رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3518 - 2011 / 10 / 16 - 02:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بقلم/ رياض خليل
الجمعة 14/10/2011
النظام السوري: الحل هو المشكلة !
الحل الأمني هو المشكلة ! والمغالطة المنطقية للمصطلح صار نوعا من اللغو الذي أصاب الناطقين إعلاميا باسم المعارضة السورية . إنه لتناقض منطقي صارخ أن نقول: حل أمني ، خصوصا بالنسبة للوضع في سوريا . لأن الحل الأمني هو المشكلة المستفحلة منذ أربعة عقود ،والتي تحتاج إلى حل ، ولهذا علينا أن نقول: خيار أمني ، وليس حل أمني ، وهذا هو الأصح والأدق علميا وموضوعيا .
طنجرة الضغط التي عطل جهاز إنذارها
في عهد الأسد الجديد ، وبعد إرهاصات الربيع السوري ، عمد النظام إلى المراوغة والخداع والمناورة ، وأجهض تلك الإرهاصات الربيعية الغضة والطرية وهي في المهد ، وبذلك سد المتنفس الوحيد لطنجرة الضغط السياسية الاجتماعية السورية ، وعطل حتى جهاز إنذارها ، وبالغ وأفرط وتعصب للخيار الأمني العسكري الاستخباراتي الذ ي كان قد أسس له الأسد الأب وتابعه ورعاه وفضله في مرحلة تاريخية ملائمة ومواتية ، ومع ذلك كان الأسد الأب يحافظ على المتنفس وجهاز الإنذار ويحرص على صيانتهما بفضل حدسه وحسه السياسي المرهف كالرادار ؟
انفجار طنجرة الضغط السياسية
ولكن الأسد الإبن استهان واستهتر .. وتخلى عن الرادار ، في مرحلة تاريخية مختلفة عن مرحلة أبيه ، وغير مواتية كما كانت مرحلة أبيه ، وهو مايجعل من باب أولى أن يحافظ الإبن على خط الرجعة ويتابع خط الأب بطريقة إبداعية خلاقة قادرة على التكيف مع المستجدات والمتغيرات التاريخة الحاصلة على الساحة الداخلية والإقليمية والدولية ، وهو مالم يحصل بحال من الأحوال ، وهو السبب الذي انتهى إلى انفجار الطنجرة السياسية بصورة عنيفة ودراماتيكية وتراجيدية .
في سوريا خيارأمني وليس حل أمني
في سوريا يوجد خيار أمني/عسكري ، وليس حل أمني ، وهذا الخيار (الحل) كما يحلو لأهل النظام أو لمعارضيه أن يسموه ، هو مشكلة وليس حلا ، بل هو المشكلة بعينها ، بل هو لب المشكلة ، ومشكلة المشاكل ، والسبب الأول والرئيسي لاندلاع الثورة السورية ، هذه الثورة التي هدفها الرئيسي إسقاط الخيار الأمني والنظام الأمني برمته ، لأنها تعتبره جرثومة الاستبداد والديكتاتورية ، التي لاحياة ولابقاء له بدونها . نعم .. النظام ومنذ البداية .. ومنذ أن نشأ وترعرع وتقوى وحتى هذه اللحظة اعتمد الخيار الأمني / العسكري طريقا وأسلوبا وأداة للحكم والتحكم بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية برمتها . وتمكن من تحقيق ذلك بنجاح كبير بفضل الشروط الموضوعية والذاتية الداخلية والخارجية ، والتي كانت مواتية تماما لمثل هذا النجاح الذي برز من خلال التحول إلى نظام شمولي مسيطر على كل مكونات وجزئيات وتفاصيل الحياة في سوريا ، وإلى درجة لم تعد محتملة بالنسبة للناس والعالم ، وتحول إلى مايشبه طنجرة الضغط ، التي بعد أن كان لها متنفس وجهاز إنذار للوقاية من الانفجار .. جاء بشار الأسد وسدّ المتنفس الوحيد وعطل جهاز الإنذار الوحيد .. اللذين بهما يمكنه أن يحتاط ويتقي انفجار طنجرة الضغط ( الثورة ) ،
مرحلتان مختلفتان وسياسة واحدة
النظام الحاكم في سوريا مر بمرحلتين مختلفتين بكل المعايير والمعطيات : مرحلة الأسد الأب ، ومرحلة الأسد الإبن . ولكن الأخير تابع أسلوب والده ومنهجه السياسي الذي لم يعد يصلح للمرحلة التاريخية الجديدة ولايلبي احتياجاتها واستحقاقاتها ، ولايتلاءم مع معطياتها وضروراتها ومتطلباتها . واستمر الاسد الإبن يتعاطى مع الواقع الجديد بالنهج والأدوات القديمة التي لاتصلح بحال من الأحوال لمعالجة الأوضاع التاريخية الجديدة في سوريا . ماتسبب في إشكالية تناقضية : هي عدم صلاحية السياسة التي كانت متبعة في عهد الوالد .. لمرحلة تاريخية مختلفة وجديدة وراهنة في ظل حكم الأسد الإبن ، ماأدى إلى تراكم الفشل واستفحال المأزق والأزمة ... ومن ثم الانفجار المروع .
