|
العرب والقوميات الأخرى
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3518 - 2011 / 10 / 16 - 10:51
المحور:
ملف حول قيام الدولة الفلسطينية و القضية الكردية وحقوق الأقليات وحقها في تقرير المصير في العالم العربي
نحن نعاني أبنية اجتماعية تشكلت لأسبابٍ مركبة واستمرت قرونا، وتغييرها يحتاج وقت إلى وإنتاج وعي ديمقراطي عربي، وقومي متعدد، وإنساني. القبائلُ العربيةُ التي أسستْ البلدانَ العربية المختلفة وأسهمتْ في تشكيل تاريخ المسلمين وهم القوميات الأخرى، توحدتْ وتصارعتْ وتمازجت مع الشعوب القديمة. الشكلُ الإمبراطوري ذاته الموروث كان لابد أن يتكون من خلال أدوات التحكم المختلفة: الجيوش، والمذهب، والخلافة. وهي عناصرٌ تشكلُ طبقات صغيرة فوقية من الصين حتى افريقيا. حين نرى ألوانَ الخريطة الأرضية نجد بلادَ المسلمين باللون الأصفر الغالب، وهو لون الصحارى التي انبثقوا منها وتشكلت علاقاتُهم الأبويةُ الأساسيةُ المطردة فيها. فيما أن اللونَ الأخضرَ قليلٌ وهو لونُ المناطق الزراعية، التي مثلتْ ألواناً أخرى لقوميات وأديان ومذاهب مختلفة ومتداخلة مع اللون الأساسي. في كل تاريخهم لم تتشكل علاقات ديمقراطية بين الحكام والمحكومين، بين الطبقات السائدة والمسودة، بين القومية المسيطرة والقوميات المُسيَطر عليها، بين جنس الذكور الغالب وجنس النساء المغلوب على أمره. جملةٌ من العلاقات الاجتماعية تحتاج إلى تحول، وكلها تتداخل وتتأزم وتتفجر، وهي تتكون في ظل القوميات العربية والتركية والكردية والفارسية والافريقية والأمازيغ وغيرها وهي في حالات تبعية للقوى المهيمنة عالميا كذلك. كما تتفجر في ذات الوقت قضايا الأديان والمذاهب نظراً لأنها كغيرها لم تُحل خلال القرون السابقة، وهي أيضاً تدخلُ في صراعاتِ القوميات والهيمنات الغربية والشرقية المختلفة. جملة من التداخلات الصراعية والقوى السياسية تتخذ مواقفها بأشكال متعددة وغالبيتها تجري نحو مصالح جماعاتها السائدة الراهنة، والحلول الجذرية مؤجلة. لكن لابد من سل مختلف الخيوط الملونة المتداخلة من تشابكها، فكلُ بنية عربية لها تاريخها الخاص ضمن ذلك العام السابق ذكره، وكل بُنية لها صراعاتها وسماتها وقومياتها المتداخلة ونمو طوائفها الخاص، فلابد من حل مشكلات كل بنية حسب تطورها الديمقراطي العام، وهو أمر تقوم به القوى الاجتماعية والسياسية في كل بلد. إن فك ارتباط القوميات والأديان والطبقات بأجهزة الدول المطلقة هو الحل العام الذي ينبغي أن يجرى حسب التطور الديمقراطي لكل بلد. وليس من المعقول أن تضطهد ديانة مثل الديانة المسيحية في مصر كما جرى خلال قرون سابقة، وليس من المعقول أن تتغلغل الثورة الديمقراطية الراهنة في مصر لمثل هذه الجذور التاريخية بالفهم والتصحيح، من دون أن تتحول مثل هذه الصراعات الدينية إلى عرقلة للتطور السياسي للمواطنين الذين يجب أن يكونوا مواطنين أمام القانون وليس مسلمين أو مسيحيين. إن وضع الأمازيغ في شمال افريقيا حيث هم مواطنون من الدرجة الثانية هو مرفوض كذلك، وهنا تلعب الجذور القومية لا الدينية كأسباب للتمايز الاجتماعي بين المواطنين. كل العلاقات الدينية والقومية يسودها هذا، وهي من الممكن أن تُختطفَ وتُجير