مسالة سك النقود بدون رصيد ذهبي. وفعلاً بدات الافكار التي طرحها كينز لمعالجة ظروف ازمة الكساد تنتشر بشكل سريع بين الاقتصاديين واصحاب القرار وبالرغم من المقاومة الشديدة التي يعرض لها مخطط كينز في مقترحاته لمعالجة تلك الازمة الا انها وبعد سنتين الى ثلاث من عام 1929 لاقت قبولاً في التطبيق من قبل الحكومات الامريكية والانكليزية والفرنساوية وغيرها. ولغرض بلورة افكاره الجديدة نشر كينز هذه الافكار في مؤلفه الشهير عن التوظيف والنقود واسعار الفائدة عام 1936 وكان ان بدات ماكنة الانتاج الصناعي والزراعي الامريكية بالدوران نحو الرفاه والرواج بالرغم من تضاعف اسعار الذهب من 35 دولار للانصة الى 70 دولار قبل الحرب العالمية الثانية. وكان من جملة المعارضين لمخطط كنز البروفسر فون هايك الاقتصادي وصاحب الصيت الذائع والذي كتب في حينها مؤلفه (طريق العبودية) ذكر فيه ان المبالغة في التخطيط (متهماً كينز وانصاره) يؤدي الى المبالغة في السلطة وعلى اعتبار ان تدخل الحكومة الواسع ابان الازمة من شانه ان يزيد من تسلطها من تسلطها على الاقتصاد والحريات العامة ولعل من ابرز ما ذكره هايك قوله انه لا يمكن لاي نظام اقتصادي اشتراكي ان يكون بدون شرطة سرية وان ليست هنالك حرية حقيقية بدون اقتصاد حر لكن الجدير بالذكر ان افكار كنز الاصلاحية الميالة لتدخل الدولة انتشرت بشكل كبير بعد عام 1936 في حين نسبت نظرية هايك في الديمقراطية التجارية وانتهت ازمة الكساد العظيم وعاد الاقتصاد الراسمالي منتعشاً من جديد من خلال مخطط كنز الاصلاحي الذي ربط بين المتغيرات الاقتصادية الكلية في الاقتصاد الراسمالي وهي الاستثمار والادخار والنقود واسعار الفائدة المصرفية. اما في بريطانيا فان مظهر تدخل الدولة في الاقتصاد المالي انذاك تجاوز مع ما حصل في الولايات المتحدة الامريكية حيث اقامت حكومة كليمنت اتلي العمالية انذاك اقتصاداً مختلطاً للكثير من النشاطات الاقتصادية لا سيما قطاعات السكك الحديد وصناعة الفحم وصناعة الفولاذ ولا تزال اثارها ومرتكزاتها قائمة الى الان. وكما كان البروفسور هايك خائفاً من تدخل الدولة واحتمالات سيرها نحو التخطيط فان الاقتصادي المعاصر ميلتون شارك سلفه الراي بان التخطيط الناجم عن تدخل الدولة يمثل تهديد للحرية والديمقراطية وردد اقوال سلفه بان ليس هنالك حرية دون اقتصاد حر. بعد بضع سنوات من انتعاش الاقتصاد الراسمالي في الولايات المتحدة والعالم حدثت الحرب العالمية الثانية 1939 التي شنتها المانيا النازية على جيرانها في اوربا والعالم وهنا اتيحت الفرصة كاملة امام الاقتصاد الامريكي للدخول في هذه الحرب ليس لسواد عيون الاوربيين (كما تشير معظم الادبيات السياسية) بقدر ما ان الفرصة كانت سانحة للاقتصاد الامريكي لتدوير عجلة ماكنته الانتاجية بشكل سريع جداً عن طريق الصناعات الحربية والمدنية لذلك ما ان وضعت الحرب اوزارها عام 1945 خرج الاقتصاد الامريكي عملاقاً يمتلك في ايديه اكثر من 70 % من ذهب العالم وكان ناتجها الاجمالي يعادل النواتج الاجمالية لمعظم دول اوربا بما في ذلك الاتحاد السوفيتي السابق على ان الانتعاش الامريكي لم يدم طويلاً اذ بدات بوادر الانكماش الاقتصادي العالمي تدور في الافق مرة اخرى مطلع الخمسينات من القرن الماضي ابان