زوبعة الثورة
وكان أن حدث المحظور والمتوقع ، واندلعت زوبعة الثورة ، وانتشرت كالنار في الهشيم على امتداد الجغرافيا السورية . كل ذلك بفضل القطع مع أي حل سياسي .. ولو على الطريقة " الميكافيللية " ! لقد أدار نظام الأسد الجديد ظهره تماما وكليا للمجتمع والسياسة والعالم ، وتمسك واكتفى بالخيار الأمني – العسكري – الاستخباراتي في كل مايتعلق بالحياة الوطنية والإقليمية والدولية ، معتمدا في ثقته بالخيار المذكور على نجاحات وخبرات والده في ظروف ومرحلة تاريخية مختلفة تماما وجذريا عما كانت عليه في عهد الأب . وهنا بالضبط يكمن لب المشكلة ومنطلقها ، هنا الإشكالية التي لاحل لها إلا بالثورة والتغيير أو غير ذلك من مسميات تفضي جميعها إلى هدف مشترك .
النظام السياسي في سوريا رأس بلا جسد
النظام السياسي في سوريا وبسبب تخلقاته القديمة والجديدة ، تحول إلى شكل أو هيئة مشوهة الصورة إلى درجة الشذوذ ، حيث أصبحنا أمام جسد سياسي سلطوي ضامر وضئيل الحجم وضعيف الفعل والدور والوظيفة ، يتبع الرأس المتضخم والمتورم إلى درجة يكاد يطغى عل الجسد ويحجبه كليا عن العين .
لقد تضخم رأس وتورم على حساب باقي الجسد السياسي/ الاجتماعي ، وبدا المشهد كاريكاتوريا ومأساويا في آن معا . وكأني به – أي النظام – اصبح رأسا بلاجسد ، أو مع جسد ضئيل صغير يكان حجمه لايرى بالنسبة لحجم الرأس : ويتمثل الرأس حصرا بفردية واستفراد مطلق بالسلطة الكلية الشاملة لكل الصلاحيات كبيرها وصغيرها ، وهو مالايساعد على الحكم حتى في ظل أشد النظم استبدادية في التاريخ ، وبهذا يخلق النظام بنفسه الأسباب الموجبة للثورة ، وهي الرد الحتمي والوحيد على نظام كهذا النظام السائد في ظل الأسد الإبن حتى الآن . وهذا مايؤكد عجزه وعدم أهليته للبقاء والاستمرار بأية صيغة ، وتحت أي مسمى كان أو سيكون ،
المشكلة والحل من إنتاج النظام نفسه
المشكلة ( النظام ) والحل ( الثورة ) كلاهما من إنتاج النظام والسلطة الحاكمة في سوريا . إنهما من تخليقات النظام وإنتاجه .
وإذن فالمشكلة هي في النظام .. في جوهره وبنيته وذاته السياسية – الأمنية ، المشكلة هي من تخليقات النظام وإنتاجه ، وليست خارجه ، وبالتالي هو المسؤول الوحيد عن المآل والنتائج مهما كان الثمن المطلوب دفعه ، وما الثورة سوى الحل الوحيد للمشكلة ، وهي أيضا من إنتاج النظام الحاكم ، الذي صنع ويصنع نهايته كما صنع بدايته ، وهذا قدر لامفر أومهرب منه
إنها الثورة : النهاية القاسية المأساوية لمسرحية النظام الاستبدادية التي دامت أربعة عقود .
#رياض_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