ليس لصالح تطورها الديمقراطي، عبر تفكيك الدول الوطنية ذات المذاهب الإسلامية المتعددة والدول القومية ذات القوميات العربية وغير العربية المختلفة. إن الجماعات السائدة أغلبها غير ديمقراطي ويريد استغلال أي علاقة متجذرة قديمة أو تحولات راهنة من أجل الفوائد السياسية السريعة. لكن أي تحولات تمزيقية للخرائط السياسية للدول وراءها كوارث وحروب، والمسار الحقيقي هو نشر ثقافة ديمقراطية بين الجماعات السياسية والجمهور، ثقافة ديمقراطية علمانية إنسانية توجه أنظار الشعوب نحو مصالحها المشتركة وبرامج حياتها الاقتصادية الاجتماعية، بدلاً من النفخ وتسعير الخلافات القومية والمذهبية والدينية. هناك جماعات كثيرة تستفيد من جذور الماضي ومشكلاته من أجل حراكها السياسي الانتهازي، ولم تفعل على مدى سنوات لنشر ثقافة ديمقراطية وطنية، أو تعمل على إصلاح أحوال الجماهير الشعبية التي عانت وتعاني قضايا الفقر والبطالة والتهميش من قبل المراكز، ولكن التعجيل وسلق التطور والركوب على أكتاف الجمهور المعوز لن ينتج لهذه القوى أي سلام وتقدم قادمين. مسائلُ الأديانِ والمذاهب وما يرتبطُ بها من أحوال شخصية ومسائل عبادة يجب أن تُبعد عن الحياة السياسية، وبناء الحاجز بينهما مسألة تحتاج إلى سنوات طويلة، تشتغل فيها قوانين ودراسات ونشر وعي دائب وبعيد المدى. إن التسرع في تفكيك الدول والخرائط السياسية وإنشاء الأقاليم المنفصلة، هو رد فعل لعصر سابق من الشموليات، والبديل هو نشوء الأمم الحرة المتعاونة، بأن تقبل كل أمة بحرية الأمة الأخرى، مثلما هي منظومات الدول الديمقراطية الحديثة حيث ينشأ تعاون خلاق، بدلاً من قيام كل شعب بمنع تطور لشعب آخر، ويتم كتم أمم تتوق إلى الحرية. وهذا أمر لا يحدث إلا في أنظمة التعصب والمغامرات والتحكم القسري بالشعوب. لكن هذه الصورة المثالية تحتاج إلى نضالات طويلة ومعرفة واسعة لدى جماهير الشعوب في المنطقة تمنعان جنون الانزلاق للحروب والصراعات.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تطوراتٌ متسارعة وقفزات
-
الشعبُ السوري افترسوهُ وحيدا
-
القومية والمراجعة التاريخية
-
العربُ أمة غيرُ مركزية
-
التشكيلةُ والسياسةُ الإصلاحية
-
المغامرات الإيرانية وتحديات السلام
-
الثورة السورية ومصير النظام
-
الصراعُ العالمي الرئيسي
-
أفكارٌ تلتف على رقابِ الشعوبِ
-
خيارُ الليبراليةِ المنتجة
-
العصرُ البرونزي في البحرين
-
الجزيرة العربية وقوانينها
-
شعرةٌ بين الوطنيةِ والطابور الخامس
-
إنتاج وعي نفعي مسيس
-
هل يتمردون على ولاية الفقيه؟
-
البُنى العربيةُ والثورات
-
عواصف كونية على العرب
-
اليسارُ العراقي يناضلُ بوطنيةٍ ديمقراطية
-
مشروعان لا ثالثَ لهما في البحرين
-
الأنواعُ الأدبية والفنية والديمقراطية
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
حق تقرير المصير للإثنيات القومية، وللمجتمعات حق المساواة في
...
/ نايف حواتمة
-
نشوء الوعي القومي وتطوره عند الكورد
/ زهدي الداوودي
-
الدولة المدنية والقوميات بين الواقع والطموح
/ خالد أبو شرخ
-
الدولة الوطنية من حلم إلى كابوس
/ سعيد مضيه
-
الربيع العربي وقضايا الأقليات القومية
/ عبد المجيد حمدان
المزيد.....
|