عهد الرئيس الراحل دوايت ايزنهاور وظهرت حالة جديدة من الازمة الاقتصادية اطلق عليها في حنيها ظاهرة الكساد التضخمي (Stagflation) والتي تمتزج فيها مسببات واثار الكساد مع مسببات واثار التضخم الاقتصادي وهذا الاصطلاح هو جديد في القاموس الاقتصادي. الى هنا نكتفي بما ورد عن طبيعة النظام الراسمالي والقائم على الدورات الاقتصادية ما بين رواج وكساد الامر الذي تحتم عليه في النهاية الاستمرا في اصلاحه وتحريكه باستمرار ولعل اختلاق الازمات السياسية الدولية والحروب لتحريك عجلة الاقتصاد فيه باتت السمة الملازمة له. ان هذه الازمات مردها يعود الى الطبيعة المورثة للاقتصاد الراسمالي التي تجعله يمر بدورات تجارية تكاد تكون منتظمة بين كل 8-11 سنة تقريباً واول من قام بتحليلها علمياً الاقتصادي المعروف كارل ماركس حيث يعزو هذه الى الطبيعة الموروثة في عضوية الاقتصاد الراسمالي الذي تجعله يمر بين فترات من الكساد والرواج تحتم عليه في النهاية الاستمرار باستعمار البلدان الاخرى للتخلص من الاثار السلبية لمشاكل الكساد. وما كان على جون كينز الا بتحليل هذه الظاهرة من خلال المتغيرات الاقتصادية الكلية للنظام الراسمالي وهي العلاقات بين الاستثمار والادخار واسعار الفائدة وعلاقتهما بالمعروض النقدي والطلب الكلي الفعال للاقتصاد الراسمالي. لذلك فلهذا الرجل فضل كبير في تعديل مسيرة الراسمالية وفقاً لمنهج علمي متسلسل لاحقاً ولا غرو في ذلك فقد كان العراب الاول لمثل هذه الاصلاحات وكذلك من خلال مساعدته لاحقاً لانشاء الاذرع الرئيسية للاقتصاد الراسمالي الجاري عام 1944 (وهي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنظمة العالمية للتجارة) والتي لا تزال تعتبر الركائز الضامنة لاستمرار النظام الاقتصادي الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية في ظل الظرف الراهن. واخيراً لا بد من الاشارة الى ان هذا التحليل التاريخي لا زال فاعلاً ويشكل اساساً علمياً لتشخيص الازمة المالية المعاصرة التي يتعرض لها النظام الراسمالي العالمي حاليا والتي قد يطول مداها نتيجة تغير المعطيات الحياتيه الجارية.
#جميل_محمد_جميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل سيلتهم التضخم رواتب الموظفين والمتقاعدين
-
ملاحظة عن دور اقتصاد السوق الزراعية الحالية في تحقيق الكفاءة
...
-
الإصلاح الاقتصادي في العراق ودور صندوق النقد الدولي IMF
المزيد.....
-
بيان تضامني مع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
-
وفد من حزب تركي مؤيد للأكراد يزور أوجلان في سجنه
-
فيدان لبلينكن: -لا يمكن السماح- بوجود مقاتلين أكراد في سوريا
...
-
-حسب الأحوال الجوية-.. حزب تركي مؤيد للأكراد ينال موافقة على
...
-
احداث سوريا ومنطقة الشرق الأوسط مابعد سقوط نظام الاسد
-
تصريح الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع حول المحاك
...
-
جريدة الغد الاشتراكي العدد 44
-
تركيا تسمح لحزب مؤيد للأكراد بزيارة عبدالله أوجلان
-
الدفاع التركية: تحييد 14 عنصرا من -حزب العمال الكردستاني- شم
...
-
-حل العمال الكردستاني مقابل حرية أوجلان-.. محادثات سلام مرتق
...
المزيد.....
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
المزيد.....
|